بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم هيثم بن طارق - حفظه الله - أبدت سلطنة عمان قدرة واسعة على التعامل والتغلب على التحديات والانتقال إلى مرحلة جديدة تعززها مكتسبات إرساء المنظومة المستدامة للنمو والتنويع الاقتصادي والاستقرار المالي، والتي تحققت بفضل الرؤية السامية السديدة لجلالته- حفظه الله - بضرورة الحلول والمنهجيات الشاملة والأخذ بكل الأسباب وتسخير الموارد للتعامل مع التحديات والتقدم نحو الاستقرار والنمو والتنويع.

ومنذ تولي صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله - لحكم البلاد، كانت رؤيته السامية للتنمية والاستدامة مسترشدة بطموحات رؤية عمان المستقبلية وملبية لتطلعات مواطنيه نحو مكانة مستحقة لسلطنة عمان بين الأمم المتقدمة، ومستوعبة للتحديات التي تواجهها البلاد، ومتوجهة الأخذ بكل الأسباب التي تمكن من التعامل والتغلب عليها، وتحقيق الطموحات، فقد أكد جلالته عقب توليه الحكم في خضم الأوضاع الاستثنائية في عام 2020 انه:" يمر العالم في هذه الفترة، بأوضاع غير مسبوقة، تزامنت فيها الأزمة المالية العالمية والانخفاض الكبير في أسعار النفط، الذي وصل لمستويات قياسية، وانتشار جائحة كورونا. ولأننا جزء حيوي من هذا العالم المترابط نتشارك معه المصالح والمصير، نسر لما يسره ونأسى لما يضره؛ فقد أولينا الأمر اهتمامًا خاصًا، متابعين تطوراته، على المستوى الوطني وعلى المستويات الإقليمية والدولية، مسخرين كافة الأسباب، التي تسهل استيعاب تأثيرات هذه الأوضاع، وتخفيف حدة آثارها، على كافة قطاعات الدولة، وتأتي القطاعات الصحية والاجتماعية، والاقتصادية على رأس أولوياتنا واهتماماتنا، مؤكدين على استمرار دعمنا لهذه القطاعات لتقديم الخدمات الصحية والتعليم بشتى أنواعه بأفضل كفاءة ممكنة لكافة أبناء الوطن العزيز". كما جاء خطاب جلالته للمواطنين منذ بدايات توليه الحكم لافتا إلى ما تواجه البلاد من تحديات وضرورة الجهد التشاركي في تخطيها والتقدم نحو الاستدامة إذ أكد جلالته على أن:" الأمانة الملقاة على عاتقنا عظيمة والمسؤوليات جسيمة، فينبغي لنا جميعًا أن نعمل من أجل رفعة هذا البلد وإعلاء شأنه وأن نسير قدما نحو الارتقاء به إلى حياة أفضل، ولن يتأتى ذلك إلا بمساندتكم وتعاونكم وتضافر كافة الجهود للوصول إلى هذه الغاية الوطنية العظمى، وأن تقدموا كل ما يسهم في إثراء جهود التطور والتقدم والنماء".

تحديات غير مسبوقة

حين أعلنت سلطنة عمان رؤيتها المستقبلية "عمان 2040" كانت الطموحات كبيرة للرؤية المستقبلية وكذلك كانت التحديات بسبب ما وصل إليه الوضعان المالي والاقتصادي في 2020 وتفاقم العجز السنوي للميزانية والارتفاع غير المسبوق في حجم الدين ومخاطره والتراجع الحاد في أسعار النفط والتصنيف الائتماني للدولة، كما جاء تفشي الجائحة ليلقي بظلاله القاتمة على مختلف الجوانب الصحية والاقتصادية والاجتماعية في سلطنة عمان والعالم في ظل تدابير وقيود واسعة النطاق لاحتواء تبعات الوباء، أدت لانكماش النمو في سلطنة عمان والعالم، وكان المتابعون للشأن العماني في حال ترقب لما قد يحدث في ظل ارتفاع حجم الاقتراض وزيادة الإنفاق العام واقتراب آجال استحقاق سداد فوائد القروض وبقاء الاعتماد على النفط بتقلباته كمصدر للنمو والعائدات، وعدم وجود خطط استراتيجية فعّالة للتعامل مع التحديات المالية والاقتصادية.

جعل ذلك سنوات الأزمة، التي وصلت أعلى مستوياتها في عام 2020، تمثل مرحلة فارقة في سلطنة عمان، فإما التغلب على التحديات واحتواء المخاطر والوصول للاستقرار أو التراجع عن مكتسبات عقود عديدة من النهضة المتجددة.

التنمية على طريقها الصحيح

جاء تولي صاحب الجلالة، السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله - للحكم في 11 يناير من عام 2020 ليضع التنمية على طريقها الصحيح نحو الاستدامة ويحافظ على المكتسبات التي حققتها عمان خلال عقود من نهضتها المتجددة.

وكان من عوامل النجاح أن هذه التحديات الاستثنائية لم تصرف الانتباه عن ضرورة التمهيد لبدء انطلاقة الرؤية المستقبلية والخطة الخمسية، وتنفيذ الأولويات الوطنية الرئيسية التي تحقق الوصول للتنمية المستدامة عبر الاستقرار المالي والاجتماعي وتعزيز التنويع الاقتصادي.

وللتعامل مع هذه الأوضاع الاستثنائية، فمنذ توليه قيادة البلاد، حدد النطق السامي أولويات المرحلة التي تمر بها سلطنة عمان حتى يمكنها المضي بخطى واثقة نحو المكانة المرموقة التي تصبو إليها والحفاظ على المصالح الوطنية باعتبارها أهم ثوابت المرحلة القادمة التي حددت مساراتها وأهدافها "رؤية عمان 2040”. وقد أكد جلالته - حفظه الله -:”إن إنجاح هذه الرؤية مسؤوليتنا جميعا، أبناء هذا الوطن العزيز، دون استثناء، كل في موقعه، وفي حدود إمكاناته ومسؤولياته".

