النساء الحوامل… كابوس الولادة في غزة
تاريخ النشر: 10th, January 2024 GMT
القدس المحتلة-سانا
مآس لا حصر لها، تسبب بها العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، والنساء الحوامل دفعن أقسى الأثمان، حيث يعشن تداعيات الحصار وتدمير الاحتلال للمنظومة الصحية، ويعانين ظروفاً كارثية في ظل عجز هذه المنظومة عن تقديم المساعدة اللازمة.
50 ألف امرأة حامل نزحن إلى مراكز الإيواء لا يتوافر لهن الغذاء والدواء، ويعشن ظروفاً قاهرة وسط خشية على حياة الأجنة في ظل عدم تلقيهن للرعاية الصحية وحالة الازدحام الشديدة في هذه المراكز التي لجأ إليها نحو مليوني نازح من مختلف مناطق القطاع، ما فاقم معاناة الحوامل في ظل التلوث وعدم توافر المياه.
معظم النساء الحوامل لا يستطعن الوصول إلى المستشفيات والمراكز الصحية بعدما أخرج الاحتلال 83 منها من الخدمة، بينما يفتقر ما تبقى منها في الخدمة لكل مستلزمات الولادة من علاجات وغيرها، ما يتسبب بوفاة المواليد أو الأمهات اللواتي يجبر الكثير منهن على الولادة داخل مراكز الإيواء، حيث تلد فيها أكثر من 180 امرأة يومياً، بينهن أعداد كبيرة يلدن قبل الأوان بسبب الظروف العصيبة التي يكابدنها.
وفي ظل ارتفاع عدد الأطفال الخدج يمثل توفير الوقود للحاضنات أمراً في غاية الأهمية، وهو ما لا يتوافر في قطاع غزة منذ بداية العدوان، وتضاف إلى المخاطر على حياة الأمهات ومواليدهن كارثة صحية أخرى تتمثل في عدم توافر حليب الأطفال، جراء مواصلة الاحتلال حصاره الشامل ومنعه إدخال مقومات الحياة إلى القطاع.
منظمة “أكشن إيد” الدولية نقلت عن السيدة ختام وهي أم لخمسة أطفال، بينهم طفلة حديثة الولادة، ونزحت إلى مدرسة في دير البلح قولها: لا يوجد ماء ولا طعام لنأكله، ابنتي الصغيرة تعاني من طفح جلدي بسبب قلة النظافة هنا، وضعنا صعب للغاية، كيف لنا أن نشرب الماء.. نتساءل هل يوجد ما يكفي لنا وللأطفال.. بالطبع لا.. لا توجد مياه نظيفة، نحن بالكاد نسد رمقنا، لدي أربعة أطفال آخرين يريدون تناول الطعام لكن لا يوجد خبز.
وتضيف ختام التي نزحت من منزلها بسبب قصف الاحتلال: أجبرنا القصف على إخلاء منزلنا بعد ولادتي بيومين فقط، كنت متعبة جداً بعد خروجي من المستشفى مع استمرار النزيف، كنت أحمل ابنتي ونسير تحت الصواريخ والقصف، ونجلس لبعض الوقت لنستريح على الأرصفة والطرقات.
إيمان من جهتها تروي معاناتها مع الحمل والولادة قائلة: شعور لا يوصف.. كان صعباً جداً أن أكون حاملاً وألد في هذه الظروف، في هذه الحرب البشعة.. نزحت مع زوجي وابنتي من منطقة عبسان الكبيرة جنوب شرق قطاع غزة إلى مدينة خان يونس جنوبه مشياً على الأقدام.. المستشفى بعيد عن المكان الذي نزحت إليه، فاضطررت أن أذهب إليه سيراً وأنا في مرحلة المخاض.
