سرايا - زاد الاهتمام الإعلامي بمحكمة العدل الدولية في كانون الثاني الحالي، في أعقاب قرار جنوب إفريقيا برفع دعوى ضد الاحتلال الاسرائيلي تتهمها بارتكاب جريمة "إبادة جماعية" ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.

وفي حدث تاريخي، يمثُل الاحتلال، القوة القائمة بالاحتلال، الخميس لأول مرة، أمام محكمة العدل الدولية في مدينة لاهاي الهولندية، في دعوى قدمتها ضدها دولة جنوب إفريقيا تتهمها بارتكاب جريمة "إبادة جماعية" ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.



وقدمت جنوب إفريقيا، في 29 كانون الأول الماضي، طلبا من 84 صفحة إلى محكمة العدل الدولية لبدء إجراءات ضد الاحتلال، مؤكدة أن "أفعال إسرائيل وأوجه تقصيرها تحمل طابع إبادة؛ لأنها مصحوبة بالنية المحددة المطلوبة (...) لتدمير فلسطينيي غزة كجزء من المجموعة القومية والعرقية والإثنية الأوسع أي الفلسطينيين" حسبما أفادت محكمة العدل الدولية في بيان.

وقالت المحكمة الدولية ومقرها لاهاي، إنها ستعقد جلسات علنية في الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا على الاحتلال بشأن حربها على قطاع غزة يومي 11 و12 كانون الثاني الحالي.

وطلبت جنوب إفريقيا من المحكمة إصدار أمر عاجل يعلن أن الاحتلال تنتهك التزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948.

ومنذ السابع من تشرين الأول الماضي، يشن الاحتلال عدوانا مدمرا على قطاع غزة، أدى في حصيلة غير نهائية، إلى استشهاد أكثر من 23 ألف فلسطيني، وإصابة 58 ألفا على الأقل، أكثر من 70% منهم نساء وأطفال، وأكثر من 7 آلاف شخص في عداد المفقودين تحت الأنقاض، إضافة إلى ما خلفه العدوان من دمار هائل في البنية التحتية وكارثة صحية وإنسانية غير مسبوقة.

فيما يلي استعراض لدور محكمة العدل الدولية والدور الذي تقوم به وكيفية عملها من خلال الإجابة على 6 أسئلة مهمة.

ما الغرض من محكمة العدل وكيف تعمل؟

تأسست محكمة العدل الدولية، التي يقع مقرها في قصر السلام في مدينة لاهاي بهولندا، عام 1945 كوسيلة لتسوية النزاعات بين الدول. وتقدم المحكمة أيضا آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي أحيلت إليها من قبل أجهزة الأمم المتحدة الأخرى المعتمدة.

تُعرف محكمة العدل الدولية على نطاق واسع باسم "المحكمة العالمية"، وهي واحدة من الأجهزة الرئيسية الستة للأمم المتحدة، التي تشمل الجمعية العامة، ومجلس الأمن، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الوصاية، والأمانة العامة. كما أنها الجهة الوحيدة من الأجهزة الستة التي لا يوجد مقرها في نيويورك.

وعلى عكس محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، فإن محكمة العدل الدولية ليست محكمة عليا يمكن للمحاكم الوطنية أن تلجأ إليها، فهي لا تستطيع النظر في النزاع إلا عندما يُطلب منها ذلك من قبل دولة واحدة أو أكثر.

وتتألف المحكمة من 15 قاضيا، يتم انتخابهم لولاية مدتها تسع سنوات من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتجرى الانتخابات كل ثلاث سنوات لثلث المقاعد، ويجوز إعادة انتخاب القضاة المتقاعدين. ولا يمثل أعضاء المحكمة حكوماتهم، بل هم قضاة مستقلون، ولا يوجد سوى قاض واحد في المحكمة من أي جنسية.

وتبدأ القضايا عندما تقوم الأطراف بتقديم المرافعات وتبادلها والتي تحتوي على بيان تفصيلي للوقائع والقانون الذي يعتمد عليه كل طرف، ومرحلة شفهية تتكون من جلسات استماع عامة يخاطب فيها الوكلاء والمحامون المحكمة.

وتقوم البلدان المعنية بتعيين وكيل للدفاع عن قضيتها، وهو شخص يتمتع بنفس الحقوق والالتزامات التي يتمتع بها المحامي في المحاكم الوطنية.

