بعد القتل والتدمير بغزة.. الاحتلال يعزز جرائمه بالسرقة والنهب
تاريخ النشر: 10th, January 2024 GMT
غزة- "سرقوا أرواحنا ودمروا حياتنا وأراضينا"، يردد "أبو محمد" هذه العبارة مرارا بينما يضرب كفا بكف، وقد فجعه مشهد الدمار في محطة الوقود التي تمتلكها أسرته في غزة، وقد عاث فيها جيش الاحتلال سرقة وفسادا وتدميرا.
لأيام وأسابيع، كان "أبو محمد" وأسرته يتضرعون إلى الله أن يحفظ محطتهم مصدر رزقهم الوحيد، ويقول للجزيرة نت: "نجونا بأنفسنا عندما توغل جيش الاحتلال برا في جنوب مدينة غزة، ولم يسعفنا الوقت لنأخذ سيارتنا وأموالنا ومقتنياتنا".
وكانت صدمته شديدة عندما تمكن -لأول مرة- من العودة إلى المحطة بعد تراجع جيش الاحتلال من محيطها، مخلفا دمارا واسعا في مرافقها ومعداتها، مما صعب التنقل على سيارة الأسرة التي سلكت طرقا جانبية وقت الهرب.
"أبو محمد" هو الاسم الذي اختاره لنفسه هذا الفلسطيني الثلاثيني، وقد رفض الحديث بداية خوفا على نفسه وأسرته من الاستهداف، ويقول: "المال معوض، وبلاش نخسر أرواحنا كمان".
سرقة وتدمير
ووفق روايته، فإن جنود الاحتلال اجتاحوا المحطة إثر استهدافها بقذائف المدفعية، وفتحوا نيرانهم وداسوا بدبابتهم كل شيء في طريقهم، وسرقوا مبلغا كبيرا من المال من خزنة حديدية اعتاد استخدامها للمعاملات المالية اليومية.
ويؤكد "أبو محمد" أن المبلغ المنهوب كبير، بسبب توقف عمل المصارف وعدم قدرته على تحويله إلى حسابه المصرفي.
وكانت مدينة غزة ومناطق شمال قطاع غزة مسرحا -حسب توثيق المكتب الإعلامي الحكومي ومنظمات حقوقية- لعمليات سرقة ونهب أموال ومقتنيات من منازل ومنشآت تجارية كثيرة.
ويقول صحفي من شمال القطاع، للجزيرة نت، -مفضلا الاحتفاظ باسمه- إنه فقد قطعا معدنية وأوراقا مالية تراثية قديمة كان يهوى جمعها والاحتفاظ بها في شقته السكنية ببلدة بيت لاهيا.
ويقضي هذا الصحفي وقته في مستشفى بشمال القطاع، إذ رفض النزوح جنوبا، ويضيف: "اقتحم جيش الاحتلال شقتي، مثل شقق ومنازل كثيرة في شمال القطاع، وعندما عدت إليها بعد تراجعه، اكتشفت سرقة مقتنيات أثرية".
ونشر جنود الاحتلال مقاطع فيديو قصيرة على منصات التواصل الاجتماعي يعرضون فيها مقتنيات نهبوها من داخل منازل في القطاع.
ومن بين هذه الفيديوهات، يظهر جندي إسرائيلي ممسكا بآلة موسيقية (غيتار)، وهو يعزف ومن ورائه يظهر دمار واسع خلفته آلة الحرب الإسرائيلية، وتفاعل كثيرون مع هذا الفيديو، غير أن الجندي لم يرد على استفسار تكرر كثيرا: "من أين لك هذا الغيتار؟ هل اصطحبته معك إلى الحرب؟".
"جندي لص"
ويعود هذا الغيتار للفنان الشاب حمادة نصر الله، أحد مؤسسي فريق "صول باند" الموسيقي، الذي نشر على حسابه الشخصي على منصة إنستغرام صورة له ممسكا في نصفها الأيسر بالغيتار، وفي النصف الآخر من الصورة "الجندي اللص" يمسك بالآلة نفسها.
وكتب حمادة تعليقا باللغة الإنجليزية على هذه الصورة: "لقد صُدمت اليوم عندما شاهدت هذا الفيديو على التيك توك لجندي من قوات الاحتلال الإسرائيلي يعزف على الغيتار وسط الأنقاض في غزة. أعرف الغيتار جيدا، لأنه لا يوجد كثير من الغيتارات مثل هذا في غزة".
وأضاف "أهداني والدي هذا الغيتار منذ 15 عاما. توفي والدي بعد وقت قصير من الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2014، والآن جاؤوا ليأخذوا آخر ما أملك منه".
ويتساءل الشاب الفنان: "ألا يكفي أنهم يأخذون أحبابنا وبيوتنا وعائلاتنا وحتى موسيقانا وذكرياتنا؟ ما حدود الظلم؟".
وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن جيش الاحتلال يطلق العنان لجنوده في غزة للإقدام على ممارسات غير أخلاقية خلال مداهمة المنازل، تشمل سرقة الممتلكات وأعمال النهب.
ووثق المرصد حالات تكشف تورط جنود إسرائيليين في سرقات ممنهجة لأموال ومتعلقات الفلسطينيين تشمل الذهب ومبالغ مالية وهواتف نقالة وأجهزة حواسيب محمولة، تُقدر قيمتها بعشرات الملايين من الدولارات.
