منذ الأحد الماضي، لم يغادر مطار رفيق الحريري الدولي «رادار» الاهتمام ما فوق العادي، وسط سؤال ضجّ في كل مكان: ماذا جرى في المرفق الحيوي رقم واحد في لبنان... خرق أمني سيبراني، اعتداءٌ خارجي أم «حرتقة» داخلية؟حتى الآن لم تُكشف الحقيقة رغم بعض «الخيوط» التي باتت في أيدي الأجهزة الأمنية وإن لم تكن كافيةً لتقديم صورةٍ كاملة عن كيفية «إسقاط» بعض الخدمات الرئيسية في المطار الذي توالى على تَفَقّده وزيرا الأشغال والنقل علي حمية والداخلية بسام المولوي.
ما حصل في مطار رفيق الحريري الدولي ليس بالأمر البسيط وخصوصاً أن وجود «يد» اسرائيلية في هذا الخرق لم تُستبعد إذا وُضع «الهجوم» في «مسرحِ العمليات» الأكبر اللبناني - الاقليمي الذي يطغى عليه «المرقّط» في ضوء حرب غزة والمواجهات المستعرة على جبهة الجنوب بين «حزب الله» واسرائيل.عصر الأحد تعرّضتْ شاشاتُ عرض مواعيد الرحلات للقرصنة وبُثت عليها نصوص مناوئة لحزب الله وحربه في الجنوب مع توقيعٍ وشعارٍ تم التسويق له على أنه لحركة «جنود الرب» اللبنانية التي سبق أن ظهرت في منطقة مسيحية قبل أشهر والتي سرعان ما نفت أي علاقة لها بما جرى.وأبعد من «المشهدية» التي شهد عليها كل الحاضرين في المطار كان تعرُّض حزام نقل الحقائب للاختراق ما أسفر عن تعطل نظامه وترْك الحقائب تتخبّط على السجادة من دون مراقبة فعلية من آلة السكانر، لتمرّ ساعات طويلة قبل أن تُستعاد الشاشات ويعود جرّار الحقائب للعمل مع نقْل عملية تفتيشها إلى سكانرات غير موصولة بالحزام ويديرها عناصر أمنٍ تم زيادة عددهم كي لا تمرّ أي حقيبة من دون تفتيش.هل توقّف الخرق عند هاتين النقطتين أم تَعدّاهما الى نقاط أكثر أهمية لم تُكتشف؟ مَن وراء القرصنة؟ هل كانت العملية مجرد تمويه لعمليات تهريب تحصل عبر المطار؟ وهل يمكن استبعاد إسرائيل التي لم تنفكّ تهدّد المطار في كل مناسبة؟أسئلة كثيرة شغلت الرأي العام في الداخل والخارج. فلبنان الذي يتعرّض لاعتداءات إسرائيلية يومية تخطّت جنوبه لتطال قلب ضاحيته الجنوبية، تظهَّر انكشافُه السيبراني ليضاف إلى انكشافه الأمني. وقد اعترف الوزير حمية بأن استراتيجية
الأمن السيبراني التي أقرت في 2018 لا تزال حتى اليوم «حبراً على ورق».كما أقرّ وزير الاتصالات جوني القرم ومعه مؤسسة أوجيرو بأنه رغم إدخال الوزارة مبلغ 220 مليون دولار الى الخزينة اللبنانية إلا أنها لم تتلقَ المبالغ الكافية لإجراء الصيانة على شبكات الهاتف وهي لم تُنجَز منذ 2019. وإذا كانت شبكات الهاتف لم تخضع للصيانة فكيف بشبكة الانترنت وكل ما يتعلق بالأمن السيبراني؟أكثر من صوت ارتفع ليحذّر من عدم وجود نظام فعال للأمن السيبراني ولا أجهزة حماية ولا حتى خبراء رفيعي المستوى في هذا الشأن الحساس يَعملون في الوزارات والمَرافق العامة، ما يجعل لبنان بلا أي «أحزمة أمان» في ما خص الأمن السيبراني. وقد عبّر وزير الاتصالات صراحة عن ذلك بقوله إن العالم في مكان ولبنان في مكان آخَر في ما يختص بالأمن السيبراني.