وفي بعض الأحيان، قد يدافع أحد السياسيين البارزين عن بلاده، كما كان الحال في قضية غامبيا/ميانمار في عامي 2019 و2020، حيث تميزت تلك القضية، التي رفعتها غامبيا، بظهور أونغ سان سو تشي، الزعيمة المدنية لميانمار آنذاك، في لاهاي للدفاع عن بلدها.

وبعد هذه المرحلة، يتداول القضاة على انفراد خلف أبواب مغلقة، ومن ثم تصدر المحكمة حكمها. ويمكن أن تتراوح المدة الزمنية التي يستغرقها هذا ما بين بضعة أسابيع وسنوات عدة.

لماذا تعتبر محكمة العدل الدولية مهمة؟

محكمة العدل الدولية هي المحكمة الدولية الوحيدة التي تتولى تسوية النزاعات بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة. وهذا يعني أنها تقدم مساهمة مهمة في السلم والأمن العالميين، وتوفر وسيلة للدول لحل القضايا دون اللجوء إلى الصراع.

ما نوع القضايا المرفوعة أمام المحكمة؟

يمكن للمحكمة أن تحكم في نوعين من القضايا، وهما "القضايا الخلافية" وهي نزاعات قانونية بين الدول؛ و"الإجراءات الاستشارية" وهي طلبات للحصول على فتاوى بشأن المسائل القانونية المحالة إليها من أجهزة الأمم المتحدة وبعض الوكالات المتخصصة.

والدعوى التي قدمتها جنوب إفريقيا ضد الاحتلال في 29 كانون الأول 2023 هي المرة الأولى التي يتم فيها رفع قضية خلافية ضد الاحتلال في محكمة العدل الدولية.

يذكر أنه في 2004 خلص رأي استشاري للمحكمة إلى أن الجدار الذي بناه الاحتلال في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية وحولها والنظام المرتبط به، يتعارض مع القانون الدولي.

ووفقا للدعوة التي تقدمت بها جنوب إفريقيا، فإن أفعال الاحتلال "تعتبر ذات طابع إبادة جماعية، لأنها ترتكب بالقصد المحدد المطلوب" لتدمير الفلسطينيين في غزة كجزء من القومية الفلسطينية الأوسع والمجموعة العرقية والإثنية.

كما تشير الدعوى إلى أن سلوك الاحتلال - "من خلال أجهزة الدولة ووكلاء الدولة وغيرهم من الأشخاص والكيانات التي تعمل بناء على تعليماتها أو تحت توجيهها أو سيطرتها أو نفوذها" - يشكل انتهاكا لالتزاماتها تجاه الفلسطينيين في غزة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية.

وتسعى جنوب إفريقيا إلى تأسيس اختصاص المحكمة على اتفاقية الأمم المتحدة للإبادة الجماعية لعام 1948، والتي وقعت عليها البلدان، بينما يرفض الاحتلال هذه الاتهامات.

أما بالنسبة للإجراءات الاستشارية أو الفتاوى، ففي نهاية عام 2022، طلبت الجمعية العامة فتوى من المحكمة بشأن "الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية المحتلة".

وفي آذار 2023، اعتمدت الجمعية العامة قرارا يطلب من المحكمة إصدار فتوى بشأن التزامات الدول فيما يتعلق بتغير المناخ، حيث أشاد معظم المتحدثين في النقاش بتلك الجلسة باعتبارها علامة فارقة في مسيرتهم المستمرة منذ عقود في النضال من أجل العدالة المناخية. ولا تزال الإجراءات الاستشارية سارية.

من يمكنه رفع دعاوى أمام المحكمة؟

يمكن لأي دولة عضو أن ترفع دعوى ضد أي دولة عضو أخرى، سواء أكانت في صراع مباشر أم لا، عندما تكون المصلحة المشتركة للمجتمع الدولي على المحك.

في قضية غامبيا ضد ميانمار على سبيل المثال، لم تكن غامبيا معنية بشكل مباشر بمزاعم الإبادة الجماعية الموجهة ضد ميانمار، لكن هذا لم يمنعها من رفع الدعوى نيابة عن منظمة التعاون الإسلامي.

ما هي النتائج المترتبة على حكم المحكمة؟

أحكام محكمة العدل الدولية نهائية، وليست هناك إمكانية للاستئناف. والأمر متروك للدول المعنية لتطبيق قرارات المحكمة في ولاياتها القضائية الوطنية.

