تقويم العجيري نتاجٌ علميٌّ متميزٌ ومرتبطٌ بإحدى القامات في العالم العربي
تاريخ النشر: 11th, January 2024 GMT
أشاد علي بن صالح الصالح رئىس مجلس الشورى، خلال رعايته أمس حفل تدشين تقويم العجيري نسخة مملكة البحرين الذي نظمته مكتبة «الأيام كشكول» في مركز الأيام الإعلامي بالجنبية، بالمسيرة العلمية الطيبة للراحل الدكتور صالح العجيري وما قدّمه من علم وفكر في مجال الفلك، وما أثرى به المكتبة العملية الخليجية والعربية.
ولفت الصالح خلال كلمة ألقاها أن تقويم العجيري يُعد من الإنتاجات العلمية والفلكية المتميزة لمركز العجيري العلمي بدولة الكويت الشقيقة، مؤكدًا أهمية تطوير مسارات التعاون العلمية والثقافية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والذي يُعد تدشين التقويم المبارك أحد تطبيقاتها العملية، لما لذلك من دور كبير في إثراء الساحة العلمية وتبادل الخبرات وإثراء المعارف في شتى الحقول والمجالات العلمية والأكاديمية.
واستذكر رئيس مجلس الشورى المرحوم الدكتور صالح العجيري، مشيرًا إلى أنه يُعد من القامات العلمية في العالم العربي والإسلامي التي خلّفت أعمالاً وإرثًا فلكيًا حقيقيًا يستحقّ الدراسة والبناء عليه. وذكر رئيس مجلس الشورى أن الدكتور صالح العجيري يُعد من الرعيل العلمي والفلكي الأول على مستوى المنطقة، وإحدى القامات العالية التي ألهمت بسيرتها الفلكية والعلمية منذ مطلع شبابها في وقت مبكر من القرن العشرين العديد من الخبراء الفلكيين.
وأوضح رئيس مجلس الشورى أن الدكتور العجيري أول من وضع التقاويم الفلكية الحديثة بالمنطقة، وكان تقويمه مرجعًا رسميًا لكثير من الدول، وذلك منذ انطلاق تقويمه الأول في عام 1938م، واتخاذه مرجعًا رئيسًا في دولة الكويت الشقيقة، ومنطقة الخليج العربي، لافتًا إلى أن العجيري مثال ونموذج في التواضع وحُسن الخلق، وهذا ما يشهد له به كل من حظي بمقابلته أو العمل معه.
وقال: «إن الدكتور صالح العجيري جمعته بمملكة البحرين علاقة متميزة ومتينة، إذ عمل في مهنة المحاسبة بمملكة البحرين لمدة عشر سنوات، وعُرف عنه حبه للبحرين وشعبها»، مبينًا أنه من خلال تدشين تقويم العجيري، تتجدّد وشائج المحبة بين مملكة البحرين وابن الكويت والبحرين في آن واحد.
من ناحيته، أكد المهندس يوسف جمال صالح العجيري حفيد الراحل الدكتور صالح العجيري، ومدير عام مركز العجيري العلمي، خلال الاحتفال، أن سبب اختيار مملكة البحرين هو قربها وحب الشعب الكويتي لها، مشيرًا إلى أن جدّه الدكتور صالح العجيري كان يعمل في المملكة في شارع باب البحرين في العام 1951م، وكان معجبًا بالتطوّر الذي كانت تحظى به البحرين آنذاك، فكان ذلك التدشين بمنزلة تحقيق وصية جدّه المرحوم بإنشاء نسخة «تقويم لمملكة البحرين».
كما تحدّث الدكتور شوقي الدلال نائب رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء عن جهود الراحل العجيري العلمية والفكرية في علم الفلك. وأكد أن إصدار تقويم العجيري المخصص للبحرين ليس مجرّد تقويم آخر يضاف إلى القائمة، بل هو تأكيد على الرغبة في استمرارية نقل المعرفة الفلكية من جيل إلى جيل وتعزيز الوعي العلمي، وهو ما يشجّع على مزيد من البحث والتطوير في مجال علم الفلك.
كما تحدّث الفلكي المهندس مساعد الحماد مدير الإدارة العلمية بمركز العجيري العلمي عن رحلته وتجربته العلمية مع المرحوم صالح العجيري. ومما يجدر ذكره أن رزنامة العجيري لمملكة البحرين تم تقديمها بتصميم عصري وباللون الأحمر، وبشكل منظم يسهل استخدامه والرجوع إليه، إذ تضمّن جداول زمنية وصفحات مخصصة لتدوين الملاحظات والمواعيد المهمة، بالإضافة إلى معلومات توعوية حول الظواهر الفلكية النادرة وكيفية مراقبتها.
المزيد من الصور:
المصدر: صحيفة الأيام البحرينية
كلمات دلالية: مرکز العجیری العلمی مملکة البحرین مجلس الشورى
إقرأ أيضاً:
بناء المستقبل العربي
بينما طوى العالم صفحات القرن العشرين ودخل القرن الحادي والعشرين بزخم التقدم والتطور، بقي العالم العربي أسيراً لتحولات عميقة، تنوعت بين صراعات إقليمية، وثورات تحررية، وانقلابات سياسية. رغم ذلك، ظل التقدم المنشود غائباً، ولم تتحقق التطلعات الكبرى في الوحدة والتنمية، بل تفاقمت الأزمات، وانحرفت المسارات المفصلية، لتضيع معها إمكانات تاريخية كان يمكن أن تعيد تشكيل مستقبل المنطقة.
