"القمة الدولية للأمن الصحي" تفعيل سبل التضامن الدولي للوقاية من الفيروسات ومواجهتها
تاريخ النشر: 10th, January 2024 GMT
تحظى قضية التعاون الدولي لمكافحة الفيروسات بشتى أنواعها، وتقوية هيكل الأمن الصحي العالمي للوقاية الفعالة من الأمراض المعدية، بحيز واسع من اهتمامات الهيئات الدولية الصحية والأنظمة الوطنية، وذلك بهدف كشفها المبكر ومكافحتها والاستجابة السريعة لها من خلال الأنظمة والسياسات المعززة.
ويتوقع أن يناقش خبراء الصحة الدوليون في القمة الدولية للأمن الصحي التي تستضيفها باكستان بدءا من اليوم وحتى غد الخميس كيفية حماية العالم من الأمراض والفيروسات وآلياتها المناسبة.
وأشار الدكتور نديم جان وزير الصحة الباكستاني المؤقت إلى ترتيب الاستراتيجية الشاملة لمواجهة الأمراض الخطيرة في العالم، إذ إن المشاكل المتعلقة بصحة الناس هي المشاكل الحقيقية، مشيرا إلى أن هذا المؤتمر لا علاقة له بالسياسة أو الذكاء الاصطناعي، بل يتعلق بالصحة الإنسانية.
وكانت منظمة الصحة العالمية والمفوضية الأوروبية قد أطلقتا مبادرة صحية رقمية لتعزيز الأمن الصحي العالمي في الخامس من يونيو 2023، بهدف تسهيل التنقل العالمي وحماية الناس في جميع أنحاء العالم من التهديدات الصحية الحالية والمستقبلية بما في ذلك الأوبئة، من خلال تطوير مجموعة واسعة من المنتجات الرقمية لتبادل البيانات بين دول العالم من أجل صحة أفضل للجميع.
وأمام الاجتماع السابع لهيئة التفاوض الحكومية الدولية الذي انعقد في 8 نوفمبر 2023 في جنيف بسويسرا، أوضح مدير عام منظمة الصحة العالمية الدكتور تيدروس أدهانوم أن هذه المنتجات الصحية الرقمية الجديدة قيد التطوير، وتهدف إلى مساعدة الناس لتلقي خدمات صحية عالية الجودة وبسرعة وفعالية أكبر، مؤكدا أن أي اتفاق بشأن الجوائح يفشل في ضمان الأمن الجماعي والمساواة بجميع أشكاله، يكون مصيره الفشل.
ومن هنا جاءت فكرة الأمن الصحي العالمي لتفعيل أساليب التضامن الدولي العابر للحدود، لتلافي الأخطاء الكارثية والتي ظهرت بشكل كبير في مرحلة جائحة كورونا، والذي اتسمت الاستجابة لتداعياتها الوخيمة بضيق أفق التفكير القومي بحسب ما وصفته منظمة اليونيسيف.
وقد أودى الوباء بحياة أكثر من ستة ملايين شخص، بالإضافة إلى إصابة ما لا يقل عن 100 مليون بكوفيد طويل الأمد، وبدلا من التنسيق الدولي لمواجهة آثار الفيروس عالميا، توجهت معظم الدول الكبرى للتخفيف من تأثيره داخل حدودها.
وخلفت /كورونا/ تداعيات كارثية على الصعد الاقتصادية والاجتماعية، ما دفع العديد من الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة إلى دق ناقوس الخطر، حيث أعلنت عن أرقام مخيفة لارتفاع نسب الفقر والبطالة والتضخم وتدني مستوى النمو الاقتصادي العالمي نتيجة تدابير الإغلاق والحجر الصحي، فقد أشار صندوق النقد الدولي إلى أن الاقتصاد العالمي شهد انكماشا حادا بواقع (-3 بالمائة) في عام 2020. كما جاء في تقرير منظمة العمل الدولية أن نحو 3.3 مليار عامل تأثروا من تدابير الإغلاق الكلي أو الجزئي لأماكن العمل، ومثل هؤلاء حوالي 81 بالمائة من القوة العاملة العالمية.