وفي معظم الحالات، تحترم التزاماتها بموجب القانون الدولي وتمتثل إليها.

وإذا فشلت دولة ما في أداء الالتزامات الملقاة على عاتقها بموجب حكم ما، فإن الحل الوحيد المتبقي هو اللجوء إلى مجلس الأمن الذي يمكنه التصويت على قرار، وفقا لميثاق الأمم المتحدة.

حدث هذا في قضية رفعتها نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة عام 1984، للمطالبة بتعويضات عن الدعم الأميركي لمتمردي الكونترا. وحكمت محكمة العدل الدولية لصالح نيكاراغوا، لكن الولايات المتحدة رفضت قبول النتيجة.

ثم رفعت نيكاراغوا الأمر إلى مجلس الأمن، حيث استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد القرار ذي الصلة.

كيف تختلف محكمة العدل الدولية عن المحكمة الجنائية الدولية؟

هناك خلط متكرر بين المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية. لكن أبسط طريقة لشرح الفرق هي أن قضايا محكمة العدل الدولية تشمل دولا، أما المحكمة الجنائية الدولية فهي محكمة جنائية تُرفع فيها قضايا ضد أفراد بتهمة ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.

بالإضافة إلى هذا، محكمة العدل الدولية هي أحد أجهزة الأمم المتحدة، في حين أن المحكمة الجنائية الدولية مستقلة قانونا عن الأمم المتحدة (على الرغم من اعتمادها من قِبل الجمعية العامة).

الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة ليست جميعها أطرافا في المحكمة الجنائية الدولية. ويجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها عندما يكون الشخص المدعى ارتكابه الجريمة من مواطني دولة طرف في المحكمة الجنائية الدولية أو في إقليم دولة طرف كما يجوز لدولة غير طرف أن تقرر قبول اختصاص المحكمة.
 
إقرأ أيضاً : الأمم المتحدة: ارتفاع مبالغ النداء العاجل بشأن غزة إلى 648 مليون دولارإقرأ أيضاً : العدوان على غزة يدخل يومه الـ97


المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

كلمات دلالية: المحکمة الجنائیة الدولیة محکمة العدل الدولیة الإبادة الجماعیة الجمعیة العامة الأمم المتحدة جنوب إفریقیا ضد الاحتلال قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

AI Mode .. مستقبل بحث جوجل الجديد أم تهديد لمواقع الويب؟

قبل عام تقريبًا، أعلنت Google خلال مؤتمرها السنوي للمطورين عن تغييرات جذرية قادمة في نتائج البحث. 

كانت الفكرة الأساسية أن المستخدم لن يضطر إلى تصفح عشرات المواقع بحثًا عن إجابة، لأن جوجل ستقوم بعملية البحث نيابة عنه، وتلخص النتائج في لمحة واحدة.

هذه الميزة، التي أطلقت تحت اسم AI Overviews، تمثل تحولًا استراتيجيًا لجوجل، حيث بدأت في دمجها مع الإعلانات لتحقيق المزيد من العائدات، لكنها شكلت تهديدًا خطيرًا لمواقع الويب التي تعتمد على حركة المرور من محرك البحث، إذ أصبح المستخدمون يكتفون بالإجابات المباشرة دون الحاجة إلى زيارة المواقع.

المرحلة الثانية من البحث بالذكاء الاصطناعي.. "AI Mode" يصل إلى المستخدمين

خلال الأشهر الماضية، كانت جوجل في المرحلة الأولى من إدخال الذكاء الاصطناعي في البحث، حيث قدمت ملخصات تعتمد على نماذج لغوية ضخمة جنبًا إلى جنب مع النتائج التقليدية. 

لكن الآن، دخلنا المرحلة الثانية، حيث ستصبح الإجابات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي هي الطريقة الرئيسية التي يجيب بها جوجل عن معظم الاستفسارات، بينما سيتم تقليل أهمية الروابط التقليدية.

يعتبر "AI Mode"، الذي كشفت عنه جوجل هذا الأسبوع، هو معاينة مبكرة لما سيصبح عليه البحث في المستقبل، وهو متاح حاليًا لمشتركي خدمة Google One AI Premium.

