أين يهبط الاقتصاد العالمي في 2024 ؟
تاريخ النشر: 10th, January 2024 GMT
في مثل هذا الوقت قبل عام تقريبا، توقع نحو 85% من خبراء الاقتصاد ومحللي السوق ــ وأنا منهم ــ أن يعاني الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي من الركود. وقد أشار انخفاض التضخم، وإن كان لا يزال عنيدا، إلى أن السياسة النقدية ستصبح أكثر إحكاما قبل أن تتجه سريعا نحو التساهل بمجرد حلول الركود؛ وسوف تنهار أسواق الأسهم، وتظل عائدات السندات مرتفعة.
بدلا من ذلك، حدث العكس في الأغلب. فقد انخفض التضخم بدرجة أكبر من المتوقع، وجرى تَـجَـنُـب الركود، وارتفعت أسواق الأسهم، وانخفضت عائدات السندات بعد ارتفاع.
لذا، يتعين علينا أن نتعامل مع أي توقعات لعام 2024 بتواضع. ومع ذلك، تظل المهمة الأساسية هي ذاتها: البدء بخط أساس، وسيناريو الجانب الإيجابي والجانب السلبي، ثم تعيين احتمالات متغيرة زمنيا لكل منهما.
يرى كثير من الاقتصاديين والمحللين، ولكن ليس كلهم، أن خط الأساس الحالي يشكل هبوطا ناعما: فالاقتصادات المتقدمة ــ بدءا بالولايات المتحدة ــ تتجنب الركود، لكن النمو أقل من إمكاناته ويستمر التضخم في الانخفاض نحو المستوى المستهدف 2% بحلول عام 2025، في حين قد تبدأ البنوك المركزية خفض أسعار الفائدة في الربع الأول أو الثاني من هذا العام. هذا السيناريو سيكون الأفضل لأسواق الأسهم والسندات، التي بدأت بالفعل في الارتفاع توقعا له.
السيناريو الإيجابي هو ذلك الذي لا يشهد «أي هبوط»: إذ يظل النمو ــ على الأقل في الولايات المتحدة ــ أعلى من إمكاناته المحتملة، وينخفض التضخم إلى مستوى أقل من توقعات الأسواق وبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. وقد يحدث خفض أسعار الفائدة في وقت لاحق وبوتيرة أبطأ من توقعات بنك الاحتياطي الفيدرالي وغيره من البنوك المركزية الأخرى والأسواق حاليا.
من عجيب المفارقات هنا أن سيناريو عدم الهبوط قد يكون سيئا بالنسبة لأسواق الأسهم والسندات على الرغم من النمو الأقوى بدرجة مدهشة، لأنه يعني ضمنا أن أسعار الفائدة سوف تظل أعلى بعض الشيء لفترة أطول. أما السيناريو السلبي المتواضع فيتمثل في هبوط وعر يصاحبه ركود قصير ضحل يدفع التضخم إلى مزيد من الانخفاض، وبسرعة أكبر من توقعات البنوك المركزية. وسوف يأتي خفض أسعار الفائدة في وقت أقرب، وبدلا من التخفيضات الثلاثة بمقدار 25 نقطة أساس التي أشار إليها الاحتياطي الفيدرالي، فقد تأتي التخفيضات الستة التي تعمل الأسواق على تسعيرها حاليا.
بطبيعة الحال، قد نشهد أيضا ركودا أكثر حدة، والذي قد يُـفضي إلى أزمة ائتمان وأزمة ديون. ولكن في حين بدا هذا السيناريو محتملا إلى حد كبير في العام الماضي- نظرا لارتفاع أسعار السلع الأساسية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا وإفلاس بعض البنوك في الولايات المتحدة وأوروبا- فإنه يبدو غير مرجح اليوم، نظرا لضعف الطلب الكلي. لن يصبح الأمر مصدر قلق إلا إذا حدثت صدمة ركود تضخمي كبرى جديدة، مثل ارتفاع أسعار الطاقة الناجم عن الصراع في غزة، وخاصة إذا تصاعد إلى حرب إقليمية أوسع تشمل حزب الله وإيران وتتسبب في تعطيل إنتاج النفط وصادراته.
من المحتمل أن تكون صدمات جيوسياسية أخرى، مثل التوترات الجديدة بين الولايات المتحدة والصين، أقل تسببا في الركود التضخمي (انخفاض النمو وارتفاع التضخم)، من كونها سببا للانكماش (انخفاض النمو وانخفاض التضخم)، ما لم تتعطل التجارة بشكل كبير، أو يضعف إنتاج الرقائق الإلكترونية والصادرات التايوانية. وقد تأتي صدمة كبرى أخرى في نوفمبر مع الانتخابات الرئاسية الأمريكية. لكن هذا سيؤثر بشكل أكبر على آفاق عام 2025، ما لم تحدث حالة كبرى من عدم الاستقرار الداخلي قبل التصويت. ولكن مرة أخرى، من شأن الاضطرابات السياسية في الولايات المتحدة أن تساهم في الركود وليس الركود التضخمي.
عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد العالمي، فإن سيناريو عدم الهبوط وسيناريو الهبوط الحاد يبدوان حاليا أشبه بمخاطر منخفضة الاحتمال، حتى ولو كانت احتمالات عدم الهبوط أعلى بالنسبة للولايات المتحدة مقارنة باقتصادات متقدمة أخرى. وحدوث هبوط ناعم أو وعر آنذاك يتوقف على البلد أو المنطقة. على سبيل المثال، يبدو أن الولايات المتحدة وبعض الاقتصادات المتقدمة الأخرى قد تتمكن من إنجاز هبوط ناعم. فعلى الرغم من إحكام السياسة النقدية، كان النمو في عام 2023 أعلى من المتوقع، ولا يزال التضخم في انخفاض مع انحسار صدمات العرض الكلي السلبية من عصر الجائحة.
على النقيض من ذلك، شهدت منطقة اليورو والمملكة المتحدة نموا أقل من المحتمل يقترب من الصفر أو سلبيا خلال الأرباع القليلة الأخيرة مع انخفاض التضخم وقد يفوتهما أداء أقوى في عام 2024 إذا ظلت العوامل المساهمة في ضعف النمو قائمة. يتوقف تحديد ما إذا كانت أغلب الاقتصادات المتقدمة لتشهد هبوطا ناعما أو وعرا على عدة عوامل.
بادئ ذي بدء، قد يخلف إحكام السياسة النقدية، الذي يعمل بفارق زمني، تأثيرا أعظم في عام 2024 مقارنة بما حدث في عام 2023. علاوة على ذلك، قد تتسبب إعادة تمويل الديون في تكبيل عدد كبير من الشركات والأسر بتكاليف خدمة ديون أعلى كثيرا هذا العام والذي يليه. وإذا أشعلت صدمة جيوسياسية ما شرارة نوبة أخرى من التضخم، فسوف تضطر البنوك المركزية إلى تأجيل تخفيضات أسعار الفائدة. لن يتطلب الأمر قدرا كبيرا من تصعيد الصراع في الشرق الأوسط لدفع أسعار الطاقة إلى الارتفاع وإرغام البنوك المركزية على إعادة النظر في توقعاتها الحالية. وقد تتسبب تهديدات ضخمة مرتبطة بالركود التضخمي في أفق الأمد المتوسط في دفع النمو إلى مزيد من الانخفاض والتضخم إلى مزيد من الارتفاع. ثم هناك الصين، التي تشهد بالفعل هبوطا وعرا. في غياب الإصلاحات البنيوية (التي لا يبدو أنها وشيكة)، سوف ينخفض نمو الصين المحتمل إلى أقل من 4% في السنوات الثلاث المقبلة، ثم يهبط إلى ما يقرب من 3% بحلول عام 2030. قد ترى السلطات الصينية أنه من غير المقبول أن يكون النمو الفعلي أقل من 4% هذا العام. لكن تحقيق معدل النمو بنسبة 5% ببساطة ليس في حكم الممكن من دون تحفيز كلي ضخم، وهذا ما من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع نسب الاستدانة المرتفعة بالفعل إلى مستويات خطيرة. وسوف تطرح الصين في الأرجح حافزا معتدلا كافيا لرفع النمو إلى مستوى أعلى قليلا من 4% في عام 2024. من ناحية أخرى، سوف تستمر الضغوط البنيوية على النمو- الشيخوخة المجتمعية، واستفحال الديون وفائض العقارات، وتدخل الدولة في الاقتصاد، وغياب شبكة أمان اجتماعي قوية. في نهاية المطاف، قد تتجنب الصين الهبوط الحاد الشامل مع اندلاع أزمة ديون وأزمة مالية حادة؛ ولكن يبدو الأمر في الأرجح وكأن هبوطا وعرا يلوح في المستقبل، في ظل نمو مخيب للآمال. يتمثل أفضل سيناريو لأسعار الأصول والأسهم والسندات في الهبوط الناعم، وإن كان هذا الاحتمال يجري الآن تقدير أثره جزئيا.
