الاستئصال الناعم للمقاومة الفلسطينية
تاريخ النشر: 11th, January 2024 GMT
في مقال لمستشار الأمن القوميّ الإسرائيليّ تساحي هنغبي، منشور بأحد المواقع الصحفية "العربية" اللندنية – مؤخرًا- بعنوان: "حرب السيوف الحديدية"، أكّد عدم ممانعة دولته، تولي السلطة الفلسطينية (سلطة رام الله)، إدارةَ شؤون قطاع غزة، "بعد حماس"؛ تلبية لرغبة المجتمع الدولي ودول المنطقة، (على حد قوله). "هنبغي"، اشترط إلزام "السلطة"، بتربية الجيل الشاب (يقصد الأطفال)، في كلٍ من غزة، ورام الله، وجنين، وأريحا، على قيم الاعتدال والتسامح، دون التحريض على العنف ضد إسرائيل.
"نتنياهو"، له تصريحات بهذا المعنى في مقابلة مع الإذاعة العامة الأميركية- قبل أيام- بإسناد مسؤولية القطاع إلى "إدارة مدنية"، تلتزم بمكافحة الإرهاب، وإحداث تغيير ثقافي في القطاع.
بغض النظر، عن أن هذه التصريحات- وما على شاكلتها- مما يطلقون عليه: "اليوم التالي للحرب على غزة"، كاشفة عن إنكار واقع الوحل الغارق فيه "جيش الاحتلال" على مدار ثلاثة أشهر من حربه على القطاع، والخسائر الهائلة التي تلاحُقه.. جنودًا، وعتادًا، وأن هذا الجيش الأكذوبة لم يُنجز انتصارًا عسكريًا، ذا قيمة طوال هذه المدة.. اللهم إلا "القتل للمدنيين"، الذي لا يمارسه أي جيش يمتلك قليلًا من الانضباط، والأخلاق، والشرف العسكري.
وتجاوزًا عن أن هذا "الفشل الإسرائيلي"، يمنع هنبغي، وحكومته، ورئيسها؛ من حق تقرير شكل ومواصفات اليوم التالي لحرب، لم يستطع "جيشهم" حسمها حتى الآن، بينما علامات الهزيمة تتوالى عليه يوميًا، فإن تولي سلطة رام الله- أو غيرها- إدارة شؤون غزة من عدمه.. ليس موضوعنا.
ممكن على الورق وفي زمن سابقالقضية هي "الأوهام" الساكنة في رؤوس قادة الكيان الصهيوني – ومن ورائهم الساسة الأميركيون، والأوروبيون- هوسًا بفكرة السيطرة على "الأجيال الفلسطينية، والعربية الناشئة"، من خلال المؤسسات التعليمية والثقافية، لتكون مجبولة على الحب والامتنان، وربما الانبهار والشغف والوله بهذا الكيان الغاصب، بما يعني- عمليًا- محو فكرة المقاومة للاحتلال.
هل هذا مُمكن عمليًا؟.. هل تستطيع أي إدارة- سلطة رام الله أو غيرها- تنشئة أجيال فلسطينية تتسم بالاعتدال، والتسامح، لا تكره إسرائيل.. سواء في غزة أو باقي الأراضي المُحتلة؟
نظريًا، "على الورق"- وفي زمن سابق وفي بيئة طبيعية، ليست احتلالًا- يمكن للتعليم من خلال مؤسسات التعليم الرسمية (المدارس النظامية)، تنشئة الأطفال، وفقًا لأهداف تربوية مُخططة، بواسطة خبراء التربية والتعليم، لإكساب النشء قيمًا واتجاهات ومبادئ معينة ومرغوبة، مثل التي يريدها الكيان الصهيوني.
"التعليم"، هو أداة تربية الطفل وتنميته عقليًا، ووجدانيًا، وجسمانيًا، وإعداده للتكيّف مع المجتمع، من خلال الخبرات التي يعايشها في المدرسة، تفاعلًا مع المعلم والأقران والأنشطة المدرسية الفنية والبدنية والعملية، وهو ما يُسمى بـ : "التربية المقصودة"؛ أي الهادفة والمُخططة.
