سلط أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية ببيروت، هلال خشان، الضوء على تصاعد احتمال نشوب حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، مشيرا إلى هذه المواجهة بدت أمرا لا مفر منه منذ الحرب غير الحاسمة بينهما في عام 2006.

وذكر خشان، في تحليل نشره موقع "جيوبوليتيكال فيوتشرز" وترجمه "الخليج الجديد"، أن السحب العاصفة كانت تتجمع بين الطرفين حتى قبل عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وذلك عندما بدأت إسرائيل في بناء جدار حول الجزء اللبناني من قرية الغجر لمنع اللبنانيين من دخوله، مشيرا إلى أن إسرائيل احتلت القرية خلال حرب الأيام الستة عام 1967، ثم وسعت نطاق سيطرتها عليها خلال احتلالها لجنوب لبنان من عام 1982 إلى عام 2000.

وأضاف أن حزب الله رد على بناء إسرائيل للجدار بنصب خيمتين في مزارع شبعا التي تسيطر عليها إسرائيل، مستغلا أن إسرائيل تفتقر إلى الإرادة لخوض الحرب، نظراً لانشغال حكومة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بالأزمات الداخلية.

وبعد اندلاع "طوفان الأقصى"، بدأ حزب الله هجمات منخفضة الشدة في جنوب لبنان لدعم غزة، وخلص إلى أن إظهار التضامن الرمزي مع حماس لن يؤدي إلى حرب واسعة النطاق. وقال الأمين العام للحزب، حسن نصرالله، إن إسرائيل كانت تنوي القضاء على المقاومة الإسلامية في لبنان، لكنها خسرت المبادرة وألغت خططها.

وردا على تصاعد المناوشات على الحدود مع لبنان مؤخرا، قال وزير الجيش الإسرائيلي، يوآف جالانت: إذا ارتكب نصر الله نفس الخطأ الذي ارتكبته حماس فستكون العواقب وخيمة على لبنان.

وطالب جالانت وغيره من كبار المسؤولين الإسرائيليين حزب الله بالانسحاب من المنطقة الحدودية لتجنب الحرب، لكن الحزب لا يستطيع أن يحزم أمتعته ويغادر المنطقة لأن القيام بذلك من شأنه أن يدمر سمعته كحركة مقاومة، بحسب خشان، ما دفع المسؤولين الإسرائيليين إلى التحذير من أن "وقت الدبلوماسية ينفد".

حسابات حزب الله

ويشير خشان إلى أن الحرب بين إسرائيل وحماس خلقت معضلة خطيرة لحزب الله، فإذا نأى الحزب بنفسه عن حماس فسيلومها الرأي العام العربي والإسلامي، وإذا اندفع إلى المواجهة فإنه سيمنح الحكومة الإسرائيلية الحرب التي تريدها.

وعندما قرر حزب الله إظهار التضامن مع حماس، امتنع عن إطلاق وابل من صواريخه الأكثر تدميرا، واعتمد بدلاً من ذلك في المقام الأول على القذائف المضادة للدروع.

ورغم تحذير نصر الله من أن إسرائيل ستندم إذا هاجمت لبنان، إلا أن "رد حزب الله الفاتر على قوة النيران الإسرائيلية الفتاكة كشف عن إحجامه عن خوض حرب شاملة، بحسب خشان، مشيرا إلى أن ذلك لم يردع إسرائيل عن شن غارة بطائرة مسيرة الأسبوع الماضي أسفرت عن مقتل نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، صالح العاروري، في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله.

اقرأ أيضاً

صحيفة عبرية: إسرائيل سقطت في حفرة غزة.. وليست مستعدة لحرب مع حزب الله

ويرى خشان أن اغتيال العاروري كان الضربة الأقسى التي يتلقاها حزب الله منذ اغتيال أمينه العام، عباس الموسوي، في غارة جوية على جنوب لبنان في عام 1992، مشيرا إلى أن نصر الله تعهد، العام الماضي، بحماية قادة حماس والجهاد الإسلامي المقيمين في لبنان، وتحديداً العاروري.

