أوبريت "رحلة زرياب" تفتتح ملتقى الفجيرة الثاني للعود
تاريخ النشر: 10th, January 2024 GMT
الشارقة - الوكالات
انطلق اليوم ملتقى الفجيرة الدولي للعود في دورته الثانية بحضور سمو ولي عهد الفجيرة الشيخ محمد بن حمد الشرقي .
ويعد هذا الملتقى تظاهرة يلتقي فيها أمهر عازفي آلة العود من الإمارات والعراق وسوريا والسودان وإيران وتركيا والأردن والمغرب وتونس ليشدوا بأروع الألحان. ويفتتح الملتقى بتقديم أوبريت بعنوان "رحلة زرياب"، يتناول الأوبربت رحلة حياة أبوالحسن بن علي بن نافع الموصلي (789 - 857) المشهور بـ"زرياب" منذ الطفولة حتى وصل إلى الأندلس.
وزرياب هو موسيقي ومطرب عذب الصوت من بلاد الرافدين، عاصر الخليفة العباسي هارون الرشيد. كانت له إسهامات كبيرة وعديدة وبارزة في الموسيقى العربية والشرقية. لُقِّب بزرياب لعذوبة صوته وفصاحة لسانه ولون بشرته القاتم الداكن، وهو اسم طائر أسود اللون عذب الصوت يعرف بالشحرور. عبقري الموسيقى هو أيضا مبتكر فن الذوق العام والذي يسمى اليوم بـ"الإتيكيت"، والذي مثل حلقة وصل هامة في نقل مظاهر الحضارة الإسلامية والشرقية إلى الأندلس ومنها إلى أوروبا والعالم أجمع.
ويكرم الملتقى هذا العام الفنان العراقي خالد محمد علي الذي رُشح لجائزة زرياب، ويُعتبر من أهم أعلام الموسيقى العراقية عزفا على آلة العود وتأليفا، وهو من أوائل مَن كتب مؤلفات للعود والرباعي الوتري والأوركسترا السيمفونية. وسبق أن حصلت أعماله على جوائز دولية وشهادات تقديرية تعترف بقيمته الفنية.
وسبق أن حصل على جائزة زرياب طوال عشرين عاما لعدد من عازفي العود حول العالم من بينهم العراقي نصير شمة. الجدير بالذكر أن أكاديمية الفجيرة للفنون الجميلة هي مؤسسة تعليمية رائدة، تأسست برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة، كأكاديمية علمية مستقلة ماليا وإداريا، بهدف تعزيز وتطوير الفنون الجميلة والإبداع، وتقديم الفنون بطريقة أكاديمية لجميع الفئات العمرية، وتطوير المواهب الفنية وتوجيه الفنانين نحو التميز والتطور والابتكار، وتزويدهم بجميع المعارف النظرية والعملية والتعليمية في هذا المجال، وتوفير مرافق فنية مجهزة بشكل كامل وجيد. كما تنظم الأكاديمية معارض فنية وفعاليات ثقافية لتعريف الجمهور بأعمال الفنانين والمواهب الناشئة.
واهتماما بآلة العود وحضورها في الموسيقى العربية والغربية، أطلقت أكاديمية الفجيرة للفنون الجميلة منذ العام الماضي "أوركسترا السلام للعود" التي تعد الأولى من نوعها في دولة الإمارات والمنطقة العربية. وتضم "أوركسترا السلام للعود" نخبة من عازفي آلة العود من معظم البلدان العربية. واستهلت الأوركسترا باكورة نشاطاتها بقيادة الفنان علي عبيد الحفيتي بالمشاركة بملتقى الفجيرة الدولي الأول للعود.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
من ملتقى المثقفين إلى رمز الثورة.. حكاية مكان شهد تحولات سوريا (صور)
سوريا – عندما تسير في شارع العابد، لا بد أن يستوقفك مقهى الروضة، مكان مغلق يطل بواجهة زجاجية على برلمان دمشق، أحد أهم المعالم البارزة الشاهدة على استقلال سوريا عام 1946.
فضاء مفتوح على الحكايات والتفاصيل، يستحضر رواده قصصا فرضت حضورها وارتبطت بحبل سري مع مسارات حياتهم وحواديثهم وحتى مآلاتهم. وهو في ذاكرة الكثيرين كان مجلسا يوميا لنخبة من الأدباء والشعراء، مثل ممدوح عدوان ومحمد الماغوط ومظفر النواب وسعدي يوسف، والأديب أدونيس الذي كان يعرّج إلى الروضة كلما زار دمشق. ولا ننسى مظفر النواب الذي واظب على ارتياد المقهى، إضافة إلى حضور الفنانين إليه، تتوزع فيه الكراسي والطاولات، وتتداخل الأصوات الممزوجة مع حركة الزبائن دخولا وخروجا.
التقاط اللحظة
في ركن بعيد، يجلس الكاتب الروائي يعرب العيسى محاولا التقاط اللحظات الخاصة بالمكان والشخوص. ويؤكد لـ”روسيا اليوم” أن سر المقهى هو اتساع فضائه ورحابته وسقفه المفتوح عمرانيًا، إضافة إلى حضوره في الحياة العامة وعدم ارتباطه بتيار سياسي معين أو شريحة محددة من الناس. ويضيف العيسى: “استطاع مقهى الروضة التقاط اللحظة، فقبل أسابيع من سقوط النظام بدأوا بإقامة ندوات وحوارات سياسية، إضافة إلى الندوات الأدبية والفنية وغيرها، ليصبح بعدها وجهة وقبلة لكل القادمين من الخارج، ويتحول إلى رمز خاص. وأنا أعتقد أن للأماكن أقدارا كالأشخاص، وهذا قدر مقهى الروضة أن يكون له هذه الدلالة”.
