في خطابه الأخيرَين، والمتقاربَيْن زمنيًا، ثبّت الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله بصورة أو بأخرى، معادلات "الردع" مع العدوّ الإسرائيلي، فأكّد أنّ الرد على استهداف الضاحية الجنوبية واغتيال القيادي في حركة حماس صالح العاروري "آتٍ لا محالة"، وشدّد على أنّ الحزب الذي يقاتل "بحسابات" منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، لن يتوانى عن التحرّر من كلّ الأسقف والضوابط إذا ما وسّع العدو حربه ضدّ لبنان.


 
لكنّ ما سبق لم يكن "أهمّ" ما ورد في كلام السيد نصر الله برأي كثيرين، ممّن توقّفوا عند كلام الأمين العام لـ"حزب الله" عن "فرصة تاريخية" فتحتها الجبهة اللبنانية "للتحرير الكامل لكل شبر من أرضنا، وتثبيت معادلة تمنع العدو من اختراق سيادتنا"، وهو ما فسّرته الكثير من الأوساط على أنّه "ضوء أخضر" للشروع بالمفاوضات، بل "رسالة" إلى الوسيط الأميركي تحديدًا، النَّشِط لا على خطّ تفادي سيناريو الحرب فحسب، ولكن على خطّ الترسيم أيضًا.
 
لكنّ الحديث عن "الدبلوماسية" جاء متزامنًا مع تصعيدٍ ميدانيّ وصل إلى ذروته على الأرض في الأيام القليلة الماضية بين "حزب الله" وإسرائيل، وتجلّى بشكل خاص باغتيال إسرائيل أحد القادة الميدانيين الأساسيّين للمقاومة، وقبل ذلك بتسجيل أكبر الرشقات الصاروخية من جنوب لبنان باتجاه الأراضي المحتلة، فهل فتح كلام السيد نصر الله الباب فعلاً أمام المفاوضات، أم أنّ كلمة الميدان التي أعطاها مرّة أخرى الأولوية، سيكون لها كلام آخر؟!
 
شرط "حزب الله"
 
يقول العارفون بأدبيّات "حزب الله" والمطّلعون على الأجواء السياسية والعسكرية إنّ تداول كلام الأمين العام لـ"حزب الله" في الأيام الأخيرة، خصوصًا من جانب خصوم الحزب، تجاهل ما يمكن اعتباره "شرطًا" طرحه السيد نصر الله في سياق "المرونة" التي أبداها إزاء المفاوضات، وهو انتهاء المعركة الحالية المفتوحة بالدرجة الأولى، سواء في قطاع غزة، أو في "جبهة الإسناد" في جنوب لبنان، كما يصفها "حزب الله".
 
وفقًا لهؤلاء، فإنّ ما أراد الأمين العام لـ"حزب الله" قوله هو أنّ كلّ شيءٍ في السياسة مُباح وممكن، وأنّ باب التفاوض يمكن أن يُفتَح من أجل تحقيق المكاسب من خلاله، بناءً على الإنجازات التي تحقّقت على الأرض، وهو تعمّد القول إنّ هذه "الفرصة" إن وُجِدت، فقد فتحتها "الجبهة اللبنانية" تحديدًا، ليردّ بذلك ضمنًا على القائلين بأنّ "لا قيمة" للجبهة الجنوبية، علمًا أنّه أراد بذلك أيضًا "ردّ الظلم" اللاحق بهذه الجبهة إعلاميًا.
 
لكنّ السيد نصر الله أراد أيضًا أن يكون واضحًا في تثبيت المعادلة، وهي أنّ أيّ حديث من نوع التفاوض يبقى "مؤجَّلاً" إلى ما بعد انتهاء الحرب على غزة، فالكلمة الآن تبقى للميدان، ولا شيء غيره، طالما أنّ المعركة مستمرّة، وأنّ القصف متواصل، بمعنى أنّ التفاوض لا يمكن أن يبدأ قبل انتهاء المعركة، ليُبنى على نتائجها المقتضى المناسب، وهذه الرسالة قد تكون موجّهة للأميركي قبل الإسرائيلي، وفقًا للعارفين.
 
تصعيد يسبق "العاصفة"؟
 
بمعزل عن رسائل "حزب الله" ومغزى كلام أمينه العام السيد حسن نصر الله، وما إذا كان يفتح بابًا، أو بالحدّ الأدنى نافذة للمفاوضات، يتوقف كثيرون عند التزامن الذي قد يكون "معبّرًا" بين مثل هذا الكلام والتصعيد الميداني على الأرض، والذي يقترب وفقًا للمتابعين من "حافة الانفجار"، إن جاز التعبير، في ضوء التطورات المتسارعة التي سجّلتها "الجبهة" في الأيام الأخيرة، والتي خرجت عن الدائرة "الضيقة" المعتمدة منذ بدء الحرب.
 
