إعانات الدعم الغربي للرقائق سوف تفيد الصين
تاريخ النشر: 10th, January 2024 GMT
إذا كان هناك أمر مؤكد بشأن العام المقبل، فهو أن المنافسات الجيوسياسية سوف تستمر، وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإن هذا سوف يؤدي بشكل عام إلى بذل الجهود من أجل تقليل الاعتماد على الموردين الأجانب، وخاصة السلع الحيوية. أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فسوف ينصب التركيز على الحفاظ على التفوق العسكري من خلال حرمان الخصوم المحتملين ــ الصين على وجه التحديد ــ من الوصول إلى التكنولوجيات ذات الصلة، ويتداخل كلا النهجين في مجال مهم: صناعة الرقائق.
ونظرًا لأن الرقائق الدقيقة المتطورة تشكل عنصرا أساسيًا في العديد من أنظمة الأسلحة المتطورة وجزءا لا يتجزأ من الأمن الاقتصادي والازدهار، فقد أصبحت الصناعة ساحة رئيسية في المنافسة الجيوسياسية اليوم، ولتحسين فرصها في تحقيق النصر في «حرب الرقائق»، نفذت كل القوى الاقتصادية الكبرى برامج كبرى لدعم صانعي الرقائق المحليين.
لقد سنت الولايات المتحدة الأمريكية قانون الرقائق والعلوم في عام 2022. وكجزء من التشريع، ستقدم وزارة التجارة 50 مليار دولار على شكل تمويل مباشر وقروض فيدرالية وضمانات قروض لدعم البحث والتطوير والتصنيع وتدريب القوى العاملة في مجال أشباه الموصلات.
وتبنى الاتحاد الأوروبي الذي بدأت حصته من الإنتاج العالمي للرقائق في الانخفاض، قانون الرقائق الأوروبي وهو القانون الذي من المفترض أن يحشد مليارات اليوروهات لتعزيز «القدرة التنافسية والمرونة» في تقنيات وتطبيقات أشباه الموصلات، ونظراً لمحدودية ميزانية الاتحاد الأوروبي، فقد خففت المفوضية الأوروبية أيضاً من أحكامها وقواعدها فيما يتعلق بالمساعدات الحكومية، مما مكّن بعض البلدان الكبيرة مثل فرنسا وخاصة ألمانيا من تقديم وعود بإعانات دعم كبيرة ــ يبلغ مجموعها 20 مليار يورو (21.9 مليار دولار أمريكي) لبناء مصانع إنتاج الرقائق، وكنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، فإن إعانات الدعم في ألمانيا أكبر حتى من إعانات الدعم في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي آسيا، تبنت اليابان وكوريا الجنوبية خططاً بمليارات الدولارات لدعم صناعات الرقائق لديهما. وحتى لا يتفوق عليها أحد، تعكف الصين على صياغة حزمة ضخمة لدعم صناعة الرقائق، والتي يقال إن إجمالي قيمتها يتجاوز 140 مليار دولار.
إن العنصر المشترك بين كل هذه الخطط هو أن المبالغ الأكبر يتم تخصيصها لبناء المصانع التي يتم فيها تصنيع الرقائق وهذا خطأ، ونظرًا للمعدات المتخصصة والبيئة فائقة النظافة التي تتطلبها المصانع التي يتم فيها تصنيع الرقائق فهي باهظة الثمن للغاية. ومع ذلك، لا تمثل هذه المصانع سوى المرحلة الأكثر وضوحًا من عملية الإنتاج متعددة الخطوات التي تحدث في العديد من الأماكن.
تبدأ العملية بالسيليكون، الذي يتم تكريره وتقطيعه إلى شرائح وصقله حتى يصبح ناعمًا للغاية. يتم بعد ذلك تغطية الشرائح بطبقة رقيقة من مادة شبه موصلة، قبل أن تقوم آلات متخصصة للغاية في المصانع التي تنتج الرقائق بنقش أنماط دوائر معقدة عليها، وهذا يتيح تطبيق عدد كبير ومتزايد من عناصر المعالجة - أكثر من مليار - التي تجعل الرقائق تعمل.
