الجزيرة:
2025-03-31@01:53:05 GMT

الحرب على غزة بين خطاب التدويل وخطاب الثنائية

تاريخ النشر: 11th, January 2024 GMT

الحرب على غزة بين خطاب التدويل وخطاب الثنائية

منذ اليوم الأوّل لعمليّة "طوفان الأقصى"، وهناك حروبٌ متعدّدة، وغير بعيدة عن العمليات العسكريّة في غزة والضفة الغربية. هذه الحروب تتعلّق بالسرديات وشيطنة الخَصم. وفي ظلّ هذا كانت هناك حرب معلنة بين من جعل الصراع جزءًا من صراع عالمي سواء تعلق ذلك بالأفكار أو بالجغرافيا، وآخر يرى أن ما يحدث ثنائي محلي يتعلّق بالاحتلال وسياساته غير الإنسانية.

تسعى هذه المقالة إلى تفكيك الخطابَين الرئيسيين اللذين تم تقديم الصراع في سياقهما: خطاب التدويل، وخطاب الثنائيّة، والذي يركز على مقاومة المحتل لمن يحتلّ أرضه، ويفرض إرادته على الشعب المحتلّ.

الحرب على غزة بين خطابَين

بدأت دولة الاحتلال خطابًا يركّز على تقديم ما حصل لها على أنه حربٌ عالمية واستمرارٌ للحرب على الإرهاب، التي استمرَّت لعقود وَفق المنظور الغربي.

هذا الخطاب تمّ بناؤُه عبر الكلمات والمصطلحات والمواد الدعائية المفبركة. فاستحضار هجمات سبتمبر في العام 2001، وكذلك استخدام الدولة الإسلامية والمسماة "داعش"، كان ذلك ركنًا أساسيًا في خطاب التدويل هذا.

فمواجهة تلك التيارات كان في إطار حرب عالميّة قادتها الولايات المتحدة. لقد تمّت صياغة خطاب عالمية الحرب على غزّة ضمن ستة سياقات:

السياق الأوّل: لقد حرصت حكومة الاحتلال – من اللحظات الأولى لهجوم السابع من أكتوبر- على تقديم سردية أنّ ما جرى في ذلك اليوم لم يكن يستهدف دولة الاحتلال، بل كل العالم الغربي.

وقد اعتمدت دولة الاحتلال على التركيز على أن السابع من أكتوبر باعتبار أنه بداية التاريخ لحربها على الشعب الفلسطيني وحركاته المقاومة، متجاهلةً بإرادة وتصميم أن الاحتلال عمره أكثر من 75 سنة، وأن غزة محتلة لأكثر من 56 سنة.

السياق الثاني: تمّ استحضار- من المصطلحات والأفكار- ما يمكن أن يخيف هذا الغرب، ويدفعه لتأييد دولة الاحتلال، فاستحضار أحداث سبتمبر 2001، وما جرى فيها وما بعدها، ثم استحضار الحرب على الإرهاب وما يراه الغرب من امتداداته متمثلًا في الدولة الإسلامية (داعش).

ولعل استحضار (داعش) كان في سياق سرديّة التضليل الإسرائيلي حول قتل المدنيين، وقطع رؤوس الأطفال وحرقهم، إلى غير ذلك من تلك القصص التي روّج لها الغرب ولغيرها من قبل، حول ما تقوم به جماعات تنتسب إلى الإسلام.

وقد تبيّن أنَّ دولة الاحتلال كانت تقدم موادَّ فيلمية لضيوفها أو تشاركها مع الذين لم يزوروا دولة الاحتلال في الأسبوع الأول بعد 7 أكتوبر.  لقد كان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو حريصًا على ألا يخوض معركته مع حركة حماس منفردًا، فالغطاءُ الدولي كان بالنسبة له طوال أكثر من 16 عامًا ضرورة يحرص عليه في مواجهته مع إيران، ومع المقاومة.