ويستكمل العيسى حديثه بأن لشجرة الدلب القابعة على باب المقهى خصوصية، فعمرها الممتد لأكثر من 100 عام يحمل الكثير من المفارقات، ولو شاهدناها عن قرب سنفهم المعنى العميق لها.
ليس مكانا للترفيه
وترى الكاتبة الصحفية سعاد جروس، إحدى زائرات المقهى الدائمات، أن المقهى اكتسب أهميته كفضاء عام من موقعه وتاريخه ورواده. فهو جزء لا يتجزأ من ذاكرة المدينة. وقد عرفت دمشق العديد من المقاهي ذات الخصوصية التي تتجاوز وظيفته كمكان للترفيه وتمضية الوقت مع الأصحاب، مثل مقهى النوفرة خلف الجامع الأموي، وأبو شفيق في الربوة، والهافانا ومقهى البرازيل عند جسر فكتوريا. وشكل الأخيران جزءا من الذاكرة السياسية السورية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، لوقوعهما في قلب دمشق، إلى جوار النادي العربي والعديد من مكاتب الصحف والمطابع فيها.
وبرز مقهى الروضة مقابل مبنى مجلس الشعب كمكان للقاء المثقفين والمعارضين، ليكون ساحة للمعارك الثقافية الساخنة والباردة. ومع انطلاق الثورة عام 2011، أصبح مكانًا للقاء الثوار الشباب، الذين سرعان ما تحول المقهى إلى مصيدة لتعقبهم من قبل المخبرين الذين احتلوه وحولوه إلى مقهى بائس لاجترار الملل ونفث الدخان ولعب النرد، كجزء من المشهد العام الثقيل الذي كانت تعيشه البلاد قبل سقوط النظام.
ومع تحرر البلاد من القبضة الأمنية، استعاد السوريون مقهى الروضة كفضاء مفتوح لهم، فأقبلوا عليه من الداخل والخارج، وراحوا ينفضون غبار الدمار والخراب عن ذاكرتهم الموجعة، ويغسلون أحلامهم المؤجلة بدموع الفرح: “ارفع رأسك، فأنت سوري حر”.
تحول تاريخي
يقدم الشاعر والناقد الأكاديمي د. مازن أكثم سليمان قراءته لتحولات المشهد الثقافي، ويؤكد لـ”روسيا اليوم” أنه لا يمكن قراءة ما يحدث الآن من نشاطات وتجمعات في مقهى الروضة أو غيره، دون ربط ذلك بالتحول التاريخي المرتبط بسقوط النظام في سوريا. بمعنى أن عودة الحياة إلى مقهى الروضة لا تتصل بعودة الزبائن التقليديين بعدد أكبر فحسب، إنما تتصل بعودة المقهى إلى كونه صاحب موقع محوري في الفضاء العام للبلد.
ويضيف: “مارست المقاهي الدمشقية العريقة منذ أواخر القرن التاسع عشر، ومع مطلع القرن العشرين، وصولًا إلى حقبة الاستقلال وما بعدها، دورا كبيرا في لقاء النخب السياسية والفكرية والثقافية، وفي إدارة حواراتها العامة والمنظمة، وفي إطلاق الأفكار والبيانات والتجمعات المتعلقة بشؤون السياسة وصراعاتها وتوجهاتها”.
ولعل هذا الدور قد انحسر، إن لم نقل قد انعدم نهائيًا، في حقبة الأسدين، حيث أُلغي فضاء الحريات العامة ليس من المقاهي وحدها، بل من عموم البلاد، وحُذفت السياسة من التداول العام تحت سطوة أحادية الدولة الأمنية العسكرية وتنكيل قبضتها الصارمة. وهذا ما حوّل المقاهي إلى مجرد مكان تقليدي للقاء والترفيه والاستهلاك.
ويشير د. سليمان إلى أن سقوط النظام غيّر المعادلة في الأسابيع الماضية، وهذا ما أظهره النشاط السياسي والثقافي الذي يشهده مقهى الروضة حاليًا. وهو نشاط يكشف تعطش النخب المختلفة إلى العمل الوطني، والعودة إلى الفضاء العام، ومواجهة استحقاقات المرحلة الانتقالية وصعوباتها وأسئلتها ومخاطرها. ويتوازى أو يتكامل ذلك مع جهود القوى المدنية والأهلية في العمل على القضايا المباشرة على الأرض.
بمعنى أن الاشتغال السياسي والثقافي للنخب المختلفة، ومن بينها عدد من الناشطين المدنيين والإغاثيين والأهليين ممن يشاركون في لقاءات مقهى الروضة، لا يتناقض مع متطلبات الناس المباشرة والملحة جدًا من أمور معيشية وخدمية وصحية، ولا سيما في ضوء الحاجة إلى العمل في المسارات كافة.
وشدد د. سليمان على أن تحوُّل مقهى الروضة الآن إلى أحد منابر الحوار الوطني هو حالة وحاجة صحية، وهي لا تقتصر عليه، بل تمتد إلى منابر عدة. وتؤكد عودة الناس إلى العمل العام على أمل تحمل الجميع مسؤولياتهم في مواجهة الاستحقاقات الحالية والقادمة، وفي بناء سوريا كي تكون دولة مواطنة تعددية ديمقراطية وحرة.
المصدر: RT