بوابة الوفد:
2025-01-30@13:03:34 GMT

السودان... التقسيم والمأساة (2)

تاريخ النشر: 10th, January 2024 GMT

ومنذ أن انتهت سلطة البشير بعزله عن الحكم، إلا أنه خلف وراءه مآسى ونكبات كان ضحيتها سودانًا موحدًا، إلى انفصال شماله عن جنوبه وتقطيع أوصاله كما ذكرنا آنفًا فى المقال السابق، وترك شعبه بلا رفاهية أو تقدم أو أى إصلاحات اقتصادية واجتماعية، بل عمل على خلق روح العداوة مع مصر وعمل على إضعاف الروابط التاريخية التى كانت تربط وحدة وادى النيل «مصر والسودان»، ومع ذلك لم يكن كافيًا عليه أن يقطع أواصر الاتصال والثقة بوحدة الشعبين،  بل أراد أن يهدم السودان وجعل أرضه خصبة ومباحة للتنظيمات والجماعات ذات التصنيف الإرهابى وأخطرها تنظيم القاعدة، وقد بلغ هذا الحال منتهاه بأن احتضن قادتهم ووفر لهم الملاذ الآمن ومنهم مصريو الجنسية، ومما زاد الأمور تعقيدًا بأن خرج من بين صفوفهم المتهمون بمحاولة اغتيال الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك،  أثناء زيارته إلى العاصمة الإثيوبية «أديس أبابا» لحضور مؤتمر القمة الإفريقية، وكان ذلك بتاريخ 26 من يونيو عام 1995م، وهذا العمل الخسيس كان العامل الأكبر فى احداث شرخ عميق لجدار الثقة بين شعب مصر والسودان،  ولم يقتصر على هذا فحسب  حتى أفضى  إلى خروج مصر من ريادة إفريقيا، وانعدام النظر عن امتداد أمنها القومى فى مياه نهر النيل، والذى يعتبر بدايته تبدأ من عند أول منبع لنقطة مياه تأتى إلينا من بحيرة فيكتوريا، والذى يخرج منها متجها إلى الشمال مارًا بمصب بحيرات ونهر، متجها إلى الشمال أيضا بسيره الربانى مارًا بدول  المصب السودان ومصر،  وبعد ذلك يصبح مستقبل مصالح العلاقات المصرية الإفريقية أكثر عرضة للمخاطر، بعد أن طاشت فيها سهام العداء المسمومة، وقد زادت الشحناء بين القاهرة والخرطوم بطريق الحرب الإعلامية بين البلدين، وكأنَّ مؤامرة أديس أبابا ليس المراد منها اغتيال مبارك، ولكن  هو تحقيق أهداف شيطانية خبيثة، ألا وهى استئصال جذور مصر التاريخية مع إثيوبيا وتدمير علاقاتها مع الشعوب الإفريقية.

وقد اتبع البشير خطة العداء لمصر وضياع مستقبل السودان، من أجل تحقيق الأفكار الشيطانية للمخطط الغربى فى انتزاع  ما تبقى من وحدته، والعمل على اتساع دائرة المعارك بالاستعانة بعناصر من قوات «الجنجويد»، لكبح جماح حالة التمرد التى وقعت فى دارفور، خلال الفترة بين عامى 2003م إلى 2005م، وإن كانت مآربه الشيطانية فى أن يتخلص من أعدائه فى دارفور بأن استخدم قوات مرتزقة لمحاربة شعبه، إلا أن نيته وسوء مقصده، كان يريد أن تكون هذه العناصر من الميليشيات قوة ردع تحميه وتتصدى ضد أى خطر قد يتعرض له،  يهدد نظام حكمه سواءً كان بطريق ثورة شعبية، أو تمرد مسلح أو انقلاب عسكرى يطيح به فى أى وقت.

لقد أخطأ البشير عندما استقوى بجماعة غير نظامية وغير شرعية، وجعلها ندًا قويا لمؤسسات الدولة الأمنية وعلى رأسها المؤسسة العسكرية للسودان، مثلما أخطأ خطيئته الكبرى فى تفريطه وتقويضه لوحدة السودان، لقد أصبغ البشير الصبغة الشرعية على ميليشيات مسلحة مرتزقة بقيادة تاجر الإبل محمد حمدان دقلو الشهير بـ«حميدتى»، وبعد أن أضفى عليها الشرعية الدستورية، أعطى لها سلطة القوة والتحكم فى فرض سياسة التنفيذ والإجبار، بأن دمجها وأدخلها فى تعداد قوات الجيش السودانى النظامى، وتغيير المسمى لها إلى «قوات الدعم السريع»، ويا لها من نكبات عندما يتمرد رأس الدولة على مؤسساته الشرعية، بقوة خارجية غير شرعية وخارج مؤسسات الدولة الدستورية، ويجعلها دخيلة عليها لحمايته فى تثبيت دعائم أركان حكمه والاستقواء بها ضد أى تآمر يقع ضده، ولكن لقد خانه التفكير الذى نبت فى رأسه عندما تنبأ على ضمان حماية مستقبله السياسى، فى ظل وجود هذه القوات التى زرعها فى جسد الأمة السودانية، بل فشلت كل التوقعات والتنبؤات بعد أن تغيرت الظروف السياسية والاجتماعية فى السودان، بل كان «حميدتى» أول من أطاح بالبشير وخلعه عن الحكم، عندما انضم إلى صفوف الجيش لحماية الثورة، وأصبح نائبًا للمجلس العسكرى الحاكم فى مرحلة الانتقال ورقى إلى رتبة فريق أول، على العلم لم يلتحق بأى مؤسسة عسكرية  بل فشل فى دراسته ولم  يحصل على أى شهادة من التعليم الأساسى، ثم  النائب الأول لرئيس المجلس السيادى تحت رئاسة الفريق الركن عبدالفتاح البرهان وللحديث بقية.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: السودان انفصال إصلاحات اقتصادية

