FP: هل فات الأوان ليحدّ بايدن من جماح إسرائيل؟
تاريخ النشر: 11th, January 2024 GMT
نشرت مجلة "فورين بوليسي"، مقالا لِأستاذ الصحافة في جامعة كولومبيا، هوارد فرينش، قال فيه "إنه بعد وقت قصير من بدء الحرب على غزة، والتي جاءت ردا على العملية التي قامت بها حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، زعمت الحكومة الإسرائيلية أن استهدافها لمستشفى كبير في الشمال كان مبررا بسبب وجود قاعدة قيادة سرية مهمة يحتفظ بها أعداؤها هناك".
وأضاف فرينش، في المقال، إنه "حتى بعد فترة طويلة من تحويل الجزء الأكبر من شمال قطاع غزة إلى أنقاض واخضاعه لسيطرة الجيش الإسرائيلي، لم تتم مشاركة أي دليل على وجود أي شيء يشبه قاعدة عمليات كبرى مع العالم".
وتابع بأنه في الأسابيع التي تلت ذلك، ومع تقدم هجوم الاحتلال الإسرائيلي جنوبا، تضاعفت التقارير، عن وقوع إصابات واسعة النطاق بين الفلسطينيين. اعتبارا من آخر إحصاء، تم تحديد عدد الشهداء بما يزيد عن 22000 وما زال في تزايد.
ومع ذلك، شكك المتحدثون الإسرائيليون طوال الوقت في هذه الحسابات، قائلين إن الأرقام الحقيقية غير معروفة، وأشاروا إلى أن "الأرقام المعلن عنها غير موثوقة لأن مصدرها الرئيسي هو وزارة الصحة في غزة التي تديرها حماس. وحتى الرئيس الأميركي، جو بايدن، عزز هذا النوع من الشكوك عندما قال إنه: ليس لديه أي فكرة عن أن الفلسطينيين يقولون الحقيقة".
وعلق الكاتب أنه ومنذ ما يقرب من شهر، جاءت أنباء من تقرير، نشر في مجلة "لانسيت"، وهي واحدة من المجلات الطبية الأكثر احتراما في العالم، مفادها أن مجموعة من الباحثين لم يعثروا على أي دليل على أن إحصاءات الوفيات مبالغ فيه.
وقال "باعتباري كاتب عمود، شعرت بالانجذاب القوي المتزايد للموضوعات الأخرى. هناك الحرب الأهلية المستمرة في السودان، والتي من شبه المؤكد أنها مأساة أسوأ من غزة من حيث الخسائر في الأرواح. كما كان هناك انتخابات مهمة الشهر الماضي في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهي واحدة من أهم بلدان أفريقيا ومنطقة أمضت العقود القليلة الماضية ضائعة بلا هدف".
وتابع: "هذا النوع من الأشياء الذي لا يتم الكتابة عنه بشكل روتيني هو ما جذبني إلى كتابة الأعمدة في المقام الأول. وإذا لم يتم إهمالها تماما، فهناك انتخابات ذات أهمية كبرى على وشك أن تعقد في تايوان، وقد تساعد نتائجها في تحديد الحرب العالمية والسلام على مدى العقد المقبل على نحو لا يتناسب على الإطلاق مع حجم تلك الجزيرة الصغيرة. وفي أميركا الجنوبية، التي كثيرا ما يتم تجاهلها أيضا، هناك طمع فنزويلا العلني على نحو متزايد في الأراضي الغنية بالنفط في جارتها غيانا، والانتخابات الرائعة التي جرت مؤخرا في الأرجنتين".
وأردف: "مع ذلك، فمن الخطأ أن نحول أنظارنا بعيدا عن الأحداث الجارية في غزة قبل الأوان. إن القيام بذلك من شأنه أن يسهل مهمة المتلاعبين من كل جانب ويزيد من قسوتنا تجاه واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة".
وأكد أنه: "مع استمرار الصراع وتصعيد إسرائيل ضغوطها العسكرية على غزة، وجدت نفسها في موقف دفاعي على جبهات أخرى، وأبرزها جبهة الرأي العام العالمي، مع عزلة الولايات المتحدة بشكل متزايد باعتبارها واحدة من الدول القليلة المستعدة لتصديق الرواية الإسرائيلية عما يحدث على الأرض هناك، وعلى استعداد للدفاع عن تصرفات إسرائيل. وفي الوقت نفسه، تتزايد أسباب الشك في تفسيرات إسرائيل لاستراتيجيتها وأفعالها".