وتحقيقا لذلك، كان الأخذ بالأسباب التي تتيح التغلب على التحديات وإنجاح تنفيذ تطلعات وطموحات الرؤية المستقبلية ملمحا أساسيا للرؤية السامية نحو الاستدامة والتقدم، وترجمته التوجيهات والمراسيم والأوامر السامية التي أرست ما تحتاجه هذه المرحلة من خطط منهجية ومبادرات وبرامج مدروسة لتحقيق طموحات التنمية والرفاه والاستدامة، وقد حددت الأوامر والمراسيم السلطانية والتوجيهات السامية خيارات عمان الاستراتيجية للتعامل مع أولوياتها الوطنية خاصة ملف الدين وخطط وبرامج التحفيز الاقتصادي والأولويات الاجتماعية، وإرساء ملامح واضحة لدور الحكومة والقطاع الخاص في ظل توجهات الاستدامة والتنويع الاقتصادي بما تم من إصلاحات وتطوير في الجهاز الإداري للدولة وتحسين في بيئة الأعمال ودعم للاستثمار الخاص، وقد أشار النطق السامي لملامح هذه التوجهات: "وسنحرص خلال المرحلةِ القادمةِ، من عمرِ نهضتِنَا المتجددةِ للانتقال بالأداءِ الحكومي، من مستوى الحلول الاضطراريةِ إلى مستوى آخر أكثر ديمومة، يتم فيه إرساء مجموعة من الحلول الشاملة التي تضع النمو الاقتصادي والاستدامة المالية ورفاهية المجتمع في أول سلمها".

ركائز عمان المستقبل

وبدءا من عام 2021، كانت الثمار ملموسة وتوالت النتائج الإيجابية تباعا، فقد أسفر حسن إدارة أزمة الجائحة وطرح خطة التحفيز عن معاودة الأنشطة الاقتصادية للتعافي، وحققت الخطة المالية متوسطة المدى نجاحا في مستهدفاتها نحو التوازن المالي وتقوية المركز المالي للدولة، ووجه جلالته وتابع تقدم التنفيذ في كافة الخطط والمبادرات المالية والاقتصادية والبرامج الوطنية التي استهدفت تعزيز وتسريع جهود التنويع الاقتصادي والاستقرار والاستدامة المالية تحقيقا لوعد جلالته:" إن الانتقال بعمان إلى مستوى طموحاتكم وآمالكم في شتى المجالات، سيكون عنوان المرحلة القادمة بإذن الله، واضعين نُصب أعينِنَا المصلحة العليا للوطن، مسخرين له كافة أسباب الدعم والتمكين، وإننا إذ نعاهد الله عز وجل، على أن نكرس حياتنا من أجلِ عُمان وأبناء عُمان كي تستمر مسيرتُها الظافرة، ونهضتها المباركة، فإننا لندعوكم لأن تعاهدوا الله على ذلك، ونحن على يقين تام، وثقة مطلقةٍ بقدرتِكم على التعامل مع مقتضيات هذه المرحلة والمراحل التي تليها، بما يتطلبه الأمر من بصيرة نافذةٍ وحكمةٍ بالغة وإصرار راسخ وتضحيات جليلة".

وفي ظل الرؤية السامية الطموحة، شقت سلطنة عمان طريقها نحو الاستدامة والتنويع، وقد جاءت التوجيهات السامية والمراسيم السلطانية منذ العام الأول من تولي جلالته قيادة البلاد، لتحدد الركائز التي ستنطلق منها سلطنة عمان نحو تحقيق طموحاتها والتي تمهد لإنجاح رؤيتها المستقبلية "عمان 2040"، وكان في مقدمة ذلك تبني الخطة المالية متوسطة المدى التي أدت إلى استقرار الوضع المالي وخفض الديون وتحفيز النمو، كما وجه جلالته بتعزيز قدرات الدولة وكفاءة الحكومة في قيادة جهود التنمية وتحقيق متطلباتها وذلك بتطوير وإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وإعادة تشكيل مجلس الوزراء، والعمل المستمر على مراجعة الجوانب التشريعية والرقابية وتطوير أدوات المساءلة والمحاسبة، لتكون ركيزة أساسية من ركائز عمان المستقبل، وصون حقوق الوطن والمواطنين.

الأداء الحكومي.. تقدم إيجابي

وكان لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة نتائج إيجابية في رفع كفاءة الأداء الحكومي وتحقيق المتطلب الأساسي للتنمية المستدامة وهو القيادة الإدارية الفاعلة التي تقود وتحقق تطلعات الحاضر والمستقبل، وكان التطوير مستمرا في الأداء الحكومي ومحلا للاهتمام والمتابعة من قبل جلالته - حفظه الله - وقد اكتملت إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة بالعديد من البرامج والتوجهات المهمة وجهود تبسيط وتسريع الإجراءات ـ والتي شملت جميع المؤسسات الحكومية وكذلك المحافظات للارتقاء بالعمل الحكومي ورفع مستوى الأداء وتقديم الخدمات، ووفق التوجيهات السامية تم استحداث أجهزة تضمن تحسين عملية اتخاذ القرار، وقياس الأداء المؤسسي، وكانت متابعة جلالته حثيثة لما تم إقراره من أسسٍ لتبسيط الإجراءات وانسيابها لتصبح سمةً بارزةً في الأداء الحكومي، وقد وجه جلالته دائما باستمرار التطوير والتحديث لرفع مستويات الأداء الحكومي لتحقيق الأهداف والرؤى والتطلعات بما يواكب المتغيرات وينسجم مع الإمكانيات، كما أكد جلالته دائما على ضرورة قيام كافة المؤسسات باتخاذ الإجراءات اللازمة لرفع وتحسين تقييمها، والوقوف على مواطن القوة والضعف لديها وتحديد أفضل السبل لمعالجة التحديات التي تواجهها، وخلال الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء، وحرصًـا مـن جلالته على متابعة نتائج تقييم أداء المؤسسات الحكومية للعام الماضي، التي أشارت إلى ارتفاع مستوى الأداء بوتيرة تصاعدية جيدة، بما يحقق الأهداف والرؤى والتطلعات ويتواكب مع المتغيرات، أشاد جلالته بما حققته الجهات الحاصلة على تقييم أداء عال وممتاز، ووجه بالعمل على ارتقاء الجهات بتقييمها لكافة المؤشرات خلال هذا العام.