واليوم توجد أكبر وأنظف مصانع صناعة الرقائق في آسيا، وأكثر الآلات تقدما (مثل أغراض النقش) يتم إنتاجها في أوروبا، وأفضل برامج الحاسوب (اللازمة لتنظيم الأنماط على الرقائق) تأتي من الولايات المتحدة الأمريكية، ولكي تصبح مكتفيًا ذاتيًا بحق في مجال الرقائق، يجب على أحد هذه المواقع أن يتقن جميع مراحل عملية الإنتاج. لكن القول أسهل من الفعل.
إن التقدم السريع في جعل الرقائق أصغر حجمًا وأسرع- كما وصفها قانون مور- يعكس تراكم المعرفة المتخصصة للغاية لدى عدد محدود من الشركات، التي تساهم بالمكونات الرئيسية اللازمة لصنع الرقائق الأكثر تقدمًا. إن هذه المعرفة واسعة ومحددة ومعقدة إلى الحد الذي يجعل من غير الممكن وبكل بساطة استيراد ونسخ التقنيات التي على أساسها يتم إنتاج الرقائق، وبحلول الوقت الذي يمكن فيه استنساخ مثل هذه المعرفة المتراكمة، فإن من شبه المؤكد أن تقنية الرقائق تكون قد تقدمت مما يترك المقلد بشكل دائم متخلفًا عن الركب بمقدار جيل واحد على أقل تقدير.
إن هذا يفسر فشل الصين حتى الآن في اكتساب القدرة التنافسية في صناعة الرقائق، على الرغم من ضخها بالفعل مليارات الدولارات من الأموال الحكومية في هذه الصناعة. تهدف استراتيجية صُنع في الصين 2025 التي تم الإعلان عنها في عام 2015، إلى ضمان تغطية الإنتاج المحلي 70% من احتياجات الصين من أشباه الموصلات بحلول التاريخ المستهدف، ولكن مع تبقي عام واحد فقط، لا يزال الإنتاج المحلي محدودًا للغاية.
وعلى النقيض من ذلك، تُعَد الصين أكبر مستورد للدوائر المتكاملة في العالم، التي يبلغ مجموع قيمتها أكثر من 400 مليار دولار سنويًا- أي أكثر من واردات الصين من النفط الخام، وفي المقابل، يستورد الاتحاد الأوروبي ما قيمته 50 مليار يورو فقط من الرقائق سنويا، وهو نفس مستوى واردات الولايات المتحدة الأمريكية تقريبًا. وهذا يشير إلى تباين أساسي علمًا أن الاقتصاد الصيني سيصاب بالشلل في غياب الرقائق المصنوعة في الخارج، في حين لن تواجه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المشاكل إلا في القطاعات التي تعتمد على الجيل الأقدم من الرقائق المصنوعة في الصين.
علاوة على ذلك، في حين أن الصين لا تنتج أغلب معدات صناعة الرقائق المتقدمة التي تحتاجها لتطوير صناعة خاصة بها، فإن صادرات الاتحاد الأوروبي من هذه المعدات كبيرة بالقدر الكافي لتغطية كل وارداتها من الرقائق. يمكن استخلاص استنتاجين.
أولاً، في حين تمكنت الصين من أن تصبح مهيمنة في الصناعات الأقل تخصصًا والأكثر نضجًا مثل المركبات الكهربائية، فلا داعي للخوف من استحواذ وشيك للصين على صناعة أشباه الموصلات.