ووصف نصر الله اغتيال العاروري بأنه لا يمكن السكوت عنه، وقال إن حزب الله يعتزم الرد عليه في ساحة المعركة، وعندما فعل ذلك، لم يتسبب إطلاقه لأكثر من 60 صاروخاً على قاعدة جوية إسرائيلية في وقوع إصابات بشرية، فيما قتل 5 من مقاتلي الحزب في الرد الإسرائيلي.

وهنا يشير خشان إلى أن حزب الله يتعين عليه أن يحمي القضية الفلسطينية لتبرير رفضه حل جناحه العسكري، لكنه يتكبد خسائر فادحة في المواجهات العسكرية مع إسرائيل.

وإضافة لذلك، فإن الفجوة التكنولوجية بين إسرائيل وحزب الله أصبحت أوسع من أي وقت مضى، ورغم أن الحزب كثيراً ما يتباهى بمخزوناته الكبيرة من الصواريخ، والتي تبلغ حوالي 200 ألف صاروخ، وهو ما يتجاوز بكثير ما تمتلكه معظم دول حلف شمال الأطلسي، إلا أن هذه الترسانة تمثل رادعا نظريا أكثر منه رادع عملي، بحسب خشان، زاعما أن "حزب الله يعرف ذلك".

ويوضح أستاذ العلوم السياسية أن تخزين حزب الله لصواريخه يتم في مستودعات سرية، وتجهيزها للإطلاق أمر محفوف بالمخاطر لأنه يعرضها للغارات الجوية الإسرائيلية، خاصة أن الحزب لا يمتلك نظام صواريخ أرض جو فعال.

وبعدما قام الحزب بتنشيط جبهة جنوب لبنان في أكتوبر/تشرين الأول، أخلت إسرائيل البلدات الحدودية من سكانها وجعلت كثير من صواريخ حزب الله وقذائفه جنوب نهر الليطاني خارج الخدمة.

وقوبلت محاولة الحزب نقل منصات متحركة لإطلاق الصواريخ بالتدمير من قبل سلاح الجو الإسرائيلي.

ويتألف أكثر من نصف ترسانة حزب الله من صواريخ غير موجهة يتراوح مداها بين 20 و40 كيلومتراً يمكن استخدامها في عمليات إطلاق نار ضخمة لبث الخوف، لكن ليس لها فائدة تذكر عندما يتعلق الأمر بتدمير الأهداف، حسبما يرى خشان.

 ويتضمن مخزون حزب الله أيضاً صواريخ ذات رؤوس حربية أثقل وأطول مدى، مثل فجر 5 (يصل مداها إلى 75 كيلومتراً) وخيبر 1 (يصل مداها إلى 100 كيلومتر)، كما يمتلك صاروخي زلزال-1 وزلزال-2، القادرين على حمل رؤوس حربية متفجرة تزن 600 كيلوجرام (1300 رطل) ويبلغ مداها حوالي 210 كيلومترات، لكن نظام القبة الحديدية الصاروخي يمكنه اعتراضها وإسقاطها بسهولة.

وإضافة لذلك، تتطلب صواريخ زلزال مركبات إطلاق ضخمة وبطيئة في إعادة التحميل، ما يجعلها أهدافًا سهلة للطائرات الحربية الإسرائيلية.

اقرأ أيضاً

غارة إسرائيلية تغتال قائد لواء الجنوب في نخبة الرضوان بحزب الله اللبناني

ويمتلك حزب الله أيضًا صواريخ باليستية من طراز فتح 110، يصل مداها إلى أكثر من 250 كيلومترًا، وهي صواريخ موجهة بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، لكنها لا تزال غير دقيقة إلى حد كبير، بحسب خشان، مشيرا إلى أن هامش خطأ استهدافها يبلغ 500 متر، ما يعني أنه من المتوقع أن يخطئ نصفها على الأقل الأهداف الموجهة إليها.