إقرأ أيضاً:

وضعية قوات الدعم السريع على الأرض في السودان وما التوقعات

الانسحابات وإعادة التموضع

شهدت قوات الدعم السريع خلال الأسابيع الأخيرة تحولات ملحوظة في انتشارها الميداني داخل السودان. انسحبت بعض وحداتها من أجزاء من الخرطوم وولاية الجزيرة، وهو ما يراه المحللون خطوة محسوبة ضمن استراتيجية إعادة التموضع. هذه الخطوة قد تكون استعدادًا لحرب طويلة الأمد بدلاً من الاكتفاء بالمواجهات المباشرة التي قد تؤدي إلى إنهاك القوات.
الوضع في الفاشر ومعارك النفوذ
لا تزال الفاشر نقطة محورية في العمليات العسكرية، حيث تسعى قوات الدعم السريع إلى تثبيت نفوذها في دارفور، والتي تعد معقلًا رئيسيًا لها. تدور المعارك في محيط المدينة وسط تقارير عن تعزيزات جديدة وتحركات تكتيكية، ما يشير إلى أن الدعم السريع يسعى لتأمين موقعه هناك كجزء من خطته للحفاظ على عمقه الاستراتيجي.
التحضير لحرب طويلة الأمد
وفقًا لمحللين عسكريين، فإن الدعم السريع يعيد هيكلة وجوده العسكري بما يسمح له بخوض صراع طويل الأمد. من خلال الانسحاب المنظم من بعض المناطق والتوجه نحو مناطق نفوذه القوي، يحاول حميدتي وقادته تحويل الصراع إلى معركة استنزاف بدلاً من المواجهات المفتوحة مع الجيش السوداني. ويؤكد بعض التقارير أن الدعم السريع يتبنى سياسة "الأرض المحروقة" في بعض المناطق، ما أدى إلى تدمير بنى تحتية واستهداف مرافق حيوية.
الوضع الدولي والقانوني
أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، أن مكتبه سيطلب إصدار مذكرات توقيف ضد المتهمين بارتكاب فظائع في منطقة غرب دارفور بالسودان. ويعكس هذا الإعلان تصاعد الاهتمام الدولي بالانتهاكات التي ترتكبها قوات الدعم السريع في تلك المنطقة، وهو ما قد يكون له تداعيات على مسار الصراع مستقبلًا.
تأمين مستقبل الحكومة القادمة
في ظل غياب تسوية سياسية شاملة، يبدو أن قوات الدعم السريع تسعى إلى ترسيخ نفوذها على الأرض بحيث تكون جزءًا لا يمكن تجاوزه في أي عملية تفاوضية مستقبلية. تسعى القوات إلى فرض واقع عسكري وسياسي يجعل من الصعب استبعادها من أي اتفاق بشأن الحكم في السودان.
التحسب لخطوات الجيش والقوى السياسية
في المقابل، يراقب الدعم السريع التحركات السياسية والعسكرية التي قد يقوم بها الجيش، خصوصًا فيما يتعلق بتحالفاته مع القوى السياسية والمليشيات المناصرة له. قد يكون أحد أهداف الدعم السريع من إعادة التموضع هو تقليل فرص الجيش في فرض حل عسكري شامل. وفي هذا السياق، قامت قوات الدعم السريع بشن هجمات بطائرات مسيرة على مرافق حيوية، مثل المحطة التحويلية للكهرباء في منطقة الشوك بولاية القضارف، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن عدة ولايات.
معركة ود مدني والتحديات المستقبلية
في 11 يناير الجاري، تمكن الجيش السوداني من استعادة السيطرة على مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، التي كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع. وقد أشارت تقارير إلى ارتكاب انتهاكات بحق المدنيين أثناء هذه العملية، مما يزيد من تعقيد المشهد ويجعل من الصعب الوصول إلى حل سياسي في المدى القريب.
يتجه الدعم السريع نحو فرض معادلة عسكرية وسياسية جديدة على الأرض، تضمن له موطئ قدم قويًا في أي تسوية مقبلة. ومن خلال إعادة التموضع وتحسين انتشاره في مناطق النفوذ، يحاول الدعم السريع الاستعداد لمرحلة طويلة من الصراع، مع التركيز على تأمين دوره في مستقبل الحكم في السودان. في ظل هذه التطورات، ستظل معارك السيطرة على الأرض وتحالفات القوى المتصارعة عوامل رئيسية في تحديد مسار النزاع خلال الفترة القادمة.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • وضعية قوات الدعم السريع على الأرض في السودان وما التوقعات
  • جلحة اول من ارتكب مجزرة في وسط السودان ولم يكن شهماً ولا رجلاً
  • مقتل 18 شخصاً جرَّاء تحطم طائرة في جنوب السودان
  • السودان.. حرب بلا معنى
  • الجنائية الدولية تطالب السودان بتسليم عمر البشير ومساعديه.. تعرّف على التفاصيل
  • السودان.. الجنائية الدولية تطالب بتسليم «البشير» وتوقيف مرتكبي الجرائم في دارفور
  • من يحارب من في السودان؟
  • "الجنائية الدولية" تطالب السودان بتسليم البشير
  • الجنائية الدولية تطالب السودان بتسليم عمر البشير ومساعديه
  • المحكمة الجنائية الدولية تطالب السودان بتسليم البشير