الواقع أن سيناريو عدم الهبوط مفيد للاقتصاد الحقيقي لكنه ضار بأسواق الأسهم والسندات، لأنه سيمنع البنوك المركزية من متابعة تخفيضات أسعار الفائدة إلى النهاية. سوف يكون الهبوط الوعر ضارا بالأسهم- على الأقل إلى أن يبدو الركود القصير الضحل وكأنه بلغ أدنى مستوياته- ومفيدا لأسعار السندات، لأنه يعني ضمنا خفض أسعار الفائدة في وقت أقرب وبسرعة أكبر.
أخيرا، من الواضح أن سيناريو الركود التضخمي الأكثر حدة هو الأسوأ لكل من الأسهم وعائدات السندات. في الوقت الحاضر، يبدو أن أسوأ السيناريوهات هو الأقل احتمالا. لكن أي عدد من العوامل، وخاصة التطورات الجيوسياسية، قد يكون السبب في إفساد التوقعات في عامنا هذا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: خفض أسعار الفائدة فی الولایات المتحدة البنوک المرکزیة عام 2024 أقل من فی عام
إقرأ أيضاً:
المركزي الأمريكي لا يستعجل خفض الفائدة
قال مسؤولون من مجلس الاحتياطي الاتحادي، المركزي الأمريكي الجمعة، إن سوق العمل في الولايات المتحدة قوية وأشاروا إلى الافتقار إلى الوضوح لمدى تأثير سياسات الرئيس دونالد ترامب على النمو الاقتصادي والتضخم لا يزال مرتفعاً، وأكدوا نهجهم غير المتعجل في خفض أسعار الفائدة.
وأعلنت وزارة العمل الجمعة معدل بطالة بلغ 4% الشهر الماضي وإضافة 143 ألف وظيفة، وهي بيانات "تتفق مع سوق عمل قوية لا تضعف ولا تبدي بوادر على اقتصاد تضخمي" حسب أدريانا كوغلر، رئيسة بنك الاحتياطي الاتحادي في ميامي بولاية فلوريدا.وقالت في الوقت نفسه، إن هناك "قدراً كبيراً من الغموض" للتأثير الاقتصادي لمقترحات السياسات الجديدة، وأن "التقدم في الآونة الأخيرة في التضخم كان بطيئاً وغير متسق، ولا يزال التضخم مرتفعاً".
وارتفع معدل التضخم في الولايات المتحدة، وفقاً للمقياس المستهدف من مجلس الاحتياطي الاتحادي، وهو التغير في مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي على مدار 12 شهراً، نحو نهاية العام الماضي، مسجلاً 2.6% في ديسمبر (كانون الأول). ويستهدف الاحتياطي الاتحادي 2%.
وقالت كوغلر :"الخطوة الحصيفة تتمثل في ترك سعر الفائدة على الأموال الاتحادية كما هو لبعض الوقت، نظراً لطائفة من العوامل".
وأظهر استطلاع لجامعة ميشيغان ونشر قبل تصريحاتها أن توقعات المستهلكين للتضخم على مدى العام المقبل ارتفعت نقطة مئوية كاملة إلى 4.3% في أعلى مستوى منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.
وهبطت الأسهم بعد البيانات التي ظهرت صباحاً بالتوقيت المحلي، ويراهن متداولو العقود الآجلة لأسعار الفائدة على أن الاحتياطي الاتحادي سيخفض أسعار الفائدة مرة واحدة فقط هذا العام، مع تزايد احتمالات انتظاره حتى النصف الثاني من العام.
وقال رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي جيروم باول، إنه "لا داعي للعجلة" حين كان يتحدث عن توقعات مسار أسعار الفائدة الأسبوع الماضي بعد أن اختار البنك المركزي الأمريكي إبقاء تكاليف الاقتراض الأمريكي قصيرة الأجل ثابتة في نطاق 4.25 و4.50%.
وأشار إلى التقدم المخيب للآمال في كبح التضخم، وسوق العمل القوية، والحاجة إلى انتظار مزيد من المعلومات حول السياسات التي ستأتي بها الإدارة الجديدة قبل الاستجابة بأي تحركات في أسعار الفائدة.
وكان ذلك قبل أن يعلن ترامب فرض رسوم جمركية بـ 25% على الواردات من المكسيك وكندا في نهاية الأسبوع، ثم أوقف هذه الخطط مدة شهر يوم الاثنين، بينما مضي قدماً يوم الثلاثاء في فرض رسوم جمركية بـ 10% على السلع الصينية.
قد يقدم باول تعليقاً جديداً على توقعاته الاقتصادية ومسار أسعار الفائدة حين يقدم أول تقاريره نصف السنوية حول السياسة النقدية إلى الكونغرس يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين.