سرايا - مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في أواخر هذا العام، تشير استطلاعات الرأي إلى احتمال فوز دونالد ترامب بالرئاسة مرة أخرى.

عودة دونالد ترامب المحتملة إلى سدة الرئاسة قد تجلب شعوراً بالاضطراب في الشرق الأوسط

ونظراً للتأثير المضطرب لولايته السابقة، يثير هذا الاحتمال شواغل كبيرة في الشرق الأوسط، حيث ساهم نهجه المميز، الذي اتسم بالدبلوماسية الشخصية غير الرشيدة وتصريحاته الارتجالية، في عدم الاستقرار الإقليمي.



وعلى الرغم من التغيرات التي شهدتها المنطقة خلال غيابه، فإن عودة ترامب المحتملة تشكل تحديات فريدة من نوعها، حسب حاسم تكينس، مسؤول سابق في وزارة الخارجية التركية. ويزداد "تأثير ترامب" على العلاقات الدبلوماسية تعقيداً بفعل التنافس المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين، فقد تجبر نبرة ترامب المباشرة والاستفزازية دول الشرق الأوسط على الانحياز إلى أحد الجانبين، وربما تتسبب في تفاقم الصراعات. ومن حسن الحظ أن الأطراف الفاعلة الإقليمية أكثر اعتياداً على أسلوب ترامب الفريد من نوعه، وتتمتع بعلاقات دبلوماسية أفضل. لكن عودة ترامب يمكن أن تكون لها تداعيات كبيرة على الشرق الأوسط؛ إذْ ما زالت الولايات المتحدة هي الفاعل الأقوى في المنطقة، برأي الكاتب في موقع مجلة "ناشونال إنترست".

موقف ترامب من إيران
يقول الكاتب إنه لم يكن نهج ترامب تجاه الشرق الأوسط مختلفاً كثيراً عن نهج أوباما أو بايدن. فوجود أمريكا العسكري في المنطقة، وسياساتها المعنية بمكافحة الإرهاب، ودعمها للحلفاء الإقليميين، كلها قضايا انتهج الرؤساء الثلاثة إزاءها سياسات متماثلة. وأما الموقف الذي اختلف فيه ترامب فكان بشأن إيران، التي سعى إلى احتوائها اقتصاديّاً ودبلوماسيّاً، على عكس أوباما وبايدن اللذين حاولا التوصل إلى اتفاق دبلوماسي مع طهران بشأن برنامجها النووي. لكن حتى مع هذا الاستثناء، كان الرؤساء الثلاثة يهدفون، على الأقل نظرياً، إلى تقليل البصمة الأمريكية في المنطقة.

ومع ذلك كان تعامل ترامب مع مشاكل المنطقة مختلفاً اختلافاً جذريّاً. فأغلب القضايا في الشرق الأوسط تتطلب حنكة سياسية تحافظ على توازن دقيق بين المصالح في غياب حلول واضحة ونهائية. وكان ترامب يتصرف برعونة، حيث مارس دبلوماسية شخصية، لم يكن محتواها معروفاً للدبلوماسيين الأمريكيين، بل وأحياناً لدائرته الداخلية، وكان يقدم وعوداً متضاربة لمختلف القادة، وكان يدلى بتصريحات عشوائية، ويتخذ خطوات غير متوقعة وراديكالية.

ومع عدم مبالاته بقضايا لا تتعلق بالمصالح الاقتصادية الأمريكية مباشرة، أعطى ترامب انطباعاً بأن القيادة الأمريكية في المنطقة في حالة سقوط حر. وعلى هذا النحو أذكى نيران أزمات في المنطقة. وإعادة انتخابه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 لن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء في الشرق الأوسط، حيث شهدت المنطقة تغيرات كثيرة في غيابه عن واشنطن، وأصبح زعماء الشرق الأوسط أكثر اعتياداً على شخصيته وأسلوبه الفريدين من نوعهما، لكن هذا ربما لا يكون كافياً.

