شابتان من دوما تعزفان لغة الحب للأطفال الصم
تاريخ النشر: 10th, January 2024 GMT
ريف دمشق-سانا
في لغة بلا صوت.. تنطق الشابتان فداء عيون وولاء حمدان بإشاراتٍ تحمل أصوات الأطفال الصم من مدينة دوما بريف دمشق.
الشابة فداء قالت لنشرة سانا الشبابية: “إنها درست الثانوية الفنية، ثم كرّست جهدها ووقتها لمتابعة كل ما يتعلق بعالم الصم بدعمٍ من زوجها، كما شكّل حضورها الدائم في جمعية الصم بدمشق طريقاً لإتقان لغتهم فدأبت على التركيز بكل التفاصيل وبحركة الشفاه خلال التفاعل معاً وإمضاء وقت طويل بالتحدث معهم”.
“لا تقبل بأقل مما تستحق…” شعارٌ اتخذته فداء في حياتها لتعلم لغة الإشارة وممارستها، كما تجاوزت مشكلة قلة وجود مؤسسات لتعليم دورات إشارة ونطق في دوما عبر تشجيع لبابة الحنش مديرة روضة البيان لأطفال الصم والبكم التابعة للجمعية الخيرية لإغاثة المحتاجين بدوما والتي علمتها كيفية التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية، ثم أصبحت من معلمات الروضة.
فداء صقلت تعليمها عبر دورة ترجمة فورية بمركز “إشارتي” بدعم من مديرته هدى محمد، ثم أتقنت لغة الإشارة عند خبير الإشارة الدولي هيثم دادو، كما نالت شهادة أخرى بدورة لتعليم التخاطب والنطق في دمشق مع الدكتورة بشرى بركات.
هاجس فداء هو متابعة كل شيء جديد عن عالم الصم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما عكست هوايتها في حياكة الصوف وصنع أشكال بالورق الملون (فن طي الورق) على تعليم الأطفال وصنع البسمة على وجوههم البريئة، لافتةً إلى سعيها لإتقان الرسم لتعليمه للأطفال أيضاً وأن تصبح مدربة معتمدة.
أما صديقتها ولاء فهي حاصلة على شهادة معهد متوسط تجاري، ومدّرسة بالروضة ذاتها بعد أن عملت بدايةً كمتطوعة فيها، ثم خضعت لدورة بلغة الإشارة، وألحقتها بدورة المعالجة النطقية للصم والبكم من قبل إدارة الروضة.
وتصف ولاء حالة الخوف التي انتابتها أول يوم دخلت به الروضة ورأت الأطفال يتحدثون بطلاقة… فكيف ستتمكن من التفاهم معهم وتعليمهم؟ لكن سرعان ما تبدلت مخاوفها إلى مشاعر الحب والشغف والاعتزاز حين ينطق الطفل الأصم حرفاً أو يعبر بنغمةٍ معينة لأول مرة بحياته وتسمعه أمه التي كانت فقدت الأمل بسماع صوته.. تلك المشاعر أكبر حافز لمساعدة الأطفال الصم.
وبهذا الصدد تنوه الشابة ولاء بتشجيع أهلها لها وبدور كادر روضة البيان في الوقوف بجانبها وتقديم كل أشكال الدعم لها وخلق جو من المحبة والتفاهم والاحترام بينهم وبين الأطفال الذين ساعدوها بدورهم لحب هذه اللغة أكثر فأكثر، لافتةً إلى أنها نالت شهادات من المترجمة فرح التل والخبيرهيثم دادو وفريق الصم المبدعون وجمعية الصم بدمشق.
وأعربت ولاء عن طموحها بأن تصبح خبيرة لغة إشارة معتمدة لتشكل صوت من لا صوت له ولتقف معهم جنباً إلى جنب في تحقيق أحلامهم وأهدافهم، وذلك رغم مسؤوليتها كأم لثلاثة أطفال.
الصديقتان سجلتا بصمة واضحة في كل الفعاليات التي تخص الصم والبكم بمدينة دوما، منها فعالية باليوم العالمي للإشارة مع منظمة الهلال الأحمر العربي السوري عام 2021، وفعالية لمة فرح بمناسبة اليوم العالمي لذوي الإعاقة عام 2022 في مدرسة عبد الحكيم القصير، وحفل آخر في صالة الزهراء بدوما حيث مثّل الأطفال الصم فيه مسرحية عن غزة، كما شهدت الاحتفالية الأخيرة نشاطات فنية مختلفة وعرضاً لإبداعات الأطفال في الرياضيات واللغة العربية والأشغال المهنية.
