غالبيتهم من النازحين.. كيف انتشرت ظاهرة الباعة المتجولين في غزة؟
تاريخ النشر: 10th, January 2024 GMT
غزة- كل صباح، يستقبل البائع المتجوّل سعيد عقل، نازحين يعرضون عليه شراء بضائع بسيطة ومتنوعة مما يملكون وما يتوفر لديهم، بغرض الحصول على "سيولة نقدية" لشراء مستلزمات أخرى لأسرهم.
ولم يسبق لسعيد عقل، الذي نزح أيضا قبل نحو 20 يوما، من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة إلى رفح في أقصى الجنوب، أن عمل بالتجارة، لكنّ الظروف الصعبة التي يحياها بسبب العدوان الذي يشنه الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي على قطاع غزة، أجبرته على ذلك.
يعرض عقل في "بسطته" المتنقلة أصنافا متعددة من البسكويت والعصائر ومعلبات الطعام، ويقول للجزيرة نت "أنا لست تاجرا، الظروف جعلتني بائعا كي أعيش، لدي 7 أفراد أريد أن أنفق عليهم".
وثمّة مصدر آخر للبضائع التي يبيعها عقل، وهو "ميدان النجمة" الشهير برفح، والذي يعرض فيه تجار الجملة بضائع، يقولون إنها تدخل عبر معبر رفح، ويقول عقل "أنا نازح، ويأتيني أيضا نازحون كي يبيعوا بعض البضائع، وأنا أشتري منهم وأعرضه للبيع"، ويشير إلى البائعين المنتشرين حوله قائلا "كل البائعين مثلي، أغلبهم من النازحين، ويبيعون ويشترون كي يحصلوا على قوت يومهم".
وفي ظاهرة لافتة، رغم استمرار العدوان الإسرائيلي، وعدم توقف الغارات الجوية والقصف المدفعي، ينتشر الباعة المتجولون في كل مكان، عارضين بضائع بسيطة ومتشابهة، يغلب عليها الأطعمة وأدوات التنظيف.
ويعاني سكان قطاع غزة من ظروف اقتصادية قاسية بسبب الحرب، حيث فقد غالبيتهم مصادر الدخل، وتعرضت منازلهم ومزارعهم للتدمير، فيما تقول الأمم المتحدة إن 85% منهم أصبحوا نازحين، بينما تشدد إسرائيل حصارها على القطاع، ولا تسمح بمرور سوى نسبة قليلة من المساعدات الإغاثية الدولية.
يقول عقل إنه يربح يوميا من تجارته، ما بين 50 إلى 70 شيكلا (من 13 إلى 19 دولارا)، مضيفا أنه لا يكفي أسرته في ظل الغلاء الفاحش الذي تسبب به شح البضائع، ويُقر عقل أن أسعار البضائع التي يعرضها باهظة ومبالغ فيها، محملاً المسؤولية "للتجار الكبار ولانعدام الرقابة الحكومية"، ولشح البضائع وقلة المعروض مع ارتفاع الطلب.
عبود الشاعر يقول للجزيرة نت إنه اضطر للعمل كبائع بسبب ظروف الحرب (الجزيرة) "البيع".. المهنة المتبقية لجميع السكانورغم أن غالبية الباعة هم من فئة النازحين، يضطر العديد من سكان مدينة رفح الأصليين إلى العمل في التجارة لإعالة أنفسهم، ومن هؤلاء عبود الشاعر (23 عاما)، الذي يقول للجزيرة نت إنه لم يسبق له العمل في البيع والتجارة قبل الحرب، مضيفا "لست تاجرا، ولكن وضع البلد وقلة المصاريف هي التي دفعتني".
ويضيف الشاعر أن 95% من التجار والبائعين "هم من النازحين، نظرا لظروفهم الصعبة واحتياجات أسرهم"، ويقول "يأتيني نازحون من المدارس (مراكز الإيواء) ويعرضون بضائعهم، النازح ليس معه مال، ويريد أن يشتري لأطفاله أغراضا أخرى، فيعرض ما لديه للبيع".
يبيع الشاعر البسكويت والمعلبات والزعتر والعصائر والأجبان، شأنه كسابقه عقل، حيث يشتري البائع الجائل أيضا جزءًا من بضاعته من تجار الجُملة الموجودين في ميدان "النجمة"، موضحا أن رأس ماله لا يزيد على 700 شيكل (190 دولارا).
ويقول الشاعر إن التجار يعانون من غلاء الأسعار، كالمواطنين تماما، ويضيف في هذا الصدد "الصنف الذي كان يباع قبل الحرب للمستهلك بنصف شيكل، أنا كتاجر أشتريه اليوم بـ2.4 شيكل، وأبيعه بـ3 شواكل، لسنا نحن من يرفع الأسعار".
