«على عينك يا تاجر»، في رحلة البحث عن نقطة نور مبهجة على أرض عروس البحر الأبيض مدينة الفن والفكر والجمال كان اللقاء مع عرض مسرحي مميز لشباب سكندرى يملك قدر كافٍ من الموهبه والجرأه كي يقدموا عرض متكامل لمدة ساعتين علي خشبة المسرح رغم ندرة الإمكانيات وعدم الإستمرار فى العرض لأكثر من ليلة واحده كعادة العروض الشبابية التى تحاول أن تحافظ على بقاء هذا الفن المصرى العريق قبل أن يندثر ويصبح ذكرى.
رغم أنه عرض تجارى لليلة واحدة إلا أن العرض تميز بالنظام والإنضباط، فلا خروج عن النص، ولا اخطاء فى الاداء بشكل يوحى للمتفرج بأن هؤلاء الممثلين قد تم تدريبهم جيدًا وتأهيلهم نفسيًا كي يواجهوا جمهور كثيف ملأ جنبات المسرح، ديكور بسيط ولكنه معبر وأداء جيد للمسئولين عن الصوت و الموسيقي و ملابس العرض، رواية درامية تجسد الصراع الأزلي بين الخير والشر، وتحكى عن معاناة الإنسان مع ظروف قاسيه قد تدفعه للهروب من الواقع حتي يصل فى نهاية العرض إلى سر الحياة وغايتها وهو مواجهة تلك الظروف بكل قوة ليؤكد أن الإنسان هو أقوى مخلوقات الله مهما ضاقت به الدنيا وأحوالها.
أجاد المخرج الموهوب "مجدى توفيق" توظيف إمكانيات أغلب الممثلين كبار وصغار بشكل رائع يعيد للأذهان حالة رواج تلك الفرق المسرحية "المنضبطه" فى أزمان سبقت، فلا عشوائية فى الأداء، ولا إسفاف او إسقاطات تُخرج العرض عن الهدف منه، كان الكل على قدر العمل بدون إستثناء مع إجاده فى التمثيل للمثلين الأكبر سنا بشكل يجعلنا نتسائل من جديد: لماذا لا نرى هؤلاء كثيرًا ولماذا لا يحصلون على فرصتهم الكاملة بقدر موهبتهم التي تفوق ربما كثيرًا من مشاهير فرضتهم الميديا علينا دون أدنى موهبة؟
فى النهاية نكرر ما كتبناه كثيرًا عن ضرورة بل وحتمية دعم وإحتضان تلك الفرق الشبابية الواعدة حتى تستطيع البقاء وتقديم فن راقٍ يواجه ما نتعرض له من غزو فكرى وفني عبر الإنترنت ووسائل الميديا، أمنحوا هؤلاء الشباب وأمثالهم الفرص والدعم وإفتحوا لهم مسارح الدولة المغلقة حتى يعرضوا إبداعهم ويطوروه لتعود الأسكندرية كما كانت يومًا "بلد الفن والمسرح والابداع". شكرًا لكل من شارك فى هذا العمل "المنضبط" فقد جعلتمونا من جديد نكتب ونقول " فيها حاجه حلوة "
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: مقالات
إقرأ أيضاً:
التوزيع الوظيفي.. بين الواقع والاعتبارات الإنسانية
عباس المسكري
مهنة التعليم والتمريض ليست مجرد وظائف، بل هي رسائل حياة تُكتب بأيدي أولئك الذين يكرسون أرواحهم لخدمة الآخرين، إنهم المعلمون والممرضون الذين يقفون في الصفوف الأمامية، ليزرعوا الأمل في عيون الأجيال ويهدوا العناية لمن هم في أمس الحاجة إليها.
وهذه المهن تتجاوز كونها وظائف يومية، فهي لبنة أساسية في بناء المجتمعات؛ فالعقول تُصاغ والكفاءات تُبنى على أيدي هؤلاء الأبطال الذين يضعون علمهم وحبهم في خدمة الإنسان، ومع ذلك، لا بد من أن يُحاط هؤلاء الكوادر بالعناية والدعم، بدءًا من لحظة تعيينهم، ليحظوا بالاستقرار النفسي والإجتماعي الذي يعزز قدرتهم على العطاء المتواصل، فتُثمر جهودهم وتظل بصماتهم حاضرة في كل زاوية من زوايا المجتمع.