دارين عرفة
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
إقرأ أيضاً:
كيف صمدت مقار الجيش السوداني أمام حصار 21 شهرا؟
الخرطوم- في الحرب المستمرة في السودان منذ 15 أبريل/نيسان 2023، فرضت قوات الدعم السريع طوقا حربيا على عدد من مقرات الجيش بالعاصمة الخرطوم، لا سيما المواقع الإستراتيجية التي تمثل رمزية خاصة للجيش وجنوده.
ومن بين تلك المقار التي حوصرت على مدى 21 شهرا، يبرز مقر قيادة الجيش وسط العاصمة، ومقر سلاح الإشارة بمدينة الخرطوم بحري، ومقر سلاح المدرعات جنوبي الخرطوم، قبل أن يتمكن الجيش من كسر هذا الحصار قبل أسابيع قليلة.
وتضم القيادة العامة للجيش السوداني أركان القيادة البرية والبحرية والجوية، ومقرا للقائد العام للجيش، وآخر لهيئة الأركان يحيط بها -جنوبا- المطار الدولي، وجنوب شرق المطار الحربي، وشمالا مقر الفرقة السابعة، وغربا السوق العربي وجامعة الخرطوم.
وشهدت القيادة العامة شرارة الحرب الأولى حيث هاجمتها قوات الدعم السريع من كل الاتجاهات، لدرجة جعلت قائد هذه القوات محمد حمدان دقلو "حميدتي" يصرح لوسائل الإعلام بأن جنوده داخلها "يحاصرون قائد الجيش عبد الفتاح البرهان المختبئ تحت الأرض".
ويقول مصدر عسكري للجزيرة نت إن الدعم السريع نجح -خلال الأيام الثلاثة الأولى للحرب- في التوغل داخل القيادة العامة والسيطرة الجزئية على مقرها البري ونشر قناصين بداخله، قبل أن يتمكن الجيش -وبضربات خاطفة- من إخراج هذه القوات وتكبيدها خسائر فادحة.
وكاد حصار الدعم السريع للقيادة العامة للجيش يكون من المسافة صفر، وكان ثمة انتشار للقناصة في أماكن لا تبعد أكثر من 500 متر عن محيطها خاصة من الناحية الجنوبية والشرقية. وظل هذا الوضع قائما على مدى 21 شهرا وأدى إلى قطع الإمداد بالسلاح والعتاد والعنصر البشري والمواد الغذائية بالطرق البرية، مما اضطر قيادة الجيش إلى استخدام الطيران لإسقاط المؤن والمواد الطبية للجنود والقادة المحاصرين.
وفي تصريح للجزيرة نت، يقول ضابط برتبة رفيعة في الجيش كان من المحاصرين داخل القيادة العامة إن "مليشيا الدعم السريع نفذت أكثر من 20 هجمة على القيادة العامة استخدمت فيها المدرعات والدبابات، وجميعها باءت بالفشل". وأضاف أن معظمها كانت من الاتجاه الشمالي الشرقي والجنوبي لعدم وجود موانع تحد من اقتحام قواتها للقيادة العامة.
إعلانووفق الضابط الذي كان يشرف على إحدى المواجهات بمقر القيادة العامة، فإن قوات الدعم السريع لم تهاجم عبر الاتجاه الغربي نظرا لوجود السور الخرساني الذي يحد من عمليات الاقتحام، ويُرجع "فشلها" في إسقاط القيادة إلى عدة أسباب من بينها:
تدخل المدفعية والطيران بفعالية كبيرة منذ لحظة تجمع قوات الدعم السريع ومباغتتها قبل الهجوم. الخطة الدفاعية الجيدة التي انتهجها الجيش في الدفاع عن قيادته العامة. تماسك القوات المدافعة وإصرارها على القتال لرمزية هذه القيادة.واستمر وضع الجيش مدافعا عن القيادة العامة 21 شهرا قبل أن يتمكن من كسر الحصار عبر عمليات برية مكثفة من محور مدينة الخرطوم بحري، وصولا للقيادة من الناحية الشمالية، ومن ثم إنهاء الحصار كليا.
سلاح المدرعاتيُعتبر سلاح المدرعات من أبرز أسلحة الجيش السوداني ويعتمد عليه بشكل كبير في جميع مواجهاته، ويوجد جنوبي الخرطوم وسط عدة أحياء من بينها أحياء الشجرة واللاماب وجبرة.
وتمكنت قوات الدعم السريع من حصار هذا السلاح وعزله عن حاميات الجيش في الخرطوم وقطع خطط إمداده ثم مهاجمته. وحسب مصادر متعددة تحدثت للجزيرة نت تمكنت القوات، في أغسطس/آب 2023، من التوغل إلى عمق سلاح المدرعات وكادت أن تسيطر عليه كليا قبل أن يتمكن الجيش -وبإسناد من الطيران الحربي- من إخراجها من أسواره.