الإرث الاستعماري وإخفاق السياسات الداخلية
لم يكن خروج الاستعمار من الدول العربية إيذاناً ببداية عهد من الاستقلال الحقيقي، بل ترك إرثاً ثقيلاً من التقسيم الجغرافي والانقسام المجتمعي، فضلاً عن تبعية اقتصادية عميقة رسخت هيمنة القوى العالمية على مًقدّرات المنطقة. أضف إلى ذلك، غياب القيادة التشاركية التي تخلق بيئة للحوار والتنمية، أدت بدورها إلى تفاقم مشكلات الحوكمة وسوء إدارة الموارد.
في ظل هذه التحديات، أُهدرت الموارد البشرية والطبيعية، واستُنزفت الدول العربية في صراعات داخلية وخارجية. هذا التوجه لم يعمق فقط الهوة بين الشعوب والحكومات، بل ساهم في إنتاج بيئة سياسية واجتماعية مُعيقة للإصلاحات ومُغذية لمشاعر الإحباط العام.
التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتشابكة
اليوم، تقف الدول العربية على مفترق طرق حرج، تواجه خلاله تحديات اقتصادية واجتماعية بالغة التعقيد. فمعدلات البطالة المرتفعة، والتفاوت الاجتماعي، والضغط على البنى التحتية بفعل النمو السكاني، كلها عناصر تغذي أزمات هيكلية تهدد الاستقرار في الداخل العربي. كما أنه وفي ظل هذه الأوضاع المُتقلبة والمتوترة، لعبت التدخلات الخارجية دوراً سلبياً، إذ ساهمت في تفاقم الخلافات الداخلية وأعاقت محاولات تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي.
التداعيات العابرة للحدود
ولم تتوقف آثار التدهور الاقتصادي والاجتماعي عند حدود الدول العربية، بل امتدت لتشمل العالم بأسره. فقد أصبحت المنطقة العربية مسرحاً لأزمات إنسانية حادة، من موجات النزوح والهجرة إلى تفاقم معاناة الفئات الأكثر ضعفاً من أطفال وشباب. وفي غياب استراتيجيات متماسكة للتعامل مع هذه الأزمات، برزت تهديدات جديدة تمثلت في انتشار التطرف والإرهاب، وجعل المنطقة مصدر قلق عالمي يهدد الأمن والاستقرار الدوليين.
فرص الإصلاح والتنمية
وسط هذه المعطيات القاتمة، يبقى الأمل في إعادة صياغة مسار المنطقة العربية قائمًا، ولكنه مشروط بقرارات حاسمة وإصلاحات استراتيجية جذرية. فلا يمكن الحديث عن تنمية حقيقية دون إعادة هيكلة شاملة لمؤسسات الدولة وآليات عملها بما يضمن تحقيق العدالة والشفافية والمساءلة. هذا التغيير يتطلب الانتقال إلى نماذج حوكمة قائمة على الفصل بين السلطات، وسيادة القانون.
إلى جانب ذلك، فإن إصلاح منظومة التعليم يُعد الركيزة الأساسية لهذه التحولات، ليس فقط لتطوير الكفاءات البشرية القادرة على الإسهام بفعالية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولكن أيضاً لخلق اقتصادات معرفية متقدمة. كما أن التكنولوجيا الحديثة تمثل فرصة ذهبية لتجاوز القيود التقليدية وإنشاء نماذج اقتصادية جديدة قادرة على المنافسة العالمية.
وعلى مستوى أوسع، فإن التكامل العربي لا يمكن اعتباره خياراً بل ضرورة استراتيجية، إذ تحتاج الدول العربية إلى رؤية مشتركة للتنمية تعزز المصالح الجماعية وتضع حداً للصراعات التي لا تحقق أي منفعة حقيقية، والتي غالباً ما تستغلها القوى الخارجية لتعزيز نفوذها على حساب استقرار المنطقة.
وفي صلب هذه الرؤية، لا بد أن يكون الشباب في قلب هذه الرؤية، بصفتهم المحرك الحقيقي لبناء المستقبل وتحقيق التحولات المستدامة. هذه الطاقات الهائلة وقدراتها على الابتكار والتكيف تمثل القوة الدافعة للتغيير الإيجابي في العالم العربي.
إعادة صياغة الواقع العربي
لقد علّمنا التاريخ بأن التحولات الكبرى تتطلب إرادة صلبة ورؤية استراتيجية بعيدة المدى. ومن هنا، ينبغي لصانعي القرار في الدول العربية أن يدركوا أن مستقبل المنطقة مرهون بقدرتهم على تجاوز الخلافات والانقسامات الضيقة والعمل نحو تحقيق التكامل في المصالح المشتركة. فالحديث عن مستقبل العالم العربي لا يمكن أن يُختزل في إصلاحات سطحية أو وعود سياسية عابرة، بل يتطلب تحولاً جوهرياً في الفكر والممارسة، يعيد تعريف التنمية بمفهوم شامل ويتجاوز الأبعاد الاقتصادية ليضع أسس العدالة الاجتماعية، ويؤسس لمناخ الحوار الشفاف والبنّاء الذي يرسخ قيم الانتماء والتعاون والمسؤولية المشتركة.
الفرصة لا تزال قائمة، ولكنها مشروطة بالعمل الجماعي والإيمان بأن المستقبل العربي لا يُصنع بالانتظار أو الترقب، بل بالإرادة والإقدام على خطوات جريئة والعمل المشترك.