في قلب كل قرار إداري، هناك إنسانٌ يعيش تحديات قد تكون أكبر من مجرد إنتقال جغرافي، في واقع الحال، يُعيّن العديد من المعلمين والممرضين في أماكن نائية، على بُعد مئات الكيلومترات عن موطنهم، رغم وجود شواغر في مناطقهم أو تلك القريبة منها، فليس مجرد تحديد مكان العمل هو ما يحكم حياة هؤلاء، بل التحديات النفسية والإجتماعية التي يتعرضون لها، فالموظف الذي يُجبر على ترك أسرته، خصوصًا في حالات العناية بالوالدين المسنين أو تربية الأطفال الصغار، يصبح في صراع مستمر بين إلتزامه الوظيفي ومسؤولياته الأسرية، وفي هذا التباعد بين الواجبين، يتشكل عبء لا يمكن تحمله بسهولة، إذ يمتد الشعور بالوحدة والقلق ليُحاصر الموظف، مما ينعكس سلبًا على أدائه وجودة العطاء الذي يقدم.
وتظل الغُربة القسرية عن الأهل، ذلك الشعور الذي يثقل قلب الموظف، ويجعل روحه تتيه بين أبعاد العمل وحنين الوطن، وما أن تبتعد المسافة بينه وبين من يحب، حتى يصبح القلق رفيقًا دائمًا، يعبث بصفو عقله ويشوش على نقاء قلبه، وهذا التشتت النفسي لا يمر دون أثر، فهو يخلق فراغًا في داخله، يتراءى له كظلال داكنة تحجب ضوء شغفه، فتتضاءل همته، وتتراجع رغبة العطاء، ومن هنا، قد يكون لهذا العبء الثقيل أن يفتك بجودة العمل، بل يصل ببعضهم إلى حدود فقدان الأمل والإنسحاب من الميدان، رغم أن فؤادهم مليء بعشق المهنة ورغبة صادقة في تقديم كل ما هو نافع ومؤثر.
تبدو هذه القضية، للوهلة الأولى، مسألة إدارية بحتة، لكنها في حقيقتها تتجاوز الأرقام والجداول إلى أعماق إنسانية وإجتماعية لا يمكن إغفالها، فالموظف ليس مجرد إسم في كشف توزيع، بل هو إنسان يحمل بين جنباته آمالًا وأحلامًا، ويدير حياة مليئة بالتحديات والتضحيات، إنه لا يعيش في معزل عن محيطه، بل ينتمي إلى أسرة وأرض وأحبة، يواجه مسؤولياتهم وتطلعاتهم، وإن هذه الأبعاد الإنسانية يجب أن تكون جزءًا لا يتجزأ من قرارات صُنّاع القرار، إذ لا يمكننا النظر إلى الموظف كقطعة من آلة العمل، بل يجب أن نراه كعنصر حي ينبض بالحب والواجب، ويستحق كل الإهتمام والرعاية التي تضمن له التوازن بين واجبه المهني وأسرته.
ومن هنا، نتوجه بقلوب مملوءة بالثقة والتقدير إلى أصحاب القرار، نناشدهم برحابة صدرهم وسمو نظرتهم أن يُدرجوا البُعد الإنساني ضمن إعتبارات التوزيع الوظيفي، فالموظف ليس آلة إنتاج، بل روح تُثمر حين تزرع في بيئة قريبة من أهلها، آمنة في حضن أسرتها، وإن تمركز الموظف في محيطه الجغرافي لا يُسهم فقط في إستقراره النفسي والإجتماعي، بل يُعزز إحساسه بالإنتماء، ويضاعف من جودة عطائه، ويقوي أواصر العلاقة بينه وبين المجتمع الذي يخدمه.
إن مراعاة الظروف الإنسانية في التوزيع الوظيفي للمعلمين والممرضين ليس مطلبًا إداريًا فحسب، بل استثمار في مستقبل المجتمع ، فاستقرارهم النفسي والاجتماعي يُترجم إلى عقول مُبدعة وأيادٍ حانية تُشكل أجيالًا وتُعافي أرواحًا، لذا ندعو إلى سياسات تُحقق هذا التوازن، ليظل هؤلاء الأبطال شعلة تنير دروب التقدم الوطني.