ويقول مالك يحي البروف أحد المقاتلين في سلاح المدرعات -للجزيرة نت- إن "مليشيا الدعم السريع عملت على حصار هذا السلاح منذ الوهلة الأولى للحرب، وإنهم مع بداية الحصار طوروا أسلوب استنزافها من خلال قنص أفرادها وآلياتها عبر بنادق القنص الكبيرة مع إصابة الأهداف بدقة عالية، مما أفقدها المناورة في الطرق الرئيسية والتفوق بالكثافة النيرانية من المدافع المحمولة في العربات القتالية".
ووفقا له، وطيلة 21 شهرا، شن الدعم السريع 180 هجوما على سلاح المدرعات بغرض السيطرة عليه، إلا أن كل محاولاته انتهت بالفشل وتكبيدها خسائر كبيرة، وأضاف "قتلنا عددا من قيادتهم الميدانية وكسرنا قوتهم الصلبة، تعرضنا في المدرعات للقصف بالمدافع والراجمات والهاون، وكانت المليشيا تطلق في اليوم الواحد أكثر من 500 قذيفة داخل صندوقنا القتالي".
ومؤخرا، نجح سلاح المدرعات في كسر الحصار والتقدم إلى وسط الخرطوم والسيطرة على كل مواقع الدعم السريع التي كانت تحاصرهم فيها، لا سيما من شماله وشرقه، حيث واصلت قوات المدرعات تقدمها إلى محيط السوق العربي وسط الخرطوم وباتت على مقربة من الالتحام مع قوات الجيش بالقيادة العامة وسط الخرطوم.
يُعتبر سلاح الإشارة من أسلحة الجيش الفنية ومقره مدينة الخرطوم بحري، ويربط بينه وقيادة الجيش جسر حديدي بمسافة كيلومترين اثنين. وقد تعرض لحصار دام 21 شهرا وكان متنفسه الوحيد الناحية الجنوبية حيث قيادة الجيش التي كانت تعاني الحصار نفسه.
إعلانوكان قناصة الدعم السريع ينتشرون على بعد أمتار من معسكر سلاح الإشارة خاصة المجمع السكني لضباط الشرطة الذي كان يبعد 500 متر عن السلاح، واستخدمت القوات مكانا فيه للقنص.
ويقول عباس مصطفى وهو ضابط بسلاح الإشارة -للجزيرة نت- إن هذا السلاح تمكن من حماية دفاعاته طوال 21 شهرا رغم أن ما وصفهم بمليشيا الدعم السريع تمكنوا من الانتشار في 3 اتجاهات منه شرقا وغربا وجنوبا.
وأضاف أن السلاح صمد في وجه الحصار "بل تمكنا من هزيمة المليشيا المتمردة وكبدناها خسائر في الأرواح فضلا عن سيطرتنا على أسلحة منهم بينها سيارات قتالية وأخرى ثقيلة مثل المدافع والرشاشات التي ساهمت في تقوية دفاعات سلاح الإشارة".
وحسب مصطفى، فإن الدعم السريع وبعد هزيمته في المواجهات المباشرة، لجأ إلى خيار القصف المكثف على سلاح الإشارة حيث كان يطلق في اليوم الواحد بين 800 و900 قذيفة على مقره بكثافة غير معهودة، وأوضح أن معظم القصف كان من الناحية الشرقية والشمالية الشرقية لاسيما بمدافع الهاون.
وقال إن القصف ألحق خسائر بسلاح الإشارة عكس المواجهات المباشرة وإن هذا السلاح تعرض لـ37 هجمة منظمة بغرض إسقاطه والسيطرة عليه "ولكن جميعها باءت بالفشل كما أن وتيرة الهجمات تراجعت مؤخرا بفضل صمودهم".
ووفقا له، فإن الطيران المسيّر التابع للجيش لعب عاملا حاسما في "دك هجمات الدعم السريع وتشتيتها ". وأشار إلى أن قوات الأمن والمخابرات الوطنية لعبت دورا مهما في إسناد سلاح الإشارة لوجود مكاتب لها تتبع دفاعه، فضلا عن امتلاكها أسلحة في مخازن -خاصة بداية الحرب- ساهمت في إجهاض محاولات إسقاط سلاح الإشارة.
ومؤخرا نجح الجيش في فك الحصار عن سلاح الإشارة بالتزامن مع فك الحصار عن مقر قيادته بعد عملية برية انطلقت من أقصى مدينة الخرطوم بحري.