عواطف العامري.. عيونها الشهلة يصعب صدُّها
تاريخ النشر: 10th, January 2024 GMT
ناصر أبوعون
اختارت عواطف العامرية الشعر النبطيّ لافتةً عريضة تعلّقها فوق بوابة إبداعها، على الرغم من تجاربها المتباينة ما بين (الفصيح) المتوشّح بأوزان الخليل، و(الخاطرة) السائرة في دروب قصيدة النثر في صورتها الأولى، وتهشُّ بعصا الحداثة على الرواية من نافذة السرد البريء من ارتداء صورة الآباء الأولين وحوارييهم المتمردين.
لكن العامريّة مضت مختارةً وبملء إرادتها في طريق الشعر النبطيّ الجامع لأواصر شعوب الخليج؛ حيث تذوب الفواصل بين اللهجات، وترتفع القصيدة لتكون جسرا يعبر عليها الوعي الجمعيّ موشومًا بذائقة ثرّة، شدّت وكاء المحبة على خصر المفردة البدوية الموغلة في الغموض والترميز،و(تمنطقت) بمجزوءات ومضاعفات البحر الشعريّ مع توليد الكثير من الأنغام المبتكرة عبر التقطيع الموسيقي للجمل، وتلفعت بـ(شيلة)اللهجة الحضرية المتماهية في البساطة.تقول في قصيدة بعنوان:(ترف)[(تفاصيلها جنون مستوحى من سحابة مطر) (مرات تمطر فيض ومرات تمطر قهر) (ومرات تبتسم في نهار يشبه جمال الفجر)، (ومرات تبكي غيض وتدمع تفاصيلها عطر) (متشبعه بغطرسة بحضورها رزه وفخر(بنتاً كساها النور ضاوية في ليلة بدر) (ماشيه في دروبها ومروضة فكرها بحذر) (حضورها شامخًا بعزاً وغيابها يرثى شعر) (كومه مشاعر والحسن بوصافها عذبًا ينهمر) (واطباعها جوهر ثمين ويفداها كل العمر) (ترفًا ضواها الليل ورسم تفاصيلها سحر) (لو اكتب عنوانها بكتب تعويض وجبر القدر)].
وربّما عثرت العامرية على نفسها شخصيتها الخاصة والمتفردة في صندوق الموسيقى النبطيّ المكنوز بعدد لا حصر له من الخصائص الصوتية التي أنتجتها اللهجات النبطية التي تنوّعت بتعدد الأمكنة على امتداد عمان في المدر والحضر والمدينة، وشكلت خارطة واسعة من التفاعيل والتراكيب والقوافي وظفتها في التعبير عن غرضين لا ثالث لهما؛ الوطني والعاطفيّ. ومن بديع ما قالت في هذا المعنى قصيدة بعنوان: (محبوبتي) [(محبوبتي أحبها وتحبني وابتدي شعري بها) (فارده بفكرها و راصنه وجوارحي وكلي لها) (وجهها..كأن الطفولة كلها في طهر وجهها) (ظلها ..أسهر وأهيم وأرسم أطراف ظلها) (وافدى حروفً تداعب حنية صدى صوتها) (مشتاق لكفها الناعم الي يلامس خدها) (ساحرة..وعيونها الشهلة يصعب صدها) (لها نظرة خجولة تشكك في رقم عمرها) (تغفى بخيالها وتصحاها أحلام بذهولها) (كأنها الحقيقة بوضوحها وسرها وغموضها) (محبوبتي.. قلبي يعتلي عرش ضلوع منزالها) (والهوى معها أجمل طرب لأغنيتي وألحانها)].
تُطل قصائد الشاعرة عواطف العامري كأقمار تمزق أستار العتمة، وتتنزل من عليائها لتجلس على حصير البسطاء، وتسكب محبتها في أقداح المتولهين، وتفرغ من دلاء عشقها الوطنيّ في دنان الباحثين عن وطنٍ يشبه عُمان في فيضها، وذراعيها المفتوحتين لكل شعوب العالم. ومن هذا الغرض نقرأ لها قصيدة بعنوان: (الزعل) تقول فيها:[(أخذتك بعاتق حياتي وإذا اخطيت) (تذكرت بأني حالفه منك ما زعل) (ومرت طيوفك على بالي وحنيت) (حضنتك باسئلتي وقلبي بدأ يذبل) (امنّي انتظاري بغرامك ولا شكيت) (تفدى عشيرتي ولا اطيع بك عاذل) (وان قلت لك اببعد ورحلت وجفيت) (تأكد إن هواك شيء سامي ولا يذبل) (على كثر ما مرت خطاياك تمنيت) (الفرح برمش عيونك النعسا يكمل)].
لاتقع العامرية أسيرة للمطولات الشعرية، وتتعمّد التكثيف، بل إنه ترتكز في إبداع قصائدها على فكرة (الومضة الشعرية)، ولا تتصنّع، وتهجر المترادفات، وتفرّ من شيطان الحشو، ولا تركن إلى الإسهاب مخافة أن تترهل القصيدة، وتتقصّد توظيف (المفارقة) ليس في نهاية المقطع الشعري فحسب، بل داخل جسد البيت الشعري، وعلى نواصي الأشطر والمقطّعات. ومن هذا الضرب تقول في قصيدة بعنوان:(طيوف الأماني) [(يا أجمل من رسم في مبسمي ضحكه) (وأصدق من سرق عيوني النجلا بسحره) (يجي مثل الشروق وتتجلى بنوره العتمة) (لقيته شمس عمري وجمال كوني وسره) (وعوض صبري ورحمة على أيامي الظلمة)].