وتضيف إيمان: لم يعطوني مسكنات بسبب النقص الشديد في الأدوية وكانت الولادة صعبة على الرغم من أنها ولادة طبيعية، والمستشفى كان مزدحماً جداً، حاولت أن أدخل المرحاض قبل الولادة فلم أستطع بسبب الطابور الطويل من النازحين.
شروق حامل في شهرها التاسع بطفلها الأول تعيش في مركز إيواء بخان يونس تتساءل: كيف يمكن أن ألد هنا.. لا توجد رعاية صحية ولا أدنى شروط النظافة.. الولادة هنا ستكون كارثية بالنسبة لي.
معاناة الحوامل تضاف لها معاناة 68 ألف مرضعة في القطاع وفقاً لبيانات الأمم المتحدة، وهن بحاجة إلى تدخلات وقائية وعلاجية وغذائية فورية منقذة للحياة، كما يعاني 7685 طفلاً دون الخامسة من الهزال الذي يهدد حياتهم، ما يجعلهم عرضة لتأخر النمو والمرض والوفاة في الحالات الشديدة، في حين تم تصنيف أكثر من 4 آلاف طفل يعانون من حالات الهزال الشديد، وهم بحاجة إلى علاج منقذ للحياة.
رهام جعفري مسؤولة التواصل في منظمة “أكشن إيد” بفلسطين تقول: لا نملك الكلمات لوصف حجم الرعب الذي يتحمله سكان قطاع غزة، يعاني الجميع من الجوع، لكن النساء الحوامل والمرضعات وأطفالهن هم الأكثر معاناة.. القصص التي نسمعها مروعة حيث تضطر الأمهات إلى مشاهدة أطفالهن وهم يصرخون ويبكون من الجوع بلا حول ولا قوة، فهن عاجزات تماماً عن فعل أي شيء.
وتضيف: الأمور تزداد سوءاً يوماً بعد آخر، وليس هناك مجال لتضييع الوقت، كل يوم يموت المئات في غزة بسبب القصف وقريباً سيموت المئات أيضاً من الجوع والمرض، إن وقف إطلاق النار الفوري والدائم هو وحده الذي سيمنع وقوع المزيد من الضحايا ويسمح بدخول الغذاء والوقود والأدوية وغيرها من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة على نطاق واسع وضروري.
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
كلمات دلالية: قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
مخاطبة الشرع للشعب السوري… مؤجّلة
الحيرة في قراءة السلوك السياسي لقائد هيئة تحرير الشام أحمد الشرع، ليست نابعة من قوله أموراً يصعب فهمها. بل النظرة إلى كونه قادماً من عالم الإسلام السياسي الجهادي، الذي له قواعد فكرية وفقه يفترض أن يمنعه عن غالبية الأمور التي يقولها اليوم، وعند هذه النقطة، يتحوّل السؤال إلى حقيقة التبدّل الذي طرأ على عقله خلال السنوات العشر الماضية، علماً أن خصومه يقولون إنه يعتمد مبدأ «التمكين أولاً».
وإذا كان الباحثون في العلوم السياسية يعتقدون بأن قوى الائتلاف السوري، ولا سيما الإسلامية منها، التي تعود أصولها إلى حضن «الإخوان المسلمين»، هي الأقرب إلى الراعي التركي، فإن تطورات حصلت في العراق وبلاد الشام كما في شمال أفريقيا، دلّت على أن أنقرة تتصرف وفق حسابات من نوع مختلف، تماماً كما يفعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي لم يخف رغبته في استعادة دولة الخلافة، ولكنه وجد أن الأمر ليس يسيراً كما ظن، فبقي يجلس تحت صورة كمال أتاتورك، رغم أنه يلعنه آخر كل صلاة.