واستدرك قائلا: "في أوقات مختلفة، أصرت إسرائيل، على سبيل المثال، على أنها حرصت كثيرا في استهدافها على تقليل الوفيات بين المدنيين والأضرار التي لحقت بالمساكن والبنية التحتية الأساسية. حتى بالنسبة لغير الخبراء، كلما مر الوقت، أصبح من الصعب التوفيق بين هذا وبين ما تخبرنا به أعيننا، حيث ظهرت الصور لتظهر ما يبدو وكأنه ضرر على مستوى مدينة دريزدن لمساحات واسعة ومكتظة بالسكان من المنطقة ولكن تبلغ مساحتها ضعف مساحة واشنطن العاصمة".
وتابع: "حيث كانت المباني السكنية قائمة ذات يوم، لم يعد هناك الآن سوى أكوام من الركام، حيث يُترك أفراد الأسر الحزينة والأيتام للبحث فيه بأيديهم العارية بحثا عن أي بقايا من حياتهم القديمة يمكنهم استعادتها".
وأضاف: "بعد مرور ثلاثة أشهر على الحرب، أثارت التقارير المفصلة عن الدمار في غزة تساؤلات حول فكرة أن إسرائيل اتخذت احتياطات جدية على الإطلاق. لقد كشف تقييم استخباراتي أمريكي مؤخرا أنه، على الرغم من ترسانة إسرائيل عالية التقنية، فإن الكثير من أسوأ الدمار الذي حدث في غزة حتى الآن كان نتيجة للذخائر غير الموجهة (أو "الغبية") التي قدمتها الولايات المتحدة، والتي شكلت ما يقرب من نصف القنابل من أصل 29000 قنبلة ألقيت على غزة حتى تلك اللحظة من الصراع".
واسترسل: "ظهرت مشاكل مماثلة في رواية إسرائيل عن هجومها مع ادعاءاته بأنها تجنبت بشكل عام مهاجمة ما يسمى بالمناطق الآمنة داخل الجيب حيث طلبت من ملايين النازحين من سكان غزة التحرك من أجل البقاء بعيدا عن الأذى. وتحققت شبكة سي إن إن في كانون الأول/ ديسمبر من أن الجيش الإسرائيلي نفذ ثلاث غارات جوية ضد هذه المناطق".
ويقول فرينتش: "أكتب هذه الأشياء بسبب الشعور المتزايد بالخوف من هذا الصراع. وهذا الشعور ليس فقط ما يبدو لي خوفا مبررا من استمرار ارتفاع أعداد الضحايا في غزة بقوة في الأسابيع والأشهر المقبلة، بل وأيضا أن العالم أصبح، وربما على نحو متوقع، معتادا على هذه المأساة".
ويضيف: "أما خوفي الكبير الآخر فهو أن الضجر المتزايد من اليأس الظاهري للوضع في غزة لن يؤدي إلا إلى دفع الأمور نحو أسوأ أنواع النتائج. إن أكثر ما يقلقني هو أن الهجوم الإسرائيلي المستمر على الأراضي الفلسطينية، مع ما يصاحبه من تضييق على المساعدات الإنسانية وتفاقم انعدام الأمن الغذائي والأزمات الصحية، سيؤدي إلى طرد مُقنّع للفلسطينيين من أراضيهم، ولن ينتج عنه أكثر من مجرد اهمال منهك أخلاقيا من بقية العالم".
وتابع: "أقول "مُقنّع" لأن إسرائيل قد تكون قادرة على تنفيذ ذلك دون اعتقال الناس ودفعهم جسديا عبر الحدود مع مصر، التي قالت إنها لن تقبل موجة جديدة من اللاجئين الفلسطينيين. فعند نقطة معينة، يمكن لليأس الناجم عن المجاعة والمرض أن يحقق نفس النتيجة".
وقالت إدارة بايدن، إنها "تعارض طرد الفلسطينيين من قطاع غزة وترفض أيضا فكرة تولي إسرائيل السيطرة السياسية والإدارية على القطاع، لكن سجل فريق بايدن في محاسبة إسرائيل على أي شيء له علاقة بهذه الأزمة فهو ضعيف للغاية، كما أن استعدادها للوقوف في وجه إسرائيل من خلال حرمانها من الدعم العسكري أو السياسي لا يزال يبدو قريبا من الصفر".