وليست كورونا وحدها من أشغل العالم، فثمة أمراض وفيروسات مثل H1N1 وH5N1 ومتلازمة الاتهاب الرئوي الحاد /سارس/ والأمراض الإقليمية مثل الحمى الصفراء والكولير أو حمى الضنك والحصبة، شكلت تحديات بارزة للمنظمات الصحية العالمية على مدى العقود الثلاثة الماضية، ويكفي أن نعلم أن أكثر من 175 ألف شخص أصيبوا بفيروس (زيكا) في قارة أمريكا اللاتينية بين عامي 2015 و2016 بسبب انتشار البعوض، كما وصف فيروس جدري القرود منتصف عام 2022 بأنه حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقا دوليا، فضلا عن ذلك وثقت حالات لفيروس شلل الأطفال المشتق من اللقاح في أكثر من 30 دولة.
وترتكز محاور الأمن الصحي على كيفية الاستجابة للكوارث ومخاطر الأمراض المعدية والأوبئة، والتهديدات النووية والحيوية والكيميائية، والتأهب للكوارث ومجابهتها، وإدارة المخاطر التي تهدد صحة وأمن البشرية، وآثار الحروب على الأمن الصحي، والآليات التشريعية والتنظيمية الخاصة بالأمن الصحي.
وفي هذا الإطار يدعو الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر إلى العمل المجتمعي لتعزيز الصمود وتقليل المخاطر وتحسين التأهب للكوارث والأزمات، مثل الأخطار الطبيعية أو الأوبئة أو الحوادث التكنولوجية أو ترحال السكان، فهناك أهمية محورية لنهج التصدي للأخطار المتعددة في إدارة المخاطر التي أصبحت أكثر تكرارا وشدة بسبب تغير المناخ والتوسع الحضري والأمراض المعدية المستجدة والتي تعاود الظهور.
وقد أظهرت نتائج مؤشر الأمن الصحي العالمي لعام 2021، الذي يقيم الأمن الصحي لـ195 دولة وقدراتها، وفق 6 فئات و37 مؤشرا، أن معظم الدول ما زالت غير مهيأة للأوبئة، ووصل متوسط الدرجة العالمية في جميع الدول إلى 38.9 من أصل 100، ولم تسجل دولة واحدة ضمن الطبقة العليا (أي الحد الأقصى للاستعداد والتأهب لمواجهة الأوبئة).
وأضاف التقرير أن نقاط الضعف طويلة الأمد في هندسة الأمن الصحي الإقليمي حول العالم، باتت واضحة من خلال جائحة كورونا.
وضمن القائمة، تصدرت دولة قطر التصنيف على المستوى العربي من حيث الاستعداد، بمجموع نقاط بلغ 48.7، تليها السعودية (بمجموع 44.9)، ثم الأردن (44.6 نقطة). وفي المقابل وقعت الصومال في ذيل القائمة بمجموع نقاط بلغ 16 نقطة من أصل 100، لتحتل المرتبة الـ195 في المؤشر.
وقد أولت دولة قطر اهتماما بالغا بأمنها الصحي من خلال نظم وتشريعات قانونية وعملية تعزز قدرتها على مواجهة المتغيرات والمخاطر الصحية، مؤكدة وقوفها بثبات في التزامها بالوقاية من الأوبئة والتأهب لها والاستجابة لها، بما يتماشى بشكل وثيق مع ركيزة التنمية البشرية في رؤية قطر الوطنية 2030. حيث تدور رؤية الدولة حول رعاية سكان أصحاء، بدنيا ونفسيا، من خلال رؤية متعددة القطاعات.
وقد نظمت دولة قطر اجتماعا وزاريا لمجموعة "أصدقاء التضامن من أجل الأمن الصحي العالمي"، وذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في 22 سبتمبر 2023، تحت عنوان "النهوض بالهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة: الصحة الجيدة والرفاهية في جدول أعمال الصحة العالمية وتحديد مكانة أفضل للأمن الصحي لقمة المستقبل والاجتماع الرفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن مقاومة مضادات الميكروبات في عام 2024".
