11 يناير.. نهضة مُتجددة تتدفق خيرًا وازدهارًا في ربوع عُمان
تاريخ النشر: 10th, January 2024 GMT
◄ مسؤولون ومواطنون: ذكرى تولي جلالة السلطان مقاليد الحكم مناسبة وطنية عظيمة تُترجم ما تحقق من مُنجزات
◄ البوسعيدي: الحادي عشر من يناير ذكرى انطلاق العهد الزاهر
◄ الحجري: تحقيق العديد من المنجزات التنموية منذ تولي جلالة السلطان الحكم
◄ الرواس: عمان تخطو خطى ثابتة في مسيرة البناء والتنمية الشاملة
◄ المحروقي: الـ11 من يناير لحظة تاريخية في مسيرة النهضة المتجددة
◄ البلوشي: السياسات الحكيمة تعزز مؤشرات النمو الاقتصادي والاجتماعي
◄ الكلباني: فخورون بما تحقق من إنجازات خلال السنوات الأخيرة
الرؤية- ناصر العبري
يؤكد عدد من المسؤولين والمواطنين أن السنوات الماضية شهدت العديد من الإنجازات في قطاعات الصحة والتعليم والرياضة والاستثمار والسياحة والاقتصاد وتطوير البنى الأساسية، استنادا إلى التوجيهات السامية من لدن جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- ورؤيته الحكيمة للارتقاء بمستوى المعيشة والانطلاق بعمان نحو آفاق أرحب، مضيفين أن يوم الحادي عشر من يناير هو بداية العهد الزاهر والنهضة المتجددة في جميع المجالات.
ويقول سعادة السيد الدكتور حمد بن أحمد البوسعيدي محافظ البريمي، إن الحادي عشر من يناير يذكرنا بانطلاقة عهد جديد لعُمان المستقبل، والذي رسمت فيه ملامح الرؤية الثاقبة والفكر النيِّر لجلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله- لتتكون بذلك رؤية "عمان 2040" والتي تعد بوصلة الطريق الذي تهتدي به السلطنة نحو آفاقٍ أرحب في مختلف الجوانب، كما أن العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق أكد أهمية الشراكة المجتمعية لتحقيق الإنجازات.
ويضيف أنه في إطار التوجيهات السامية، يسعى مكتب محافظ البريمي إلى خلق قنوات تواصل مباشرة مع الشباب، إذ تم تشكيل "فريق الشباب" ليكون همزة وصل بين مكتب المحافظ والمجتمع، من خلال عقد سلسلة من الاجتماعات لإطلاعهم على مستجدات العمل في المحافظة والاستماع إلى آرائهم وأفكارهم في عدد من الموضوعات والأخذ بها إلى حيّز التنفيذ، إضافة إلى عقد لقاء موسعٍ لشباب المحافظة جرى خلاله إطلاعهم على العديد من الجوانب التي تخص القطاعات التنموية، وكذلك تم تنفيذ جلسة عصف ذهني خرجت بعدد من الأفكار لتنفيذ مشاريع تنموية.
ويشير البوسعيدي إلى أن المحافظة تدعم الشباب أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من خلال إسناد عدد من المشاريع لهم، مبينا: "هناك بعض المشروعات تم الانتهاء منها ومشروعات أخرى جارٍ تنفيذها، وبدأنا جني ثمار بعض المشاريع بعد تطبيق نظام المحافظات واللامركزية، وحاليا تم البدء في تنفيذ مشاريع كبيرة مثل مشروعي واحة البريمي (داون تاون البريمي) والبحيرة الاصطناعية، ومشروع إنشاء وصيانة الحدائق والمتنزهات والمماشي الصحية، كما يجري العمل على تنفيذ 77 مشروعاً بقيمة إجمالية بلغت حوالي 14 مليون ريال عماني، إضافة إلى وجود ثمان دراسات استشارية لتطوير المواقع والمشاريع المستقبلية في مختلف ولايات المحافظة".
من جهته، يوضح سعادة الشيخ هلال بن سعيد الحجري محافظ الداخلية، أنه منذ تولي جلالة السلطان- أبقاه الله- مقاليد الحكم، شهدت عمان تحقيق العديد من المنجزات التنموية، مضيفا: "إنني وأبناء محافظة الداخلية نرفع إلى المقام السامي أسمى التهاني، ونسأل الله أن يحفظ جلالة السُّلطان المعظم وأن ينعم عليه بوافر الصحة والعافية والعمر المديد، وأن يحفظ هذا الوطن والشعب العُماني".