وأكد أنه "في هذه الأثناء، في إسرائيل، لا يزال هناك نقاش بين المسؤولين الحاليين والسابقين حول هذا النوع من "الحل"، غالبا ما يستخدم تعبير "النقل" الملطف، على الرغم من أن البعض في حزب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والحكومة الائتلافية قد دعوا صراحة إلى ذلك. تقليص عدد سكان غزة أو حتى نكبة ثانية؛ وهي كلمة عربية تشير إلى التهجير الجماعي للفلسطينيين بعد إنشاء إسرائيل الحالية في عام 1948".
وختم مقاله بالقول: "يتعين على العالم أن يقول لا لهذا الأمر وأن يعني ذلك. إن تطهير الفلسطينيين بشكل جماعي من أراضيهم هو مجرد نوع من "الإصلاح" المغري المظهر، والذي ليس فقط ظالما للغاية، ولكنه لن يؤدي إلا إلى ضمان المزيد من الكراهية والمآسي في المستقبل".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية غزة قطاع غزة بايدن غزة قطاع غزة بايدن المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة واحدة من فی غزة
إقرأ أيضاً:
من البلقان إلى شرق أوروبا ومن تركيا إلى إسرائيل..لماذا تتصاعد الاحتجاجات السياسية حول العالم؟
تضاعفت الاحتجاجات السياسية في العديد من دول العالم في الآونة الأخيرة، نتيجة عدد من العوامل التي تتراوح بين سياسات حكومية متسلطة أو غير فعالة، والفشل في التعامل مع قضايا اقتصادية واجتماعية ملحة. هذه الحركات الشعبية تعكس تزايد الغضب الشعبي، وتطرح تساؤلات حول قدرة الحكومات على تلبية احتياجات شعوبها، والحفاظ على استقرار الأنظمة الديمقراطية.
وقال الباحثان توماس كاراذرز، وجودي لي في تقرير نشرته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن عدة مناطق تشهد تصاعداً ملحوظاً في الاحتجاجات المناهضة للحكومات، وتحمل طابعاً سياسياً واضحاً. فقد اندلعت موجة احتجاجات في البلقان، شملت البوسنة، ومونتينيغرو، ومقدونيا الشمالية، وصربيا. كما شهدت دول وسط وشرق أوروبا، مثل جورجيا، والمجر، وسلوفاكيا، احتجاجات مماثلة. وامتدت موجة التظاهرات إلى اليونان، وإسرائيل، وموزمبيق، وكوريا الجنوبية، وتركيا.
ويتساءل الباحثان ما الذي يحفز هذا التصاعد في الاحتجاجات السياسية؟ وهل يشكل ذلك تطوراً إيجابياً أم سلبياً لمستقبل الديمقراطية في العالم؟
ويقول الباحثان إن الخطوات الحكومية المناهضة للديمقراطية هي المحرك الرئيسي لمعظم هذه الاحتجاجات. ففي حالتي جورجيا وموزمبيق، أدت مزاعم التلاعب بالانتخابات الوطنية إلى خروج المواطنين إلى الشوارع. وفي جورجيا، زاد قرار الحكومة الجديدة تعليق محادثات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي حدة التوتر. واستمرت الاحتجاجات في البلدين عدة أشهر. جورجيا.. اعتقال معارضين خلال احتجاج ضد الحزب الحاكم - موقع 24أوقفت الشرطة الجورجية اثنين من قياديي المعارضة خلال تحرّك احتجاجي ضد الحزب الحاكم، الذي يتّهمه معارضوه بتقويض الديمقراطية والدفع بالبلاد نحو تقارب مع روسيا.
أما في حالات أخرى، فلم تكن الإجراءات المناهضة للديمقراطية مرتبطة بالانتخابات. ففي المجر، اندلعت الاحتجاجات بعد أن أقر البرلمان المجري، في 18 مارس (آذار)، قانوناً يحظر مسيرات الفخر للمثليين، ويسمح للسلطات باستخدام تقنيات التعرف على الوجه، التي حصلت عليها من الصين، لتحديد المشاركين في الفعاليات المحظورة.
وفي إسرائيل، تصاعدت الموجة المستمرة من الاحتجاجات ضد رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بسبب تركيزه المتزايد للسلطة السياسية، بعد إعلانه في 16 مارس (آذار) إقالة رئيس جهاز الأمن العام، شاباك رونين بار، حيث يرى المحتجون أن هذه الخطوة تعكس إصراره على البقاء في السلطة بأي ثمن. كما شهدت إسرائيل ارتفاعاً في الاحتجاجات عقب استئناف الحملة العسكرية ضد حماس في 18 مارس (آذار).