وقال الأربعيني ثابت سليم -في شهادته للمرصد- إن قوات الاحتلال نهبت كل ما يتوفر من أموال وذهب لدى اعتقاله واثنين من أبنائه (أُفرج عنه وحده لاحقا) من داخل منزلهم في حي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة، وأضاف أن قيمتها تقدر بأكثر من 10 آلاف دولار موزعة على عدة عملات، إلى جانب مبلغ مماثل تقريبا عبارة عن ذهب لزوجته وزوجة نجله البكر.
وفي شهادة ثانية، تقول أم محمد غربية من سكان حي الشجاعية (شرق مدينة غزة) إن جنود الاحتلال انتزعوا بالقوة حليها الذهبي الذي ترتديه خلال دهم منزلها واعتقال زوجها ونجلها البكر منتصف الشهر الماضي.
سرقة ممنهجة
وتتطابق شهادات المرصد مع ما نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية يوم 15 ديسمبر/كانون الأول الماضي بشأن استيلاء جيش الاحتلال على مبالغ مالية تتجاوز قيمتها 5 ملايين شيكل (نحو 1.3 مليون دولار) بزعم السيطرة عليها من "وحدة الغنائم" في شعبة التكنولوجيا واللوجستيات في الجيش.
وبحسب "الأورومتوسطي"، فإن المبلغ المعلن عنه قد يكون جزءا صغيرا من أعمال سرقة ونهب لم يبلغ عنها جنود الاحتلال، في وقت انتشر فيه مقطع مصور لـ3 جنود يبيعون بشكل شخصي حليا ذهبيا في أحد متاجر الضفة الغربية بعد سرقته من منزل في غزة.
وفي حديثه للجزيرة نت، دعا رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبدو إلى تحقيق دولي شامل ومحايد في الانتهاكات الجسيمة بحق السكان في القطاع وممتلكاتهم من قوات الاحتلال التي تلحق الدمار والأضرار بالمدنيين بلا ضابط أو رادع، واتخاذ إجراءات تضمن المساءلة والمحاسبة القانونية.
بدوره، قال مدير عام "المكتب الإعلامي الحكومي" إسماعيل الثوابتة -للجزيرة نت- إن المكتب رصد عشرات الإفادات لفلسطينيين تعرضوا للنهب والسرقة، وتقدر قيمة الأموال والمقتنيات المسروقة بنحو 90 مليون شيكل (حوالي 24 مليون دولار) مند اندلاع الحرب.
ووفق الثوابتة، فإن جيش الاحتلال استخدم طرقا عدة للسرقة، كنهب حقائب النازحين من شمال القطاع إلى جنوبه عبر حاجز عسكري أقامه على شارع صلاح الدين، وبالسطو على منازل هجرها أصحابها ونزحوا عنها قسرا.
وفي الضفة، دهمت قوات الاحتلال الأسبوع الماضي محال صرافة واستولت على محتوياتها ومبالغ مالية تجاوزت 10 ملايين شيكل إسرائيلي (حوالي 2.7 ملايين دولار)، وكميات من المجوهرات والمصاغ الذهبي.
وأوضحت سلطة النقد الفلسطينية أن قوات الاحتلال اقتحمت مقار 6 شركات صرافة جميعها خاضعة لرقابتها وإشرافها، واعتقلت بعض أصحاب تلك الشركات، واستولت على مبالغ مالية من خزناتها بعد تفجيرها.
وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن وحدات عسكرية تدعمها جرافات دهمت محال صرافة في الضفة صنّفتها وزارة الأمن "إرهابية"، حسب زعمها، وأقرت بمصادرة نحو 10 ملايين شيكل منها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: جنود الاحتلال قوات الاحتلال جیش الاحتلال شمال القطاع للجزیرة نت مدینة غزة أبو محمد فی غزة
إقرأ أيضاً:
استشهاد الشيخ خالد نبهان صاحب مقولة روح الروح في قصف إسرائيلي بغزة
استشهد اليوم الاثنين، الشيخ الفلسطيني خالد نبهان (أبو ضياء) الذي اشتهر بعبارة "روح الروح" إثر قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.
وكان الشيخ نبهان قد لفت الأنظار خلال الحرب المستمرة على غزة، عندما ظهر في مقطع فيديو منذ عدة أشهر وهو يودع حفيدته ريم التي استشهدت في قصف إسرائيلي، حيث كان يحتضن جسدها ويكرر عبارة "هذه روح الروح".
وقد انتشرت هذه العبارة بشكل واسع بين الناشطين الفلسطينيين على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى أصبحوا ينشرون رسومات تصور الجد وهو يحتضن جثة حفيدته تحت عنوان "روح الروح"، في ظل القصف الوحشي الذي تعرض له قطاع غزة والذي حوله إلى مقبرة جماعية.
يذكر أن ريم وشقيقها طارق استشهدا في نوفمبر 2023 بعد أن دمر الاحتلال منزلهما جراء قصف طال المنزل المجاور، ما أسفر عن انهيار منزلهم بالكامل. وواصل الاحتلال حرب الإبادة الجماعية ضد قطاع غزة، والتي دخلت يومها الـ437، مستخدمًا شتى أساليب القتل والدمار والتهجير، مما أسفر عن سقوط عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين.