مريض منذ عدة أيام وأتابع عملي الصحفي قدر الإمكان وأرد على الرسائل وبعض الاتصالات الخاصة بالعمل حسب "مفعول المسكنات التي أوصى بها الطبيب"، لا سيما الرسائل والاتصالات التي تتعلق بالتغطية الصحفية للعدوان الإسرائيلي الدموي على قطاع غزة المستمر منذ 96 يوما، والذي راح ضحيته أكثر من 23 ألف شهيدا بينهم 109 صحفيين، ونحو 60 ألف مصاب، وخلّف كارثة إنسانية غير مسبوقة ودمارا "نوويا" في جميع أنحاء القطاع الذي يعيش فيه نحو 2.
المرض مؤلم بطبيعة الحال ونتغلب على آلامه أو نتعايش معها، غير أن أكثر ما آلمني أثناء وجودي في المستشفى ولا يزال؛ هي مشاهد وداع الزميل الصحفي والإعلامي وائل الدحدوح لابنه الصحفي حمزة الدحدوح برفقة زميله الخلوق المبتسم مصطفى ثريا بعد استشهادهما في قصف إسرائيلي غاشم استهدف سيارة الصحفيين غرب مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة؛ أثناء عودتهما من مهمتهم الصحفية.
الألم لدى وائل مزدوج ومركب ومتوال ولا يقوى على حمله إلا من ألهمه الله الصبر ورزقه ثبات الجبال الرواسي، وكذلك شعور كل حر بألم وائل، فهو شعور بذلك الألم المركب الذي جمع بين وداع الابن الأكبر البار بوالده، والذي لحق بأمه وإخوته الشهداء؛ والزميل الشاب المقدام الصاعد الواعد الذي لحق برفيق المهنة المصور سامر أبو دقة وسائر الزملاء الشهداء الذين تجاوزوا المئة شهيد في أعنف عدوان يواجهه الصحفيون بالتاريخ.
أعرف زملاء صحفيين كثرا مهمومين بما يجري في غزة، ويواصلون العمل ليلا ونهارا لمتابعة التغطية الصحفية لهذه الحرب المدمرة في محاولة لنقل أحداثها وتفنيد ادعاءات الاحتلال ومزاعمه، بينما الصحفيون الأبطال في غزة يروون الحقيقة بدمائهم ويضحون بأنفسهم من أجل نقلها للعالم ولو على حساب أرواحهم؛ بل وأرواح أسرهم وعائلاتهم التي يستهدفها الاحتلال في محاولات يائسة للضغط عليهم ومنعهم من نقل هذه الحقيقة التي تؤلم المعتدين وأتباعهم وتدحض رواياتهم الزائفة.
فكلنا شاهدنا وائل الدحدوح يدفن زوجته وابنه محمود وابنته شام البالغة من العمر 8 سنوات الذين استشهدوا في قصف إسرائيلي استهدف منزلهم، ثم يعود للعمل بعدها بساعات قليلة ويظهر على شاشة الجزيرة ليواصل التغطية، ثم تكرر الأمر بعد استشهاد رفيق عمله المصور في الجزيرة سامر أبو دقة، ولم تثنه الإصابة عن التوقف عن التغطية، ولم يتغير الحال رغم قسوته عند استشهاد ابنه الأكبر الصحفي حمزة الدحدوح، حتى بات الدحدوح يوصف بجبل غزة التي تخلو تضاريسها من الجبال.
وائل الدحدوح وزملاءه الصحفيين في غزة باتوا يشكلون جبالا من الثبات الأسطوري ويبثون على الهواء مباشرة روح هذا الثبات لجميع زملائهم الأحرار حول العالم،
إن وائل الدحدوح وزملاءه الصحفيين في غزة باتوا يشكلون جبالا من الثبات الأسطوري ويبثون على الهواء مباشرة روح هذا الثبات لجميع زملائهم الأحرار حول العالم، ويشكلون بذلك ما يمكن وصفه وبلا مبالغة بـ"سلسلة جبال الدحدوح" والتي ستمتد لتتجاوز بطولها سلسلة جبال الإنديز (أطول سلسلة جبال في العالم وتمتد لأكثر من 8064 كيلومترا، وتمر عبر سبعة بلدان).
لا أحد حتى الآن يعرف متى ستنتهي الحرب في غزة، ولا حتى من اتخذ قرار بدء العدوان الغاشم، ولا أحد يعرف إلى أي مصير سيكون عليه قطاع غزة بعد انتهاء هذا العدوان وسط تكهنات وسيناريوهات كلما وضعها أصحابها نسفها أهل غزة الأبطال نسفا؛ حتى يفرضوا هم السيناريو الذي يريدونه شاء من شاء وأبى من أبى، لكن الكل يعرف الآن أن جميع أهل غزة بأطفالها وشيوخها ورجالها ونسائها وشبابها وفتياتها وصحفييها وأطبائها وكل أيقوناتها وكوادرها المهنية باتوا نبراسا للحق والعزة والصمود والتضحية والفداء والإباء؛ وكل كلمات اللغة التي تعجز عن وصف تضحياتهم في سبيل حرياتهم وتحرير مقدسات الأمة.
علامة مهنية على أن أصحاب القضايا العادلة من الصحفيين والإعلاميين يخلدون ولا يموتون حتى وإن طالتهم غارات الانتقام أو رصاص الظلم
لا أحد يعلم متى ستنتهي الحرب، لكن الكل يعلم أن طلاب غزة وتلاميذها الذين فقدوا عامهم الدراسي بسبب العدوان الإسرائيلي الغاشم، باتوا مصدرا لتعليم علماء الأمة وودعاتها ومفكريها ومنظريها وكتابها ومؤلفيها وصحفييها معاني ودروس عملية تعجز ألسنتهم وأقلامهم عن وصفها. ويبقى على كل هؤلاء وغيرهم أن يردوا الفضل لأصحاب الفضل من أهل غزة؛ عليهم وعلى الأمة كل حسب تخصصه ومجاله.
ويا كل صحفي وإعلامي حر في أي بقعة من بقاع المعمورة، سواء كنت تنتمي لمؤسسة إعلامية أو تمتلك حسابا أو قناة على منصات التواصل الاجتماعي، خلّد وجودك وكن جبلا شامخا أو حتى هضبة عالية في "سلسلة جبال الدحدوح" التي تشكلت في غزة وستمتد لجميع أنحاء العالم، لتكون علامة مهنية على أن أصحاب القضايا العادلة من الصحفيين والإعلاميين يخلدون ولا يموتون حتى وإن طالتهم غارات الانتقام أو رصاص الظلم، فخير جهاد كلمة حق عند سلطان جائر.. ولتكن من الآن فصاعدا علامة خلودك في الدنيا في انتمائك لـ"سلسلة جبال الدحدوح".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة صحفيين وائل الدحدوح غزة صحفيين وائل الدحدوح مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وائل الدحدوح فی غزة
إقرأ أيضاً:
"الصحفيين العرب يتضامن مع النقابة اليمنية فى عدن ضد الإجراءات التعسفية من السُلطة
أدان اتحاد الصحفيين العرب، الإجراءات الحكومية التعسفية ضد نقابة الصحفيين اليمنيين في العاصمة المؤقتة عدن، بعدما قامت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في اليمن، بتعليق وإيقاف نشاط النقابات المهنية، وفي مقدمتها نقابة الصحفيين، وما رافق هذه التوجهات من تحريض علي القيادات النقابية بعدن وتهديد حياتهم وتعريضهم للخطر.
وأعلن الاتحاد متابعته بقلق بالغ الإجراءات التضييقية علي نقابة الصحفيين اليمنيين بعدن، وعلى العمل النقابي بشكل عام، مؤكدًا أن هذه الإجراءات التعسفية وغير القانونية تأتي في سياق استهداف ممنهج منذ فترة بدأ بالسيطرة علي مقر النقابة في الشهور الأولي للحرب، واقتحام مقر النقابة العام الماضي بحماية من بعض القوات الأمنية ومنع إقامة الفعاليات وصولا لهذا التوجه غير الدستوري بإيقاف نشاط النقابة، وتهديد رئيس فرع النقابة بعدن محمود ثابت، والتحريض عليه.
وعبّرت نقابة الصحفيين اليمنيين في بيانها، عن استغرابها من هذا العداء من قبل وزارة في الحكومة الشرعية، مشيرة إلى أن ذلك شبيه بما نفذته جماعة الحوثي بحق النقابة في صنعاء من إيقاف نشاطها والتضييق على عملها، وكأن أطراف الصراع متفقة في الحرب على النقابة والعمل النقابي.
وأعلن اتحاد الصحفيين العرب، تضامنه الكامل مع نقابة الصحفيين اليمنيين ويؤكد استمراره في الدفاع والدعم للصحفيين في كل اليمن، بمختلف توجهاتهم، وانتماءاتهم.
وطالب اتحاد الصحفيين العرب، السُلطات اليمنية بإعادة مقر نقابة الصحفيين اليمنيين في عدن، والسماح بمزاولة أنشطتها، وتوفير وضمان الحماية لكل الصحفيين، وخاصةً الصحفي محمود ثابت رئيس النقابة بعدن وكل القيادات هناك.