هنا، لا يمكن الاعتماد على نفس آلية التحليل لفهم ما يجري في سوريا، صحيح أنه يمكن لأي مراقب أن يريح نفسه، وأن يقرأ مشكلات هذا البلد، ويعرض لحجم الأطراف المتدخّلة في أموره من دول كبرى ودول صغرى، حتى يقول إن مهمة توحيد سوريا تحت راية الحكم الجديد، سوف تكون مهمة شبه مستحيلة. لكن، هل هذا هو القدر المحتوم؟
في حالة الشرع تحديداً، قد لا يكون منطقياً الركون إلى ما يقوله هو في الإعلام فقط. كونه حتى اللحظة، لم يتحدّث مع الشعب السوري، وكل تصريحاته ومقابلاته الصحافية، هدفها التحدث مع الخارج، مع الغرب أولاً، ودول الخليج ثانياً، وإسرائيل ثالثاً، ودول الجوار رابعاً، من دون إهمال الأطراف النافذة في سوريا، بما في ذلك الدول التي قاتلها مثل إيران وروسيا وحتى العراق، وكل ما قاله الشرع حتى اللحظة، يندرج في توضيح أنه ليس هو الرجل الذي تعرفتم إليه من قبل، وهو كان صريحاً للغاية عندما أعلن انتهاء الثورة السورية في لحظة سقوط بشار الأسد، كما لم يكن كثير الضعف في مخاطبة الغرب، فهو يعرب بقوة عن الرغبة بعلاقات جيدة مع العالم، لكنه اضطر مراراً، إلى القول إنه لن يبقى منتظراً العالم حتى يصدّقه، لكونه يهتم الآن لأن تكون أموره ميسّرة مع الشعب السوري، ومع ذلك فهو حدّد جملة من الثوابت التي يبدو أنها محل توافق غالبية قوى الحكم الجديد:
أولاً: إن سوريا في وضع لا يمكّنها من مخاصمة أحد، وإنها أمام تحديات داخلية، توجب عليها مصادقة الجميع، من أجل ضمان استقرارها ومن أجل الحصول على بيئة صديقة لورشة الإعمار.
ثانياً: إن سوريا تعترف بإسرائيل كدولة، وإن لم يكن الوقت قد آن لبناء علاقة معها. لكنّ الشرع تحدّث بهدوء عن الاتفاقات بين الدولة السورية وإسرائيل، وعن أن الأمم المتحدة هي الناظم للعلاقات الحدودية، وأضاف إلى ذلك، أن سوريا الجديدة لا تفكر في محاربة إسرائيل، بل قال إن من كان يزعج إسرائيل تمّ ترحيله من سوريا. وأشار بالاسم إلى إيران وحزب الله، علماً أنه بادر إلى إبلاغ الفلسطينيين بضرورة تسليم سلاحهم.
ثالثاً: لم يذكر الشرع في أي تصريح على ما يجري في قطاع غزة، ولا هو أشار إلى العدوان على لبنان، وهو لم يأت على ذكر حركة حماس أو المقاومة الفلسطينية، كما لم يعلن وقوفه إلى جانب مقاومي إسرائيل، لا في فلسطين ولا خارجها، وكلامه الذي ردّده في وقت سابق على سقوط النظام، عن القدس والمسجد الأقصى غاب تماماً. وهو يتصرف كمن لا يتوقّع أن يحاسبه أحد من السوريين على ذلك، علماً أن قوى المقاومة لم تتوجه إليه بالعتاب أصلاً.
رابعاً: قال الشرع صراحة إنه يريد أن تكون العلاقة مع الغرب واقعية، وإنه يطالب الغرب برفع العقوبات عنه وعن سوريا، وإنه مستعد للأخذ في الاعتبار الكلام العام للدول الغربية عن حقوق الأفراد والأقليات (وهو أصلاً لا يصدّق بأنها محل اهتمام الحكومات الغربية)، وقال إن سوريا الجديدة، لن تكون مصدر إزعاج لأحد في العالم، فلا تصدير للثورة، ولا حضن للإرهاب كما يراه الغرب، ولا مأوى لأعداء إسرائيل، وفوق ذلك، هو أعلن حل النظام الاشتراكي والقيود التي كانت موجودة (ولو نظرياً) في ظل النظام السابق، وأعلن استعداده (وفق معلومات عن اجتماعات عُقدت بعيداً عن الأضواء مع مسؤولين في حكومته) لفتح الباب أمام استثمارات أجنبية، ولو كان من شأنها الدخول في عملية الخصخصة.