ويبين: "نعمل في محافظة الداخلية على مواكبة التغيرات السريعة حول العالم بتطوير الأداء وتنفيذ الخطط والمشاريع التنموية وفقًا لمستهدفات محددة يتم مواءمتها مع الأوليات الوطنية ضمن رؤية عمان 2040، وسيشهد العام الجاري تنفيذ حزمة من المشاريع التنموية والاستراتيجية في ولايات المحافظة، وستتنوع بين مشاريع سياحيّة ترفيهيّة وحدائق ومنتزهات ومشاريع رصف الطرق وتطوير الأسواق والمناطق التجارية، كما تسعى المحافظة إلى تطوير الجانب الاستثماريّ في القطاعات المختلفة من خلال إقامة ملتقى استثماري، تُعرَضُ فيه مجموعة من الفرص الاستثماريّة الجاهزة والخالية من التحديات وذلك بمشاركة مجموعة من المستثمرين ورواد الأعمال، بالإضافة إلى تدشين عدد من المبادرات لتعزيز البحث العلميّ والابتكار بالشراكة مع المؤسسات التعليميّة والبحثيّة، وكذلك مبادرات لتعزيز القطاع الثقافيّ بالشراكة مع المؤسسات المختلفة في القطاعين العام والخاص، ومؤسسات المجتمع المدني".
ويؤكد سعادة نجيب بن علي الرواس محافظ الظاهرة، أن هذه الذكرى تحل على سلطنة عمان وهي تخطو خطى ثابتة في مسيرة البناء والتنمية والنهضة الشاملة بفضل القيادة الحكيمة والرؤية الثاقبة لجلالة السلطان- أيده الله- تحقيقًا للأهداف المُستدامة لرؤية عُمان 2040، موضحا: "تسعى عمان للنهوض بمستوى الخدمات والمشاريع التنموية والخدمية، وتسعى جاهدة لتحقيق أهداف رؤيتها المستقبلية من خلال العمل على تنفيذ برامجها وأهدافها على أرض الواقع وفق خطة متكاملة وأولويات مرحلية تلبي طموحات وآمال المواطن والمقيم على هذه الأرض الطيبة".
ويلفت إلى أن محافظة الظاهرة حظت بنصيب وافر من التنمية التي شملت جميع القطاعات خلال العهد الزاهر لجلالة السلطان- أبقاه الله- من خلال التوجيهات السامية التي ركّزت على دعم جميع المحافظات من أجل النهوض بها وتنميتها، وتوفير ما يلزم من خدمات تنموية بُغيةَ الارتقاء بالمحافظات.
ومن جانبه، يقول الشيخ سالم بن حمد المحروقي عضو مجلس الشورى ممثل ولاية أدم: "هذه الذكرى تعد لحظة تاريخية لتستمر مسيرة التنمية المستدامة وجهود تنويع الاقتصاد الوطني، وتحقيق التقدم الشامل من خلال دعم الابتكار وتعزيز التعليم والتطوير التكنولوجي"، مضيفاً: "لقد أظهرت القيادة الحكيمة لجلالة السلطان التفاني في مواجهة التحديات الإقليمية والإسهام في تعزيز استقرار المنطقة، وتعزيز الوحدة الوطنية والقيم الثقافية والاجتماعية".
ويذكر سعادة الشيخ عبدالعزيز بن حمدان بن عبدالله البلوشي عضو مجلس الشورى ممثل ولاية عبري: "تشهد النهضة المتجددة انطلاقة إلى آفاق أوسع بفضل الخطط والبرامج التي خطتها القيادة الحكيمة، خاصة البرامج الاقتصادية والمالية والاجتماعية لتحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي، والارتقاء بمستوى المعيشة، ولقد أصبحت عمان من أكثر الدول نموا وتطورا في القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والرياضية".
ويقول الدكتور أحمد بن سعيد الكلباني مدير عام المديرية العامة للخدمات الصحية بمحافظة الظاهرة: "تأتي هذه الذكرى لتحمل البُشرى والخير لوطنٍ متأصلة جذوره في التاريخ ولشعبٍ عريق يُعانق الأمجاد، في ظل سياسات حكيمة من لدن جلالة السلطان- أعزه الله- سعياً نحو التطوير والنماء والاستقرار، ونحن كمواطنين عمانيين تعترينا مشاعر الفخر والاعتزاز بما تحقق من إنجازات على أرض السلطنة خلال الأربع سنوات المنصرمة التي جاءت تتوافق مع رؤية عمان 2040".