فعندما وصل ترامب إلى البيت الأبيض سنة 2017، كانت المنطقة مبتلاة بالفعل بالإرهاب، والحروب الأهلية، والتنافس بين القوى المتوسطة. وعلى الرغم من أنه لم يغير السياسات الأمريكية بشكل كبير، إلا أن "أسلوبه الفريد والمُزعزِع" كان له تأثيراً تأجيجياً على المنطقة.

ويدير ترامب العلاقات الدبلوماسية من خلال الاتصالات الشخصية، غالباً دون إحاطة وزارة الخارجية ومساعديه علماً بمجريات الأمور، وهذا بطبيعة الحال يروق لزعماء الشرق الأوسط، الذين يحبون تصريف الأعمال من خلال الاتصالات الشخصية، لكن الدبلوماسية الشخصية يمكنها أن تسفر عن تناقضات في السياسات.



والأهم من ذلك، برأي الكاتب، أن شخصاً متقلباً كترامب يمكنه أن يعطي، قصداً أو دون قصد، انطباعات مربكة أو وعوداً ملتبسة. ففي 2019، تبادل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رسائل مع ترامب، وحصل على ضوء أخضر جزئي لشن عملية عسكرية جديدة ضد الأكراد، وهي عملية تتعارض مع السياسات الأمريكية المعلنة. واعتقاداً منهم أنهم أقنعوا ترامب بحججهم، اتخذ قادة شرق أوسطيون خطوات محفوفة بالمخاطر ومزعزعة للاستقرار.

ويمكن أن تشكل تصريحات ترامب الارتجالية خطورة بالغة على الاستقرار والدبلوماسية. فكان لتهديداته بشل الاقتصاد التركي أيضاً تأثيراً مدمراً على تركيا.

تنافس القوى العظمى
ووفق الكاتب، يمكن لاحتدام المنافسة بين الولايات المتحدة والصين أن يلفت انتباه ترامب بطريقة خطيرة جدّاً. فالتنافس بين القوى العظمى، سواء في القرن التاسع عشر أو إبان الحرب الباردة، كانت له دائماً تداعيات خطيرة في الشرق الأوسط. ومع تنامي نفوذ الصين السياسي في المنطقة، ربما يتبنى ترامب نهج "إما أن تكون معنا وإما ضدنا". ومن الممكن أن يؤدي هذا التنافس إلى استقطاب المنطقة وخلق تكتلات جديدة، وتحويل الصراعات المجمدة إلى مواجهات مسلحة.
كانت بكين ولسنوات مجرد شريك اقتصادي وغير مهتمة بالمشاكل السياسية في المنطقة. وفي الآونة الأخيرة، زادت الصين نشاطها السياسي في المنطقة. وتستورد الصين أكثر من نصف احتياجاتها من النفط الخام من دول مجلس التعاون الخليجي. كما نفذت الشركات الصينية مشاريع بناء بقيمة 126 مليار دولار في المنطقة.

والأهم من ذلك، يضيف الكاتب، أن الأطراف الفاعلة الإقليمية ترحب بالصين، المعروفة بالتزامها بالاستقرار والوضع الراهن، كقوة عظمى بديلة. وفيما تتحوط القوى الإقليمية لرهاناتها في الصراع على الهيمنة العالمية بين الولايات المتحدة والصين، فإنها تستخدم أيضاً علاقتها المتنامية سريعاً مع الصين كوسيلة ضغط في علاقاتها مع الولايات المتحدة.

كان دور الوساطة الذي لعبته الصين في التطبيع الإيراني السعودي العام الماضي حدثاً مهمّاً، برهن على قدرة بكين السياسية.

ورداً على تحركات الصين، تهدف إدارة بايدن إلى تعزيز نفوذها التقليدي في المنطقة من خلال الانخراط الدبلوماسي والمشاريع السياسية الاقتصادية. ويدعم بايدن بنشاط التطبيع بين إسرائيل والدول العربية كوسيلة لتعزيز النفوذ الأمريكي في المنطقة. ومن المتوقع أن يسهّل الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، كمشروع تاريخي، اندماج المنطقة في النظام السياسي الاقتصادي الغربي. وعلى الرغم من أن هجوم 7 أكتوبر والحرب بين إسرائيل وحماس جمّدا سياسات بايدن إزاء الشرق الأوسط، إلا أنه ركز في الغالب على الدبلوماسية والحوافز الاقتصادية لموازنة النفوذ الصيني المتزايد في المنطقة.