خامساً: وعد الشرع العالم، بأنه سيفسح المجال أمام آليات لكي يختار الشعب السوري ممثّليه إلى الحكم، متحدّثاً بصورة عامة عن دستور جديد وعن قوانين جديدة، وأبقى مسألة قواعد الشريعة الإسلامية في حيز من الغموض، ليس لأنه لا يريد إغضاب الغرب إن تحدّث عن ضرورتها، بل لأن «الوصفة التركية» تتيح له، أن يتزعم حزباً إسلامياً، ويتولى حكم دولة مدنية، ويقدر على اجتراح الوصفات القانونية التي تتيح تمرير «قواعد تشريع تستند إلى روح النص الإسلامي» دون إثارة حفيظة من يعتبر نفسه غير مُلزم بذلك.
كل ما سبق، يعيدنا إلى السؤال المركزي: هل نحن أمام نموذج سوري من حزب العدالة التركية؟
الأكيد، أنه يوجد اليوم استحقاق مركزي أمام الشرع. والحديث هنا، ليس عن طريقة تشكيل لجنة الحوار الوطني، أو نوع التسويات التي تسمح لأطياف المعارضة السورية بالتمثّل في مؤسسات الحكم، بل يتعلق بمهمة مركزية لأي مشروع يراد له أن يعيش طويلاً في بلد مثل سوريا. والمقصود هنا، آلية بناء المؤسسات العسكرية والأمنية في سوريا. وشعار «توحيد السلاح بيد الدولة»، سبق للشرع أن فرضه بالحديد والنار في مناطق حكم «هيئة تحرير الشام» في إدلب، عندما خاض معركة «توحيد البندقية الجهادية» وأطاح بكل من حاول البقاء خارج سلطته، وهو ما يريد اليوم تحقيقه، ولذلك، فهو يحتاج إلى تعاون خارجي لا يقف عند حدود تركيا وقطر، بل يحتاج إلى تعاون أمريكي أساسي، يتيح له، معالجة «المسألة الكردية» من جهة، ويريد من واشنطن، منع إسرائيل من تحريض الدروز على إقامة حكم ذاتي أو المطالبة به، وهو لا يريد الدخول في صدام مع الأردن والإمارات والسعودية، التي يمكنها تشجيع الفصائل المحسوبة عليها، سواء في الجنوب السوري أو بعض مناطق البادية أو الشمال الشرقي، إضافة إلى العشائر القريبة من الحدود مع العراق، وهي فصائل كثيرة، لكنّ الشرع لا يعتقد بأنها قادرة على الائتلاف معاً في مواجهته. ومع ذلك، فهو سيبدأ من نقطة أولية تخص مقاتلي «الهيئة» ومقاتلي «الجيش الوطني»، لأجل تشكيل نواة قوة عسكرية قادرة على إجبار تلك الفصائل على ترك السلاح طوعاً أو غصباً إن لزم الأمر.
كل ما سبق، يجعل من الصعب التكهن بمآلات الأمور، لكن قد لا يكون من الحكمة، الجزم مسبقاً بأن الصدام حاصل حتماً، لأن البناء على هذه الفرضية قد يخلق سياسات من شأنها تعقيد المشهد السوري أكثر مما هو عليه الآن، مع العلم، أنه يجب على محبّي أو مبغضي الشرع، الإقرار بأن الغالبية السورية، تقف اليوم إلى جانب فكرته عن الحياد، والسعي إلى إعادة ورشة الحياة في بلد لم يبق منه إلا بعض هياكل سلطة لم يكن بمقدور أحد جعلها تعيش أكثر مما عاشت.