لا تزال العاصمة السودانية الخرطوم، قابعة تحت نار المواجهات شبه اليومية بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع التي يتزعمها محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي، منذ أشهر.
وقد تجدد قصف الجيش، اليوم الأربعاء، لمواقع الدعم جنوب مدينة الخرطوم التي دوت فيها أصوات انفجارات عديدة.
فيما رد الدعم السريع من مواقعه بشرق الخرطوم بقصف استهدف محيط قيادة الجيش وسلاح المدرعات.

10 أيام بلا مياه
أما في أم درمان (إحدى المدن الثلاث للعاصمة) فتسود حالة من الهدوء الحذرة في محور المدينة القديمة، بعد أن شهدت الأيام الماضية اشتباكات برية كانت الأعنف منذ أشهر داخل الأحياء وسوق المدينة ومنطقة أمبدة.
يأتي هذا فيما يتواصل انقطاع مياه الشرب في الانحاء الشمالية لمدينة أم درمان لأكثر من عشرة أيام، إثر توقف محطة المياه الرئيسة، ما خلف أزمة حادة ومعاناة بين السكان في الحصول على مياه الشرب.
وكانت قوات الدعم أعلنت سابقا سيطرتها على أجزاء واسعة من الخرطوم وإقليم كردفان.
كما أحكمت قبضتها على 4 ولايات في إقليم دارفور غربي البلاد من أصل 5 ولايات، بما في ذلك فِرق ومقرات للجيش
يذكر أن القتال بين القوتين العسكريتين الكبيرتين كان اندلع على نحو مفاجئ في منتصف أبريل الماضي، بعد أسابيع من التوتر بين الطرفين، وبينما كانت الأطراف العسكرية والمدنية تضع اللمسات النهائية على عملية سياسية مدعومة دوليا.
ما أدى إلى مقتل نحو عشرة آلاف شخص، وتسببت في نزوح سبعة ملايين سوداني.

العربية نت

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

إبادة دارفور التي لم تنته مطلقا

ها هو فصل جديد من الأهوال تتكشف صفحاته في منطقة دارفور بالسودان، منطقتي.

ففي الثالث عشر من أبريل، استولت قوات الدعم السريع ـ وهي جماعة مسلحة مدعوة من دولة عربية ـ على مخيم زمزم وهو أكبر ملاذ للنازحين في السودان. وبوصفي نازحة وناجية من الإبادة الجماعية، فقد تشبثت بهاتفي أشاهد الفظائع عبر مقاطع فيديو مشوهة، محاولة أن أساعد من بعيد في إجلاء الناجين وتدبير الطعام لهم والماء والدواء، وتعقب الموتى منهم أو الأحياء.

على مدى سنتين، ظلت قوات الدعم السريع في حرب مع القوات المسلحة السودانية، أي الجيش السوداني الرسمي المدعوم من المملكة العربية السعودية وتركيا ومصر وإيران وروسيا.

عادت العاصمة السودانية الخرطوم ـ بعد خضوعها طوال شهور للنهب والعنف الجنسي في ظل احتلال من قوات الدعم السريع ـ إلى سيطرة القوات المسلحة السودانية، لكن في موطني، أي شمالي دارفور، توشك الفاشر على الوقوع في أيدي الميلشيات شبه العسكرية.

وفي حين تواصل الجماعتان القتال، والفوز بالأرض وخسارتها، يبدو أن الثابت الوحيد هو أن المدنيين السودانيين يتحملون عناء الانتهاكات.

والناس من أبناء دارفور يتذكرون جيدًا هجمات مطلع القرن الحالي المعترف في عام 2003 بكونها إبادة جماعية والتي تحقق فيها المحكمة الجنائية الدولية. ولقد حذر خبير منع الإبادة الجماعية الأممي والولايات المتحدة من أن الإبادة الجماعية جارية تارة أخرى.

وفي رأيي أن إبادة دارفور الجماعية لم تنته قط. ولو أن التطهير العرقي الذي جرى في الجنينة سنة 2023 وحصار الفاشر وإحراق عشرات القرى خلال الأشهر القليلة المنصرمة ليس بالدليل الكافي على ذلك، فمن المؤكد أن أهوال مخيم زمزم دليل كافٍ. لقد باتت حياتنا نحن السودانيين ووجودنا نفسه مهددين.