ويوضح أحمد بن بطي اليعقوبي رئيس نادي عبري، أن سلطنة عمان تواصل انطلاقتها اعتماداً على التوجيهات السامية من لدن جلالة السلطان- حفظه الله- ليشهد قطاع الرياضة تطورا ملموسا من خلال إقرار سياسات رياضية جديدة وإيجاد طرق للتمويل وتطوير البنية الأساسية ورعاية المواهب الرياضية، مضيفا: "تحرص وزارة الثقافة والرياضة والشباب بقيادة صاحب السمو السيد ذي يزن على الارتقاء بصناعة الرياضة في عُمان واستضافة الأحداث الرياضية الكبيرة وخلق بيئة جاذبة تحقق أهداف التنوع الاقتصادي".
وتابع قائلاً: "من خلال شعار عمان نهضة متجددة، حرصت الوزارة على أن يكون لها دور فاعل في المشاركات وتنفيذ المبادرات مثل إدراج الرياضة كجزء لا يتجزأ من نظام التعليم، وتقوم الحكومة بدور فاعل في تعزيز الثقافة الرياضية في البلاد؛ إذ قامت بتوفير المرافق الرياضية الجيدة في البلاد لخدمة الشباب، كما أننا في ولاية عبري نحظى باهتمام كبير من القيادات الرياضية بتوفير المرافق الرياضية لخدمة الشباب في الولاية مما يجعل فئة الشباب تمارس الأنشطة الرياضية المختلفة من خلال المجمع الرياضي بعبري ومرافق نادي عبري التي تخدم الجميع والمتاحة لجميع فئات المجتمع، وإذ ننتهز هذه الفرصة لنرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات للمقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- بمناسبة توليه مقاليد الحكم في البلاد، متضرعين إلى الله العلي القدير أن يحفظه ويمن على جلالته بالصحة والعافية والعمر المديد، وأن يُديم على عمان وشعبها الأمن والأمان".
ويؤكد الشاعر عبدالله بن حمدان الكعبي من محافظة البريمي، أن ما تشهده المحافظة من جهود مبذولة لتحقيق التنمية المستدامة في مختلف القطاعات، يدعو إلى الفخر والاعتزاز بهذا الوطن وبقائده المفدى جلالة السلطان هيثم بن طارق- أعزه الله- حيث استطاعت هذه المحافظة أن تعيد مجدها العريق بجهود متواصلة وخطوات حثيثة وأفكار مستدامة، موضحًا: "لقد شهدنا في السنوات الأخيرة إنجازات تؤكد أن المستحيل كلمة لا يمكن أن توقف عزم أبناء هذا الوطن، فالعزيمة تولد الإنجاز والإبداع وهي دليل الناجحين، ومن يتكلم بلغة الأرقام والحقائق ليس كمن لا يفقه ما يقول، كما أن محافظة البريمي كغيرها من المحافظات شاهدة على تحقيق الكثير من الإنجازات".
ويقول: "محافظة البريمي كان لها نصيب الأسد من المنجزات والتطور بكافة الأصعدة، نظرا لما قام به سعادة السيد المحافظ من جهد وعمل متقن ومتواصل طوال السنوات الماضية، وما تشهده المحافظة اليوم ما هو إلا نموذج يحتذى به ومثال حي على تحمل المسؤولية والأمانة والإخلاص للوطن وسلطانه المفدى، الذي نجدد له الولاء والوفاء، وكل ما تحقق من منجزات حقيقية على أرض الوطن من شمالها وجنوبها وجبالها وبحارها وسهولها وهضابها مدعاة للفخر فلا يمكن أن يتحقق كل ذلك لولا وجود الإرادة الحقيقية من عاهل البلاد- حفظه الله- الذي يمضي وخلفه أبناء عمان في مسار التنمية والتقدم".
ويُبين الإعلامي سالم بن راشد الإسماعيلي: "مع تولي مجدد النهضة مولانا السلطان هيثم مقاليد الحكم، كانت لكلمة مجدد واقع ملموس لدى الكثيرين، فاستبشر المجتمع بالخير وكان الخير سباقا لهم، فنحن نرى سن القوانين التي تنظم الحياة وتعطي كل شخص حقه، وتبين ما له وما عليه، ولذلك نحن في عهد جعلنا مطمئنين بما هو قادم، لتزداد عمان قوة ومنعة بأبنائها البررة، كما أننا في ولاية عبري نفتخر بإشهار فريق عبري لرياضات التزلج الذي يعتبر أول فريق رسمي تم إشهاره من قبل اللجنة العمانية لرياضات التزلج؛ حيث وصل عدد أعضاء الفريق قرابة 200 عضو، إذ يمارس الشباب هواياتهم المحببة في فنون رياضة التزلج والعروض الحرة التي يستمتع بمشاهدتها الجمهور؛ ولذلك نحن نجد أن تنوع الرياضات في السلطنة وفي ولاية عبري هو مؤشر تنموي ياقس عليه مسارات التنمية في القطاعات الأخرى حسب مستهدفات رؤية عمان 2040".