انطلاقاً من هذه الصورة العامة يمكن فهْم أو تفهُّم ما جرى في مطار بيروت، بوصْفه عملية كان حصولها مجرّد مسألة وقت أو «قرار» من الجهة التي «ضغطت على الزرّ». وللإضاءة على الموضوع بشكل أوضح، سألت «الراي» الخبير في التحول الرقمي وأمن المعلومات رولان أبي نجم عن حقيقة ما شهده المطار.أول ما أكد عليه خبير الأمن السيبراني «أن ما حصل خطر جداً لأسباب عدة. فبدايةً لا أحد يعرف بالضبط متى حصل الاختراق، ويمكن أن يكون المطار مخترَقاً منذ أسابيع أو أشهر أو حتى سنوات ولا أحد مُدْرِكٌ لذلك. وثانياً، حتى الآن لم يتكشّف حجم الضرر أو ما المشاكل التي يمكن أن تتكشّف نتيجة الخرق، وهذا الأمر أكد عليه وزير الأشغال الذي قال إنهم لا يزالون يُحْصون الأضرار. كما أوضح أنهم جهّزوا المطار بـserver او خادم جديد لأن الخوادم القديمة باتت خارج الخدمة ولا يعرف إذا تم أخذ الداتا منها».كثيرة هي الملاحظات التي يتحدث عنها أبي نجم و«يشكل كل منها كارثة حقيقية على الأمن السيبراني للمطار». ويقول: «الشاشات التي تم اختراقها لا تزال تعمل بنظام Window XP وهو نظام يعود تاريخه الى 25 عاماً مضتْ وقد تخلت عنه شركة مايكروسوفت ولم تَعُدْ تُجْري له صيانة أو تحديثاً. الخطر الثاني هو كون هذه الشاشات موصولة إلى شبكة الانترنت وهو ما يولّد خطراً حقيقياً باختراقها لأن كل ما هو متصل بالانترنت يمكن مبدئياً خرقه. في حين انه في مكان حيوي كالمطار لا بد من تأمين الحماية القصوى للشبكات، والأهمّ فصلها عن بعضها البعض واعتماد شبكات داخلية مع مَداخل محدودة، بحيث أنه في حال حدوث خرقٍ ما يكون محدوداً ولا يطال كل الشبكات في المطار».السؤال الذي يطرحه الجميع وقد بدأت تتكشّف بعض خيوط إجابته: هل كانت شاشات العرض هي المستهدَفة أم كانت نوعاً من التمويه بغية خرق مكان آخَر؟ الأكيد يقول ابي نجم «ان موضوع الشاشات كان للإلهاء فقط، وقد اعترف وزير الأشغال بنفسه بأن الخرق طال أكثر من موقع».بعض الأصوات حذّرت غداة الخرق من أن يكون ما حصل على الشاشات عملية إلهاء لتعطيل نظام BHS أو ناقل الحقائب وذلك بهدف حصول عملية تهريب ما، وخصوصاً أن تعطيل النظام عطل عمل أجهزة السكانر التي تمرّ عبرها الحقائب (على الحزام). لكن وزير الأشغال أكد أن حزام نقل الحقائب وحده هو الذي تعطّل فيما بقي بالإمكان تشغيل السكانر بشكل يدوي. وقد قامت قوى الأمن الداخلي وجهاز أمن المطار لاحقاً بالتدقيق بكل الحقائب.وفرضية التهريب لقيت أصداءً لها ربطاً بتحذيرات من إحدى الدول قيل إنها وصلت الى الأجهزة المختصة في مطار بيروت تكشف أن عمليات تهريب لبضائع بكميات تجارية تتم عبر حقائب المسافرين الواصلين الى لبنان.