وفي نفس السياق الخاص برفع كفاءة الحكومة، قادت توجيهات جلالته بتسريع جهود التحول الرقمي الحكومي إلى تقدم في هذه الجهود وقد أشاد جلالته - أبقاه الله - بتحسن أداء الجهـات الحكومية في برنامج التحول الرقمي الحكومي، ووجه جلالته إلى ضرورة مواصلة الجهود المبذولة في هذا الشأن، وقد أعلنت سلطنة عمان خلال العام الماضي عن مؤشرات أداء مختلف الجهات الحكومية في التحول الإلكتروني للخدمات، كما ساهمت مختبرات "منجم” بدور مهم في تبسيط إجراءات الخدمات الحكومية وتفعيل التشارك المؤسسي لتحقيق رضا المواطن والمقيم وقطاع الأعمال، كما وجه جلالته بتطبيق منظومة قياس الأداء الفردي والإجادة المؤسسية وصولًا إلى رفع كفاءة الأداء الحكومي، ونشر ثقافة الإجادة والتطوير وتشجيع روح الإبداع والتجديد والتحفيز.

ولقد أكد جلالته - أعزّه الله - دوما على أهمية استمرار الجهات الحكومية في تبني نهج تبسيط الإجراءات ورفع مستوى أدائها وتحقيق مستوى عالٍ من الرضا للمستفيدين تحقيقًا للمصلحة العامة للدولة.

تكامل وترابط بين أبعاد التنمية

وتعزيزا لاستدامة التنمية بالترابط والتكامل بين مختلف جوانبها وتوسعة روافدها، جاء الفكر المتقدم لجلالته بوضع الأساس التنظيمي للإدارة المحلية، وإرساء بنية إدارية لا مركزية للأداء الخدمي والتنموي في المحافظات، وذلك استشرافا للدور المهم الذي تحققه استدامة النمو في كافة المناطق واستغلالا للميزات التنافسية لجميع المحافظات من حيث توسع روافد التنمية وانعكاساتها على المواطن، وتم ترسيخ نهج اللامركزية من خلال إصدار نظام المحافظات، وقانون المجالس البلدية، استكمالًا لتنفيذ الرؤية السامية للإدارة المحلية القائمة على اللامركزية، سواءً في التخطيط أو التنفيذ، ولتمكين المجتمع المحلي من إدارة شؤونه والإسهام في بناء وطنه.

الاستقرار.. ممكن لإنجاح الطموحات

وعلى مدار أربع سنوات من حكمه السديد للبلاد، كانت متابعة جلالته حثيثة للتنفيذ والتقدم في كافة الجوانب والأولويات التي تترجم طموحات رؤية عمان المستقبلية في الوصول للاستقرار المالي كممكن لإنجاح هذه الطموحات، ولذلك كانت أولوية "الاقتصاد والتنمية" في صدارة الاهتمام السامي خلال المرحلة الأولى من تنفيذ "رؤية عمان 2040" وفي جانب الوضع المالي كانت التوجيهات السامية بضرورة استغلال العائدات الإضافية التي تحققت من ارتفاع النفط بدءا من نهاية عام 2021 في سرعة سداد الديون وخفض المخاطر التي تواجه الوضع المالي لسلطنة عمان، فالاستقرار المالي هو الممكن الرئيسي لإنجاح رؤية عمان، وكفاءة الجهاز الإداري هي السبيل الأساسي لرفع تنافسية سلطنة عمان وتعزيز دور الاستثمار الخاص.

ووفقا لتوجيهات صاحب الجلالة، اتبعت سلطنة عمان نهج التوازن في استغلال وتوجيه فوائض الموارد المالية المتأتية من ارتفاع عوائد أسعار النفط عما هو معتمد في الموازنة نحو زيادة وتيرة النمو، وتعزيز التعافي الاقتصادي من خلال زيادة الإنفاق على المشروعات التنموية ذات الأولوية وخفض مستوى المديونية العامة للدولة كأولوية مرحلية.

وقد حققت سلطنة عمان نتائج مثمرة ضمن هذه الأولوية منها ارتفاع النمو الاقتصادي ودعم قطاعات التنويع وخفض الدين العام الى حدود آمنة، وقد عبّر صاحب الجلالة - حفظه الله - عن ارتياحه للأداء المالي للبلاد خلال السنوات الماضية، وما تحقق من نتائج جيدة أسهمت بشكل واضح في تعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي، ورفع المؤشرات المالية والاقتصادية، والتصنيف الائتماني لسلطنة عُمان، وتحقيق بعض الفوائض المالية التي سيتم استغلالها لتحقيق عدد من الأولويات الاقتصادية والاجتماعية لتواصل سلطنة عمان المضي قدما في مسارات التنمية والاستدامة ودعم النمو الاقتصادي، وتعزيز الاستثمار في القطاعات الواعدة، وتنويع مصادر الدخل الوطني، من خلال زيادة الإيرادات غير النفطية؛ لضمان استدامة المالية العامة للدولة، وتحقيقا لأهداف وتطلعات "رؤية عُمان 2040".

مع تخطي سلطنة عمان مرحلة التحديات، مكنت النتائج الإيجابية التي تحققت على المستويين الاقتصادي والاجتماعي الحكومة من المضي في تنفيذ عدد من البرامج واستكمال العديد من المبادرات والمشاريع الاستراتيجية، وللحفاظ على ما تحقق من النتائج وإحراز المزيد، جاءت توجيهات جلالته - أبقاه الله - لكافة الجهات المعنية مؤكدة على بذل جهود مضاعفة ومتناغمة لتنفيذ الخطط والبرامج حسبما هو مقرر لها وتذليل التحديات التي تواجه تحقيقها، والتركيز على نمو قطاعات التنويع الاقتصادي والالتزام بتنفيذ ومتابعة ذلك لتحقيق مستهدفات الرؤية، بما يضع الاقتصاد الوطني في المسار الصحيح ويساهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي واستمرار خطط الحكومة للمحافظة على الاستقرار المالي والداعمة لتحقيق نسب النمو الاقتصادي المستهدف في الخطة الخمسية العاشرة.

حلول شاملة للتحديات

وبينما قادت التوجيهات السامية المشهد المالي والاقتصادي في سلطنة عمان للتحول نحو الاستقرار المالي وانطلاقة مبشرة في قطاعات التنويع، فقد أصبح ما حققته سلطنة عمان محلا للإشادة بفضل حكمة قائد البلاد وسداد رؤيته للتحديات وما يلزم من خطط وحلول شاملة وتوجهات واضحة وشفافة لتخطيها والتقدم إلى الأمام، وقد أشار النطق السامي إلى ملامح من مكامن القوة التي عززت نجاح سلطنة عمان في تذليل التحديات:” وإننا واثقون أنكم جميعا، تُدركون ما مرَرْنَا بهِ من تحدياتٍ، تعاملنا معها بحكمةٍ وصبرٍ، ومضينا قُدُماً في تنفيذِ خُطَطِنَا وبرامِجِنَا الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ، بتوفيقٍ من اللهِ سبحانه وتعالى، مُسترشدينَ بـ"رؤيةِ عُمان 2040"، فتحسَّنَ أَداؤنَا الاقتصاديُ والمالي، وبدأنا نُكْمِلُ لكم ومعكم طريقَ النماءِ والازدهار".

مكتسبات استراتيجية

في طريقها نحو الاستدامة، لم يكن النجاح والتحسن الذي حققته سلطنة عمان قاصرا على حسن استغلال عائدات النفط في سداد الدين وتحسن مؤشرات الوضع المالي وتحقيق نمو اقتصادي إيجابي، بل ربما الأهم هو امتلاك زمام القدرة والمبادرة في تنفيذ رؤيتها الاستراتيجية المستقبلية وخططها وبرامجها التنفيذية، وفي التعامل مع الأزمات وتحويلها إلى فرصة لتعزيز زخم النمو، كما كانت المكتسبات مهمة واستراتيجية في إرساء ركائز لاستدامة النمو وتقوية المركز المالي للدولة والسعي المستمر نحو تنويع مصادر الدخل وتحسين التصنيف الائتماني، ودعم نمو الأنشطة غير النفطية وتوسعة هيكل النمو الاقتصادي بالشراكات الإقليمية والدولية والروافد الجديدة التي تعزز استدامة النمو ومستهدفات الرفاه، وقد صاحب ذلك جهد متواصل لتحسين بيئة الاستثمار وجلب الاستثمارات الخاصة ودعم القطاع الخاص، والذي أكد جلالته - حفظه الله - على تقدير دوره في التنمية داعيا إياه لمضاعفة هذا الدور، مؤكدا على أن:" كل يد تبني عُمان، لها منا كل التقدير والامتنان".

الاستثمار ركيزة للتنويع

وفي سعيها لتحقيق طموحات رؤيتها المستقبلية، كثفت سلطنة عمان جهود تمكين القطاع الخاص وزيادة دوره كمحرك للنمو وتنشيط قطاعات التنويع وتوليد فرص العمل كمستهدفات أساسية لرؤية عمان المستقبلية، وكانت التوجهات السامية نحو رفع كفاءة الجهاز الإداري أحد مصادر الدعم المهمة لجهود جذب الاستثمارات الخاصة وتعزيز تنافسية سلطنة عمان ومكانتها كوجهة عالمية جاذبة للاستثمار، كما كان الدور مهما للعديد من البرامج الوطنية التي استهدفت التوسع في التنويع الاقتصادي وجلب الاستثمارات، وأبدت سلطنة عمان ترحيبا بالاستثمارات الجديدة خاصة في قطاعات التنويع وذات القيمة المضافة للاقتصاد وعززت جهودها لجلب وتشجيع وتسهيل الاستثمار، وقد أكد جلالته على أن "الاستثمار المحلي إحدى الركائز المهمة لتنويع مصادر الدخل الوطني، فبعد أن أطلقنا العديد من البرامجِ الوطنية، وهيأنا البيئة المساعدة، فإننا نحث على استثمار رؤوس الأموال محلياً، فأمامها فرص استثمار مجزية، في جميع المجالات، ونتطلع لأن تكون بلادنا وجهة استثمارية رائدة، لا سيما في المجالات التي تعزز توجهاتنا الرامية لتوسيع حجم اقتصادنا الوطني، وتنويع مصادِرِ الدخل، فبِلادنا -والحمد لله- تتمتع بمزايا تنافسية، وإمكانيات كبيرة، وفرص واعدة ينبغي استغلالها، وستسخر الحكومة ومؤسسات الدولة جميعا كافة جهودها وطاقاتها في تعاون وتكامل، يضمن توجيه التنمية إلى المحافظات وتعمل على تعزيز جاهزيتها للاستثمار، وتنمية دورها المحلي القائم على الميزة النسبية التي تمتاز بها كل محافظة، بما يخلق نماذج تنموية محلية، وستردف ذلك ثلة من مشاريع استراتيجية، تنفذها الحكومة، ضمن خططها الخمسية، فتتكامل حركة التنمية؛ لتشمل كل أرجاء وطننا العزيز".