لكن أسلوب ترامب يمكن أن يكون مباشراً ومستفزّاً بدرجة أكبر كثيراً. ومن خلال التهديدات الصريحة والابتزاز ودبلوماسية الزوارق الحربية، يستطيع إرغام دول الشرق الأوسط على الانحياز إلى أحد الجانبين. ومن الممكن أن يتمخض تنافس القوى العظمى المتصاعد عن خطوط صدع جديدة وتكتلات جديدة. وحتى لو أعيد انتخاب بايدن، فالأرجح أن يزداد التنافس بين الولايات المتحدة والصين في الشرق الأوسط. لكن في ظل قيادة ترامب، قد يكون احتواء هذا التنافس وإدارته أكثر صعوبة بكثير.

الشيطان الذي نعرفه
بحلول هذا الوقت، ستكون الأطراف الفاعلة الإقليمية أكثر اعتياداً على ترامب وأسلوبه، وبالتالي يستطيع زعماء الشرق الأوسط التصرف بمزيد من الحكمة في حقبة ترامب الثانية. أولاً: لقد أدركوا أن ترامب ربما لا يدعم أقواله بالأفعال، وهو ما قد يجعلهم يفكرون مرتين قبل السير على خطى ترامب.
ثانياً: أصبحت الأطراف الفاعلة الإقليمية الآن أكثر خبرة في الدبلوماسية الإقليمية والمفاوضات منذ رحيل ترامب عن السلطة. وبالتالي فحتى لو تسببت رئاسة ترامب الثانية في غياب للقيادة في الشرق الأوسط، فقد تنشئ الأطراف الفاعلة الإقليمية آليات إقليمية للمحافظة على الاستقرار.

ويشير تكثيف الدبلوماسية الإقليمية بعد هجمات 7 أكتوبر التي شنتها حماس والحرب في غزة إلى وجود ميل إلى الحوار والتعاون. فمع تصاعد التوترات، أجرى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان محادثات مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. وقام وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بزيارة إلى القاهرة للقاء نظيره المصري. وسافر رئيسي إلى الرياض لحضور قمة منظمة التعاون الإسلامي بشأن الأزمة بين إسرائيل وحماس، والتقى الأمير محمد بن سلمان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وكل هذه الأمور تشير إلى أن الأطراف الفاعلة الإقليمية تريد المحافظة على الوضع الراهن باحتواء وإدارة حالات عدم الاستقرار الإقليمية من خلال الدبلوماسية. وفي هذا الصدد ومقارنة برئاسة ترامب الأولى، قد تتصرف المنطقة بمسؤولية أكبر في رئاسته الثانية.

يقول الكاتب: أصبح زعماء الشرق الأوسط الآن على دراية بنهج ترامب. لكن الدراية لا تعني بالضرورة الإدارة الحكيمة لهذا الوضع. وما زالت الولايات المتحدة أقوى لاعب في المنطقة، مع امتلاكها شبكة هائلة من القواعد العسكرية وأكثر من 40 ألف جندي؛ وبالتالي فعودة دونالد ترامب المحتملة إلى سدة الرئاسة قد تجلب شعوراً بالاضطراب في الشرق الأوسط.
إقرأ أيضاً : لبنان تقدم شكوى ضد "إسرائيل" أمام مجلس الأمنإقرأ أيضاً : 14 مجزرة يرتكبها الاحتلال في غزة خلال الـ 24 ساعة الماضيةإقرأ أيضاً : بالفيديو والصور .. الأجهزة الأمنية الفلسطينية تقمع مسيرة حاولت الوصول إلى مقر المقاطعة احتجاجًا على زيارة بلينكن


المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

كلمات دلالية: الرأي ترامب ترامب المنطقة ترامب ترامب ترامب ترامب ترامب ترامب أمريكا ترامب ترامب المنطقة حلول ترامب ترامب المنطقة المنطقة ترامب المنطقة ترامب الرئيس ترامب ترامب ترامب الصين ترامب المنطقة بكين الصين الصين النفط مجلس الصين الصين بكين بايدن المنطقة بايدن المنطقة بايدن ترامب قيادة ترامب ترامب ترامب ترامب ترامب غزة محمد الرئيس القاهرة الرياض محمد الوضع ترامب المنطقة ترامب النفط قيادة الصين ترامب إيران المنطقة الوضع مجلس أمريكا القاهرة تركيا بكين الرأي بايدن غزة السيسي الرياض الثاني حلول محمد الرئيس بین الولایات المتحدة والصین فی الشرق الأوسط فی المنطقة من خلال

إقرأ أيضاً:

إسرائيل وخطة الهيمنة على الشرق الأوسط

منذ عدة أيام، كثّفت إسرائيل غاراتها على طرطوس، مواصلةً نهجها التصعيدي الذي يعكس شهيتها المفتوحة للعدوان. وقبل ذلك بأسبوع، خرج نتنياهو في مؤتمر صحفي، مستعرضًا ما وصفه بإنجازات إسرائيل خلال العام الماضي، أو بصياغة أدق، مستعرضًا إنجازاته هو وأفضاله على إسرائيل، ولماذا يتوجب عليها التمسك به، وهو من يستطيع إدارة الأزمات، مهما استفحلت، بحزم وقوة.

اللافت أنه أبقى كل الملفات مفتوحة، رغم أنّه يستطيع إغلاقها، على الأقل ملفّ لبنان الذي أنجز فيه اتفاقية مبرمة، محددة المعالم. ولكن بطبيعة الحال، كان نتنياهو يحاول أن يشير إلى أن إسرائيل ما زالت تحتاج إليه، وهذا ما كان يعنيه عندما صرّح بكلمات واضحة أنه: "يأمل أن إسرائيل سوف تبقى في المستقبل إلى الأبد". فهو يقول بطريقة غير مباشرة: إن هذا كله منوط بخياراتكم وتعاملِكم معي أنا "المخلّص".

لكن بعدها بيوم واحد فقط، يقف نتنياهو على منصة الاتهام، ليذكره هذا بأن ما تبقّى أمامه ليس سوى سنوات قليلة، قد تكون ثلاثًا لا أكثر، (إذا لم تتدخل أي عوامل خارجية) ليصدر القرار الحاسم لحياته السياسية. أضف إلى ذلك أنه سوف ينهي العقد الثامن، وبالتالي يتوجب عليه أن ينهي ميراث حياته السياسية.

إعلان

نتنياهو كان واضحًا، على الأقل في الأشهر الأربعة الأخيرة، أن إسرائيل، أو لنسمّه مشروع نتنياهو، يتمثل في خطوتين: الأولى هي بسط نفوذ إسرائيل بالكامل ما بين البحر والنهر، وبات واضحًا أن هناك مطامع حقيقية في ألا تخرج إسرائيل القطاع عن سيطرتها.

وهو كذلك لم يخفِ أبدًا طمعه في أن تكون إسرائيل ذات سيادة وهيمنة داخل الشرق الأوسط.

ثم تأتي سوريا. يسقط نظام الأسد، حامي حمى جبهة إسرائيل منذ عام 1974. فهذه الحدود (حدود هضبة الجولان المحتل) كانت تعتبر الأهدأ إسرائيليًا منذ ذلك التاريخ، بل وأكثر هدوءًا من حدود إسرائيل مع الأردن ومصر بعد اتفاقيات السلام. بلغة مكتوبة أو غير مكتوبة، كان من الواضح أن هناك تفاهمات مبيّتة بين النظام المخلوع وإسرائيل، وأن إسرائيل تقدّر جهود النظام في كبح جموح الفلسطينيين وثوّار الفلسطينيين، كما كان واضحًا في محطات تاريخية مهمة.

ومع ذلك، لم تكن إسرائيل راضية أبدًا عن "أوتوستراد طهران- الضاحية الجنوبية". وبالتالي، كان جُلّ استباحتها واستهدافها للأجواء السورية يقتصر فقط على ضرب هذا الأوتوستراد، ضمن شروط "حق الرد" السوري الأسدي في الزمان والمكان المناسبين.