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
لمحات من التحولات الاجتماعيـــــــة في عهد الدولة البوسعيدية
قبل حكم اليعاربة، عانت عمان من تفكك سياسي وصراعات داخلية، بالإضافة إلى الاحتلال البرتغالي الذي استمر لأكثر من قرن. تصف المدونات عهد الإمام ناصر بأنه: «دانت له جميع البلدان وطهرها من البغي والعدوان... وأظهر فيها العدل والأمان وسار في أهلها بالحق والإحسان». وازدهرت الزراعة بفضل شق الأفلاج، وتطورت التجارة البحرية، مما جعل عمان مركزًا تجاريًا إقليميًا. هذا التحول أدى إلى تحسين مستوى المعيشة وتقليص الفجوات الاجتماعية.
لكن أواخر عهد اليعاربة شهد تدهورًا بسبب الصراعات الداخلية والحروب الأهلية التي استمرت لأكثر من ثلاثين عامًا، ما أدى إلى تفكك الروابط الاجتماعية وظهور حالة من الفوضى. مع ظهور الإمام أحمد بن سعيد، بدأت عمان تستعيد استقرارها. وصفه الشيخ نور الدين السالمي قائلاً: «وكان أحمد بن سعيد صاحب همة عالية ومطلب سام وجرأة وإقدام، فصار ملك عمان كله إليه... ودانت له القبائل وسكنت الحركات وأطفأ كثيرًا من الفتن».
ترتيب السلطنة ومفهوم النهضة
الإمام أحمد بن سعيد، أول حكام الدولة البوسعيدية، وصفه المؤرخ ابن رزيق قائلاً: «رتب قواعد السلطنة أحسن ترتيب، وهذبها بأبلغ تهذيب». وفي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، نُقلت العاصمة من الرستاق، وكان لهذا التحول أثر كبير على الجوانب الاجتماعية والثقافية، ناهيك عن تنشيط التجارة البحرية عبر ميناء مسقط. وصف ابن ماجد (ت: 906هـ) هذا الميناء قائلاً: «لم يكن في الدنيا مثله، إن له أشاير، وفيه خصائل لم تكن في غيره... وهو بندر عمان من العام إلى العام».
في القرن العشرين، استُخدم مصطلح «النهضة» في عمان بطريقتين: الأولى لوصف النهضة التي ظهرت عام 1913م، والثانية في عام 1970م، لوصف التغيير والتحديث الذي شهدته عمان في عهد السلطان قابوس بن سعيد. في بيانه الأول، قال السلطان قابوس- طيب الله ثراه: «هذا التغيير بداية لعهد جديد متنور ورمز لعزمنا أن يكون شعبنا موحدًا». كان ذلك إعلانًا لعهد جديد من التغيير والتطوير الشامل الذي انعكس على كافة مناحي الحياة. وقد ورد في إحدى المخطوطات التي توثق لحظة تولي السلطان قابوس - طيب الله ثراه- الحكم: «وهذا السلطان قابوس دانت له قبائل عمان جميعهم، من منطقة مسندم وهرمز إلى جزيرة مصيرة، إلى ظفار ومتعلقاتها، فأوسع الناس عطاءً وعفوًا، وعاد كل عماني من الخارج، ودرت خيرات عمان من ثمار ونفط ومعادن، حتى فاضت البيضاء والصفراء».
كانت الجولات وسيلة فعالة استخدمها السلاطين للتواصل المباشر مع الشعب. كان السيد حمد بن سعيد بن الإمام أحمد (حكم من 1784-1792م) من أبرز القادة الذين نهجوا هذا النهج، حيث يقول الشيخ نور الدين السالمي في تحفة الأعيان: «كان يطوف عمان باطنة وظاهرة، ثم يأتي على الجوف (الداخلية) والشرقية، يصنع ذلك مرتين في السنة، يتفقد الممالك والرعايا، وحصلت له في القلوب هيبة ومحبة». هذا النهج تم استعادته في عهد السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- الذي اعتمد «الجولات السامية» كجزء من أسلوب حكمه، مما عزز التواصل المباشر بين القيادة والشعب وساهم في ترسيخ الأمن والاستقرار.
التركيبة السكانية والأوضاع الاجتماعية
لم تعرف عمان الإحصائيات السكانية بشكل رسمي إلا بعد قيام النهضة في عام 1970م. يعود ذلك إلى غياب المؤسسات المتخصصة في الإحصاء قبل هذه الفترة، بالإضافة إلى حالة عدم الاستقرار السياسي التي سادت البلاد. كما أن هناك بعض المواقف الفقهية التي قد تكون ساهمت في غياب الإحصاء، حيث يعكس أحد الأسئلة الموجهة إلى الإمام محمد بن عبدالله الخليلي حول إحصاء النفوس موقفًا متحفظًا، يشير إلى تحفظ ديني أو ثقافي حول عملية الإحصاء في تلك الفترة، وإن لم يكن من الممكن التثبت من مدى تأثيره على الواقع العملي.
