صار العالم، بعد تقدم وسائل الاتصال قرية صغيرة. أهم سماتها ان الشعوب صارت تتعرف وتراقب، عن كثب، وبصورة دقيقة، ما يجري في الأقطار الأخرى. هذه المعرفة اللصيقة، لتلك التجارب، تجعلنا نعرف كيف نجحت تلك الشعوب أو فشلت في علاج مشاكلها. ذلك الأمر يراكم خبراتنا ومعرفتنا في كيفية تخطي العقبات، إذا واجهنا معضلات شبيهة.

لذلك يجِب أنْ نتعلّم من تجارب الآخرين، أي أنْ نتعلّم ألّا نرتكِب ذات الاخطاء والخطايا، لا أنْ نرتكب اخطاء مماثلة ُثمّ نبذل طاقات كبيرة في البحث عن الحل. انطلاقا من ذلك الفهم، أبدا سلسلة مقالات، تعرض، باختصار شديد، ملامح من تجارب الشعوب الأخرى. بدأ المقال الاول بتجربة جنوب افريقيا، وكيف تخطت كل الام ومرارات جرائم الفصل العنصري، لتبني ديمقراطية حقيقية. ونعرض الثاني لتجربة شيلي، مع التأكيد اننا لا ندعو لنقل أي من التجارب التي نقدمها حرفيا، لكننا ندعو لاستيعاب جوهر الدروس التي تقدمها لنا. وأشكر القراء على ملاحظاتهم القيمة، التي استفيد منها كثيرا، فقط اود أن أشير ان هذه المقالات مكرسة لتجارب التحول الديمقراطي وانهاء حكم العسكر، ولا تفهم الحرب الكارثية بمعزل عن محاولات تعطيل التحول الديمقراطي في بلادنا.
عرفت الارجنتين، التي حصلت على استقلالها من اسبانيا عام 1810. سيطرت اقلية من أصحاب الملكيات الزراعية الكبيرة على الحياة السياسية. شهدت البلاد، منذ ثلاثينات القرن العشرين ست انقلابات عسكرية. وكان أهمها انقلاب 1930 الذي قاده جناح يميني داخل الجيش وانقلاب 1943 ضد الانقلاب اليميني. والغريب حقا انه صدر حكم قضائي في 1930 يصف الانقلابات بانها قانونية، لأنها تحمي أرواح الناس وممتلكاتهم في حالة انهيار النظام.
شكل الجنرال بيرون، كان أحد قادة انقلاب 1943، تحالف بين مجموعة من الضباط ونقابات اشتراكية وبعض الشيوعين باسم حركة العمل القومية. دعمت الطبقات العاملة هذا التحالف، وسمي الاتجاه بالبيرونية. وعندما أجريت انتخابات حرة في 1946 فاز بيرون. وشهدت فترة حكمه (1946 -1955) نجاحا اقتصاديا وتحسنا في أوضاع الطبقات العاملة، كما أمم البنك المركزي وخدمات الكهرباء، والغاز، والمواصلات، والاتصالات. لكن انقلابا عسكريا أطاح به قبل ان يكمل فترة حكمه الثانية. قام النظام العسكري بمطاردة أنصار بيرون بعد ان حل حزبهم. ثم أجريت انتخابات غير حرة وتحت اشراف الجيش اللصيق، وصل فيها رئيس مدني للسلطة، أطاح به انقلاب عسكري في 1966.
كان نمط التدخل العسكري قبل 1966 يقوم على التدخل السريع وسط أزمات سياسية واقتصادية، ثم تسليم السلطة الى المدنيين. أما بعد انقلاب 1966، فلم يسم الجيش حكمه" الحكم الانتقالي" كما درجت الانقلابات السابقة، بل شكل حكما دائما، أطلق عليه “الدولة البيروقراطية التسلطية". وهو شكل من أنظمة الحكم كان سائدا في دول أمريكا اللاتينية مدعوم من الولايات المتحدة. واتسمت الفترة بتنافس الجنرالات حيث حكم من 1966 – 1973ثلاثة جنرالات. وتميزت الفترة باندلاع حرب عصابات، وتصاعد الغضب الشعبي على العسكر.
أدى تصاعد الغضب الشعبي لاضطرار الجنرالات تنظيم انتخابات منع بيرون من الترشيح، لكن فاز فيها مرشح الحزب البيروني واستلم الرئاسة في 1973، ثم استقال ليسمح بانتخابات جديدة فاز فيها بيرون، ولكنه مات بعد سنة واحدة. ثم تكرر تدخل العسكر بانقلاب جديد. وشن النظام حملة قمع واسعة ودموية، عرفت باسم الحرب القذرة، اذ اختفي عدد من المواطنين يقدر بما بين 10 و30 ألف انسان، وجدت بقاياهم في مناطق نائية لاحقا.
لم يستتب الامر للعسكريين طويلا، فعلى الرغم من قمع اتحادات العمال بشدة، فان العمال بدأوا مقاومة قوية مع بداية ثمانينات القرن الماضي. وشملت المعارضة حركة قوية سميت " حركة أمهات المختفين قسريا". دخل العسكر حربا في جزر الفوكلاند على امل ان يستعيدوا قدرا من الدعم الشعبي. لكنهم تعرضوا للهزيمة.
كانت الهزيمة العسكرية نقطة فاصلة، اذ أدرك العسكر صعوبة استمرارهم في السلطة مع الغضب الشعبي والهزيمة. تمت مفاوضات مع المدنيين نتج عنها تنظيم انتخابات عامة، فاز فيها رئيس له تاريخ طويل في الدفاع عن حقوق الانسان. ورغم الاستقرار الاقتصادي والسياسي، الا ان علاقة السلطة بالعسكر ظل يعتريها الكثير من الازمات. والاهم انه تمت محاكمة عدد من الجنرالات على جرائمهم. كما صدرت عدد من القوانين التي تنظم العلاقات المدنية العسكرية.، وتم تنفيذها رغم محاولات العسكر لمقاومتها.