متابعة برامج ومبادرات التنويع

في خطاباته السامية وخلال ترؤسه لاجتماعات مجلس الوزراء، حظي ملف التنويع والاستثمار بالاهتمام السامي وبالعديد من التوجيهات من لدن صاحب الجلالة من خلال متابعة الموقف التنفيذي للمبادرات والبرامج التي تعمل عليها الجهات المختلفة والجهود التي تبذلها الجهات المعنية لجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتنمية مصادر التنويع الاقتصادي، وتعزيز حجم الإيرادات غير النفطية في الناتج المحلي، وأكد صاحب الجلالة دائما على ضرورة العمل على تعزيز الاستثمار وتنويعه، وتبسيط وتسهيل الإجراءات المتعلقة به، والتصدي للتحديات التي تواجهه، بما ينعكس إيجابًا على ثقة المستثمرين ويعزز المؤشرات وتنافسية سلطنة عُمان في هذا المجال، كما وجه جلالته بالعمل على توجيه استثمارات جهاز الاستثمار في المجالات التي تحقق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، وتعزز تنويع الهياكل الإنتاجية، بما في ذلك زيادة المحتوى المحلي، وتوفر المزيد من فرص العمل للمواطنين، وقد شهدت الفترة الماضية تقدما في هذه الجوانب، ويتمثل التقدم بشكل أساسي في حجم المشروعات والاستثمارات الجديدة التي اجتذبتها سلطنة عمان والتوسع في طرح مبادرات وبرامج المحتوى المحلي، كما اعتمد مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير "السياسة الوطنية للمحتـوى المحلي ( 2024 - 2030 م)” التي تهدف إلى إيجـاد منظومـة وطنيـة تـتـولى تنظيم ومتابعـة المحتـوى المحلـي فـي جميـع القطاعات، وكانت توجيهات جلالته - أبقاه الله - بأهمية التركيز على كافة المستهدفات المراد تحقيقها منها، ومن أهمها توفير مزيد من فرص العمل للمواطنين، وتوطين الصناعات، وتطوير وتبنّي رواد الأعمال، وتشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة، وتقليل المشتريات الخارجية، ضمانا لزيادة فوائض الميزان التجاري للبلاد.

توسع منظومة التمويل

وفي إطار المبادرات الحكومية المتواصلة لتحقيق نمو اقتصادي متسارع ودعم أنشطة التنويع باستكمال منظومة التغطية التمويلية والاستثمارية، وجّه جلالة السلطان المعظم - أبقاه الله - بإطلاق (صندوق عُمان المستقبل) برأسمال يبلغ ملياري ريال عُماني، بهدف تعزيز النشاط الاقتصادي، وتشجيع القطاع الخاص للدخول في شراكات أو تمويل مشاريع الاستثمارات المجدية في قطاعات التنويع الاقتصادي التي تستهدفها "رؤية عُمان 2040"، موجها جلالته بتخصيص نسبة من رأسمال الصندوق لتحفيز منظومة الاستثمار الجريء في الشركات الصغيرة والمتوسطة والناشئة المسجلة في هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتستعد سلطنة عمان قريبا لبدء نشاط صندوق عمان المستقبل والذي ستكون مظلته التمويلية رافدا لدعم أنشطة ومشاريع القطاع الخاص والشركات الناشئة ورواد الأعمال في سلطنة عمان. ومن الجدير بالإشارة هنا، أن المرسوم السلطاني بتوحيد الاستثمارات الحكومية تحت مظلة جهاز الاستثمار العماني قاد لرفع كفاءة الاستثمارات الحكومية التي أصبحت تقوم بدور متزايد وفعّال سواء فيما يتعلق بدعم آفاق التنويع وزيادة مصادر الدخل للدولة وتوسعة دور القطاع الخاص.

أولويات البعد الاجتماعي

ولأن التنمية المستدامة لا تكتمل إلا بتحقيق كافة أبعادها الاقتصادية والاجتماعية، فقد ظلت أولويات البعد الاجتماعي وتحسين مستويات المعيشة في صدارة الاهتمام والرعاية السامية، ومثلما تسارعت جهود التنويع والاستقرار المالي، فقد حققت سلطنة عمان أيضا تقدما مستمرا في مستهدفات محور الإنسان والمجتمع ضمن "الرؤية المستقبلية 2040"، من خلال مبادرات وبرامج تعزز البعد الاجتماعي للتنمية، ورغم ما واجهته من تحديات، حافظت سلطنة عمان طوال السنوات الماضية على حجم الإنفاق على الخدمات الأساسية، وجاءت التوجيهات السامية بالعديد من برامج الدعم والتحفيز للقطاع الخاص ورواد الأعمال ومساندة الفئات المتأثرة إبان تفشي الجائحة، كما ارتفعت بشكل كبير مخصصات المساهمات والدعم ضمن الميزانية العامة للدولة، ووجّه جلالته بتخصيص جانب من عائدات النفط الإضافية لدعم الجوانب الاجتماعية وتحسين مستوى معيشة المواطن، وانتقلت جهود تعزيز التنمية المستدامة إلى تقدم لافت خلال هذا العام، ببدء سلطنة عمان تطبيق منظومتها الشاملة والمتقدمة للحماية الاجتماعية التي تغطي كافة العاملين في القطاعات الخاصة والحكومية وتقدم منافع نقدية للعديد من فئات المجتمع، ومما يجدر الإشارة إليه أن منظومة الحماية الاجتماعية كانت محل الاهتمام السامي منذ وقت مبكر، إذ وجّه جلالته بإعداد المنظومة قبل عامين، مؤكدا أنه:" لقد كان ولا يزال هدف استدامة قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المالية، أسمى أهداف هذه المرحلة، وأننا نشعر بالرضا تجاه التغيير الإيجابي لمسار الأداء المالي الذي تحسن كثيرا -ولله الحمد- وعززه أمرنا بالتوسع في سياسات التحفيز الاقتصادي، وبناء منظومة حماية اجتماعية توفر للمواطنين حياة كريمة، لتعطي هذا التحسن بعدا إنسانيا".