هل الذكاء الاصطناعي قادر على إحداث ثورة علمية؟اختر ما يناسبك.. جوجل تقدم ميزات تسوق غامرة بالذكاء الاصطناعيلمنافسة ChatGPT.. جوجل تحول محرك البحث إلى أداة ذكاء اصطناعي متكاملةجي بي مورجان وستاروود يقرضان 2 مليار دولار لمركز بيانات الذكاء الاصطناعيمعركة كبيرة على رقاقة الذكاء الاصطناعي تلوح في الأفق بين إنفيديا وهواويما الجديد في "AI Mode"؟

يعتمد "AI Mode" على نسخة مخصصة من نموذج Gemini 2.0، مما يمنحه قدرات متقدمة في التفكير المنطقي والتحليل متعدد الوسائط.
على عكس البحث التقليدي، يمكنه جمع البيانات من عدة مواقع متعلقة بالموضوع في نفس الوقت، مما يمنح المستخدمين إجابات أكثر شمولية.
 يمكن للمستخدم الاستمرار في الاستفسار عن نفس الموضوع للحصول على إجابات أكثر دقة وتخصيصًا.

 رغم اعتماد الذكاء الاصطناعي، لا تزال جوجل تعرض روابط للمواقع، لكن التجربة الفعلية للمستخدمين أظهرت أنها أقل بروزًا مما ورد في العرض التوضيحي الرسمي.

هل سيقتل "AI Mode" حركة المرور إلى مواقع الويب؟

 المشكلة الكبرى التي تواجه الشركات وناشري المحتوى هي أن جوجل باتت قادرة على تقديم إجابات وافية دون الحاجة لنقر المستخدم على أي رابط.

على سبيل المثال، تأثرت شركة Chegg للتعليم الإلكتروني بشدة بعدما بدأت ChatGPT وجوجل في تقديم الخدمات التي كانت تبيعها مقابل 14.95 دولارًا شهريًا مجانًا.

في المقابل، هناك بعض المؤشرات الإيجابية، حيث  لا تزال الروابط متاحة في "AI Mode"، حتى لو لم تكن بنفس الوضوح الذي ظهرت به في النسخة التجريبية.

تتجنب جوجل تقديم إجابات في المواضيع الحساسة مثل السياسة، حيث يكتفي بعرض روابط للمواقع الإخبارية بدلاً من تقديم إجابة مباشرة.

كما  أثناء تجربة الخدمة، قدمت Gemini اقتراحات لقائمة طعام بتسميات تقنية مثل "Binary Code Caprese Skewers"، بينما قدم "AI Mode" إجابات أكثر واقعية وأقل مبالغة.

الخلاصة.. هل نحن أمام نهاية البحث التقليدي؟

"AI Mode" ليس مجرد تجربة عابرة، بل هو مقدمة لما سيصبح عليه البحث في المستقبل. 

قد يكون هناك نوع من التوازن بين الذكاء الاصطناعي والروابط التقليدية، لكن مع مرور الوقت، من المحتمل أن تصبح المواقع أقل أهمية للمستخدم العادي، مما قد يعيد تشكيل شبكة الإنترنت بالكامل.

مقالات مشابهة

  • رويترز: حماس تعاملت مع جهود الوسطاء بمرونة وتنتظر نتائج المحادثات مع إسرائيل
  • قرار من المحكمة بشأن خادمة خطفت رضيعة في الدقي
  • تضارب الأنباء بشأن اغتيال مسؤول في الاستخبارات الإيرانية
  • كيف قادت الكراهية سياسيا هولنديا من اليمين المتطرف إلى الإسلام؟
  • مسؤول عسكري سابق: إذا تجددت الحرب لن تُهزم حماس و”إسرائيل” ستفقد شرعيتها الدولية 
  • تتهمها بتسليح قوات الدعم السريع..السودان ترفع دعوى ضد الإمارات في محكمة العدل الدولية
  • AI Mode .. مستقبل بحث جوجل الجديد أم تهديد لمواقع الويب؟
  • إسرائيل تُعلن اعتراضها على المحادثات بين الولايات المتحدة وحماس
  • منصور يبعث رسائل متطابقة لمسؤولين أممين بشأن جرائم الاحتلال المتواصلة
  • السودان يشكو الإمارات لدى محكمة العدل الدولية ويقدم قائمة إتهامات وأبوظبي تعلق على الدعوى