هذا الغياب للإحصائيات المحلية حال دون رصد التغيرات الاجتماعية بشكل دقيق. ومع ذلك، ظهرت بعض الإحصائيات التقديرية، لكنها لم تكن من صنع أهل البلد، بل جاءت من المؤسسات الأجنبية، وتحديدًا حكومة بومباي البريطانية. كون الإحصائيات البريطانية المصدر الوحيد المتوفر يجعل من الضروري التعامل معها بحذر، فهي تقدم صورة تقريبية للوضع السكاني، ولكن لا يمكن التسليم بدقتها.
أحد الأمثلة على ذلك هو تقديرات الكابتن مايلز لسكان عمان في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي. ومع ذلك، ركزت هذه الإحصائيات بشكل أساسي على الرجال القادرين على حمل السلاح، متجاهلة فئات مهمة من المجتمع مثل النساء والأطفال، مما يعطي صورة ناقصة عن التركيبة السكانية الحقيقية.
وفق التقديرات البريطانية، بلغ عدد سكان عمان في عام 1930م حوالي 500 ألف نسمة، منهم 12 ألفًا في مسقط ومطرح. وفي عام 1906م، قدرت الأعداد بأقل من نصف مليون. وهناك بعض الإحصائيات المتعلقة بعدد الأجانب في عمان في عام 1765م بحوالي 1200 شخص، بينما ارتفع العدد في عام 1870م إلى حوالي 2000 شخص، معظمهم تجار يعيشون في المدن الساحلية. يعكس هذا التنوع الثقافي أهمية عمان كمركز تجاري، حيث كانت المدن الساحلية مثل مسقط تشهد نشاطًا اقتصاديًا حيويًا وجذبًا للأجانب.
كان لوجود التجار الأجانب في الموانئ تأثير ليس فقط اقتصاديًا، بل اجتماعيًا أيضًا. فقد كانت المنسوجات الهندية جزءًا من الهوية والمكانة الاجتماعية، لا سيما العمامة الكشميرية التي ذكرها ابن رزيق، حيث كانت رمزًا للوجاهة والتأثير الاجتماعي. يُذكر أن أحد الشخصيات المؤثرة كان لا يتعمم إلا بالشالات الكشميرية.
وحول الحركة العمرانية والاجتماعية في مسقط في منتصف القرن العشرين، قدم سيف بن ناصر اليعربي وصفًا للمدينة قائلا: «مسكد -مسقط- بها قصور عالية، ومدرسة سلطانية، ومساجد عامرة، وسوق معمور يباع فيه الصالح والطالح. وبها سكان من الأهالي والأجانب، إلا أن الأجانب لهم الحظ الوافر». يعكس هذا الوصف تنوع المجتمع وتطوره.
ولم تكن عمان بمنأى عن الصراعات السياسية. خلال القرن التاسع عشر، أدت النزاعات على السلطة إلى استنزاف الموارد وتدهور الأحوال. يصف ابن رزيق هذه الفترة بقوله: «وأخافوها خوفًا شديدًا، باصطلام الأموال غصبًا»، في إشارة إلى نهب الأموال واستنزاف الموارد. كما يصف الشيخ علي بن مسعود العبادي الأثر المدمر للحروب قائلا: «خُربت البلاد وشُردت العباد، وقُتل رجل، ويُتّمت أطفال، وحُرقت المنازل والحروث، وخُشيت النخيل».
التحديات الاجتماعية والصحية والاقتصادية قبل عام 1970م
شهد القرن التاسع عشر خطوة مهمة في المجتمع العماني، حين أصدر السلطان تركي بن سعيد عام 1871م بيانًا يقضي بمنع تجارة الرقيق في جميع أنحاء سلطنة عمان. وفي منتصف القرن العشرين، واجه المجتمع العماني تحديات فكرية، حسب التصريح الذي أصدره السلطان سعيد بن تيمور، كان أبرزها انتشار الأفكار التي وصفها بـ«الشيوعية». وأكد حينها ثقته بوعي المجتمع قائلا: «إننا مطمئنون تمام الاطمئنان بأن لدى أهل بلادنا من الحصانة الدينية ما يكفي لرد مثل هذه الدعايات».
