الموقف الأردني بوجه المخاطر بعد «طوفان الأقصى»

عندما يتعلق الأمر بالأوطان لا مجال لمزاحمة الأرقام. وتصبح الأولويات واضحة في حماية الموقف السياسي للدولة، وأيضا الموقف الشعبي لعموم المواطنين.

المقاربة الرسمية وإن سجلت أعلى اشتباك دبلوماسي وسياسي دوليا وعربيا وإقليميا مع اليمين الإسرائيلي لا تزال قاصرة عندما يتعلق الأمر بمصارحة الشعب الأردني.

مطلوب يقظة تتجاوز حالة الاستدراك، ولا بد من نبذ وتضييق الخناق على تلك الشريحة التي لا زالت تقف عند حدود التكيف والتعايش فقط مع نتائج الصراع الحالي.

الشعب الأردني اقتصاديا وماليا لديه اليوم قابلية كبيرة جدا ومرنة لتحمل أي عواقب مع الدولة، جراء نزاهة الموقف الوطني والرسمي، بصرف النظر عن الأرقام والخسائر.

* * *

التجول هذه الأيام وسط نقاشات مع كبار السياسيين الأردنيين وحصرا من طبقة رجال الدولة تؤسس للهوامش الفارقة ما بين قراءة واعية وعميقة إلى حد ما لمشهد الطوفان الفلسطيني وتداعيات أطماع وطموحات اليمين الإسرائيلي، وما بين الرؤية التنفيذية لبعض موظفي السلطة الرسمية والحكومة الآن من المؤمنين بشرائح التكيف مع المسارات أو المرتجفين في اتجاه عدم اتخاذ قرارات ومسارات واتجاهات وإجراءات تناسب حجم التحديات التي فرضها إيقاع القصف الإسرائيلي العنيف لأهداف التهجير.

التهجير أو التحريك الديموغرافي لم يعد سرا أنه يضرب كل الأوتار والأعصاب الحساسة للأردن والأردنيين.

وزير الخارجية أيمن الصفدي أبلغني شخصيا قبل يومين بأن المملكة بمعادلة مختلفة بحكم الخبرة والالتصاق الجغرافي والنسيج الاجتماعي مختلفة عن بقية الدول تجاه الموضوع الفلسطيني، واعتبر الوزير بصراحة بأن «كل ما يحصل أو سيحصل في فلسطين المحتلة مؤثر أساسي ليس في مشاعر ومواقف الأردن ولكن في مصالحه ورؤيته». كلام معقول ويعكس الواقع كما هو.

لكن ما زلنا بكل صراحة كمراقبين نشعر بأن المقاربة الرسمية وإن كانت سجلت أعلى معدلات الاشتباك الدبلوماسي والسياسي دوليا وعربيا وإقليميا مع اتجاهات اليمين الإسرائيلي إلا أنها لا تزال قاصرة عندما يتعلق الأمر بمصارحة الشعب الأردني أو إعادة تأطير قواه الحية وفتح المجال لنقاشات جادة وحساسة لتجيب على الأسئلة الحساسة العالقة في ذهن المواطن الأردني هذه الأيام.

ليس سرا أن المواطن الأردني قلق من خطط وسلوكيات اليمين الإسرائيلي والأهم من عودة سيناريوهات تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردنيين ومستقبلهم، وذلك القلق اندماجي اجتماعيا بمعنى أنه يشمل كل مكونات المجتمع، الأمر الذي يوفر قاعدة كبيرة لإطلاق طاقات إضافية أمام هوامش المناورة للقرار الرسمي لابد من استثمارها وتوظيفها حتى «ينتج أو يخلق» الأردن من جديد.

صحيح أن الموقف الرسمي الأردني خارج نطاق المزاودة وأنه الأفضل عربيا ومتقدم إسلاميا

والصحيح أن الأردن قد يكون الدولة العربية الوحيدة التي اعتبرت أن التهجير في غزة أو في الضفة الغربية بمثابة إعلان حرب على المملكة، لكن في المستوى الإجرائي والتنفيذي مازلنا نرصد تلك الاختراقات والانتهاكات التي توحي بأن مسار التكيف والتعايش لايزال على قيد الحياة بالرغم من الثوابت المرجعية المعلنة ومن الاتجاهات غير القابلة للتأويل على مستوى الشارع الأردني بكل مكوناته الاجتماعية والسياسية.

ومن هنا تكتسب جولة في عقل الموقف الحكومي أهميتها. كما تكتسب جولة أخرى في عقل نخبة من كبار السياسيين أهميتها القصوى لأن حجم إدراك المخاطر زاد بمعدلات قياسية في الأردن.

ولأن الاعتقاد راسخ اليوم بأن تمكين اليمين الإسرائيلي من برنامج عمله في قطاع غزة حتى في جزئية إعادة بناء مشهد مستقبل القطاع ثم تمكينه من الاستحكام في الضفة الغربية بمعنى التهجير والتحريك الديمغرافي، وإلغاء دور السلطة واتفاقية أوسلو وضم الأراضي إلى الاحتلال رسميا، وأيضا بمعنى حسم الصراع بدلا من إدارته..

كل تلك المعطيات الإسرائيلية لا تقف عمليا عند حدود الشغب على مصالح الأردن، بل تجتث تلك المصالح وتعيد إنتاجها بطريقة توحي بخطر شديد وهو خطر بالتأكيد لم يقف عند حدود لا التوطين ولا الوطن البديل.

النقاشات عاصفة في الحالة النخبوية الأردنية.

وفي لقاء مع نخبة من كبار السياسيين مؤخرا، استمعت إلى تقييمات عميقة لإعادة التموقع والموقف الأردني في مواجهة المخاطر وإنكارها.