وقالت سعادة الدكتورة حنان محمد الكواري وزير الصحة العامة في كلمتها خلال الاجتماع الوزاري إن هذا التجمع يمثل بالنسبة لنا لحظة محورية للتعمق في الاستراتيجيات الرامية إلى زيادة رفع مستوى الأمن الصحي العالمي والرفاه، لا سيما في سياق مؤتمر القمة المعني بالمستقبل، واجتماع الأمم المتحدة الرفيع المستوى حول مقاومة مضادات الميكروبات، إلى جانب المبادرات الأخرى الهامة رفيعة المستوى، مؤكدة أن هذا التوقيت هو المناسب لاستعراض نتائج الاجتماع الرفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الوقاية من الأوبئة والتأهب والاستجابة لها وحشد الزخم السياسي الناتج عنه".
وأشارت سعادتها إلى أنه في ظل القيادة الرشيدة، شهد قطاع الرعاية الصحية في دولة قطر نموا ملحوظا وحداثة غير مسبوقة على مدار العقد الماضي، ويمتد هذا التغيير إلى الخدمات الطبية الطارئة، كما تمثل في افتتاح أكبر مركز لعلاج الإصابات والطوارئ في المنطقة في عام 2019، كما تم التركيز بشكل كبير على تنمية القوى العاملة ذات المهارات العالية في مجال الرعاية الصحية، وضمان تقديم رعاية عالية الجودة لسكان قطر. فدولة قطر تعتبر رائدة في رؤية "الصحة للجميع"، والتي تؤكد على سهولة الوصول إلى الخدمات الطبية عالية الجودة، إضافة إلى خلق بيئة مواتية للصحة الجيدة، بما في ذلك نهج الاستدامة.
وأضافت سعادتها أن دولة قطر تفخر بكونها أول دولة تحصل على اعتراف منظمة الصحة العالمية لجميع بلدياتها بأنها "مدن صحية"، وحصلت على مرتبة عالية في مؤشر التغطية الصحية الشاملة، مما يؤكد التزام قطر الثابت بتوفير الوصول إلى الخدمات الصحية الجيدة، وتعزيز رفاه المجتمع، والحماية من أزمات الصحة العامة، كما حظيت إنجازات الرعاية الصحية في قطر بإشادة عالمية في عام 2022، حيث تم إدراج خمسة مستشفيات ضمن أفضل 250 مركزا طبيا أكاديميا في جميع أنحاء العالم ومستشفيين من بين أفضل 100 مستشفى بالإضافة إلى ذلك، فإن انتخاب قطر لعضوية المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية لمدة ثلاث سنوات واستلام جائزة منظمة الصحة العالمية لليوم العالمي للامتناع عن التدخين في عام 2022 يؤكد من جديد الالتزام بالصحة العالمية.
وأوضحت أن الاستثمارات الكبيرة في الرعاية الصحية والتأهب والنهج العلمي، جنبا إلى جنب مع التدابير الشاملة، قادت دولة قطر إلى الحفاظ على أحد أدنى معدلات الوفيات الناجمة عن كوفيد-19 في العالم، ومعدلات التطعيم المرتفعة، والمساهمات القيمة في الفهم العالمي لكوفيد-19، مشيرة إلى أنه وبينما تستعد للأمراض المرتبطة بتغير المناخ، تتخذ دولة قطر خطوات استباقية من خلال القيادة، وخطط التأهب الوطنية، والوصول على نطاق واسع إلى الفحوصات واللقاحات والعلاج.