ثانيًا: إن سباق إعانات الدعم غير المنسق هو بمثابة منافسة بين الموردين الغربيين ، وعندما تبدأ كل مصانع إنتاج الرقائق المدعومة تلك في الإنتاج، فمن المرجح أن تنخفض أسعار الرقائق. ونظرًا لكون الصين أكبر مستورد للرقائق على الإطلاق، فإنها ستكون المستفيد الأكبر. إن انخفاض أسعار الرقائق بنسبة 20% من شأنه أن يقلل فاتورة واردات الصين بنحو 80 مليار دولار سنويًا، وبما أن جزءا كبيرا من الرقائق التي تستوردها الصين تُستخدم كمدخلات في صادرات السلع الإلكترونية (مثل الهواتف الذكية)، فإن إعانات الدعم المقدمة لإنتاج الرقائق في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأماكن أخرى تعتبر بمثابة دعم ضمني للصادرات الصينية، والفضل في ذلك يعود للمال العام الغربي. إن السباق غير المنسق لإعانات الدعم المتعلقة بالرقائق في الغرب ليس ضروريًا، كما أنه يؤدي إلى نتائج عكسية، لأنه سيعود بالنفع بشكل أساسي على الصين في نهاية المطاف.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة الاتحاد الأوروبی أشباه الموصلات صناعة الرقائق ملیار دولار من الرقائق الرقائق ا
إقرأ أيضاً:
ابن كيران: القضايا التي دافع عنها "البيجيدي" تظهر حاجة البلاد إلى حزب وطني مستقل معتز بمرجعيته الإسلامية
قال حزب العدالة والتنمية، إن القضايا التي تصدى لها والمواقف التي عبر عنها، تظهر حاجة البلاد إلى حزب وطني مستقل معتز بمرجعيته الإسلامية ووفي لثوابت الأمة الجامعة، ومدافع عن قضايا الوطن والمواطنين بقوة وإنصاف واعتدال واستقلالية.
وأشار الحزب في ثنايا التقرير السياسي الذي قدمه عبد الإله ابن كيران أمينه العام، اليوم السبت في مدينة بوزنيقة، عقب افتتاح مؤتمره الوطني التاسع، إلى أنه وقف في وجه ضرب القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار.
وقال ابن كيران، إن الولاية الحكومية اقتربت من الانتهاء وما يزال عنوانها الأبرز هو تفاقم موجة الغلاء التي تشمل معظم المواد، والغذائية منها على وجه الخصوص.
وهو حسب ابن كيران، غلاء يعبر عن فشل الحكومة الذريع وقصور أدوات التدخل الحكومي في الحد من الارتفاع المهول والمستمر للأسعار، ويظهر حالة الاستسلام الحكومي أمام جماعات المصالح، وخاصة العاملة في قطاع المحروقات وسلاسل الوساطة والتصدير.
مما جعل الخيار الوحيد أمام المواطنين يضيف زعيم « البيجيدي »، هو تقليص نفقاتهم والحد من الحاجيات الأساسية، بعد أن تُرِكُوا فريسةً للوضعيات الاحتكارية والجشع.
وهو وضع نتج عنه وفقا للمسؤول الحزبي، أدنى مستوى للثقة عند الأسر منذ سنة 2008، وبروز آثار عكسية لإجراءات الدعم والإعفاء من رسوم الاستيراد والضريبة على القيمة المضافة في قطاع اللحوم، وأيضا الدعم الموجه إلى النقل الطرقي والعمومي.
ويرى الحزب في تقريره السياسي، أنه على خلاف الوعود التي تضمنها البرنامج الحكومي، فإن الفشل الأكبر الذي يحسب للحكومة، هو تفاقم معدل البطالة الذي تجاوز 13%، وهي نسبة لم يسجلها المغرب منذ 2000، وعجز الحكومة عن الوفاء بإحداث مليون منصب شغل صافي على الأقل خلال ولايتها، وتراجع نسبة مساهمة النساء في سوق الشغل إلى أقل من 19% مقابل تعهد الحكومة برفعه إلى أكثر من 30%، وتزايد عدد الشركات المفلسة، والتي بلغت 12.397 سنة 2022 و14.245 سنة 2023، ومن المتوقع أن تبلغ أزيد من 14.600 سنة 2024.
واعتبر التقرير السياسي، أن هذه النتائج المقلقة، هي نتائج طبيعية لما وصفه بـ »آفة الريع والجمع بين المال والسلطة، وجعل هذه الأخيرة في خدمة جماعات المصالح المحدودة، والاستئثار بفرص الاستثمار والإنتاج والصفقات العمومية والمشاريع الكبرى ضدا على عموم المقاولات الوطنية، وما ينجم عن كل هذا من تبديد الثقة وخلق أجواء من الانتظارية والإحجام والإحباط لدى الفاعلين الاقتصاديين والمقاولين.