فقد أدى أسبوع من القصف وإطلاق النيران في زمزم إلى مصرع أكثر من أربعمائة شخص، من الأطفال وعمال الإغاثة، وقادة المجتمع، ومن أقاربي. فاضطر مئات آلاف المقيمين في المخيم إلى الهرب بأنفسهم. وترددت أخبار تفيد أن أطفالًا صغارًا ماتوا من الظمأ وهم يحاولون الفرار. تهدمت العيادات، وترددت أخبار عن وفاة متطوعين في المطابخ الجماعية، وأطباء، وتفيد بأن الجرحى ينزفون دون أن يمد أحد لهم يد العون. وتظهر في الصور المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ما يبدو أنه عمليات إعدام لمدنيين. ومن عداد المفقودين في مخيم زمزم ثمان وخمسون امرأة وفتاة من أقاربي وعائلتي الكبيرة يقول شهود عيان إن قوات الدعم السريع اختطفتهن. كما اختفى بعض من لم يتمكنوا من الهرب، ومن هؤلاء اثنان من أعمامي.

في زمزم عملت، ودرّست، وبكيت، وفرحت. فعلى مدى سنين، كان المخيم مأوى وأملا للناجين من إبادة دارفور الجماعية. وقد نشأ المخيم من عدم، حتى أصبح مجتمعًا مزدهرًا أعادت فيه العائلات النازحة تأسيس حياتها وعملت من أجل أن توفر لأبنائها مستقبلا أفضل. وشأن كثير من الشباب، تقدمت لمد يد العون، بالتدريس في مخيم زمزم في عامي 2013 و2017. أقمنا المخيم والاقتصاد وسددنا الفجوات الناجمة عن إجلاء جماعات المساعدة الدولية من المنطقة بعد عقود من الحرمان والتشريد والعزلة الاقتصادية والسياسية.

والآن أبيد كل ذلك. وتشير صور الأقمار الصناعية إلى أن زمزم يحترق، في صدى مؤلم للماضي حينما حركت صور مماثلة العالم إلى العمل في دارفور. في غضون أيام من فبراير، أوقفت منظمتا أطباء بلا حدود وبرنامج الغذاء العالمي عملياتهما في المخيم بسبب الخطر.

وفي ظل إعاقة قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية وصول المساعدات في جميع أنحاء دارفور وعرقلتهم أو نهبهم لها، ضربت مجاعة من صنع الإنسان مخيم زمزم بشدة. وكانت منظمة أطباء بلا حدود في العام الماضي قد حذرت من وفاة طفل كل ساعتين بسبب سوء التغذية هناك. وذكرت منظمة «أنقذوا الأطفال» في ديسمبر أن العائلات تتغذى على علف الحيوانات للبقاء على قيد الحياة.

ومع ذلك، وعلى الرغم من انتشار العنف في الأشهر الأخيرة، استمر الناس في اللجوء إلى زمزم، لكونه أكثر أمنا من أي مكان آخر.

وقد أفادت المنظمة الدولية للهجرة أن ما يصل إلى أربعمائة ألف شخص اضطروا إلى الفرار من زمزم في ثنايا هجوم قوات الدعم السريع. وقد تم تسكينهم في أرض قاحلة تقع شمالي الفاشر وليس في متناولهم فيها غير قدر محدود للغاية من الطعام والماء. وانهار الناجون المنهكون المتجهون سائرين على الأقدام إلى «طويلة»، وهي بلدة على بعد نحو ستة وثلاثين ميلًا غرب زمزم. وفي مكان قريب، تعرض أبو شوك، وهو مخيم آخر للنازحين، لهجمات متكررة من قوات الدعم السريع. وتعرض العشرات للقتل. فهذا ليس محض تهجير، ولكن إبادة.