وأثار إعلان الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول الأحكام العرفية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي موجة تعبئة شعبية واسعة في الشوارع. ومنذ رفع الأحكام العرفية، تواصلت الاحتجاجات المطالبة بعزل يون، ما يعكس الغضب الشعبي من تصرفاته والمخاوف على مستقبل الديمقراطية في كوريا الجنوبية.
وفي تركيا، اندلعت احتجاجات بعد أن أمرت الحكومة، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، باعتقال أحمد أوزر، رئيس بلدية منطقة إيسنيورت في إسطنبول وعضو حزب الشعب الجمهوري المعارض. وتصاعدت المظاهرات أكثر بعد اعتقال عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو، الخصم السياسي الأبرز للرئيس رجب طيب أردوغان، في 17 مارس (آذار).
أما في صربيا، فبدأت الاحتجاجات في نوفمبر (تشرين الثاني) رداً على الفساد الحكومي عقب انهيار سقف مدخل محطة قطارات، لكنها تحولت لاحقاً إلى تظاهرات حاشدة مؤيدة للديمقراطية، تهاجم حكم الرئيس ألكسندر فوتشيتش وحزبه التقدمي الصربي.
وفي حالات أخرى، كانت الاحتجاجات ذات دوافع سياسية، لكنها لم تكن ناتجة بالدرجة الأولى عن سلوكيات مناهضة للديمقراطية من قبل الحكومات القائمة، بل نتيجة الإحباط العميق من ضعف الاستجابة الحكومية للكوارث، وغياب المساءلة الفعالة. ففي البوسنة، تأخرت الحكومة في مواجهة فيضان مدمر، وفي اليونان، استمرت الاحتجاجات بسبب تقاعس الحكومة بعد حادث قطار مميت، أما في مونتينيغرو، فجاء الغضب الشعبي بعد تعامل السلطات مع إطلاق نار جماعي، وفي مقدونيا الشمالية، بسبب الفساد الذي أحاط بانتهاكات للسلامة ساهمت في حريق كارثي في ملهى ليلي.
وفي الولايات المتحدة، شهدت العديد من المدن احتجاجات صغيرة ومتوسطة الحجم ضد بعض الإجراءات المبكرة التي اتخذتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، والتي اعتبرها بعض المواطنين مثيرة للجدل، مثل السياسات الجديدة في الهجرة، واقتراح ترامب ترحيل الفلسطينيين من غزة.
كما سجلت مجموعة من الاحتجاجات اللافتة دعماً لزعماء أو شخصيات سياسية متهمة باتخاذ خطوات مناهضة للديمقراطية. ففي البرازيل، خرجت مظاهرات مؤيدة للرئيس السابق جايير بولسونارو، وفي الفلبين، دعماً للرئيس السابق رودريغو دوتيرتي، وفي كوريا الجنوبية، تأييداً ليون، وفي رومانيا، دعما للمرشح الرئاسي اليميني المحظور كالين جيورجيسكو.
ويرى بعض المراقبين السياسيين في البلقان أن هناك تأثيرات عدوى انتقلت من الاحتجاجات في صربيا، إلى دول أخرى في المنطقة. غير أن الاحتجاجات خارج البلقان بدت، في الغالب، ذات دوافع محلية بحتة.
ويقول الباحثان، إن هذا التنامي الملحوظ للاحتجاجات السياسية في الأشهر الستة الماضية يقدم صورة مزدوجة لحالة الديمقراطية العالمية. فمن جهة، تعكس هذه التحركات أخباراً سيئة، تتمثل في مواصلة بعض القادة المنتخبين السير في مسار استبدادي، يسعى إلى تقويض الحياة الديمقراطية في بلدانهم. ومن جهة أخرى، تمثل هذه الاحتجاجات تعبيراً حياً عن التزام الكثير من المواطنين بالحفاظ على المعايير الديمقراطية، والمطالبة بالمساءلة الحكومية، رغم ما قد يواجهونه من مخاطر شخصية جسيمة.
ويخلص الباحثان إلى أنه حتى الآن، لم تنجح هذه التحركات الشعبية في إيقاف الإجراءات السلطوية المثيرة للقلق، إلا أن احتجاجات صربيا، أسفرت عن استقالة رئيس الوزراء، وقد تفضي إلى انتخابات مبكرة، وهي تطورات تؤكد أن القادة المنتخبين ذوي التوجهات الاستبدادية، مهما بلغ دهاؤهم وإصرارهم، لا ينجحون دائماً في فرض إرادتهم بسهولة.