السياق الثالث: تمثل في الحديث عن أن ما جرى في السابع من أكتوبر جرى بتخطيط ودعم دولة، والإشارة هنا إلى إيران، واستحضار إيران تكمن أهميته في استجلاب الدعم الغربي الذي يحمل أفكارًا مفرطة في السلبية حول إيران، ودورها في الشرق الأوسط.

من هنا كان إرسال حاملات الطائرات، مثل جيرالد فورد وغيرها، في رسالة واضحة تعكس التعاطي مع سردية دولة الاحتلال. جرى الترويج لكل جزئيات هاتَين المرحلتَين خلال العشرة أيام التي تلت الثامن من أكتوبر، والتي تلت قرار رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إعلانَ حالة الحرب ضد غزة، بموجب المادة (40) من القانون الأساسيّ للحكومة.

السياق الرابع: يتمثّل في اعتبار إعلان جماعة الحوثيين في اليمن عن نيّتهم استهدافَ السفن المتوجهة إلى دولة الاحتلال أو القادمة منها، وذلك حتى يتمّ السماح بدخول الاحتياجات الأساسية من غذاء وماء ودواء إلى غزة.

لقد اعتبرت حكومة دولة الاحتلال – ومعها واشنطن- أنّ هذا تهديدٌ للملاحة البحرية، وبدأت المساعي لتأسيس تحالف دولي لمواجهة الحوثيين، وهذا تَكرارٌ لما تمّ عمله في الفترة 2000-2017؛ لمواجهة القراصنة في بحر العرب.

ورغم الجهود التي تمّ بذلها والإعلان الأميركي عن تأسيس تحالف "حراس الازدهار"، فإن دولًا أوروبيّة – مثل إسبانيا، وفرنسا- لم تنضم، وبقي مصير التحالف مجهولًا.

السياق الخامس: تمثل هذا السياق في تهديد دولة الاحتلال في العودة إلى سياسة الاغتيالات لقادة حماس في الخارج، رُغم ما يمثّله ذلك من تجاوز على سيادة تلك الدول. وقد أرسلت تركيا- على سبيل المثال- رسالةً واضحة إلى دولة الاحتلال بأنها ستردّ بقوة إذا ما تمّ استهداف أي من قيادات حماس على الأراضي التركية.

لم تتوقف دولة الاحتلال في مساعيها إلى تدويل حربها على غزة، فقامت في 2 يناير 2024 باغتيال صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، ورئيس المكتب السياسي للحركة في الضفة الغربية مع اثنَين من قادة الحركة في الضاحية الجنوبية في بيروت، حيث المعقل الأساسي لحزب الله.

مثل هذا الاغتيال جاء بعد تطوّرين هامين واجها حكومة الاحتلال: الأول؛ هو سحب الولايات المتحدة حاملة الطائرات جيرالد فورد من البحر المتوسط، والآخر قرار المحكمة العليا الإسرائيلية إلغاءَ قانون المعقولية الذي يمنح الحكومة قوّةً على السلطة القضائية.

إن استهداف الشيخ العاروري محاولةٌ من رئيس وزراء حكومة الاحتلال للاستمرار في تدويل حربه على غزة من جهة، ومن جهة أخرى مقاومة آثار قرار المحكمة العليا، والذي من شأنه أن يُضعف الائتلاف الحكومي اليميني الذي يقوده.

السياق السادس: امتدّت آثار خطاب التدويل إلى داخل الدول التي تدعم دولة الاحتلال، إذ إنه أصبح يتحكم في مشهد السياسة الداخلية في تلك الدول، وأصبح التضييق على الحريات لمجرد انتقاد دولة الاحتلال أو المساندين لها، كما جرى تتبع كل أنواع الشعارات التي يستخدمها المتظاهرون المعترضون على حرب دولة الاحتلال على غزة.

إن حرب التخوين والاتهامات والاستهداف – التي طالت شخصيات وأكاديميين في مجتمعات غربية من قبيل الولايات المتحدة في سياق معاداة السامية لمجرد انتقاد دولة الاحتلال- ليست إلا انعكاسًا لمحاولة تدويل الصراع، الذي يحاول رئيس وزراء دولة الاحتلال فرضه منذ السابع من أكتوبر.

مقابل كل هذا، بقي تعريف الطرف الآخر للمواجهة- وهي هنا حركة المقاومة الإسلامية حماس، وبقية حركات المقاومة- منحصرًا في أن الحرب على غزة هي حرب حكومة الاحتلال على شعب محتل يقاوم ويرفض الاحتلال. وأنه لا دعمَ عمليًا يُقدم لهم، وأن الحرب عليهم هي عالمية، رأسُ حربتها دولة الاحتلال، ومعها دول فاعلة، على رأسها الولايات المتحدة الأميركيّة.

اغتيال صالح العاروري والمرحلة الجديدة

ومع استمرار الحرب على غزة في ظلال السياقات السابقة متأثرة بها ومؤثرة فيها، لكن ما هو مؤكد أن الحرب على غزة تدخل فصلًا جديدًا بعد الثاني من يناير 2024، واستهداف الشيخ صالح العاروري، مرحلةٌ تدفع إلى ثلاثة سيناريوهات محتملة:

الأول: سيناريو التصعيد وتوسع ردّ حزب الله، بحيث تزداد عمليات الحزب وتصبح أكثر تركيزًا واستمرارًا، وهذا يجعل الصراع يتحول إلى صراع إقليمي بمستويات تعقيد عالية. هذا السيناريو يكاد يكون المفضل من قِبل رئيس حكومة دولة الاحتلال في ظل الوضع الداخلي الذي يواجهه.

الثاني: سيناريو التصعيد المؤجل، بحيث يذهب إلى مستوى من الرد يتم اختياره في أوقات معينة وَفق خيارات الطرف المهاجم، وهو خيار استنزاف أمني وسياسي.

الثالث: سيناريو الدفع بقوة نحو وقف إطلاق نار، وهذا يتطلب حراكًا إسرائيليًا داخليًا يحدّ من قدرات بنيامين نتنياهو، وكذلك ضغوطًا أميركية تدعم هذا الحراك الإسرائيلي.

 

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة دولة الاحتلال فی السابع من أکتوبر حکومة الاحتلال الحرب على غزة ما جرى خطاب ا

إقرأ أيضاً:

القدس المنسية: المدينة التي تُسرق في ظل دخان الحرب الإسرائيلية على غزة والضفة

في الوقت الذي تشتعل فيه المواجهة في القطاع وتحتل صدارة المشهد الإعلامي والدبلوماسي، تنزوي القدس في الظل، كمدينة تُسرق بهدوء وتُغيَّب عن الواجهة تحت غطاء النسيان والانشغال. يعيش الفلسطينيون في القدس واقعا قاسيا لا يقل عنفا، لكنه غالبا ما يُختزل إلى الهامش في السردية الفلسطينية العامة.

تفرض السلطات الإسرائيلية قيودا مشددة على حركة المقدسيين، خاصة خلال شهر رمضان، ما يعيق وصولهم إلى المسجد الأقصى، ويحوّل ممارسة العبادة إلى معاناة يومية تتخللها الإهانات والمنع. فهل تُمارس هذه القيود بدافع أمني حقيقي، أم أن وراءها بُعدا دينيا وسياسيا مقصودا؟ ولماذا تستهدف القدس بشكل متكرر بينما يُسمح للمستوطنين باقتحام ساحاتها بكل حرية؟

ومنذ احتلالها عام 1967، تبنّت إسرائيل نهجا ممنهجا لتغيير الطابع الديمغرافي للقدس الشرقية، من خلال سحب الهويات، وهدم المنازل، وتوسيع المستوطنات على حساب الأحياء الفلسطينية. فهل هي مجرد إجراءات إدارية وأمنية؟ أم أنها جزء من مشروع استراتيجي طويل الأمد لطمس الهوية الفلسطينية في المدينة؟