إنّ الشعر النبطي الذي تكتبه عواطف العامرية يمثل الوجه الطيّب لذاكرة البسطاء، وأصحاب القلوب المفطورة على حب الوطن، وأرض المسرات، الحامدين الشاكرين على ما آتاهم الله من فضله، شعرٌ يتعالى على النخبوية المُدَّعاة كذبا، يفترش الأرض على حصير الرضا، شعرٌ تتهاوى على موسيقى تفاعيله جدران الرصانة المصطنعة والزخرفة التزيينية الخادعة من النظرة الأولى، شعرٌ يتحدّر من فلج عُماني صافٍ تغتسل فيه الوجوه بطهور البراءة؛ فتذوب المساحيق وتسقط الأقنعة وبمثابة كلمة طيبة وقصائد لا تُنسى ناسكة لا فاحشة (فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَیَذۡهَبُ جُفَاۤءً وَأَمَّا مَا یَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَیَمۡكُثُ فِی ٱلۡأَرۡضِ).
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
جلسة حوارية بعنوان عُمان كما تراها نساء ألمانيات بمعرض مسقط الدولي للكتاب
العُمانية/ نظمت السفارة الألمانية جلسة حوارية بعنوان "عُمان كما تراها نساء ألمانيات" ضمن فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته الـ29، سلّطت الضوء على تجربة ثلاث نساء ألمانيات قادتهن رحلاتهن وعملهن إلى سلطنة عمان.
كما استضافت الجلسة الحوارية ناتاشا بلانكرمان، محررة وصحفية التي في مجال التعاون العلمي والاقتصادي بين سلطنة عُمان وألمانيا، وخاصةً في مجال الهيدروجين الأخضر، ومؤلفة مشاركة في تأليف كتاب "ألف صداقة وصداقة"، وهو كتاب يحتفي بالتواصل الإنساني والدبلوماسية بين البلدين، بالإضافة إلى سابينا راينينج، وكيلة سفر ومدونة ومصورة نشرت كتاب مصور "عُمان من الأعلى" وكتاب طاولة القهوة "عُمان".
وقدمت المخرجة والصحفية الألمانية نادجه فرينز تجربتها في إعداد وتنفيذ أفلام وثائقية عن سلطنة عمان بالتعاون مع وزارة التراث والسياحة، وذلك ضمن الجهود المبذولة لتعزيز الترويج الثقافي والسياحي لسلطنة عمان على المستوى العالمي.
وناقشت الجلسة الحوارية تفاصيل السلسلة الوثائقية المكونة من جزأين بعنوان "مغامرة في عمان"، والتي عرضت على قناة ARTE الألمانية الفرنسية، حيث تبرز لمحات فريدة عن طبيعة سلطنة عمان وتقاليدها وشعبها.
وتسلط حلقات السلسة الوثائقية الضوء على قصص إنسانية تبرز التنوع الثقافي والاجتماعي لسلطنة عمان، مما يعكس قيم التسامح والتعايش التي يتميز بها المجتمع العماني.
وتأتي الحلقة الأولى بعنوان "رياح الصحراء وعبق اللبان" والتي أبرزت شخصيات مثل حميد المغيري، الذي يدير مخيما صحراويا يعكس الحياة البدوية الأصيلة بمزيج من الحداثة والتراث، ومن كثبان صحراء الشرقية إلى جبال ظفار الخضراء، نجد أمثال مسلم العامري الذي يحصد اللبان، فيتجلى الارتباط العميق بين الإنسان والطبيعة، ومن مسقط، تتعايش التقاليد مع الحداثة حيث تجمع مصممة الأزياء أمل الرئيسي بين التراث الثقافي الغني للبلاد والأناقة المعاصرة، ويعكس عملها ورعايتها للمصممين الشباب التحولات المجتمعية في سلطنة عمان.
كما يتطرق الفيلم إلى المطبخ العماني من خلال الشيف دينا مكي، التي تقدم رؤية فريدة عن تنوع النكهات التي استلهمت من تأثيرات عربية وهندية وشرق أفريقية، بالإضافة إلى أسواق السمك النابضة بالحياة وأشجار النخيل، والتوابل العطرية التي تحكي كل مكوّنات الطعام قصة تاريخ سلطنة عمان التجاري وكرم ضيافتها.
أما الحلقة الثانية بعنوان "تفتّح الورود ونسمات البحر" والتي تبرز التنوع الطبيعي والثقافي لسلطنة عمان من خلال قصص ملهمة مثل العنود السالمي، مدربة التسلق التي تستعرض جمال وسحر الطبيعة العمانية، وعلي العامري، مزارع يواصل حرفة إنتاج ماء الورد باستخدام الطرق التقليدية التي توارثتها الأجيال، إضافة إلى قصصا عن إهداء البروانية، مدربة غوص تعكس التغيرات الإيجابية في أدوار المرأة العمانية، مع التأكيد على أهمية تمكين المرأة في المجتمع.
ويُجسّد فرسان الخيالة السلطانية، ومدرب التزلج الشراعي أيمن الغافري، الروح الديناميكية للشباب العماني. وبين مناظر طبيعية خلابة وقصص إنسانية مؤثرة، تعكس السلسلة مزيجا متناغما بين الأصالة والحداثة، مما يعكس رؤية سلطنة عمان المستقبلية نحو التنمية المستدامة.
وتعد هذه الجلسة الحوارية فرصة للتعرف على تفاصيل إنتاج السلسلة الوثائقية وما وراء الكواليس، بالإضافة إلى استكشاف الجوانب الثقافية والبيئية لسلطنة عمان.