وأكدت سعادتها أن دعم دولة قطر كان ثابتا في التخفيف من تأثير الوباء، لا سيما على المجتمعات المهمشة والمحرومة، ومن خلال صندوق قطر للتنمية، قدمت قطر المساعدات الإنسانية والموارد إلى بلدان في جميع أنحاء العالم، والتي تجاوزت 140 مليون دولار، كما تفخر دولة قطر بتعاونها الوثيق وشراكتها مع منظمة الصحة العالمية، داعية إلى أن تكون منظمة الصحة العالمية قوية، بما في ذلك زيادة المساهمات المقررة.
وتم خلال الاجتماع الوزاري التركيز على آثار جائحة (كوفيد-19) على مسار تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، كما تم استعراض ضعف الأمن الصحي العالمي وأهمية النظم الصحية المرنة والتغطية الصحية الشاملة، والحاجة الملحة إلى آليات عالمية فعالة للتأهب والوقاية. ومثل هذا الحدث الوزاري إسهاما لـ"قمة الأمم المتحدة للمستقبل" التي ستعقد في شهر سبتمبر عام 2024 من خلال الحوار والتعاون وتبادل المعرفة.
المصدر: العرب القطرية
كلمات دلالية: الأمراض المعدية منظمة الصحة العالمیة الرعایة الصحیة للأمم المتحدة دولة قطر من خلال فی جمیع إلى أن فی عام
إقرأ أيضاً:
رئيس يشغل العالم.. "ترامب 2025" عاصفة التغيير ومستقبل أمريكا| الصحة في خطر.. انسحاب أمريكا من دعم المنظمة العالمية ضربة قاصمة للجهود الصحية في العالم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
مع عودة دونالد ترامب إلى المكتب البيضاوي، تتجه الأنظار إلى تعهده المثير للجدل بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية. خطوة كهذه قد تعيد تشكيل مشهد الصحة العالمية، مما يثير تساؤلات حول مستقبل التعاون الدولي في مواجهة الأزمات الصحية.
ضربة قاصمة
الولايات المتحدة، التي تُعد أكبر مساهم في ميزانية منظمة الصحة العالمية، قدمت ما يقرب من ٢٢٪ من تمويل المنظمة في عام ٢٠٢٣. هذا الدعم المالي كان محوريًا في جهود المنظمة لمكافحة الأمراض المعدية، تنسيق الاستجابات للطوارئ الصحية، ودعم مبادرات القضاء على شلل الأطفال والسل.
انسحاب الولايات المتحدة سيترك فجوة تمويلية كبيرة، مما قد يضعف قدرة المنظمة على التصدي للأزمات الصحية العالمية. ووفقًا للورانس جوستين، الخبير في قانون الصحة العالمية، فإن هذا الانسحاب "تهديد حقيقي ووشيك" قد يُدخل المنظمة في "سنوات عجاف"، مما يضطرها إلى الاعتماد بشكل أكبر على التمويل الخاص والدول الأعضاء، وهو دعم قد لا يكون كافيًا.
المنظمة العالمية.. شريان حياة هش
منذ تأسيسها في ٢٠٢٠، لعبت مؤسسة منظمة الصحة العالمية دورًا حيويًا في تأمين التمويل من القطاع الخاص لدعم مهام المنظمة. رغم اجتذابها لشركات كبرى مثل نستله وميتا، يظل تمويلها غير قادر على سد الفجوة التي سيخلفها الانسحاب الأمريكي.
أنيل سوني، الرئيس التنفيذي للمؤسسة، شدد على أهمية دور المنظمة في الأمن الصحي العالمي، مؤكدًا أن انسحاب الولايات المتحدة قد يؤدي إلى تقويض الاستقرار في سلاسل التوريد العالمية والأسواق الدولية، وهي مصالح تمسّ الأعمال الأمريكية مباشرة.
سابقة خطيرة
تعهد ترامب بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية ليس جديدًا؛ فقد أعلن عنه لأول مرة في ٢٠٢٠ أثناء جائحة كوفيد-١٩، متهمًا المنظمة بالتحيز للصين وسوء إدارة الجائحة. حينها، قال ترامب: "العالم يعاني الآن نتيجة لسوء تصرف الحكومة الصينية"، وألقى باللوم على منظمة الصحة العالمية لفشلها في مواجهة الصين خلال المراحل الأولى من الأزمة.