أما التحديات الصحية، فقد أنهكت المجتمع العماني، لا سيما في القرن التاسع عشر الميلادي وجزء كبير من القرن العشرين، وكان من أبرزها انتشار الأمراض المعدية. من بين الأوبئة التي وثقتها المصادر العمانية، ظهر الطاعون عام 1236هـ، وانتشر في السند والهند وبلاد الإنجليز والفرنسيس. وبسبب نقص الخدمات الصحية، قضت هذه الأمراض على جزء كبير من المجتمع العماني. وقد أرّخ عامر بن علي العبادي لعدد المصابين في نزوى وحدها بحوالي 900 نفس، قائلا: «عاش منهم أقل من النصف، فبقيت المنازل بعدهم خاوية، وديارهم خالية».
مع دخول المنتجات الأوروبية إلى الأسواق العمانية، شهدت الحرف التقليدية تراجعًا ملحوظًا. يقول صاحب نهضة الأعيان: «لما كثرت منسوجات أوروبا وجُلبت إلى عمان، قصرت همة النساجين في عمان، وراجت المنسوجات الأوروبية». أدى هذا التغير إلى تراجع الاقتصاد المحلي وحرف حركة المجتمع العماني عن مسارها الطبيعي. وفي 26 من ذي القعدة 1362هـ، شهدت عمان أزمة اقتصادية حادة أدت إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية. «بلغ سعر بهار السكر الزين 180 قرشًا، والليمون البهار 775 قرشًا، بينما وصل سعر التمر الباطني إلى 120 قرشًا والعماني إلى 180 قرشًا. كما ارتفعت أسعار الثياب، في حين سجل سعر الصرف 245 روبية مقابل 100 ريال». في ظل هذه الظروف، كان أهل البلاد يقدمون للواحد كيسًا من الحنطة يوميًا لمواجهة الأزمة، ما يعكس حجم المعاناة وشدة الاعتماد على الموارد المحدودة في تلك الفترة.
وفي 1943م، تأثرت عمان بتداعيات الحرب العالمية الثانية، حيث انقطع الأرز عن البلاد، مما أدى إلى نقص حاد في المواد الغذائية الأساسية. في تلك الأثناء، دعا السلطان أهل عمان إلى «الزراعة واستخراج فوائد الأرض»، في محاولة لتعزيز الاكتفاء الذاتي وتأمين احتياجات السكان في ظل الظروف الصعبة التي فرضتها الحرب. وتعكس رسالة الإمام محمد بن عبدالله الخليلي، التي قال فيها: «من اعتمد على زاد عدوه طال جوعه»، رؤيته العميقة لأهمية الاستقلال الاقتصادي والاعتماد على الموارد المحلية، خصوصًا في ظل الأزمات الاقتصادية.
على الرغم من التحديات الاقتصادية، كان هناك تفاوت كبير في الدخل بين الدولة وبعض الشيوخ. يذكر سعود بن علي الخليلي: «إن دخل دولة سعيد بن تيمور (ت: 1972م) لم يكن يتعدى 50 ألف جنيه إسترليني، في حين أن دخل ثلاثة من شيوخ داخلية عمان كان يوازي دخل الواحد منهم هذا المبلغ أو أكثر». يعكس هذا التفاوت حجم الفجوة الاقتصادية داخل المجتمع. ورغم ذلك، برزت مواقف تضامنية في فترات الأزمات التي تعرضت لهم عمان، كما حدث في عام 1870م، عندما مرت عمان بأزمة مالية خانقة. حينها بادر العديد من رجال الدولة وأهل الأموال إلى بيع ممتلكاتهم دعمًا للدولة، ومن بينهم الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي، الذي باع «أمواله الكائنة في بلدة بوشر، وما له في هذه البلدة من خراب وعمار، بأكثر من سبعة آلاف قرش»، من أجل «عز الدولة».
التعليم والثقافة
يُعد التعليم إحدى الركائز الأساسية للنهوض بالمجتمع، ولم تعرف عمان التعليم النظامي بشكل واسع إلا بعد ظهور المدرسة السعيدية في مسقط. تطور التعليم بشكل متسارع بعد عام 1970م. وقد انتقد العديد من العلماء ورجال الفكر تأخر التعليم في عمان، إذ يقول أبو مسلم البهلاني (ت: 1921م) إن الجهل كان من أسباب معاناة عمان، قائلا: «فإن عمان لم تسقط هذه السقطة إلا من جهة الجهل... وبودّي لو ساعدني العلماء على الرأي الذي أراه، وهو جواز جبر الأولاد على التعلم».
في ظل تراجع التعليم، كانت مسقط تشهد بعض التغيرات الثقافية. بدأت تتشكل بوادر لدخول السينما إلى عمان في فبراير 1913م، عندما قدم السيد بيانكر (Batanker) من بومباي إلى مسقط لتركيب مصابيح كهربائية لقصر السلطان فيصل بن تركي. أثناء زيارته، جلب معه جهاز عرض سينمائي، لتكون هذه بداية تعرف عمان على هذا الفن الجديد.