وبأوامر مباشرة من الحرس الثوري الإيراني في سوريا، نقل حزب الله صواريخ متوسطة وطويلة المدى من مستودعاته في سوريا إلى مناطق على الحدود السورية اللبنانية، وتشمل هذه الصواريخ صاروخ دزفول الذي يبلغ مداه 1000 كيلومتر، وصاروخ كروز سومار الذي يصل مداه إلى 2000 كيلومتر.

ويطلق حزب الله بعض صواريخه من منصات إطلاق مدفونة أو من منصات متحركة يعمل على إخفائها كشاحنات مدنية، بحسب خشان، مشيرا إلى أن معظم المقذوفات الأرض-أرض، التي يستخدمها الحزب، ليست دقيقة.

فعندما أطلق الحزب وابلاً من 48 صاروخاً من طراز جراد في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي رداً على مقتل قائد ميداني، يرأس والده كتلة حزب الله البرلمانية على يد سلاح الجو الإسرائيلي، سقط 20 صاروخاً منها داخل الأراضي اللبنانية، بحسب خشان، مشيرا إلى أن حزب الله "إذا استخدم ترسانته الصغيرة من الصواريخ الدقيقة فسيكون ذلك ضد أهداف استراتيجية، مثل القواعد العسكرية والجسور ومحطات نقل الطاقة والموانئ".

ويشير أستاذ العلوم السياسية إلى أفراد الجبهة الداخلية الإسرائيلية يتم تدريبهم على التعامل مع ضربة صاروخية ناجحة وإصلاح الأضرار، ولذا يدرك حزب الله أن هذه الصواريخ الدقيقة لن تردع إسرائيل عن خوض حرب لطردها من المنطقة الحدودية، وهو يجهز نفسه لهذا الاحتمال.

ترسيم الحدود

كما يدرك الحزب أن الحملة الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة لتسوية قضية ترسيم الحدود البرية بين إسرائيل ولبنان ستصاحب الحرب، وأن أي وقف إطلاق نار نهائي سيتضمن بنداً حول حل مسألة الحدود العالقة.

وسينظر حزب الله إلى ذلك باعتباره انتصاراً، ففي عام 2000 انسحب الجيش الإسرائيلي إلى الخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة، وعلى الرغم من قبول لبنان للخط الأزرق إلا أنه اعترض على 13 نقطة حدودية.

وقال المبعوث الأمريكي الخاص، عاموس هوشستين، الذي توسط في اتفاق عام 2022 لترسيم الحدود البحرية الإسرائيلية اللبنانية، إن المسؤولين اللبنانيين أبلغوه خلال الاجتماعات بأنهم يريدون أيضًا حل قضية الحدود البرية المتنازع عليها، وشدد على أن واشنطن مستعدة لدعم هذا المسعى.

ولا تزيد مساحة المنطقة المعنية عن 50 كيلومترا مربعا، ويبلغ مجموع نقاطها 13، ومع ذلك لم تعلن إسرائيل بعد عن رغبتها في المشاركة بحل الإشكال حولها.

ورحب نصر الله بتولي الدولة اللبنانية مسؤولية ترسيم الحدود البرية، كما فعل عندما قبل اتفاق ترسيم الحدود البحرية، معتبراً أن حزب الله يدعم أي خطة تقرها الحكومة في بيروت. ومع ذلك، قال الأمين العام لحزب الله أيضًا إن الاشتباكات المستمرة على الحدود مع إسرائيل توفر للبنان فرصة تاريخية لتحرير كل شبر من أراضيه، وأشارت لهجته، بحسب خشان، إلى أن "الحرب قادمة، وبعدها لن تكون هناك حاجة لحزب الله للحفاظ على وجود عسكري على الحدود".

ويخلص خشان إلى أن حزب الله سيظل كتلة وازنة في السياسة اللبنانية الداخلية، "لكن اللعبة الطويلة للحزب تقترب من نهايتها" على حد تعبيره.