وحول أرباحه من تجارته الصغيرة يقول "أحصّل يوميا حوالي 80 شيكلا (21 دولارا)، أنفقها بالكامل على شراء الطعام والشراب فقط، فأنا أعزب وأنفق على نفسي".
وبعيدا عن بيع السلع الجاهزة، اتجه خميس سلامة (20 عاما) إلى صناعة الخبز، بعد أن لاحظ عمق الأزمة التي يعاني منها سكان قطاع غزة، بعد أن منعت إسرائيل إدخال الوقود للمخابز وقصفت العديد منها، وقطعت إمدادات الكهرباء، وقلصت إلى حد كبير إدخال الدقيق.
يبيع سلامة الرغيفين بشيكل واحد (الدولار= 3.7 شواكل)، ويحتاج في اليوم إلى 3 أكياس من الدقيق (150 كيلوغراما)، وكمية من الأخشاب لإشعال النار، ويقول للجزيرة نت "مشروعي متعلق بظروف الحرب فقط، وهو خدماتي أكثر منه ربحي، أريد أن أساعد الناس الذين يعانون من نقص الخبز"، مشيرا إلى أن مجموع ما يربحه يوميا لا يزيد على 20 شيكلا (5 دولارات)، بالإضافة إلى أجور العمال.
خميس سلامة للجزيرة نت: أريد أن أساعد الناس الذين يعانون من نقص الخبز (الجزيرة) ظاهرة طبيعية لكنها سلبيةويرى رئيس تحرير صحيفة "الاقتصادية" محمد أبو جيّاب، في انتشار الباعة المتجولين، ظاهرة سلبية، سببها فقدان السكان لأعمالهم، وسوء توزيع المساعدات "القليلة"، وشحّ البضائع وعدم تلبيتها لحاجة السكان.
وقال أبو جيّاب للجزيرة نت إن "توقف حركة العمل في مختلف المجالات، دفع الناس -وخاصة النازحين منهم- للعمل في التجارة".
وانتقد أبو جيّاب عملية توزيع المساعدات على المحتاجين، حيث قال إنها "لا تسير بطريقة صحيحة، وبعض منها وجد طريقه نحو الأسواق".
ورغم أن تداول بيع السلع يوفر سيولة نقدية للمحتاجين، وبعض البضائع المفقودة في الأسواق، فإنه يرهق الاقتصاد، حيث يتسبب في غلاء فاحش في الأسعار، قد يصل إلى 20 ضعفا من سعرها الأصلي، بحسب أبو جيّاب.
وفي المقابل، يرى أبو جيّاب أن الظاهرة هي "تعبير عن صمود السكان في وجه الأوضاع الصعبة والخطيرة التي يعيشونها".
ويضيف أن "غالبية مَن في الأسواق ليسوا تجارا، بل هم نازحون مشردون، وهذا كان محاولة منهم للبقاء، والمحافظة على الحد الأدنى من كرامة العيش، في ظل تراجع نسب المساعدات".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
القاهرة تستقبل سوقاً حضارياً جديداً.. تحول جذري في حياة الباعة وسكان العاشر
شهد اليوم الدكتور إبراهيم صابر محافظ القاهرة بدء تسليم المحلات المخصصة لنقل الباعة الجائلين من سوق العاشر العشوائي إلى سوق العاشر الحضاري الذى أقامته الدولة ضمن مجمع المواقف والأسواق بمنطقة الواحة بحى شرق مدينة نصر.
وأكد محافظ القاهرة حرص الدولة على التوسع فى إقامة الأسواق الحضارية للباعة الجائلين للقضاء على ظاهرة الأسواق العشوائية والتواجد غير المنظم للبائعين وإحداث إعاقات واختناقات مرورية، مشيرًا إلى أن مشروع تطوير الاسواق العشوائية يعد واحدًا من أهم المشروعات القومية، التي تعمل عليها الدولة جاهدة للتصدي لظاهرة الباعة الجائلين واستعادة المشهد الحضاري للعاصمة مع ضمان حياة كريمة للمواطن ورفع جودة وكفاءة الخدمات، بالإضافة للتحول لأسواق متكاملة الخدمات مزودة بكافة وسائل الحماية المدنية
وأضاف محافظ القاهرة أن السوق الحضارى بالعاشر يتميز بتوافر كافة الخدمات الأساسية، مثل المرافق الصحية ومواقف السيارات، كما أنها يوفر للتجار أماكن عمل حديثة ومناسبة