البيئة.. وتغول وسائل التواصل الاجتماعيعمليًا- في البيئة الطبيعية أيضًا بعيدًا عن الاحتلال- لكي تتحقق "الأهداف المرجوة"، للتعليم في المدارس، يتعين توافق "الأسرة" على هذه الأهداف، والوعي بها، وهو ما لا يحدث واقعيًا في أي مكان بالعالم. فما يكتسبه الطفل من الأسرة، والمجتمع بمؤسساته الإعلامية والاجتماعية والدينية، هو "تربية غير مقصودة"؛ بمعنى تأثر الطفل، بالأحداث والخبرات اليومية التي يعايشها في بيئته الأسرية والمجتمعية، ومن ثم يكتسب قيمًا واتجاهات عقلية، ونفسية، قد تكون غير مرغوبة.
مع ظهور الإنترنت، وتغول "وسائل التواصل الاجتماعي"، صار للأخيرة، النصيب الأكبر من التأثير في الأجيال الجديدة، وتشكيل اتجاهاتهم، وتكوين آرائهم ومواقفهم وتوجيههم.
العنصرية والعدوانية ضد العربعودة للأراضي المحتلة، وأوهام قادة الكيان الصهيوني، في "تصنيع" أجيال معلبة شغوفة بالاحتلال، وموالية له.. هل تُربي إسرائيل أجيالها الجديدة أو حتى السابقة على التعايش مع الفلسطينيين؟ الإجابة، قطعًا بالنفي.
معلوم، أن المقررات التعليمية بالمدارس الإسرائيلية، تؤصل في نفوس أطفال الكيان؛ الكراهيةَ، والعنصريةَ، والفوقية، والعدوانية لـ "العرب". هذه "المقررات" لا تأتي على ذكر الفلسطينيين، إنكارًا لوجودهم أصلًا، اكتفاءً بـ "العرب"، الذين هم حتمًا همجٌ، وأهل تخلُف وتوحش، وبرابرة ومتطرفون، وإرهابيون، ومخربون للعمران، وكارهون للتحضر الإسرائيلي.
كما تتجاهل سيرة وتاريخ فلسطين، زعمًا بأن أراضيها، هي "أرض الميعاد" الموعودة في التوراة للشعب اليهودي. ليس هذا فحسب، فالتحريض لا يتوقف ضد "الفلسطينيين"، ممن يُفترض أنهم ساسة، فهم حيوانات بشرية، يستحقون ما هو أكثر من القتل، ويجب إبادتهم في غزة بـ "قنبلة نووية".. لولا، أضرارها الإشعاعية الخطيرة- التي تنتشر في دوائر أكبر من موقع تفجيرها، فتطول الإسرائيليين أنفسهم، بحكم التلاصق المكاني- لما تردد جيش الاحتلال في استخدامها.
التحريض العلني ضد السكان الأصليينهذا، بخلاف توزيع الأسلحة النارية على "المستوطنين"، وتحريضهم علنًا ضد السكان الأصليين الفلسطينيين أصحاب الأرض، برعاية وزراء في حكومة "الاحتلال"، وكذا أوامر التعذيب للأسرى الفلسطينيين في سجونه. هذا كله، وغيره، من دعوات للعنف والقتل للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، مما يُنشر، ويتداول إعلاميًا، مضافًا إليه، الشحن بمعرفة بعض الحاخامات.
أي إنسان عاقل وراشد يدرك جيدًا، استحالة تطبيق هذا الكلام عمليًا، في أي نظام تعليمي مهما بلغت كفاءته. قطعًا، من المُحال تنشئة طفل على "التسامح"، بينما هو يكابد مع أسرته، "ممارسات الاحتلال" القمعية المستمرة، من ظلم وإهانة، وإذلال، واستعلاء عند الحواجز الأمنية، وتجويع، وتشريد، بل والاعتقال، والقتل لمجرد أنه فلسطيني.
ليس هناك أدنى شك، بأن هنبغي، وحكومة الكيان، يبغون تربية الأجيال الفلسطينية الجديدة على الخضوع والاستسلام، وإجراء عملية استئصال ناعم للمقاومة، ومحوها، بواسطة التعليم، وما التسامح والاعتدال إلا عناوين مُضللة.
أي احتلال على مدار التاريخ يفرض نُظمًا تعليمية وثقافية واجتماعية، لخدمة أهدافه، ومنع المقاومة.. إلا أنه لم يثبت نجاح مُحتل واحد في هذا الصدد، فالاحتلال إلى زوال إن عاجلًا أو آجلًا.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: عملی ا
إقرأ أيضاً:
وزير دفاع الاحتلال يصر على قـ.تل الفلسطينيين بمنع دخول الطعام إليهم
صرح وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس بقوله بشكل واضح على عزمه تجويع أهالي غزة وقتلهم بصورة بطيئة وذلك لأنه حسب زعمه “لا أحد في الظروف الحالية يريد إدخال مساعدات إلى قطاع غزة”، وفق ما أوردت وسائل إعلام متفرقة.
اعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي أن منع دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة إحدى أدوات الضغط المركزية على حماس.
أضاف وزير الدفاع الإسرائيلي:“لا نخطط لإدخال مساعدات إلى غزة ومن المؤسف أن هناك من يحاول تضليل الرأي العام”، وذلك في إشارة إلى إداعاءات سياسيين صهاينة طالبوا بعدم دخول الطعام لغزة حتى يتم الإفراج عن الأسرى الذين اعتبروهم يعانون وسط ظروف صعبة، وهو الأمر الذي يقول بوجود مساحة كبير داخل الاحتلال على إبادة الفلسطينيين.
المناطق الأمنية في قطاع غزة
كما قال وزير الدفاع الإسرائيلي اليوم الأربعاء إن القوات ستبقى في ما يسمى بالمناطق الأمنية في قطاع غزة ولبنان وسوريا إلى أجل غير مسمى، وهي تصريحات من شأنها أن تزيد من تعقيد المحادثات مع حماس بشأن وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن.
سيطرت القوات الإسرائيلية على أكثر من نصف قطاع غزة في حملة متجددة للضغط على حماس لإطلاق سراح رهائن بعد أن أنهت إسرائيل وقف إطلاق النار الشهر الماضي.
كما رفضت إسرائيل الانسحاب من بعض المناطق في لبنان عقب وقف إطلاق النار مع حزب الله العام الماضي، واستولت على منطقة عازلة في جنوب سوريا بعد أن الأطاحة بالرئيس بشار الأسد في ديسمبر.
الإبادة الإسرائيليةأسفرت الإبادة الإسرائيلية عن استشهاد أكثر من 51 ألف فلسطيني.
ترك القصف الإسرائيلي والعمليات البرية مساحات شاسعة من القطاع غير صالحة للسكن، وشرّد نحو 90% من سكانه البالغ عددهم مليوني فلسطيني تقريبًا.
وقد نزح الكثيرون منهم عدة مرات، ويتكدس مئات الآلاف في مخيمات بائسة، في ظل نقص حاد في الغذاء، بعد أن أغلقت إسرائيل القطاع أمام جميع الواردات قبل أكثر من شهر.
تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالقضاء على حماس وإعادة 59 رهينة ما زالوا في غزة - يُعتقد أن 24 منهم على قيد الحياة.
اقتراح الرئيس الأمريكيوقال وزير دفاع الاحتلال إن إسرائيل ستنفذ بعد ذلك اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعادة توطين جزء كبير من سكان غزة في دول أخرى من خلال ما أسماه نتنياهو "الهجرة الطوعية".
يترأس نتنياهو الحكومة الأكثر قومية ودينية في تاريخ إسرائيل، وقد دعا شركاؤه في الائتلاف إلى إعادة بناء المستوطنات اليهودية في غزة.
انسحبت إسرائيل من غزة عام ٢٠٠٥ وفككت مستوطناتها هناك.
رفض الفلسطينيون والدول العربية بالإجماع اقتراح ترامب، الذي يقول خبراء حقوق الإنسان إنه ينتهك القانون الدولي.