تطلعات طموحة نحو المستقبل

إن التنمية المستدامة هي حصاد التخطيط المنهجي المدروس ومتابعة التنفيذ، والحفاظ على ما تحقق بالتقدم باستمرار في تعزيز المكتسبات، وتحمل التوجيهات السامية الكثير من التطلعات الطموحة للفترة المقبلة نحو تحقيق كافة مستهدفات الرؤية المستقبلية، فالنظرة السامية تعلي من شأن البحث العلمي والتعليم، والاهتمام السامي حريص على مواكبة سلطنة عمان لكافة المتغيرات الإيجابية في العالم خاصة فيما يتعلق بالتقنيات، وأيضا أن تكون المساهمة فاعلة لسلطنة عمان في وصول العالم لأهداف التنمية المستدامة، خاصة ما يتعلق بالحد من الانبعاثات والحياد الصفري الكربوني، وضمن الجهود المتعلقة بتغير المناخ، والبحث عن مصادر للطاقة المتجددة النظيفة، وفي إطار سعي الحكومة المتواصل لتحقيق الحياد الصفري الكربوني، اعتمد صاحب الجلالة عام 2050 موعدًا للوصول للحياد الصفري؛ ووجه بالعمل على تسريع إجراءات قطاع الطاقة المتجددة، ووضع الأطر القانونية، والسياسات اللازمة لنموه، وتقديم الحوافز والتسهيلات لتشجيع الاستثمارات الأجنبية والصناعات المحلية، والعمل على توطين هذه التقنية، وقد شهدت سلطنة عمان تقدما كبيرا خلال الفترة الماضية في جذب الاستثمارات الجديدة لهذا القطاع الذي يعزز دورها الدولي في جهود خفض الانبعاثات كما يحقق لها مستهدفات مهمة على صعيد تنويع الدخل والاقتصاد وتوطين التقنيات. وضمن التطلعات الطموحة نحو مستقبل يقوم على تمكين الكفاءات الوطنية، فقد أكد جلالته على أن:”المؤسسات التعليمية، والمراكز البحثية والمعرفية بجميع مستوياتها، هي أساس البناء العلمي والمعرفي، ومستند التقدم التقني والصناعي”، موجها باستمرار نهج تمكين هذا القطاع، وربط مناهج التعليم بمتطلبات النمو الاقتصادي، وتعزيز الفرص لأبناء وبنات عمان متسلحين بمناهج التفكير العلمي وانفتاح على الآفاق الرحبة للعلوم والمعارف، وموجهين طاقاتهم المعرفية والذهنية إلى الإبداع والابتكار والتطوير؛ ليصبحوا أسسا للاستثمار الحقيقي وقادة للتطوير الاقتصادي، كما جاءت توجيهات جلالته بمواكبة التطورات العالمية المتسارعة للتقنيات المتقدمة وتطبيقاتها، ومنها تطبيقات الذكاء الاصطناعي، لتفتح آفاقا جديدة لاقتصاد المستقبل والتنويع الاقتصادي والتقدم إلى مصاف الدول المتقدمة بما توفره هذه التقنيات من فرص لتحسين الإنتاجية والكفاءة في مجموعة واسعة من القطاعات، ودورها في تنويع مصادر الدخل القائم على أساس التقنية والمعرفة والابتكار؛ وقد أكد جلالته:” فإننا عازمون على جعل الاقتصاد الرقمي أولوية ورافدًا للاقتصاد الوطني، كما وجهنا بضرورة إعداد برنامجٍ وطني لتنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي وتوطينها، مع الإسراع في إعداد التشريعات التي ستسهم في جعل هذه التقنيات كأحد الممكنات والمحفزات الأساسية لهذه القطاعات".

وتتسع حدود الطموحات والتطلعات في ظل الرؤية السديدة والقيادة الحكيمة لصاحب الجلالة - حفظه الله - والتي ترسي ملامح الدولة العصرية في سلطنة عمان وتضع الإنسان محور اهتمامها، والإرث التاريخي العريق ودور عمان الحضاري والإنساني كأساس متين للتنمية التي تشمل كافة ربوع السلطنة على اتساع رقعتها الجغرافية لتصل منجزاتها لكل أسرة ولكل مواطن حيثما كان على هذه الأرض الطيبة وترسخ قواعد دولة المؤسسات والقانون، وقد أكد جلالته

على أنه "من أجل صون مكتسباتنا، وما تحقق على هذه الأرض الطيبة من إنجازات نشهد لها جميعا، ومن أجل بناء مستقبل زاهر لأبنائنا الأوفياء في كل شبر من هذا الوطن، فإننا لن نتوانى عن بذل كل ما هو متاح لتحقيق ذلك".

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الجهاز الإداری للدولة التنویع الاقتصادی الرؤیة المستقبلیة التوجیهات السامیة التنمیة المستدامة الاستقرار المالی عمان المستقبلیة النمو الاقتصادی الأداء الحکومی عمان المستقبل العامة للدولة نحو الاستدامة فی سلطنة عمان صاحب الجلالة القطاع الخاص الوضع المالی جلالته على من البرامج التی تحقق العمل على رؤیة عمان حفظه الله لسلطنة ع ه جلالته کما وجه عمان 2040 ما تحقق من خلال رؤیة ع ه الله من أجل على أن

إقرأ أيضاً:

منظومة الطفولة المبكرة .. استثمار اجتماعي لمستقبل الأجيال

- خدمات تنمية الطفولة المبكرة تقدم في مكان جغرافي واحد بطريقة تكاملية

- تجويد الخدمات الرعائية والصحية والتعليمية بمعايير ومنهجيات معتمدة دوليا

- التحاق 8706 أطفال بـ355 حضانة حتى منتصف العام الحالي

تركز استراتيجية وزارة التنمية الاجتماعية على وضع تنمية الطفولة المبكرة المتكاملة كأولوية على الأجندة الوطنية من خلال تأسيس مراكز تنمية الطفولة المبكرة في جمعيات المرأة العمانية ومؤسسات المجتمع الأخرى للتأكد من النمو الذهني لأطفال سلطنة عُمان بشكل متساو في سنوات العمر الأولى، وتحسين مخرجات الصحة والتعليم والسلوك، وإدراكا لأهمية مرحلة الطفولة المبكرة في تكوين شخصية الطفل والأثر الذي تتركه برامج التنمية على نمو الطفل ومستقبل الأجيال القادمة، وتعمل سلطنة عمان من خلال خططها الخمسية للتنمية على وضع البرامج والمشاريع والأنشطة المتعلقة بتلبية احتياجات فئة الأطفال باعتبارها حقوقا ينبغي تنفيذها من قبل الدولة والأسرة معا، وقد اضطلعت وزارة التنمية الاجتماعية بالتعاون مع الجهات الأخرى بأدوار أساسية في مجال تربية الطفل بالإضافة إلى الدور الأساسي في حماية وتنمية الأسرة.