ما يُنفَّذ اليوم ليس سوى تسريع لهذه السياسات، بقيادة حكومة تُعد من الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، وتضم شخصيات يمينية تتبنى خطابا إقصائيا لا يعترف بحقوق الفلسطينيين. وقد ترافق هذا التصعيد مع الحرب الإسرائيلية الشاملة على الضفة الغربية وقطاع غزة، ما وفّر بيئة مثالية لتكثيف مشاريع التهويد، في ظل انشغال العالم بساحات الصراع المفتوحة وغياب الاهتمام الدولي بما يجري في المدينة المقدسة
وما يُنفَّذ اليوم ليس سوى تسريع لهذه السياسات، بقيادة حكومة تُعد من الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، وتضم شخصيات يمينية تتبنى خطابا إقصائيا لا يعترف بحقوق الفلسطينيين. وقد ترافق هذا التصعيد مع الحرب الإسرائيلية الشاملة على الضفة الغربية وقطاع غزة، ما وفّر بيئة مثالية لتكثيف مشاريع التهويد، في ظل انشغال العالم بساحات الصراع المفتوحة وغياب الاهتمام الدولي بما يجري في المدينة المقدسة.

سياسة المنع من الوصول إلى المسجد الأقصى: بين التضييق الديني والتأثير الاقتصادي

إن إحدى أخطر السياسات الإسرائيلية المستمرة في القدس هي إعاقة حرية العبادة للفلسطينيين، لا سيما في المسجد الأقصى، الذي يمثل أمرا عظيما بالنسبة للمسلمين. تُفرض قيود صارمة على دخول المصلين من الضفة الغربية، عبر نظام تصاريح تعجيزي، غالبا ما يُستخدم كأداة للعقاب الجماعي، ويُرفض دون أسباب واضحة، خاصة لفئات الشباب والنساء والنشطاء.

ولا يقتصر المنع على حرمان الفلسطينيين من ممارسة شعائرهم الدينية، بل يتعداه إلى تمييز واضح على أساس العمر والجغرافيا. فكثيرا ما يُمنع الشبان تحت سن الأربعين من دخول المسجد، حتى في المناسبات الدينية الكبرى، فيما يُسمح للمستوطنين اليهود من أقاصي البلاد باقتحام ساحاته، بحماية الشرطة الإسرائيلية.

أما سكان القدس أنفسهم، فلا يسلمون من التضييق اليومي، إذ تُغلق بوابات المسجد الأقصى بشكل مفاجئ، وتُمارس بحقهم إجراءات تفتيش مهينة على المداخل، وتقتحم قوات الاحتلال باحاته بشكل متكرر، مما يحوّل الحرم القدسي إلى ساحة أمنية تُقيّد فيها حرية العبادة وتسلب السكينة من المصلّين. وتصل هذه الانتهاكات إلى حدّ مصادرة وجبات السحور أو الإفطار من المصلّين، كما حصل قبل عدة أيام، حين داهمت القوات باحات المسجد، وصادرت الطعام من المعتكفين، في مشهد يمسّ بكرامتهم ويُنغّص عليهم أجواء الشهر الفضيل.

وإلى جانب الأبعاد الدينية والوطنية، ينعكس هذا الحصار سلبا على الحركة الاقتصادية في القدس. فعدم السماح لسكان الضفة الغربية بدخول المدينة يُعطّل النشاط التجاري والأسواق، ويؤثر بشكل مباشر على دخل مئات العائلات المقدسية التي تعتمد على الزوار والمصلين من خارج المدينة، خاصة خلال شهر رمضان والمواسم الدينية.

الوضع الاقتصادي في القدس

الوضع الاقتصادي في القدس ليس أقل مأساوية من الوضع السياسي، إذ يعيش السكان في حالة حصار اقتصادي دائم، تتجلى في ارتفاع معدلات البطالة وتراجع القدرة الشرائية. ووفقا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بلغت نسبة البطالة في القدس الشرقية نحو 5.2 في المئة في عام 2024، مقارنة بـ4.4 في المئة في عام 2021. وقد فاقمت جائحة كورونا، إلى جانب الحرب الشاملة على غزة والضفة الغربية، من حدة الأزمة، إذ أدت إلى فقدان نحو 35 ألف عامل لوظائفهم خلال عام 2024. كما أُغلق ما يقارب 450 محلا تجاريا، ما ساهم في تفاقم التدهور الاقتصادي وضاعف من معاناة السكان.

الاقتصاد في القدس يعتمد بشكل كبير على قطاع الخدمات والسياحة، حيث يشكل أكثر من 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ويوظف قطاع الخدمات 41 في المئة من العاملين. ومع ذلك، تستمر السلطات الإسرائيلية في عرقلة أي نشاط اقتصادي فلسطيني داخل المدينة، من خلال فرض الضرائب الباهظة وإغلاق المحال التجارية بشكل متكرر.

النقص في الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء ليس عرضا طارئا، بل جزء من سياسة ممنهجة لتقليص الوجود الفلسطيني وإضعاف قدرة السكان على البقاء. يعيش في محافظة القدس حوالي 451 ألف نسمة، يشكلون ما نسبته 9.1 في المئة من سكان فلسطين، ويعاني السكان من نقص حاد في الخدمات الأساسية، كالصحة والتعليم والبنية التحتية، مما يؤثر سلبا على جودة حياتهم اليومية. ويحاول الاحتلال، عبر هذه السياسات، أن يجعل من مدينة القدس بيئة طاردة لأهلها وليست جاذبة، في إطار مساعيه المستمرة لتفريغ المدينة من سكانها الفلسطينيين وتغيير طابعها الديمغرافي.

حين تعود إدارة ترامب.. تُفتح شهية التهويد من جديد

ولا يمكن الحديث عن واقع القدس دون الإشارة إلى عودة دونالد ترامب إلى السلطة، وهو الرئيس الأمريكي الذي منح إسرائيل خلال ولايته الأولى دعما غير مشروط، بدءا من اعترافه بالقدس عاصمة لها، وصولا إلى نقل السفارة الأمريكية إليها في خطوة غير مسبوقة. هذه السياسات لم تكن رمزية فحسب، بل أسهمت فعليا في تغيير ميزان القوى على الأرض، وتعزيز قبضة الاحتلال على المدينة.

عودة ترامب اليوم تمثّل رسالة طمأنة للتيار اليميني المتطرف في إسرائيل، لا سيما في حكومة بنيامين نتنياهو التي تضم شخصيات مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. ومما يعزز هذا التوجه أن الفريق المحيط بترامب لا يزال يضم وجوها بارزة من أشد المؤيدين لإسرائيل واليمين الديني القومي.

ويعزز هذا التوجه اليميني المتطرف المحيطون بترامب، الذين ما زال لهم تأثير واضح على ملامح السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية. من أبرزهم: مايك بومبيو، وزير الخارجية السابق، المعروف بدعمه المطلق للمستوطنات ورفضه لحل الدولتين؛ وديفيد فريدمان، السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، الذي نسّق بشكل مباشر مع قادة المستوطنين وساند ضم الأراضي الفلسطينية. ويبرز أيضا جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأسبق، الذي لطالما دعا إلى الحسم العسكري والتوسع الإسرائيلي، إلى جانب رون ديرمر، أحد أبرز مهندسي العلاقات بين نتنياهو والجمهوريين، والذي سبق أن وصف الضفة الغربية بأنها "أرض متنازع عليها". أما جاريد كوشنر، صهر ترامب ومهندس "صفقة القرن"،عودة ترامب اليوم تمثّل رسالة طمأنة للتيار اليميني المتطرف في إسرائيل، لا سيما في حكومة بنيامين نتنياهو التي تضم شخصيات مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. ومما يعزز هذا التوجه أن الفريق المحيط بترامب لا يزال يضم وجوها بارزة من أشد المؤيدين لإسرائيل واليمين الديني القومي فرغم غيابه عن الفريق الرسمي الحالي، إلا أن رؤيته لا تزال تترك أثرا عميقا في توجهات الحزب الجمهوري تجاه إسرائيل. هذا الطاقم المتماهي مع توجهات اليمين الإسرائيلي لا يبشر إلا بمزيد من الانحياز، ما يعني أن الفلسطينيين في القدس سيواجهون موجة جديدة من التضييق والتطهير الصامت، تحت غطاء أمريكي رسمي.