وهي أيضا يضيف التقرير، نتيجة طبيعية لما أسماه بـ »سياسة الحكومة الحالية المعاكسة للاستثمار وللنمو وللتشغيل، ولضعف استباقيتها وتأخرها الكبير في إرساء « التعاقد الوطني للاستثمار »، الذي نادى به جلالة الملك منذ أكتوبر 2022، والتأخر الكبير في تفعيل نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، ونظام الدعم الخاص بتشجيع تواجد المقاولات المغربية على الصعيد الدولي ».
وهي نتيجة أخرى، يؤكد « البيجيدي »، لما اعتبره « استهدافا لبرنامج المقاول الذاتي بإجراءات ضريبية جديدة تراجعت عن المكتسبات المسجلة بعد أن تجاوز عدد المسجلين 300 ألف مستفيد مع الحكومتين السابقتين ».
وهو نتيجة طبيعية أيضا لما قال إنه « إرباك ومزاحمة الحكومة لبرنامج « انطلاقة » الذي سبق وأعطى انطلاقته جلالة الملك في 2020، والذي خلق دينامية في صفوف الشباب وحقق نتائج مهمة، حيث بادرت الحكومة لتطلق في 12 أبريل 2022 برنامجا جديدا شبيها ببرنامج « انطلاقة » سمته « فرصة » وخصصت له ميزانية بمبلغ 1.25 مليار درهم، وأسندت الإشراف عليه لوزيرة السياحة ومهمة تدبيره للشركة المغربية للاستثمار السياحي وهما وزارة ومؤسسة لا اختصاص لهما ولا علاقة لهما بمثل هذه البرامج، حيث ومنذ انطلاقه، تم اختيار 12.500 مستفيد وإلى حدود الآن مازال هناك تأخر في صرف الدعم والتمويل بالرغم من أن المستفيدين أجبروا على الإدلاء بعقود الكراء وإحداث المقاول الذاتي ».
كما أطلقت برنامج « أنا مقاول »، وقبله أطلقت الحكومة برنامج أوراش على سنتين، وخصصت له ميزانية قدرها 2.25 مليار درهم، وكل هذه البرامج وبالإضافة إلى كونها لا تأخذ بعين الاعتبار البرامج الناجحة القائمة وتدعمها بل تربكها وتزاحمها، فإنها تطرح أيضا سؤال الهشاشة والاستمرارية وشبهات الزبونية التي تخيم على تنزيل هذه البرامج عبر جمعيات معينة أو على مستوى الجماعات الترابية.
وسجل الحزب أنه بعد تأخر كبير وانتظار طويل أفرجت الحكومة مؤخرا عن خارطة طريق فارغة للتشغيل، متراجعة بذلك عن التزامها بإحداث مليون منصب شغل خلال هذه الولاية الحكومية، ورفع مستوى نسبة نشاط النساء إلى 30 في المائة، حيث حددت أهدافا جديدة تتجاوز الولاية الحكومية الحالية وتلغي التزامات البرنامج الحكومي، كما نسجل الضعف الشديد لمضامين هذه الخارطة بالرغم مما سبقها من حملات التبشير والترويج، حيث لم تأت هذه الخارطة يضيف « البيجيدي » بجديد بقدر ما أنها تعتمد أساسا على برامج ومؤسسات دعم وتنشيط التشغيل التي أنشأتها الحكومات السابقة.
وكانت هذه النتائج في التشغيل تكرس التأخر الكبير، في نظر حزب العدالة والتنمية، الذي يعرفه تفعيل برنامج دعم المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة لأزيد من سنتين على صدور القانون الإطار بمثابة ميثاق الاستثمار.
وشدد الحزب على أن خارطة التشغيل تعتمد المزيد من البيروقراطية على مستوى حكامتها وتضخم المتدخلين وكثرة اللجان، وهو ما سيؤدي حتما إلى مزيد من التعقيد والتأخير، عوض التبسيط والتيسير، كما أنها تكشف ما وصفه بـ »هاجس الاستغلال والتنافس الانتخابي بين مكونات الأغلبية الحكومية »، وهو ما عبرت عنه، يوضح الحزب، « مواقفها وبلاغاتها التي أكدت انزعاجها وتخوفها بخصوص الوزراء الذين أسندت إليهم مهمة تنفيذ هذه الخارطة وتوزيع الدعم العمومي على المستفيدين منها، وذلك بسبب تغليب وزراء من حزب رئيس الحكومة وتغييب آخرين ».