وتولي استراتيجية العمل الاجتماعي (2016-2025) التي تنفذها الوزارة مزيدا من الاهتمام بتنمية الأسرة والمجتمع، معتبرة تنمية الطفولة المبكرة المتكاملة أولوية وطنية مدعومة بالتزام حكومي وموارد خاصة وآليات للتنسيق عبر القطاعات، ويتم العمل على مشروع مراكز تنمية الطفولة المبكرة المتكاملة بهدف تقديم خدمات الطفولة المبكرة في مكان جغرافي واحد بطريقة تكاملية بين مختلف القطاعات، بما يحقق تجويد الخدمات الرعائية والصحية والتعليمية المقدمة للأطفال بمعايير ومنهجيات معتمدة دوليا، وتسهم في رفع الوعي العام بأهمية تنمية الطفولة المبكرة، وتحقيق مفاهيم التدخل المبكر، إلى جانب دعم الذكاءات المتعددة في المراحل المبكرة، ويستهدف المشروع توسيع الفئات المستفيدة من هذه الخدمات بما يدعم فئة الأطفال كافة وبالأخص الأطفال من ذوي الدخل المحدود؛ وفقا لتوزيعها اللامركزي في مختلف المحافظات.

الرقي بالخدمات

وقد أولت سلطنة عمان اهتماما كبيرا بتنمية الطفولة المبكرة في مختلف القطاعات المرتبطة بهذه الفئة المهمة من المجتمع خاصة ما يتعلق بالجوانب الاجتماعية والصحية والتعليمية والثقافية إيمانا منها بأهمية الاستثمار في هذه الفئة من المجتمع التي ستكون مستقبلا إحدى الدعائم الأساسية لبنائه، وقد تم إصدار التشريعات والقوانين وإعداد الخطط والسياسات الرامية إلى الرقي بجودة الخدمات المقدمة في هذا المجال.

وقد كفلت التشريعات والقوانين المعمول بها في سلطنة عمان إتاحة التعليم وإلزاميته لجميع الأطفال حتى إتمام مرحلة التعليم الأساسي كما أولت اهتماما بمرحلة التعليم ما قبل الأساسي ويعتبر قانون الطفل الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 2014/22 إنجازا رائدا يضاف إلى رصيد سلطنة عمان في مجال رعايتها واهتمامها بالطفل، وقد تضمن القانون 13 فصلا، و79 مادة تحدد إطارا قانونيا لحقوق الطفل وتلقي الضوء على ضرورة توفير الظروف المناسبة لتنشئة الأطفال وإعطائهم الأولوية في جميع القرارات والإجراءات، حيث أكدت المادة 30 من الحقوق الاجتماعية "أن للطفل دون سن التعليم ما قبل الأساسي الحق في الانتفاع بخدمات دور الحضانة التي هو مؤهل للالتحاق بها" واضطلعت وزارة التنمية الاجتماعية بالتعاون مع الجهات الأخرى بأدوار أساسية في جانب تربية الطفل بالإضافة إلى الدور الأساسي في حماية وتنمية الأسرة. وعليه عملت على تأسيس دائرة شؤون الطفل في المديرية العامة لشؤون المرأة والطفل عام 1985م. وفي عام 1986م تم تأسيس أول حضانة في سلطنة عمان.

وفي هذا السياق أثمر إعداد استراتيجية العمل الاجتماعي والاستراتيجية الوطنية للطفولة إلى تطوير آلية العمل الاجتماعي بعد مسيرة (45 عاما) من عمل هذه الوزارة لمواكبة الثورة التكنولوجية والمعلومات المتسارعة، ولمواجهة التحديات والتطورات الدولية، فقد أكدت الاستراتيجيتان على أهمية الأسرة في صدارة العمل الاجتماعي، وعلى أن الأطفال هم أمل المستقبل، ولذا فإن تعزيز دور الأسرة والحفاظ على تماسكها والعمل على رعاية الأطفال ورفاهيتهم وإعدادهم للمستقبل يحتلان الأولوية في التوجهات الاستراتيجية للحكومة، وفي الخطط التنموية والبرامج التي تنفذها الوزارات والجهات ذات العلاقة ومنها وزارة التنمية الاجتماعية وهذا الأمر حتم على وزارة التنمية الاجتماعية وشركائها، إعادة تقييم ومراجعة برامجها الموجهة للأسرة والطفل. ومن هنا جاء تنفيذ مشروع النهوض بأوضاع دور الحضانة الذي يتم تنفيذه بالشراكة مع برنامج الخليج العربي للتنمية (أجفند).