هنا يتحدّث العارفون عن "قراءتين موضوعيتين" لهذا التزامن، تنطلق الأولى من أنّ التصعيد الحاصل "يتكامل" مع فتح الباب أمام الدبلوماسية، وكأنّ كلّ طرف يحاول أن "يراكم" أوراق القوة بين يديه للاستفادة منها عندما يحين موعد المفاوضات، خصوصًا في ضوء الحراك الدولي المكثّف لتفادي سيناريو الحرب، والذي ينشط الأميركيون على خطّه، من خلال المبعوث الدولي آموس هوكستين الذي يحطّ في بيروت هذا الأسبوع، بعد زيارة لتل أبيب الأسبوع الماضي.
 
أما وجهة النظر الثانية، فتقوم على أنّ التصعيد الميداني "منفصل" عمّا يجري في الاجتماعات المغلقة، علمًا أنّ الطرفين يحرصان على الإشارة إلى أنه لا يزال "مضبوطًا بحسابات دقيقة"، بما يمنع الانزلاق إلى حرب حتى إشعار آخر، علمًا أنّ الإسرائيليين أوصلوا هذه الرسالة، وإن أوحوا بأنّ "الصبر ينفد"، ومثلهم فعل "حزب الله" عندما توعّد بالتحرّر من "الحسابات" في حال أقدم الإسرائيلي على أيّ "مغامرة غير محسوبة" ضد لبنان.
 
هو السباق بين القوة العسكرية والجهود الدبلوماسية، بحسب ما يقول العارفون، الذين يتحدّثون عن "مرحلة دقيقة وحاسمة" على هذا الصعيد. وإذا كانت "طبول الحرب" تُقرَع بالتوازي هذه الأيام أكثر من أيّ وقتٍ مضى، فإنّ هناك من يعتقد أنّ احتمال المواجهة الشاملة لا يزال بعيدًا للعديد من الأسباب، أهمّها أنّ لا مصلحة بالحرب لصاحب قرارها، أي الإسرائيلي، ولو كان طامحًا لتعويض "فشله" في غزة، بالغوص في مستنقع آخر... 
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي “يحفظه الله”:الجهاد عامل حماية ونهضة للأمة

عندما ندرس بعضاً من التجارب القائمة في الواقع المعاصر، وفي التاريخ المعاصر، ما حصل للمسلمين في البوسنة: عشرات الآلاف من المسلمين قتلوا قتلاً جماعياً بدمٍ بارد، وآلاف المسلمات تعرضن للاغتصاب، اضطهاد رهيب جدًّا، في الأخير عندما تحركوا ليجاهدوا كان لهذا أهمية كبيرة، ومثَّل عاملاً أساسياً في إيقاف تلك المجازر الرهيبة جدًّا بحقهم، وأن يدفع عنهم ذلك الشر الرهيب والفظيع.

ما يعانيه مسلمو الروهينجا الآن معاناة كبيرة جدًّا، كيف لو كانوا أمةً قويةً مجاهدة تملك القدرات التي تحمي نفسها هل كان سيحدث لهم ما حدث أن يقتل منهم أكثر من مائة ألف مسلم، أكثر من مائة ألف مسلم بدمٍ بارد، بكل بساطة يقتلون ويضطهدون ويستذلون، وتعرضت النساء للاغتصاب، كم هي التجارب الكبيرة جدًّا والكثيرة، وكم هي التجارب الناجحة للجهاد والتحرك في سبيل الله؟، كم هو الفارق بينما في غزة في فلسطين وما في غير غزة؟، كم كان الأثر- في التصعيد الأخير الإسرائيلي- للضربات التي لقنه المجاهدون في فلسطين بها؟، كان أثراً مهماً جدًّا، عامل ردع وإذلال للعدو وفرضوا عليه أن يوقف تصعيده، لماذا؟ عندما أصبحت هناك أمة مجاهدة تتحرك على أساس الجهاد في سبيل الله للتصدي للإسرائيلي، كم كان أثر تجربة حزب الله في لبنان؟، كم وكم وكم… التجارب: تجارب ثقافة التدجين، وثقافة التحرك والجهاد والعمل، فوارق كبيرة جدًّا وواضحة وجلية، وفي التاريخ كذلك، في التاريخ كذلك التجارب كثيرة.

أيضاً من أهم ما يستفاد من هذه الفريضة العظيمة أنها تمثل عاملاً نهضوياً للأمة، الأمة إذا كانت تحرص على أن تكون أمةً قوية، متى تحرص على أن تكون أمةً قوية؟ إذا كانت أمةً مجاهدة، إذا كانت أمةً تنهض بهذا الواجب وتقوم بهذه المسؤولية، حينها ستحرص على أن تكون أمةً قوية؛ لتكون أقدر في مواجهة أعدائها، ولذلك يأتي التوجيه القرآني: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال: من الآية60].