رغم الانتقادات الواسعة، أعاد ترامب تأكيد هذا الوعد في حملته الانتخابية لعام ٢٠٢٤، مما يُظهر إصراره على إعادة توجيه أولويات السياسة الصحية الدولية.
ماذا يعني الانسحاب للعالم؟
انسحاب الولايات المتحدة سيُحدث فراغًا في قيادة الصحة العالمية، مما يُضعف قدرة المجتمع الدولي على التصدي للأوبئة المستقبلية. هذا القرار قد يؤدي إلى تراجع الجهود المبذولة للحد من انتشار الأمراض المعدية ويُعرّض مبادرات الصحة العامة، خاصة في الدول النامية، للخطر.
بينما يظل القرار معلقًا، يبقى السؤال الأكبر: هل ستتمكن منظمة الصحة العالمية من التكيف مع انسحاب أحد أعمدتها المالية والسياسية، أم أن العالم سيشهد تحولًا خطيرًا.
مع اقتراب عودته للبيت الأبيض، يضع دونالد ترامب أزمة أوكرانيا في صدارة أولوياته، مستهدفًا حلًا دبلوماسيًا قد ينهي الصراع ويضعه على مسار جائزة نوبل للسلام. وبينما تثير استراتيجيته طموحات عالية، لا تخلو هذه الخطط من مخاطر قد تعيد تشكيل مكانته التاريخية، سواء كصانع سلام عالمي أو مقامر جيوسياسي.
نحو استراتيجية أكثر براغماتية
تحوّل ترامب عن تصريحاته السابقة التي وعدت بحل أزمة أوكرانيا في اليوم الأول من ولايته الثانية. بدلًا من ذلك، اقترح إطارًا زمنيًا مدته ستة أشهر للتوصل إلى اتفاق سلام دائم.
هذا النهج الجديد، الذي يضع المفاوضات والتنازلات في صلب استراتيجيته، يظهر تحولًا في فكر ترامب نحو أسلوب أكثر واقعية. يرى ترامب أن تحقيق سلام دائم في أوكرانيا سيكون إنجازًا تاريخيًا يبرر منحه جائزة نوبل للسلام التي طالما اعتبرها حقًا مستحقًا.
الدبلوماسية الدولية
تتسارع خطوات ترامب على الساحة الدولية، حيث التقى بالفعل بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في باريس. كما تلوح في الأفق إمكانية عقد اجتماع قريب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، مما يعكس جدية التزامه بحل الصراع.
فريق ترامب يدرك أن التوصل إلى سلام شامل يتطلب أكثر من مجرد وقف إطلاق النار، بل مفاوضات دقيقة قد تستغرق أشهرًا لضمان استقرار طويل الأمد.
إرث ترامب
خلال ولايته الأولى، حقق ترامب إنجازات دبلوماسية بارزة، مثل اتفاقيات إبراهيم، التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدة دول عربية. يرى ترامب أن هذه الاتفاقيات كانت تستحق جائزة نوبل للسلام، وهو شعور غذّاه شعوره بالظلم تجاه منح الجائزة لباراك أوباما دون تحقيق إنجاز ملموس.
في ولايته الثانية، يطمح ترامب إلى توسيع اتفاقيات إبراهيم لتشمل المملكة العربية السعودية، مما قد يعزز مكانته كصانع سلام إقليمي ودولي. لكن النجاح في حل أزمة أوكرانيا سيكون ذروة إرثه الدبلوماسي.
السلام بين الحلم والمخاطرة
يرى الخبراء أن نجاح ترامب في إنهاء الصراع في أوكرانيا قد يعزز صورته كرئيس قادر على تحقيق السلام في أصعب الظروف. السفير الأمريكي السابق في أوكرانيا، جون هيربست، أشار إلى أن نجاح ترامب سيحفظ سيادة أوكرانيا ويضعه في مصاف صانعي السلام الكبار. مع ذلك، فإن الفشل قد يُلحق بترامب أضرارًا كبيرة بسمعته، خاصة إذا انتهى السلام بسيطرة روسيا على أوكرانيا، مما قد يُعيد للأذهان فشل إدارة بايدن في الانسحاب من أفغانستان.