لهذه الأسباب تحديدًا، عندما تحرك الثوار جنوبًا، دخلت إسرائيل إلى كابينتها على مدار ليالٍ متواصلة، تحاول فحص السيناريوهات المحتملة لتعاملها مع الوضع السوري القادم. فالوضع القائم سوف يكسر، والسيناريو المفضل لإسرائيل هو أن تتحول سوريا إلى ساحة حرب أهلية مليئة بالدماء تؤرّق أرواح السوريين ومشاريعهم بالاستقرار، وألا تؤتي هذه الثورة ثمارها.

ولهذا السبب، يمكن القول إن الخطوات الإسرائيلية، بمختلف مسمياتها، أتت لتنغّص على السوريين فرحتهم بمنجزات ثورتهم السلمية، محاولةً سلبهم الشعور بالأمن من خلال سيناريوهات الحرب الأهلية، والدماء، والاقتتال في الشوارع، الذي كان في حالته الصغرى داخل سوريا، مذكّرةً إياهم بسيناريوهات ثورات الشرق الأوسط.

إعلان

ولكن هذا ليس كل شيء. فالأراضي الجديدة التي احتلتها هي سلوك استفزازي يهدف لجس نبض الحركات الثورية في سوريا من جهة، ولتقول لهم عبر الضربات التي قامت بها: "ما كان هو ما سيكون، بل وأكثر". فحالة الهيجان الأمني واستباحة الحرمات السورية بشكل مستفز تسعى من خلالها إسرائيل إلى محاولة إشعال فتنة أمنية، وإيقاظ ربما بعض الجهات التي ما زالت صامتة.

يجب أن نتذكر أيضًا أن هناك ساحة خلفية تتقنها إسرائيل، وهي ساحة الاستخبارات الرمادية، وهي تستخدمها لتُفعّل بشكل نشط فتنتها داخل سوريا، فيتم تهويل أي بيان تمردي، وإن كان بلا رصيد مثلًا. لأن ما تسعى إليه هو خلق حرب أهلية تفضي إلى دويلات متناحرة لا تشكل أي تهديد على أمنها، تمامًا كما كان الوضع مع النظام السابق، بل وربما لتنسيهم تمامًا أن هناك جولانًا سوريًا محتلًا.

وهذا ما عبر عنه نتنياهو في دكتاتورية صارخة، عندما أعلن أنَّ اتفاقية فض الاشتباك الموقّعة عام 1974 لاغية. ففي دولة تعتبر نفسها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، يجب أن يُتّخذ قرار إلغاء الاتفاقيات عبر برلمانها، وبعد تدارس في الغرف المغلقة، وليس عبر إعلان فردي في مؤتمر علاقات عامة صحفي. فيقول إن الجولان تم احتلاله من الجمهورية العربية السورية، التي باتت من الماضي، وإن إسرائيل ستتعامل مع الحالة السياسية القادمة أيًّا كانت.

في سيناريوهات الدويلات، هي تنفّذ مشروعها الأحب القديم الجديد، ألا وهو دولة أقليات حليفة داخل الشرق الأوسط؛ دولة الأكراد. لطالما عملت إسرائيل على هذه الخطة منذ ستينيات القرن الماضي، وربما في العشرين عامًا الأخيرة كان هناك نشاط أكبر لهذه الخطة، بعد حرب الخليج الثانية، ففي هذا السيناريو هي تزعج العرب من جهات عدة.

يجب ألا ننسى أيضًا، وهذا هو الأهم، أن الحالة الإسرائيلية- الإيرانية لطالما كانت رومانسية على مدى الثلاثين عامًا الأولى. ففي فكرها التقسيمي، هي تؤمن بأنها يجب أن تُجزِّئ الشرق الأوسط إلى أقليات لتشكّل تحالفًا أمام الهيمنة القومية العربية بالمفهوم القومي.

إعلان

وبعيدًا عن انشغالها الدائم بإشعال النعرات الطائفية، يجب أن نتذكر أنه في حالة وجود دويلات طائفية متناحرة، هناك سباق تسلّح، ولطالما كانت إسرائيل، في حالة النزاعات في الشرق الأوسط، تلتقط الفرصة لتسليح طرف ضد آخر؛ لتحقيق أهداف إستراتيجية بعيدة، وهذا ما قامت به مع نظام إيران الملالي ضد العراق، وفي الحرب الأهلية اليمنية ضد الجيش المصري.