هذا الأمر أثار أسئلة أخرى: هل يمكن الوثوق بالتشغيل اليدوي للسكانر؟ وماذا لو كان أشخاص من الداخل قد تسبّبوا بوصول الفيروس الذي أصاب نظام نقل الحقائب؟ ولماذا تم الإيحاء عبر الشاشات المخترَقة بأن جماعات مناهضة لحزب الله هي مَن قامت بالأمر؟أسئلة كثيرة وكبيرة يطرحها الخرق الذي حصل في المطار حول أمن هذا المرفق الحيوي ومن خلاله أمن لبنان ككل، وقد بات معروفاً اليوم في العالم أن الحروب السيبرانية جزء لا يتجزأ من أي حروب تقليدية وقد تُغْني عنها أحياناً، وأن الأمن السيبراني يوازي بأهميته كل العناصر العسكرية والحربية والأمنية للحفاظ على أمن البلد.«بناء على هذا الاختراق الذي لم تتضح كل مفاعيله بعد» يقول الخبير في الأمن السيبراني رولان ابي نجم «يمكن لسمعة مطار رفيق الحريري الدولي أن تتأثر وأن يتم وضعه لا سمح الله على اللائحة السوداء. ومع هذا التصنيف لا يعود مسموحاً للطائرات بالنزول فيه وهذا ما يشكّل كارثة على لبنان. لكن وبحسب وزير الأشغال تم تدارك المشكلة وفُصلت الأنظمة عن بعضها مؤقتاً في المطار ليُعاوَد ربْطها لاحقاً وهذا في ذاته خطأ لأن ثمة ضرورة لفصل الشبكات عن بعضها للحدّ من الخطر.»الوزير حمية أكد في مؤتمره الصحافي من المطار أن الأجهزة الأمنية المختصّة تقوم بالتحريات اللازمة لمعرفة وتحديد مصدر الخرق ونوعيته ومدى الضرر الذي أَحْدَثَه على الشبكة «وقد تم إجراء الكشف المبدئي من الأجهزة الأمنية المختصة التي تملك خبرات واسعة في هذا المجال وتحديد مدخلية الخرق» مع الإصرار على «أن تكمل الأجهزة الأمنية عملها لكشف المزيد من الوقائع».وفي الواقع استؤنف وصول ومغادرة الركاب للمطار بشكل طبيعي رغم كون اللغز لم يُحلّ بشكل تام بعد.وبالنسبة لأبي نجم «المعالَجات التي اعتمدت في المطار هي نوع من الترقيع الذي لا يحقق الأمن السيبراني للمطار إذ ثمة أسئلة لا تزال بحاجة للإجابة عنها: متى حصل تحديث للأنظمة في المطار آخِر مرة؟ هل من دورات تدريبية على الأمن السيبراني يَخضع لها موظفو المطار؟ وهل من شركة تدقيق في الأمن السيبراني تَكشف على الأنظمة وتحدد الثغر فيها؟». اغتيالات إسرائيل تفرض قواعد اشتباك جديدة منذ يوم لا وقف لحرب غزة أو الانتقال إلى مراحل أخرى ... في ظل الفشل بتحقيق الأهداف منذ يومين
المصدر: الراي
كلمات دلالية:
الأمن السیبرانی
الأجهزة الأمنیة
وزیر الأشغال
فی المطار
إقرأ أيضاً:
حزب الله يحدد موقعا لدفن حسن نصر الله
حدد حزب الله اللبناني موقعا لدفن جثمان زعيمه السابق حسن نصر الله، حسبما أفادت مصادر الحزب لصحيفة "الشرق الأوسط"، الثلاثاء.
وأوضحت المصادر أن موقع دفن حسن نصر الله سيكون "قطعة أرض على الطريق القديمة المؤدية إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت".
وأضافت أن الموقع "سيكون مزارا".