وتعد أفعال قوات الدعم السريع جزءًا من حملة إرهاب أشمل. فالجماعة متهمة باستخدام القتل خارج نطاق القضاء والعنف الجنسي والتجويع المتعمد بوصفها أسلحةً حربيةً ضد المدنيين. ولقد مارست قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية الوحشية بلا هوادة ضد المدنيين في صراعهما على السلطة. وقد ترقى فظائعهما إلى مستوى جرائم الحرب، وفقًا لما قالته بعثة تقصي حقائق تابعة للأمم المتحدة. ومع ذلك، فإن الجهود الإنسانية وجهود السلام والدبلوماسية الدولية التي تركز على إنهاء الصراع لم تقم فقط بإقصاء المدنيين، وإنما ركزت أيضا وباستمرار على الأطراف المتحاربة. وقد عجز الجنرالات الذين تركزت عليهم تلك الجهود المرة تلو الأخرى عن إنهاء الحرب. فلا بد من محاسبتهم قبل أن تحل علينا مذبحة أخرى.

قبل سنوات، عندما كنت في الرابعة والعشرين من عمري، قدت مسيرة سلام عبر السودان لترويج مسؤولية جماعية عن السلام. كانت آمال الناس بسيطة ولكنها عميقة: فقد كانوا يريدون الطعام على موائدهم، والمدارس، والصحة الجيدة، والفرصة لرؤية أطفالهم يكبرون. واليوم، تبدو تلك الأحلام أبعد منالا من أي وقت مضى.

وأكبر أمل للسودان الآن إنما يكمن في الأفراد المهتمين، وفي الناجين الشجعان الباقين على الأرض، وفي الجماعات السودانية من قبيل (الشبكة الإنسانية لنازحي الداخل) التي حافظت على حياة مخيمات من قبيل زمزم. وبرغم أن جمع التبرعات ضروري لإنقاذ الأرواح، فكل تمويل العالم لن يكفي لإنهاء هذه الحرب إذا استمرت دول غنية في دعم الأطراف المتحاربة.

ولا بديل عن أن يفرض قادة العالم ضغطا على القادة العسكريين وداعميهم من أجل السماح بإيصال المساعدات والموافقة على وقف فوري لإطلاق النار في المناطق الأكثر تضررًا، فدونما عمل فوري، يشمل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، من أجل حماية المدنيين وخلق عملية مفتوحة تعطي الأولوية لإسهام المدنيين في جهود السلام وموافقتهم عليها، سوف يستمر محونا سياسيًا وعمليًا. ولو أننا حاضرون على الطاولة، فلا ينبغي أن نكون محض رموز أو أفكار ثانوية. وإنما يجب أن نقود الجهود التي ستحدد كيف نعيش بقية حياتنا.

وإلى أعمامي وأبناء عمومتي الذين ما زالوا محبوسين في زمزم، أقول: ألمكم ليس خفيًا. وشجاعتكم غير منسية. ولقد خذلكم العالم اليوم، ولكننا سنناضل لكيلا يخذلكم في الغد. وفي مواجهة عنف الإبادة الجماعية، يكون أملنا في حد ذاته فعلًا وتحديًا.

مقالات مشابهة

  • ناشطون: الدعم السريع تصعد الانتهاكات ضد المدنيين في أم درمان
  • لجان مقاومة أحياء الصالحة أم درمان .. مليشيا الدعم السريع حولت المنطقة إلى “ثكنة عسكرية”
  • الحكومة ستنقل إلى الخرطوم في غضون ستة أشهر
  • «الفارس الشهم 3» تطلق مشروع حفر آبار مياه في غزة
  • حرب السودان الصامتة.. قتلى وجرحى بالعشرات وموجات نزوح مستمرة
  • شاهد بعض ما خلفته الحرب بالخرطوم من دمار وخراب
  • إبادة دارفور التي لم تنته مطلقا
  • “كمين المندرابة”.. الجيش السوداني يلقي القبض على قائد بقوات الدعم السريع وضباطه وجميع قواته
  • الجيش السوداني يلقي القبض على قائد بـ”الدعم السريع” مع ضباطه وجميع قواته
  • كمين  لـ”الجيش السوداني” يسفر عن أسر قائد بارز في الدعم السريع