المفكّر اليساري كريم مروة طوى كتاب حياته و... رَحَل
تاريخ النشر: 10th, January 2024 GMT
... يوم كان في التسعين من عمره، لم يتردّد كريم مروة في البوح برغبته في العيش حتى المئة. فصاحِبُ العقل السليم والجسم السليم ضاقتْ التسعة عقود بحيويته الفكرية والثقافية والسياسية، لكن القَدَر لم يسعفْه فرحل أمس عن 94 عاماً بنى على إمتدادها تجربةً ناصعةً في تحولاتها التي كان الثابت الوحيد فيها... القِيَم الإنسانية.
رواية «رقص الإبل» تفوز بجائزة ساويرس الثقافية في مصر منذ يوم باسمة العنزي... نجمة واحدة لا تكفي منذ يوم
ويوم سئل عن سرّ تَصَرُّفه كـ «مفكّر شاب» يريد أن يغيّرَ ويجدّدَ، وهو في المقلب الآخَر من العمر، ردّ «قراري منذ شبابي أن لا أفكّر في نهاية العمر ما دمتُ قادراً على الحياة وعلى ممارستها كما أحبّ... عندما يأتي الموتُ لا قرارَ لي في شأنه». وهكذا كان مع هذا المفكّر الكبير الذي لم ينكّس قَلَمه إلا حين أَسْلَمَ الروح.
يروي كريم مروة وبلسانه فصولاً من حياته العامرة كمفكّر زاوَجَ بين الثقافة والسياسة. قائدٌ شيوعي بدأ حياته قومياً عربياً وحَمَلَه نقدُ التجربة الماركسية إلى يسارية ديموقراطية. حياةٌ ترجمها في عشرات الكتب والمؤلفات والدراسات التي اختزلت المراحل الصراعية في تجربته المديدة التي دوّنها على النحو الآتي: "ولدت في الثامن من شهر مارس في عام 1930 في بلدة حاريص في جنوب لبنان. والدي هو الشيخ أحمد مروة رجل الدين. تعلّمتُ من والدي، بعد ختمي للقرآن في كتّاب القرية، قِيَمَ الدين الاسلامي السمحاء، قِيَم الحرية والتسامح والاعتراف بالآخِر واستخدام العقل. تحولّتُ منذ شبابي الباكر، في ضوء مطالعاتي في مجلة الهلال والرسالة والكاتب المصري ومجلة الطريق، وفي كتب وكتابات جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وأمين الريحاني وطه حسين وتوفيق الحكيم وجورجي زيدان وعباس محمود العقاد وكثرة من الكتاب العرب، تحولت إلى مُواطِن لبناني - عربي وسميتُ نفسي قومياً عربياً.
وأعطيتُ لقوميتي صفة مختلفة عما كان سائداً عن الكثيرين من القوميين العرب، صفة ابتعدتُ فيها عن التمييز والتمايز والقوميات الأخرى. الأمر الذي جعلني من دون قرار محدد أقرب الى الشيوعيين مني الى القوميين العرب المعروفين، ولا سيما من أصدقائي ومن أساتذتي. وكانت في أساس قوميتي تلك وطنيتي اللبنانية ومشاعري القومية العربية. وصارت فلسطين بحُكْم قريتنا مع شمال فلسطين وفي ذلك التاريخ والعلاقة الوطيدة بين أهل بلدتنا وأهالي المدن الفلسطينية صارت جزءاً من وجداني. أرسلني والدي في أواخر عام 1947 إلى مدينة بغداد لمتابعة دراستي الثانوية برعاية ابن عمي المفكر التراثي حسين مروة، حيث تعرّفت الى عدد كبير من مثقفي العراق كان في مقدمتهم الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري.