اقرأ أيضاً

مسيرة إسرائيلية تقتل 3 من حزب الله والجماعة تستهدف مقرا لجيش الاحتلال

المصدر | هلال خشان/جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: إسرائيل لبنان حزب الله حماس غزة طوفان الأقصى حسن نصر الله ترسيم الحدود ترسیم الحدود مشیرا إلى أن بین إسرائیل أن حزب الله جنوب لبنان على الحدود نصر الله الله ا

إقرأ أيضاً:

كيف اغتالت إسرائيل قائد حماس محمد الضيف؟ 5 صواريخ ثقيلة

أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، اغتيال قائدها محمد الضيف، بعد أيام من دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، كما أكدت استشهاد عددًا من القيادات بجانب «الضيف»، لكن، متى وكيف تمت عملية الاغتيال وكيف استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي «الرجل ذو السبع أرواح»؟

في 13 يوليو الماضي، نفذ سلاح الجو الإسرائيلي مجزرة غير مسبوقة استهدفت منطقة مواصي خان يونس، التي صنفها الاحتلال الإسرائيلي من قبل على أنها «منطقة آمنة»، وقال المتحدث باسم جيش الاحتلال حينها، دانيال هاجاري، إن العملية الإسرائيلية في المواصي، استهدفت قيادات من حركة حماس، بينهم، قائد كتائب القسام، محمد الضيف.

وأضاف «هاجاري»: «هناك دلائل متزايدة تشير ضمنًا إلى النجاح في القضاء على محمد الضيف»، مشيرًا إلى أن الضيف ورافع سلامة، قائد لواء خان يونس، كانا يجلسان بجانب بعضهما البعض أثناء الهجوم.

باستخدام 5 صواريخ أمريكية

وكانت الغارة الإسرائيلية تمت باستخدام أسلحة قيل إنها «أمريكية»، وكان في الساعة الـ11 من صباح ذلك اليوم، وتمت بـ5 صواريخ ثقيلة موجهة على مخيمات النازحين غربي خان يونس، وتسببت في استشهاد وإصابة مئات من الفلسطينيين، حسبما ذكرت «القاهرة الإخبارية».

وبحسب صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، فالعملية العسكرية الإسرائيلية استهدفت القنابل المستخدمة في هجوم المواصي وهي قنابل أمريكية من طراز ذخائر الهجوم المباشر المشترك «JDAM»، وهي القنابل التي كانت موضع خلافٍ مع إدارة جو بايدن.

تسببت في حفرة كبيرة

الغارة الإسرائيلية أيضًا، تسببت في حفرة كبيرة للغاية في المنطقة، وأدت إلى تدمير عددًا من المباني وخيام النازخين في خان يونس جنوبي قطاع غزة.

ونفت «حماس» بعد العملية، الادعاءات الإسرائيلية بأن قصف منطقة مواصي خان يونس كان يستهدف قيادات فلسطينية ووصفت تلك المزاعم بالكاذبة، لكن أمس الخميس، 30 يناير 2025، أكدت «حماس» استشهاد «الضيف» وعددًا من القيادات.

مقالات مشابهة

  • خطر قد يهدّد جنازة نصرالله.. باحث إسرائيليّ يكشف!
  • عبدالله يتحدث عن لحظة حرجة وينفي هذا الخبر
  • حزب الله كان يستعدّ لـغزو إسرائيل.. اكتشفوا آخر تقرير!
  • اللبنانيات الجنوبيات في مواجهة الميركافا من مسافة الصفر
  • قتيلان بغارات إسرائيلية على البقاع شرقي لبنان
  • بيان من إسرائيل بشأن الضربات في شرق لبنان
  • كيف اغتالت إسرائيل قائد حماس محمد الضيف؟ 5 صواريخ ثقيلة
  • مسيّرة من لبنان تخترق الحدود صوب إسرائيل للمرة الأولى منذ وقف إطلاق النار
  • مُسيّرة لحزب الله تجتاز الحدود اللبنانية للمرّة الأولى منذ وقف النار
  • هل يصمد وقف النار بين إسرائيل وحزب الله؟