أثرت النزاعات السياسية في القرن التاسع عشر الميلادي على الإنتاج الثقافي. يقول ابن رزيق عن ديوان الشاعر سيف بن سليمان المعولي: «شهدت أيام حياته كتابًا بخط يده، فيه حكايات وأشعار، وقد رقم فيه نبذة من شعره. وقد سمعت أن هذا الكتاب صار في أيدي عتوب البحرين، وأظن أن أحدهم قد سرقه فباعه عليهم». الوقف وأثره الاجتماعي
الوقف يمثل جانبًا مهمًا من التنظيم الاجتماعي، ويعكس التعاضد والتكافل في المجتمع العماني. رغم رمزيته الدينية، كان دوره الاجتماعي أكثر وضوحًا وتأثيرًا. الوقف في جوهره تعبير عن إحساس عميق بالمسؤولية الاجتماعية تجاه الفئات الضعيفة والأقل حظًا. تاريخيًا، ارتبط الوقف في عمان ارتباطًا وثيقًا بالأفلاج، التي كانت عصب الاقتصاد الزراعي.
من النادر أن تجد فلجًا في عمان لا يحتوي على حصص موقوفة للخدمات الاجتماعية، مثل تمويل المساجد، والمدارس، وطلبة العلم، إلى جانب توفير الدعم للغرباء، السائلين، والمرضى. لم يقتصر دور الوقف على الخدمات الاجتماعية، بل امتد ليشمل دعم التعليم، واستقبال الضيوف، وصيانة الحصون والأسوار. يعكس هذا الدور الاجتماعي للوقف وعيًا عميقًا بأهمية التضامن والتعاضد. تتجلى هذه الأهمية في كمية الوثائق الوقفية والنصوص التاريخية التي تسجل مختلف أوجه الوقف وأغراضه.
مع دخول عمان عصر النهضة بعد 1970م، بدأت ثقافة الوقف تتراجع تدريجيًا. لم يعد الناس يحرصون على الوقف كما كان أسلافهم يفعلون. في المقابل، ظهرت مفاهيم جديدة للتضامن الاجتماعي، تمثلت في تأسيس الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي لعبت دورًا مهمًا في تقديم الدعم والمساعدة للمحتاجين.
ملامح الشخصية العمانية
قدم الشيخ نور الدين السالمي وصفًا دقيقًا للشخصية العمانية في خطابه للقنصل البريطاني عام 1913م، حيث قال: «لا تظن دولتكم أن أهل عمان قوم أغبياء جهلاء أعراب لا يعرفون قانونًا ولا يحسنون عبارة، فإنهم قوم أذكياء، حلبوا الدهر شطره، وذاقوا حلوه ومره، وعرفوا دواعي الرقي والعمران، وسياسات الدول وغوايلها». هذا التوصيف يعكس مدى وعي العمانيين وفهمهم لمجريات الأمور من حولهم، وهي صفات لاحظها أيضًا الضابط البريطاني في البحرية ريموند ولستد، الذي قال في عام 1835م: «اعتاد أهل عمان على الاستغناء عن الأمم الأخرى، فهم فخورون بأنسابهم، وبأرضهم، وبالحرية التي يعيشونها». كما يتجلى هذا الاعتداد بالنفس في المثل الشعبي: «قحمة في سيح ولا منة من شيخ»، الذي يبرز اعتماد العمانيين على أنفسهم واعتزازهم بكرامتهم.
هذا الاعتزاز بالنفس يظهر أيضًا في وصف الأزكوي، صاحب كتاب كشف الغمة، الذي قال: «وهكذا طبع أهل عمان... لهم الهمم العالية، والنفوس الأبية، لا ينقادون لسلطان، ولا يقرون على هوان»، مما يوضح ميلهم للدفاع عن حقوقهم بشراسة. هذه الصلابة لم تمنعهم من الانفتاح على الوافدين والتعامل معهم بكرم واحترام. في هذا الإطار، وصف ناصر بن سالم البوسعيدي أهل عمان قائلا: «وأهلها -عمان- أهل قناعة عن غيرهم، يحبون الغريب على سائرهم، ويحسنون إليه ويحبون جيرته»، مما يعكس طبيعتهم المتسامحة وقدرتهم على التعايش مع الآخر.