في ذلك التاريخ، وفي أعقاب وثبة الشعب العراقي ضد معاهدة بورتسماوث المعروفة التي أسقطتْها الوثبة، وفي أعقاب الحرب العربية في فلسطين لمنْع قرار التقسيم والهزيمة التي منيت بها الجيوش العربية، قررتُ أن أنتمي الى الاشتراكية بصفتي الآنفة الذكر، وطنيّ لبناني وقومي عربي. وكان ذلك القرار من قبلي احتجاجاً على الهزيمة وعلى تضييع فلسطين. وساهم في قراري هذا الى جانب ما اشرت إليه انبهاري بالانجازات التي حقّقها الجيش السوفياتي في الحرب العالمية الثانية إسقاط النظام النازي في ألمانيا والنظام الفاشي في إيطاليا.
عندما عدتُ الى بيروت بعد عامين من دراستي في بغداد استكملتُ دراستي الثانوية ثم انتسبتُ الى الجامعة اللبنانية في عام 1952 في فرع الأدب لعام واحد. وانتخبتُ نائباً لرئيس الرابطة الطلابي بصفتي شيوعياً قبل أن أنتسب الى الحزب الشيوعي، ثم انتسبتُ الى الحزب بعد ذلك وكُلِّفْتُ على الفور بالمسؤولية عن التنظيم الطلابي في الحزب. ثم كلفت عام 1953 بقرار من الحزب بأن أتقدم للامتحان النهائي في الجامعة للذهاب الى مدينة بودابست لتمثيل الشبيبة العربية في قيادة اتحاد الشباب الديموقراطي العالمي. وشاركتُ في تنظيم بعض المهرجانات العالمية للشباب والطلاب التي كانت في أرقى ما عرفته من نشاطات ثقافية ورياضية ولقاءات صداقة بين شبيبة العالم. وبعد عودتي من بودابست كُلفت في مطلع عام 1962 من قبل حركة السلم اللبنانية بتمثيل حركات السلم العربية في قيادة مجلس السلم العالمي الذي كان مقره في مدينة فيينا عاصمة النمسا. وخلال وجودي في هاتين المنطقتين العالميتين زرت العديد من البلدان في شتى بقاع الأرض للمشاركة في المؤتمرات وندوات ومهرجانات للسلم والصداقة والدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصائرهم. وأتاحت لي مشاركتي في تلك المهمات التعرف على العديد من المثقفين الكبار من البلاد التي زرتُها. كما التقيتُ بالعديد من قادة الدول ومن قادة الأحزاب من كل الاتجاهات.
ونشأتْ لي بين مَن التقيتُ بهم من هؤلاء علاقة صداقة استمرّت طويلاً وكانت موضع اعتزاز بالنسبة إليّ. إلا أن ما يهمني أن أتذكره وأذكِّر به أنني في عام 1966، وكنتُ قد اصبحت عضواً قيادياً في الحزب الشيوعي اللبناني، أطلقتُ مع الرفيق جورج حاوي وعدد من رفاق جيلنا في قيادة الحزب ما اعتبرناه ثورةً غير مسبوقة في الحركة الشيوعية العربية. كان الهدف منها تأكيد استقلالية حزبنا عن الاتحاد السوفياتي في تحديد السياسات المتعلقة بالشأن اللبناني وبالشأن العربي مع البقاء في الأممية الشيوعية برئاسة الحزب الشيوعي السوفياتي.
واجهتْنا في تلك الثورة تدخلات فظة من قبل الاتحاد السوفياتي لم تمنعنا من متابعة النضال لتحقيق الهدف المبتغى من تلك الثورة. وانتصرنا وتَكَرَّسَ انتصارُنا في المؤتمر الذي حددناه في صيف عام 1986 في الوثائق الجديدة التي أقرّها المؤتمر. ووضعنا في تلك الوثائق صيغة جديدة لاشتراكيتنا تتسم بالديموقراطية وبالقِيَم الانسانية التي تعبّر عنها الاشتراكية. وفي نهاية الحرب الأهلية في لبنان التي استمرّت خمسة عشر عاماً حاولتُ قدر إمكاناتي أن أمارس استقلاليتي، وأنا نائب الأمين العام للحزب الشيوعي، في التعبير عن أفكاري، بما في ذلك القراة النقدية للتجربة الاشتراكية. وكان كتابي بعنوان «حوارات» أحد أبرز التعبير عن القراءة وصولاً الى القول إن التجربة الاشتراكية العالمية كانت تمرّ في أزمة تهدد بانهيارها. وقد ناقشني في أفكاري في الكتاب أربعون مثقفاً عربياً من جميع الاتجاهات. وقد صدر الكتاب في مطلع عام 1990، الى أن بلغ عددها ما يناهز 40 كتاباً.