في هذا السياق، في سياق الجهاد، في سياق هذه الفريضة العظيمة والمهمة، والأمة إذا اتجهت لأن تعد ما تستطيعه من القوة، يأتي في ذلك الاهتمام بالجانب الاقتصادي: كيف تكون أمةً منتجة؟، كيف تكون أمةً مصنِّعة؟، كيف تكون أمةً مبتكرة؟، كيف تواجه مستوى التحديات؟، وكل تحدٍ يستلزم قوة معينة، إمكانات معينة، قدرات معينة، وهكذا تستمر في تطوير نفسها، وفي تطوير قدراتها، وفي امتلاك كل عناصر القوة، وستبحث عن كل عناصر القوة، أما ثقافة التدجين فلا يبنى عليها إلَّا الضعف، فليس لها من نتاجٍ إلَّا الضعف، إلَّا الخور، إلَّا الاستكانة، إلَّا الإهمال، إلَّا الضياع… فرق كبير، الثقافة التي تنهض بالأمة، تبني الأمة لتكون قوية في كل المجالات، وفي كل شؤون الحياة، وبين ثقافة تضعف الأمة، تجعل من الضعف ثقافة، حتى حالة نفسية، التربية على الجهاد، وعلى النهوض بالمسؤولية، وعلى مواجهة التحديات والأخطار، حتى في بناء النفوس، تبني النفوس لتكون نفوساً قوية، تبني الناس ليكونوا أقوياء حتى في نفسياتهم ومشاعرهم، وثقافة التدجين تربي على الضعف حتى في النفوس لتكون نفوساً ضعيفة، نفوساً مهزوزة، نفوساً يهينها الآخرون، ويدوسها الآخرون، ويسحقها الآخرون وهي لا تتقن إلا حالة الاستسلام، وحالة الإذعان، وحالة الخنوع، وحالة السكينة، حالة الاستكانة التي هي حالة سلبية.

إذاً هناك فارق كبير بين ما يمثل عاملاً نهضوياً يبني الأمة، والآخرون هم يركِّزون على هذه النقطة، يدركون إيجابية الصراع لمن يتعامل معه على أساس أن يجعل منه عاملاً للنهضة، عاملاً للبناء، عاملاً لاكتساب القوة، وسلبيته فعلاً لمن يريد أن يكون ضعيفاً وأن يستسلم لا يتحرك، هذه حالة رهيبة جدًّا، تنهار شعوب، ويتحول أهلها- في الكثير منهم- إلى لاجئين في دول أخرى، ويتركون واقعهم، يتفككون كأمة، ينهارون انهياراً كاملاً، أمر خطير وسلبي، لكن من يجعل منه عاملاً نهضوياً، في الدول الأخرى هم يفعلون ذلك، الصين في الثقافة الصينية، لديهم هناك تحدٍ ولديهم عدو، ولديهم طموح في التفوق واكتساب القوة، عند الأمريكيين كذلك، عند كل القوى الناهضة في العالم، لا تنهض أمة إلا وقد جعلت من التحدي والخطر والعدو حافزاً لنهضتها، إذا شطب هذا الجانب تضعف، تكون أمة باردة، أمة لا تفكر بأن تكون قوية، ولا تسعى لأن تكون قوية، ولا تهتم بأن تكون قوية، كان واجبنا نحن المسلمين أن نكون أكثر الأمم اهتماماً باكتساب القوة في كل عناصر القوة: على المستوى النفسي، والتربوي، والاقتصادي، والعسكري… وفي كل مجالات الحياة. قبل غيرنا من الأمم، فما بال الآخرين وكأنهم هم من يكون في أهم مصادر ثقافاتهم وأفكارهم عبارة: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال: من الآية60]، كان المفترض بنا أن نكون نحن السباقين قبل غيرنا.

من المحاضرة الرمضانية التاسعة عشرة: الجمعة 19 رمضان 1440هـ 24 مايو 2019م

 

 

 

مقالات مشابهة

  • وزير الصناعة والتجارة يؤكد استعداد بلادنا الكامل للمشاركة في معرض إكسبو 2025
  • عودة: يوفر لنا موسم الصوم الكبير فرصة مقدسة للانخراط في أعمال التوبة
  • لا للمفاوضات المباشرة ولا للتطبيع... هذا ما أبلغه لبنان الرسمي لاورتاغوس
  • قنبلة الشرق الأوسط الموقوتة تهدد بالانفجار
  • السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي “يحفظه الله”:الجهاد عامل حماية ونهضة للأمة
  • كلام عن فرصة أخيرة أمام لبنان.. آخر معلومة عن زيارة أورتاغوس
  • وزير الاقتصاد السوري: نحن أمام فرصة تاريخية لاختراع سوريا جديدة
  • فولفسبورغ يفتح الباب أمام عودة دي بروين بعد إعلان رحيله عن مانشستر سيتي
  • السيد القائد يحذر من خطر الحرب الناعمة ويدعو للاهتمام بالدورات الصيفية
  • عن إصلاح المصارف.. كلام جديد لوزير المالية