siddigelzailaee@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

قائد الانقلاب في بوليفيا “شخص غير مرغوب فيه” في السجن

الجديد برس:

نُقل القائد السابق للجيش البوليفي الجنرال خوان خوسيه زونيغا المتهم بقيادة انقلاب فاشل إلى سجن ثانٍ حيث يواجه اتهامات بالإرهاب ومحاولة قيادة انقلاب ضد النظام الشرعي في البلاد.

وقال الجنرال، وهو مكبل اليدين، أثناء عملية النقل للصحافيين: “في مرحلة ما سوف تُعرف الحقيقة”، زاعماً أنه “بريء”.

وأوضح مدير سلطة السجون خوان كارلوس ليمبياس أن عملية النقل إلى سجن شديد الحراسة في كوتشابامبا تمت من أجل سلامة زونيغا، وذلك في مواجهة رفض السجناء في سجن تشونتشوكورو له، واعتبارهم إياه “شخصاً غير مرغوب فيه”.

في المقابل أشار إلى أن القائد السابق للقوات البحرية خوان أرنيز، والقائد السابق للواء الميكانيكي في الجيش أليخاندرو إيراهولا، لا يزالان في سجن تشونتشوكورو.

وكان السجناء الثلاث المتهمون بتنفيذهم محاولةً انقلابية فاشلة قد أودعوا في السجن ووضعوا في الحبس الاحتياطي في سجن شديد الحراسة، بحسب ما علمت وكالة “فرانس برس”.

من جهته أمر القضاء البوليفي بالسجن لمدة ستة أشهر للسجناء الثلاثة، في سجن شديد الحراسة يقع على مشارف مدينة إل آلتو القريبة من لاباز، وذلك حتى استكمال التحقيق في المحاولة الانقلابية.

ويتهم القضاء القادة الثلاثة بأنهم أرادوا الإطاحة بالرئيس لويس آرسي المنتخب ديمقراطياً، ومتهمون أيضاً بتنفيذ انتفاضة مسلحة وبالإرهاب، ويواجهون خطر السجن لمدة تصل إلى 20 عاماً.

وفي هذا السياق، قُبض على 21 عسكرياً عاملاً ومتقاعداً ومدنياً، في إطار محاولة الانقلاب التي حاصرت خلالها قوات عسكرية بدبابات، القصر الرئاسي لساعات عدة قبل أن تنسحب.

وأقال الرئيس لويس آرسي بعد السيطرة على الانقلاب الفاشل قائد الجيش وعيّن قيادة عسكرية جديدة أدت اليمين الدستورية أمامه في القصر الرئاسي، فيما أعلن وزير الداخلية عن تقديمه للسلطة القضائية أدلة على نيّة العسكريين تنفيذ انقلاب على الرئيس المنتخب آرسي.

ولم يعرف حتى الساعة الأسباب الحقيقية الكامنة وراء محاولة زونيغا الانقلاب على الحكم الديمقراطي في بوليفيا، ولكن يمكن فهم الإطار السياسي الذي سعى من خلاله الرئيس آرسي إلى رسم صورة بوليفيا وتأثيرها في المشهد الدولي على أنه أحد الأسباب التي دفعت زونيغا ومن يقف خلفه إلى التخطيط للانقلاب وتنفيذه.

على الصعيد الدولي، برزت بوليفيا كإحدى دول أمريكا اللاتينية التي عارضت سياسات الولايات المتحدة، وعملت على توطيد علاقتها بالصين وروسيا وإيران، لا سيما على الصعيد الاقتصادي.

وفيما يخص حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي وتقودها واشنطن وتمولها، كانت بوليفيا سباقة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع “إسرائيل”، بعد أقل من شهر على بدء الحرب، لتكون الدولة الأولى في أمريكا اللاتينية التي تتخذ خطوة كهذه، مع ثبات على موقفها الداعم لفلسطين بعد مرور عدة أشهر على الحرب.

مقالات مشابهة

  • انقطاع الإنترنت عن الهواتف بعد احتجاجات أعقبت انتخابات الرئاسة بموريتانيا
  • 2 تموز 1966 – فرنسا تجري أول تجربة نووية رسمية بتفجير قنبلة في المحيط الهادي
  • مستشار ترامب السابق يتوجّه إلى السجن لتنفيذ لحكم قضائي
  • حكم الانتفاع بالأجنة المجهضة في التجارب العلمية والعلاجية
  • مرصد الأزهر يستقبل وفدًا قضائيًا إفريقيًا بالتعاون مع الأمم المتحدة
  • مرصد الأزهر يستقبل وفدًا قضائيًا إفريقيًا للتعرف على جهود مكافحة التطرف
  • روح كأس العالم 1966 تلهم منتخب إنجلترا في يورو 2024
  • قائد الانقلاب في بوليفيا “شخص غير مرغوب فيه” في السجن
  • كوبا امريكا.. كندا ترافق الارجنتين الى دور الثمانية
  • عادل عسوم: إلى الذين أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