أذكر منها الكتاب الأول بعنوان «كيف نواجه الأزمة في حركة التحرر الوطني العربية» الصادر عام 1947، وكتاب «المقاومة» الصادر في عام 1985 الذي حاولتُ أن أحدد فيه مفهومي للمقاومة في شتى مجالات التعبير عنها في شكل مختلف عما كان سائداً، وكتاب «حوارات» الذي اشرتُ إليه الصادر عام 1990 وكتب أخرى متنوعة في مواضيعها وآخِرها في عام 2020 تحت عنوان «كنوز من الفكر الانساني».
وفي عام 2004 قدّم لي وزير الثقافة غازي العريضي باسم رئاسة الجمهورية وسام الأرز من رتبة فارس في احتفال كبير أقيم في قصر الأونيسكو تكلّم فيه ثمانية مثقفين من أكثر من بلد عربي. وإستمريت في الكتابة لأن هدفي من تلك الكتابات إعطاء دور للثقافة في حياة بلداننا ومساعدة الأجيال الصاعدة في تطوير رؤيتهم للمستقبل نحو التقدم والحرية والعدالة الاجتماعية.
مؤلّفات مروة
الكتب التي صدرت للمؤلف والكتب التي صدرت بالإشتراك مع آخرين:
«ماذا بعد حرب أكتوبر؟» 1974 دار الفارابي
«كيف نواجه الأزمة» في حركة التحرر الوطني العربية؟ 1974 دار الفارابي
المقاومة أفكار للنقاش حول الجذور والتجربة والآفاق -1985 دار الفارابي تقديم جورج حاوي
حوارات مفكرون عرب يناقشون كريم مروة في القومية والاشتراكية والديمقراطية والدين والتراث والثورة - 1990 دارالفارابي
جدل الصراع مع إسرائيل وجدل السلام معها - 1994 دار الفارابي
الوطن الصعب والدولة المستحيلة - 1995 دار الجديد وهو حوار ساقه ودوّنه وقدّم له الإعلامي طانيوس دعيبس مع كل من كريم مروة القائد الشيوعي وكريم بقرادوني القائد الكتائبي حول الآثار التي ولدتها الحرب الأهلية وحول الآفاق المستقبلية.
حوار الأيديولوجيات بين أفكار ماركسية وأفكار دينية - دار الفارابي 1997
من ذاكرتي الفلسطينية - 1998 نشر في مجلة الطريق
نحو جمهورية ثالثة 2001 دار الفارابي
كريم مروة يتذكر في ما يشبه السيرة - 2002 دار المدى حاوره الإعلامي صقر أبو فخر
عشية أفول الأمبراطورية 2003 أسئلة حول موقعنا في عالم الغد -جورج حـاوي 2005 دار النهار
مواقف القائد وشهادات الرفاق بالاشتراك مع جورج البطل وسمير مراد وتقديم ميشال إدّه
الفكر العربي وتحولات العصر رؤى وأفكار من وجهات نظر ماركسية مختلفة بمشاركة ستة عشر مفكّراً عربياً قدّم له جورج البطل - 2005 دار الفارابي
الظاهرة العراقية - 2006 دار المدى قدّم له فالح عبد الجبار
Communists dans le monde arabe – 2006 le temps des cerises. بالاشتراك مع سمير أمين وتقديم جورج لابيكا
في أزمة النظام العربي وإشكاليات النهضة - 2006 دار الانتشار العربي بالاشتراك مع برهان غليون وماهر الشريف وجلبير الأشقر
الشيوعيون الأربعة الكبار في تاريخ لبنان الحديث فؤاد الشمالي وفرج الله الحلو ونقولا شاوي وجورج حاوي -2009 دار الساقي
في البحث عن المستقبل حوار فكري وسياسي وشخصي أجرته الباحثة المغربية مريم سيدي حيدة - 2009 دار الساقي
Un demi-siècle d’utopie, mémoires d’un dirigeant de la gauche libanaise- 2006 دار Téraèdre باريس