وللمرأة العمانية دور محوري في المجتمع بمختلف جوانب الحياة. تقول موسوعة لاورس الفرنسية (1870م): «العمانيات يعشن مع الرجال على قدم المساواة، وهو أمر غير موجود في أي مكان آخر...». وقد برزت شخصيات نسائية مثل عائشة بنت راشد الريامية في عهد اليعاربة، وموزة بنت الإمام أحمد، وجوخة بنت محمد بن الإمام أحمد، حيث لم تكن هؤلاء النساء مجرد رموز اجتماعية، بل لعبن أدوارًا حقيقية في صنع القرار، مما يؤكد مكانة المرأة العمانية كشريك أساسي في بناء المجتمع.الهجرات الداخلية والخارجية
الموقع الجغرافي لعمان، الذي يطل على المحيط الهندي ويقع عند تقاطع طرق التجارة البحرية القديمة، كان له أثر عميق في تشكيل شخصية الإنسان العماني. هذا الموقع المميز جعل العمانيين روادًا للآفاق، حيث جابوا البحار وعبروا القفار، واستقروا في بلدان مختلفة. وبالرغم من أن الهجرة جزء طبيعي من حركة المجتمعات، فإنها لعبت دورًا محوريًا في تشكيل النسيج الاجتماعي العماني، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
كانت الهجرات الداخلية مستمرة في عمان لأسباب اجتماعية واقتصادية. تنقلت الأسر من الصحراء إلى القرى والبلدان، لا سيما في مواسم القيظ، حيث تتوفر الواحات والموارد المائية والزراعية. كما شهدت عمان حركة تنقل من الداخل إلى المناطق الساحلية بهدف التجارة وتبادل السلع. ساهمت هذه الأنماط من الهجرة في تعزيز التواصل بين مختلف مناطق عمان وإيجاد روابط اجتماعية واقتصادية قوية. ويصف ابن رزيق أحد أسباب هذه الهجرات الداخلية خلال فترة المحل قائلا: «ولما استولى حمد على عمان اشتد المحل... وهرب من المحل أكثر أهل عمان إلى أرض الباطنة ومسقط». يظهر هذا كيف دفعت الأزمات البيئية والاقتصادية العمانيين إلى التنقل بحثًا عن فرص أفضل. ومع تحسن الظروف المناخية والاقتصادية، عاد كثيرون إلى مواطنهم الأصلية، حيث يصف ابن رزيق عودة الخصب قائلا: «لاحت سحابة في السماء... وعمّ الخصب عمان ورجع أكثر من نفي من أهلها إليها».
أما الهجرات الخارجية فقد بلغت ذروتها في القرن التاسع عشر وحتى العقد السابع من القرن العشرين. كان الاتجاه الأساسي نحو شرق إفريقيا، خاصة بعد أن أصبحت زنجبار تحت السيادة العمانية في عهد السيد سعيد بن سلطان. أدى هذا الارتباط السياسي إلى انتقال عدد كبير من العمانيين إلى شرق إفريقيا، حيث أثروا في الحياة الاجتماعية والثقافية هناك، وما زال هذا التأثير واضحًا حتى اليوم. ولم تكن هذه الهجرات دائمًا مدفوعة برغبة سياسية فقط، بل كانت أيضًا نتيجة لضيق الأحوال الاقتصادية. يروي محمد بن شامس البطاشي في كتابه إتحاف الأعيان أن السلطان ثويني بن سعيد لم يرحب بهجرة مجموعة من العمانيين إلى شرق إفريقيا عندما أجبرهم القحط على ذلك، واقترح عليهم بدلا من ذلك الاستقرار في ولاية السيب ومنحهم أراضي للزراعة.
وفي أواخر القرن التاسع عشر، دفع ضيق المعيشة بعض العمانيين إلى الهجرة نحو الهند بحثًا عن الرزق. ومع اكتشاف النفط في دول الخليج، خرجت أعداد كبيرة من العمانيين للعمل في تلك البلدان. أحدثت هذه الهجرة تغيرات في النسيج الاجتماعي. ومع تسلم السلطان قابوس بن سعيد الحكم في عام 1970م، دعا هؤلاء العمانيين إلى العودة للمساهمة في بناء وطنهم.
ونختم هذا المقال بالنص التالي الذي يختصر التحول الاجتماعي والاقتصادي الذي حدث بعد تولي جلالة السلطان قابوس الحكم عام 1970. يقول النص، كما ورد في إحدى المخطوطات وكاتبه من المعاصرين للتحول الذي طرأ على عمان: «وهذا السلطان قابوس دانت له قبائل عمان جميعهم، من منطقة مسندم وهرمز إلى جزيرة مصيرة، إلى ظفار ومتعلقاتها، فأوسع الناس عطاءً وعفوًا، وعاد كل عماني من الخارج، ودرت خيرات عمان من ثمار ونفط ومعادن، حتى فاضت البيضاء والصفراء».