فضرباتها اليوم للبنى التحتية العسكرية تأتي في سياق خلق سباق تسلّح تكون هي المسيطرة عليه، تشتري عبره الولاءات من أشباه الدويلات المتناحرة، التي ستملك بصعوبة بضع بنادق كلاشينكوف بطبيعة الحال.

ومن هذه النقطة تحديدًا نذهب إلى سيناريو الدولة السورية المتحدة، ففي ضرب البنية التحتية، تضمن إسرائيل ألا تُشكّل هذه الدويلة بأي شكل من الأشكال خطرًا على مقدّرات إسرائيل الإستراتيجية، حتى وإن كنا نتحدث عن أسلحة أكل الدهر عليها وشرب، ولا تضاهي التهديد العسكري الإسرائيلي المحدق بكل هذا الشرق.

ففي رؤيتها، تسعى أن تكون هذه الدولة تابعة، وليس بالضرورة أن يكون التطبيع عبر اتفاقيات واضحة، بل يمكن أن يكون عبر دولة محايدة وتابعة، أقرب ما يكون الوضع مع النظام السابق، بل وأكثر، دولة مرتبطة بإسرائيل في سباق التسلّح: الكم والكيف وما إلى ذلك من تبعيات.

أما عن السيطرة على الأرض، فهي ورقة مفاوضات واضحة تحاول إسرائيل من خلالها أن تفاوض الدولة العتيدة على اتفاقيات أيًّا كانت، من خلال عقيدتها، العقيدة الإسرائيلية الباهتة، عقيدة "الأرض مقابل السلام".

وسوف تحاول بهذه الإستراتيجية أن تحقق مثل هذه الشروط، وواضح أنها ستحاول أن تملي وتفرض شروط رضوخ، والأهم من هذا كله هو تنازل الدولة العتيدة السورية عن هضبة الجولان المحتل بالكامل، أو قد يكون ذلك جزءًا من المناورة أمام إدارة ترامب في تحصيل خطة الضم في الضفة الغربية.

إعلان

وفي زيارة قد ترمز إلى نهاية مرحلة من التعقيدات الميدانية الإسرائيلية، في لبنان، وسوريا وفلسطين، يقف نتنياهو على أعلى قمة احتلتها إسرائيل في جبل الشيخ السوري، مؤكدًا أن قوات الاحتلال ستبقى في هذه النقطة حتى يتم التوصل إلى ترتيب يضمن ما سماه أمن إسرائيل.

هذه التصريحات تعكس نية إسرائيل في تعزيز وجودها العسكري في المنطقة، خاصةً بعد سقوط النظام المخلوع في سوريا، وتؤكد على أهمية جبل الشيخ كمنطقة إستراتيجية لنوايا إسرائيل المبيّتة، هيمنة غير قابلة للتشكيك ما بين النيل والفرات، تحت ذريعة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وكأن العربي مسلوب هذا الحق مهما استُبيحت حقوقه.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • المنتدى الاستراتيجي للفكر ينظم ندوة عن مستقبل الشرق الأوسط بعد أحداث سوريا
  • بوتين: مستعد للتحدث والاجتماع مع ترامب في أي وقت
  • محمد فايز فرحات: عدم الاستقرار الشرق الأوسط يرتبط بسياسات الاحتلال الإسرائيلي
  • مخطط تقسيم الشرق الأوسط
  • مفاوضات محتملة للسلام.. بوتين يؤكد استعداده للقاء ترامب في أي وقت
  • السيسي: أحداث الشرق الأوسط خير شاهد على ما يعيشه العالم من ازدواجية بالمعايير
  • بوتين: أنا مستعد للتحدث والاجتماع مع ترامب في أي وقت
  • إسرائيل وخطة الهيمنة على الشرق الأوسط
  • على حافة الهاوية!!
  • مصطفى بكري: مصر استطاعت أن تتخطى مؤامرات الشرق الأوسط الجديد بفضل جيشها الوطني