جائزة نوبل أم فشل كارثي؟
يسعى ترامب لتسجيل اسمه في التاريخ كرئيس يعيد تشكيل الدبلوماسية الدولية. ومع ذلك، فإن طريق السلام في أوكرانيا محفوف بالمخاطر. فهل سيحقق ترامب حلمه بجائزة نوبل عبر سلام دائم، أم تتحول محاولاته إلى مقامرة تترك إرثًا من الإحباط والجيوسياسية الهشة؟
مع اقتراب ولاية ترامب الثانية، تتزايد المخاوف بشأن تأثيره المحتمل على مجتمع الاستخبارات الأمريكي. فالخلافات التي اتسمت بها علاقته بالمخابرات خلال ولايته الأولى تُشير إلى مستقبل محفوف بالتحديات، حيث قد تُهيمن الولاءات السياسية على حساب الكفاءة المهنية، مما يُعرّض الأمن القومي لخطر كبير.
الولاء قبل الخبرة
ترشيحات ترامب المبكرة لمناصب حساسة تُظهر تفضيله للولاء السياسي على الخبرة المهنية، مما يُثير تساؤلات حول مدى استقلالية وكالات الاستخبارات في أداء عملها.
إحدى الخطط المثيرة للجدل تشمل تقليص أعداد العاملين في مجتمع ؤ ونقل بعض الوكالات إلى خارج واشنطن العاصمة. مثل هذه الخطوات قد تُضعف القدرة الاستخباراتية على مواجهة التهديدات العالمية بشكل فعال، وتخلق فجوات خطيرة في استجابة الولايات المتحدة للتحديات الأمنية.
تسييس الاستخبارات
من أبرز المخاطر المحتملة في ولاية ترامب الثانية تسييس عملية التحليل الاستخباراتي. تجاهله السابق للتقارير الاستخباراتية ورفضه العلني لبعض التقييمات، بالإضافة إلى الضغط على المحللين لتعديل النتائج بما يتماشى مع أجنداته السياسية، يُنذر بمزيد من التلاعب.
هذا التوجه قد يؤدي إلى تحجيم تدفق المعلومات داخل الحكومة الأمريكية ومع الحلفاء الدوليين. كما أن الخوف من التداعيات السياسية قد يدفع وكالات الاستخبارات إلى كبح تقاريرها أو تعديلها، مما يضعف موثوقيتها ويهدد مصداقيتها.
تهديد التعاون الدولي
تقييد تبادل المعلومات الاستخباراتية مع الحلفاء يشكل تهديدًا إضافيًا. تاريخيًا، كان التعاون الدولي حجر الزاوية في منع التهديدات الإرهابية والتعامل مع التحديات الأمنية العابرة للحدود. أي خلل في هذا التعاون قد يؤدي إلى تكرار سيناريوهات كارثية مثل الإخفاقات التي سبقت هجمات ١١ سبتمبر.
مستقبل الاستخبارات
ولاية ترامب الثانية قد تُدخل مجتمع الاستخبارات في حقبة جديدة من عدم الاستقرار، حيث تفرض السياسة هيمنتها على المؤسسات الأمنية. السؤال الذي يظل قائمًا: هل سيُمكن لمجتمع الاستخبارات الحفاظ على استقلاليته وقدرته على حماية الأمن القومي وسط هذه التحديات، أم أن التأثير السياسي سيضعف أحد أهم أدوات الدفاع الأمريكي؟
مع دخول عام ٢٠٢٥، يواجه العالم مشهدًا دوليًا مفعمًا بالتوترات والفرص. من النزاعات المستمرة في أوكرانيا والشرق الأوسط إلى التحديات المتزايدة في آسيا، يضع العام الجديد الاختبارات الأولى لإدارة ترامب الثانية في التعامل مع أعقد القضايا الجيوسياسية. فهل يمكن أن يكون ٢٠٢٥ عام السلام؟ أم أن التعقيدات السياسية ستبقي العالم على حافة الأزمات؟
أوكرانيا.. بصيص أمل في الأفق
تعهد الرئيس المنتخب دونالد ترامب بإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، مما يفتح الباب أمام إمكانية تحقيق هدنة أو تجميد الصراع. مع استعداد الحلفاء الغربيين وأوكرانيا للمشاركة في محادثات السلام، تبدو الظروف مهيأة للتفاوض.