ويعد تنفيذ مشروع النهوض بأوضاع دور الحضانة، من أبرز المشاريع والبرامج المنفذة في مجال رعاية الطفولة وإعداد دليل المعايير الوطنية لدور الحضانة وتصنيفها في سلطنة عُمان، والتدريب على دليل المعايير الوطنية لدور الحضانة بمشاركة 57 مشاركا من وزارة التنمية الاجتماعية و337 مشاركا من ممثلي دور الحضانة، والتدريب على دليل الرعاية الصحية مستهدفا العاملات بمؤسسات دور الحضانة من مشرفات ومربيات الأطفال. كما تم إعداد تصور عام حول مراكز تنمية الطفولة المبكرة وتنفيذ حلقات العمل التخصصية متعددة القطاعات وتنفيذ الزيارات الاستطلاعية للمدارس الأجنبية، ومناقشة التقرير الوطني عن حقوق الطفل أمام اللجنة الدولية المختصة واستلام الملاحظات ومناقشتها مع الجهات المختصة في سلطنة عمان، وتنفيذ البرنامج التدريبي حول اتفاقية حقوق الطفل والبرتوكولين الاختياريين الملحقين بها بمشاركة أصحاب الفضيلة القضاة، وأعضاء الادعاء العام والمسؤولين وأصحاب العلاقة بمجال متابعة تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل، ولجان حماية الطفل ومندوبي الحماية.

توسع كمي ونوعي

وإدراكا من سلطنة عمان بأهمية مرحلة الطفولة المبكرة في تكوين شخصية الطفل والإنسان. وللأثر الذي تتركه برامج التنمية على نماء الطفل ومستقبل الأجيال القادمة، فقد عملت الجهات على وضع برامج ومشاريع تستهدف الأطفال وهناك توسع كمي ونوعي في إنشاء دور الحضانة، حيث نظمت اللائحة التنظيمية التي صدرت بموجب القرار الوزاري رقم 19 / 80 شروط وإجراءات إنشاء دور الحضانة، وتقدم "دور الحضانة" وهي مؤسسات اجتماعية تشرف عليها الوزارة خدمات اجتماعية وتربوية وثقافية للأطفال من سن ستة أشهر إلى ثلاث سنوات ونصف، ويتم متابعة هذه الحضانات من قبل الوزارة؛ للتأكد من التزامها باللوائح والقوانين المنظمة لذلك وتصحيح مسارها في حال الإخلال بعملها، وقد بلغ عدد الحضانات حتى نهاية النصف الأول لعام 2024م 355 حضانة، وعدد الأطفال الملتحقين بها 8706 أطفال منهم 4650 ذكورا و4056 إناثا.

وكان من جملة الاهتمام بقطاع الطفولة في السلطنة تطوير دور الحضانة وتحسين جودتها بوضع معايير وطنية شاملة تنظم عملها وترخيصها، وتمهد لتصنيفها. فدور الحضانة - بوصفها إحدى أهم مؤسسات تنشئة الطفل في سلطنة عمان - تعد مكانا يخصص لاستقبال الأطفال في سن مبكرة، وتقديم خدمات الرعاية والعناية بهم، وتلبية احتياجاتهم، وتعمل على تطوير نموهم وتعلمهم. ونتيجة لذلك فقد تم العمل على تطوير معايير وطنية شاملة لدور الحضانة تضمن جودة ما تقوم به تلك المؤسسات من خدمات، ويعكس توجهات إدارة مؤسسات دور الحضانة ومساعدتها على النهوض بدورها، وتوفير أفضل الفرص التربوية والصحية والاجتماعية لتنشئة ورعاية الأطفال الصغار وابتدأ مشروع النهوض بأوضاع دور الحضانة بإعداد الدراسة التقييمية حول أوضاع دور الحضانة في سلطنة عمان بهدف الوقوف على أوضاعها واحتياجاتها، ومدى فاعليتها ومطابقتها للمعايير المنصوص عليها في اللائحة الخاصة بإنشاء دور الحضانة وانسجامها مع المعايير التنظيمية. وبعد إنجاز الدراسة، بدأت الخطوة التالية من البرنامج وهي وضع دليل المعايير الوطنية لدور الحضانة وتصنيفها في سلطنة عمان بهدف إرشاد المعنيين والقائمين والمختصين في هذه الدور على المعايير التي ينبغي ضمان توافرها في دور الحضانة في سلطنة عمان وتأمل وزارة التنمية الاجتماعية أن تسهم هذه المعايير في تجويد أوضاع مؤسسات دور الحضانة القائمة، وبالتالي وضع أسس لجودة المؤسسات التي سيتم إنشاؤها لاحقا، بهدف إرساء مخرجات تربوية واعدة تساعد مؤسسة الأسرة في تنشئة الأبناء تنشئة صالحة. ويتم تصنيف الحضانات بناء على مدى التزامها بهذه المعايير إلى خمس فئات رئيسية حيث إن توافر معايير وطنية لجودة دور الحضانة سيتيح الفرص لمساعدة دور الحضانة على معرفة الجوانب التي تساعد في تطويرها وتصويب أوضاعها، وبالتالي العمل على الوفاء بالالتزام بتلك المعايير.

وتمنح وزارة التنمية الاجتماعية الفرصة لاتخاذ القرار اللازم تجاه تلك الحضانات سواء في الاستمرار بتقديم الخدمة أو متابعة تطويرها، أو سحب الترخيص منها. وبالتالي إلغاؤها، كما أن وجود تلك المعايير من شأنه أن يمنح الأسر مساحة واسعة لاختيار دار الحضانة التي تلائم أطفالهم وتحقق احتياجاتهم.

مقالات مشابهة

  • سفارات سلطنة عمان تواصل الاحتفال بالعيد الوطني
  • ولايات سلطنة عمان تواصل احتفالاتها بالعيد الوطني الـ 54 المجيد
  • «OL-1» عينٌ من الفضاء على سلطنة عمان
  • منظومة الطفولة المبكرة .. استثمار اجتماعي لمستقبل الأجيال
  • سفير سلطنة عمان في القاهرة: مصر لم تتأخر يومًا عن دعم القضية الفلسطينية
  • سفير سلطنة عمان يناشد العالم وقف الحرب في غزة
  • سفير سلطنة عمان: مصر لم تتأخر يومًا عن دعم القضية الفلسطينية
  • سفير سلطنة عمان: متفائل بزيادة التعاون الاقتصادي مع مصر الفترة المقبلة
  • " إمداد" الإماراتية تتوسع في سلطنة عمان بالشراكة مع "أوريس"
  • نهاية الأمل للسودانيين في سلطنة عمان