نحو نهضة جديدة لليسار في العالم العربي- 2010 دار الساقي
قراءة معاصرة في قضايا فكرية - 2010 مكتبة مدبولي قدم له سيد ياسين
حوارات مع أطروحات كريم مروة حول نهضة جديدة لليسار في العالم العربي - 2011 مكتبة جزيرة الورد
قادة تاريخيون كبار في ثورات القرن العشرين - من جزئين 2012 دار العربية للعلوم
فلسطين وقضية الحرية في سير وإبداعات - 2012 دارالعربية للعلوم المثقفين الفلسطينيين
أفكار حول تحديث المشروع الاشتراكي - 2013 دار التنوير
وجوه مصرية مضيئة في الأدب والفكر والفن - 2014 دار سجال - مصر
اعترافات نهاية القرن - 2014 دار التنوير
نزار مروة في عوالمه الثقافية ودروب حياته - 2014 دار الفارابي أعدّه وقدّم له كريم مروة
ملامح الشخصية اللبنانية في سير وإبداعات المثقفين اللبنانيين - 2015 الدار العربية للعلوم
الرواد اللبنانيون في مصر في الصحافة والفكر والأدب والفن - 2015 الهيئة المصرية العامة للكتاب
فصول من تجربتي في الفكر وفي السياسة - 2015 الدار العربية للعلوم
قراءة في عوالم ثمانية شعراء عراقيين - 2017 دار الجمل
شخصيات وتواريخ - 2017 الدار العربية للعلوم
التجديد في الإسلام كالتجديد في الاشتراكية ضرورة تاريخية في شروط العصر - 2018 الدار العربية للعلوم
فصول من حواراتي وكتاباتي في الفكر وفي السياسة وفي العلاقات الإنسانية - 2018 الدار العربية للعلوم
وجوه مضيئة في تاريخنا - 2018 دار الفارابي
منمنمـات تاريخية أحداث ومواقف وتأمُّلات وذكريات - 2019 دار الرواد المزدهرة للطباعة والنشر
رحلة عمر - 2019 الدار العربية للعلوم ناشرون
كنوز الفكر الإنساني: اعداد وتقديم كريم مروة 2020، الدار العربية للعلوم ناشرون.
المصدر: الراي
كلمات دلالية: الدار العربیة دار الفارابی دار العربیة قد م له فی عام
إقرأ أيضاً:
كندة علوش ونيللي كريم وروبي معاً في "ناقص ضلع"
بعد غياب 3 سنوات، تعود النجمة السورية كندة علوش إلى الدراما التلفزيونية، من خلال مسلسل "ناقص ضلع"، المقرر عرضه في الموسم الرمضاني القادم 2025.
ومسلسل "ناقص ضلع" مكون من 15 حلقة، بطولة كلّ من نيللي كريم، وكندة علوش، وروبي، وجيهان الشماشرجي، والعمل من تأليف مهاب طارق، وإخراج محمد شاكر خضير.
وآخر أعمال كندة علوش التلفزيونية مسلسل "ستات بيت المعادي"، الذي عرض في نهاية 2021،، محققاً أعلى نسبة مشاهدة وقت عرضه على إحدى المنصات الرقمي، وهو النسخة العربية للمسلسل الأمريكي للمسلسل الأمريكي "Why Women Kill"، والذي لاقى نجاحاً عند عرضه موسمين منه خلال 2019 و2021.
أما أحدث بطولات كندة السينمائية، فجاءت من خلال ثلاثة أفلام عالمية، وهي "نزوح" للمخرجة سؤدد كعدان، والذي شارك في أكثر من 20 مهرجاناً سينمائياً دولياً، من بينها مهرجان فينيسيا، حيث فاز بجائزتين من المهرجان.
وفيلمي "السباحتان" عام 2021، الذي افتتح مهرجان تورنتو السينمائي الدولي، و"باص 22" عام 2023، الذي جاء عرضه العالمي الأول بنفس المهرجان.