ومع ذلك، تظل القضايا الشائكة مثل عضوية أوكرانيا في الناتو والأصول الروسية المجمدة في الغرب عقبات كبرى. بينما يرى الخبراء أن تكاليف الحرب أصبحت عبئًا غير مستدام لجميع الأطراف، فإن تحقيق سلام دائم سيتطلب مفاوضات دقيقة وطويلة.
الشرق الأوسط وسط تحولات كبرى
في أعقاب الاضطرابات الكبرى عام ٢٠٢٤، يبدو الشرق الأوسط على مشارف تحول جذري. انهيار "محور المقاومة" الإيراني الذي ضم سوريا وحزب الله وحماس، أدى إلى إعادة تشكيل الديناميكيات الإقليمية.
إدارة ترامب تسعى لدفع إسرائيل لإنهاء حملتها في غزة بسرعة، في حين تُخطط لإحياء استراتيجية "الضغط الأقصى" على إيران. بينما يشير البعض إلى احتمال العودة إلى المفاوضات الدبلوماسية مع طهران، فإن تساؤلات حول نوايا إيران تظل قائمة: هل ستستجيب بالمقاومة أم بالانفتاح؟
آسيا: بين التصعيد والدبلوماسية
تُعتبر الصين التهديد الاستراتيجي الأساسي في نظر إدارة ترامب، مما يزيد احتمالية تصاعد التوترات بين البلدين. في المقابل، تقدم كوريا الشمالية فرصة للدبلوماسية، مع احتمال تجديد المحادثات حول برنامجها النووي.
هذا التوازن بين التصعيد مع الصين والانفتاح على كوريا الشمالية سيكون اختبارًا لقدرة الإدارة على إدارة أولويات متعددة في آن واحد.
الديناميكيات الداخلية لإدارة ترامب: مفتاح النجاح أو الفشل؟
رغم أن إدارة ترامب تبدو أكثر تنظيمًا في ولايته الثانية، إلا أن التحديات الداخلية قد تعرقل أهدافه الدبلوماسية. يثير بعض المحللين مخاوف بشأن الولاء المفرط ضمن فريقه، والذي قد يُضعف النقاش المفتوح حول القرارات المصيرية.
من جهة أخرى، يرى خبراء أن نموذج "فريق المنافسين"، الذي يتيح مناقشات واسعة قبل اتخاذ القرار، قد يُساعد في تحقيق توازن بين المصالح المختلفة والتحديات العالمية.
التوقعات
يرى الخبراء أن عام ٢٠٢٥ يحمل إمكانيات كبيرة لتحقيق اختراقات دبلوماسية، خاصة في أوكرانيا والشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن المشهد العالمي المليء بالتحولات غير المتوقعة يُنذر بأن العام لن يخلو من المفاجآت.
يبقى الأمل في السلام قائمًا، لكن تحقيقه يتطلب دبلوماسية استراتيجية ومفاوضات دقيقة، في عالم يزداد تعقيدًا مع كل أزمة جديدة.
هل يتحقق السلام؟
بينما تقف إدارة ترامب أمام تحديات كبرى في العام الجديد، فإن نجاحها في تحقيق اختراقات دبلوماسية قد يعيد تشكيل النظام العالمي. فهل ستتمكن من تحقيق عام أكثر سلمًا، أم أن الأزمات ستستمر في تشكيل ملامح ٢٠٢٥؟ العالم يراقب، والرهانات عالية.
مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يواجه تحديات غير مسبوقة على صعيد السياسة الخارجية. من الحروب المشتعلة إلى النزاعات الاقتصادية، تبدو مهمته معقدة في ظل نظام عالمي مضطرب. فهل ستُظهر رئاسته الثانية مرونة في مواجهة هذه الأزمات أم أنها ستعيد إنتاج الفوضى الجيوسياسية؟
نهاية اللعبة في أوكرانيا
وعد ترامب بحل الصراع بين روسيا وأوكرانيا في غضون ٢٤ ساعة عبر إجبار بوتين وزيلينسكي على التفاوض. ولكن مع دخول الحرب عامها الثالث وتزايد تعقيداتها، يبدو أن هذا الهدف طموح للغاية. تشير دلائل إلى أن ترامب قد يكون أكثر استعدادًا لتقديم تنازلات لروسيا، مثل الاعتراف ببعض الأراضي الأوكرانية المحتلة، أو منع كييف من الانضمام لحلف الناتو. ومع ذلك، فإن هذه التنازلات تواجه معارضة قوية من الحلفاء الأوروبيين وقد تُضعف موقف أوكرانيا.
شرق أوسط محفوف بالمخاطر
يدخل ترامب منطقة الشرق الأوسط في وقت حرج، حيث أدت الإطاحة بنظام الأسد إلى تغيير الديناميكيات الإقليمية. مع تصاعد التوتر بين إسرائيل وحماس واستمرار المواجهات مع حزب الله وإيران، تبدو المنطقة على شفا تصعيد جديد.
الفراغ السياسي في سوريا يمثل تحديًا مزدوجًا، مع سيطرة هيئة تحرير الشام على الحكم ومحاولاتها لإضفاء الشرعية على وجودها. من جهة أخرى، تواجه الولايات المتحدة تعقيدات التعامل مع حلفائها مثل تركيا وإسرائيل، اللتين تعملان على تعزيز نفوذهما في سوريا بعد سقوط الأسد.
الصين.. عودة الحرب التجارية والتهديد العسكري
التوتر مع الصين يظل ملفًا محوريًا في سياسة ترامب الخارجية. فقد هدد بفرض رسوم جمركية جديدة على الواردات الصينية، مما قد يشعل حربًا تجارية ثانية.
على الجانب العسكري، تصاعدت التوترات في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي، حيث تتزايد المناوشات بين الصين وحلفاء الولايات المتحدة. هذه التطورات تجعل خطر المواجهة العسكرية بين القوتين العظميين أمرًا واردًا.
المهاجرين
وعد ترامب بترحيل ملايين المهاجرين غير الشرعيين، وهو تعهد يواجه تحديات قانونية ومالية ضخمة. خطته تتضمن استخدام الجيش لدعم عمليات الترحيل، مما يثير جدلًا واسعًا حول تكلفة هذه الإجراءات وتأثيرها على الاقتصاد الأمريكي.
البجعة السوداء
في ظل الأزمات المتلاحقة، يواجه العالم احتمالات لأحداث غير متوقعة تغير مسار التاريخ. من الإطاحة بنظام الأسد إلى التحديات مع إيران وروسيا، يبدو أن ترامب سيدخل البيت الأبيض وسط عالم متقلب، حيث قد يُختبر استعداده للتعامل مع أزمات أمنية أو عسكرية كبرى.
القيادة في ظل نظام عالمي مضطرب
رغم شعاراته الطموحة، تواجه إدارة ترامب الثانية اختبارات صعبة على جميع الجبهات. من أوكرانيا إلى الصين، ومن الشرق الأوسط إلى الهجرة، يحتاج ترامب إلى موازنة وعودة الانتخابية مع الواقع الدولي المتغير.
يبقى السؤال: هل ستقود هذه التحديات إلى تحولات إيجابية أم أن العالم سيشهد المزيد من الفوضى في ظل قيادته؟
4