هشاشة المواقف العربية والإسلامية

وعلى الرغم من الدعم الذي يلقاه الشعب الفلسطيني من قبل الجماهير العربية والإسلامية، إلا أن المواقف الرسمية لبعض الحكومات العربية والإسلامية تظل هشة ولا ترتقي إلى مستوى التحديات التي يواجهها الفلسطينيون في القدس وغزة. وفي حين تستمر بعض الحكومات في تقديم الدعم السياسي والإنساني، فإن الخطوات الفعلية مثل اتخاذ مواقف قوية ضد السياسات الإسرائيلية أو اتخاذ إجراءات ملموسة مثل سحب السفراء أو إلغاء اتفاقيات التطبيع، ما تزال غائبة.

تساهم هذه الهشاشة الدبلوماسية في إضعاف الضغط الدولي على إسرائيل، مما يقلل من فاعلية التحركات الدولية في محاسبتها على انتهاكاتها المتواصلة. ورغم التحركات الشعبية المستمرة في بعض الدول، والتي تعكس رغبة حقيقية في الوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية، فإن غياب التنسيق العربي والإسلامي الفعّال يؤثر على مصير القدس، ويترك الفلسطينيين في مواجهة احتلال متزايد. إن الحاجة إلى توحيد المواقف وتعزيز التعاون بين الدول العربية والإسلامية من أجل الضغط الفعّال على المجتمع الدولي تبقى ضرورية لحماية القدس من عملية تهويد شاملة.

القدس لا تنزف فقط من جراح الاحتلال، بل من صمت العالم، وتردد الشقيق، وغياب القرار. تُسرَق المدينة في وضح النهار، لكنها تُهمَّش في ليل الأخبار، وتذوب في زحمة عناوين الحروب. ومن حق القدس علينا أن نعيدها إلى الواجهة، لا كرمز ديني فحسب، بل كقضية سياسية وشعبية حيّة تستحق أن تكون حاضرة في الضمير العربي والدولي.

فلماذا تغيب القدس عن أولويات الإعلام، وتتراجع على أجندة الدبلوماسية؟ ولماذا تُترك وحدها في معركتها الوجودية؟ إن إعادة الاعتبار للقدس، إعلاميا ودبلوماسيا، لم تعد ترفا ولا خيارا، بل ضرورة وطنية وأخلاقية أمام مشروع الاحتلال الصامت، الذي لا يستهدف الأرض فقط، بل الذاكرة والهوية والإنسان.

مقالات مشابهة

  • من هي الجهة التي وجهت بقطع تغذية الجيش وعرقلة صرف مرتباتهم.؟
  • ترحيب عربي بإعلان تشكيل حكومة جديدة في سوريا
  • الإمارات ترحب بتشكيل حكومة جديدة في سوريا
  • معاريف: حكومة نتنياهو تشتبه في أن التظاهرات التي خرجت في غزة حيلة من حماس
  • معاريف: حكومة نتنياهو تشتبه أن التظاهرات التي خرجت في غزة حيلة من حماس
  • عاجل | الرئيس السوري أحمد الشرع: تشكيل حكومة جديدة اليوم هو إعلان لإرادتنا المشتركة في بناء دولة جديدة
  • محمد بن راشد يلتقي رئيس وزراء مونتينيغرو ويبحثان تعزيز العلاقات الثنائية
  • عبد العزيز: إسقاط حكومة الدبيبة سيفتح المجال لحكومة حماد وعقيلة صالح
  • القدس المنسية: المدينة التي تُسرق في ظل دخان الحرب الإسرائيلية على غزة والضفة
  • الرئيس اللبناني: لن نسمح بتكرار الحرب التي دمرت كل شيء في بلادنا