وقالت المصادر إن "الاستعدادات جارية لتشييع جثماني نصر الله، ورئيس المجلس التنفيذي للحزب هاشم صفي الدين، في مأتم شعبي واحد، على أن يدفن الأخير، حسبما أوصى، في بلدته دير قانون بقضاء صور".
وقتل نصر الله ومن بعده صفي الدين، في هجمات إسرائيلية عنيفة في سبتمبر وأكتوبر الماضيين، على ضاحية بيروت الجنوبية.
وتردد اسم صفي الدين كخليفة محتمل لنصر الله، لكن الوقت لم يسعفه لتسلم مهام قيادة حزب الله رسميا.
لبنان يقدم شكوى ضد إسرائيل إلى مجلس الأمن
قدم لبنان شكوى إلى مجلس الأمن الدولي بشأن الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ قبل نحو شهر.
وفي التفاصيل، قدمت وزارة الخارجية والمغتربين بواسطة بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك شكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتضمن احتجاجا شديدا على الخروقات المتكررة التي ترتكبها إسرائيل لـ"إعلان وقف الأعمال العدائية والالتزامات ذات الصلة بترتيبات الأمن المعززة تجاه تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 والتي بلغت أكثر من 816 اعتداء بريا وجويا بين 27 نوفمبر و 22 ديسمبر 2024".
وأشار لبنان في الشكوى بحسب وزارة الخارجية أن الخروقات الإسرائيلية "من قصف للقرى الحدودية اللبنانية تفخيخ للمنازل تدمير للأحياء السكنية وقطع للطرقات تقوض مساعي التهدئة وتجنب التصعيد العسكري، وتمثل تهديدا خطيرا للجهود الدولية الرامية إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، كما أنها تعقد جهود لبنان في تنفيذ بنود القرار 1701 وتضع العراقيل أمام انتشار الجيش اللبناني في الجنوب".
وإذ جدد لبنان التزامه بالقرارات الدولية وتطبيق ترتيبات وقف الأعمال العدائية وأكد أنه تجاوب بشكل كامل مع الدعوات الدولية لتهدئة الوضع وما زال يظهر أقصى درجات ضبط النفس والتعاون في سبيل تجنب الوقوع مجددا في جحيم الحرب ودعا مجلس الأمن لا سيما الدول الراعية لهذه الترتيبات إلى إتخاذ موقف حازم وواضح إزاء خروقات إسرائيل والعمل على إلزامها باحترام التزاماتها بموجب إعلان وقف الأعمال العدائيّة والقرارات الدولية ذات الصلة" وفق وزارة الخارجية.
وطالب لبنان بتعزيز الدعم لقوات اليونيفيل والجيش اللبناني لضمان حماية سيادته وتوفير الظروف الأمنية التي تتيح له استعادة استقراره وعودة الحياة الطبيعية إلى جنوبه".
وأمس الاثنين، أفادت صحيفة "الأخبار" بأن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي استدعى اللجنة الخماسية المكلفة بمتابعة اتفاق وقف إطلاق النار لبحث خروقات الجيش الإسرائيلي، وأنه طلب للمرة الأولى الاجتماع باللجنة "للتأكيد على أن ما يقوم به العدو الإسرائيلي في الجنوب من خروقات يسبب إحراجا للدولة اللبنانية التي وقعت قرار وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية".
وأفادت مصادر مطلعة بأن "ميقاتي سيطلب من الجانبين الأمريكي والفرنسي الضغط على إسرائيل لوقف خروقاتها لأن استمرارها يعني انفجار الوضع في أي لحظة وسقوط الهدنة".
وفي 27 نوفمبر الماضي تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين "حزب الل"ه اللبناني وإسرائيل بعد أكثر من عام على تبادل الهجمات على الحدود.
في حين يواصل الجيش الإسرائيلي خرق اتفاق وقف إطلاق النار، حيث فجر وجرف عددا من المنازل والبساتين والممتلكات في عدة قرى وبلدات بجنوب لبنان.