ولا يزال كبار الساسة يؤمنون، وحصرا الذين سمعتهم وبينهم رؤساء وزارات سابقون وأشخاص مهمون جدا في الماضي في صناعة القرار وفي صدارة مكانهم في المجتمع، يحذرون من أن اليقظة مطلوبة في هذه الأيام الصعبة، كما يحذرون من أن كلفة التكيف والتعايش ستزيد الفاتورة المطلوبة من الأردنيين مسبقا.

سمعت في جولة وسط السياسيين كلاما عميقا ومريحا حول تزايد الإيمان بأن مصالح الأردن مستقبلا بأن تحسم المقاومة الفلسطينية المعركة بمعنى أن تصمد في مواجهة آلة الشر الإجرامية الإسرائيلية.

وليس غريبا إزاء عمق القصف وحجم الإرهاب الإسرائيلي أن تبرز أصوات من هذا النوع وسط الطبقة السياسية العليا في المجتمع الأردني.

لكن الغريب أن تبقى السلطات التنفيذية والحكومة من بينها ضمن مقاربات مرتبطة بحسابات الأرقام، سواء في عائدات الجمارك أو الضرائب أو في تنشيط الدورة الاقتصادية أو في الخسائر الناتجة عن مسائل شعبية والشعبوية مثل الإضراب والمقاطعة.

عندما يتعلق الأمر بالأوطان لا مجال لمزاحمة الأرقام. وتصبح الأولويات واضحة في حماية الموقف السياسي للدولة، وأيضا الموقف الشعبي لعموم المواطنين.

وبالتالي المطلوب يقظة تتجاوز حالة الاستدراك، ولا بد من نبذ وتضييق الخناق على تلك الشريحة التي لا زالت تقف عند حدود التكيف والتعايش فقط مع نتائج الصراع الحالي، والعلم مسبقا بأن الشعب الأردني اقتصاديا وماليا لديه اليوم قابلية كبيرة جدا ومرنة لتحمل أي عواقب مع الدولة، جراء نزاهة الموقف الوطني والرسمي، وبصرف النظر عن الأرقام والخسائر.

*بسام البدارين كاتب وإعلامي أردني

المصدر | القدس العربي

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الأردن اشتباك أيمن الصفدي الموقف الشعبي اليمين الإسرائيلي الموقف الوطني الیمین الإسرائیلی عندما یتعلق الأمر الشعب الأردنی عند حدود

إقرأ أيضاً:

السنوار: المقاومة صامدة وطوفان الأقصى ضربة قوية للمشروع الصهيوني

أرسل يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، رسالة إلى جماعة أنصار الله الحوثي في اليمن، نشرتها وسائل الإعلام اليمنية. في هذه الرسالة، شكر السنوار الجماعة وقياداتها على دعمهم ومساندتهم للمقاومة في غزة، وذلك بعد إعلان الجماعة عن تدشين المرحلة الخامسة من عملياتهم الداعمة للمقاومة، والتي تضمنت قصف وسط إسرائيل بصاروخ فرط صوتي.

أهداف معركة طوفان الأقصى


أكد السنوار أن "معركة طوفان الأقصى المباركة جاءت لتوجه ضربة قوية للمشروع الصهيوني في المنطقة بشكل عام، وفي فلسطين بشكل خاص، ولتكتب أولى صفحات وعد الله المقدس بتحرير فلسطين". هذه المعركة تعتبر بمثابة مرحلة جديدة في مقاومة الاحتلال، تؤكد التزام الفلسطينيين بمواصلة نضالهم حتى تحقيق التحرير الكامل.

 تحديات الشعب الفلسطيني


أوضح رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أن العدو الصهيوني كان يعتقد أن حرب الإبادة الجماعية التي يقوم بها ضد الشعب الفلسطيني، إلى جانب خطوات الاحتواء والتحييد لجبهات المقاومة، التي تشرف عليها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها، ستمنحه النصر في معركته ضد الشعب الفلسطيني. إلا أن المقاومة الفلسطينية أثبتت عكس ذلك بصمودها وقدرتها على التصدي للعدوان.

 المقاومة في قطاع غزة


تحدث السنوار عن حالتي الألم والمقاومة في قطاع غزة، حيث يعيش الشعب الفلسطيني بين معاناة شديدة جراء العدوان والحصار والتجويع، وبين مقاومة باسلة تقودها كتائب القسام التي خاضت هجوم 7 أكتوبر باقتدار. أكد السنوار أن المقاومة بخير وأن ما يعلنه العدو محض أكاذيب وحرب نفسية. أشار إلى أن المقاومة أعدت نفسها لخوض معركة استنزاف طويلة تهدف إلى كسر إرادة العدو السياسية، كما كسر طوفان الأقصى إرادته العسكرية.

 تضافر الجهود الإقليمية


اختتم السنوار رسالته بالتأكيد على أهمية تضافر الجهود بين المقاومة الفلسطينية والمقاومة في لبنان والعراق. هذه الوحدة ستساهم في كسر العدو وإلحاق الهزيمة به على طريق دحره عن أرض فلسطين بإذن الله.

مقالات مشابهة

  • تطورات اليوم الـ349 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • تطورات اليوم الـ348 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • مقال بنيويورك تايمز: القضية التي أصبح فيها أقصى اليمين الإسرائيلي تيارا سائدا
  • صاروخ يمني واحد يُرعب الصهاينة ويُوقظ العالم
  • تطورات اليوم الـ347 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • السنوار: المقاومة صامدة وطوفان الأقصى ضربة قوية للمشروع الصهيوني
  • السنوار: المقاومة بخير وتحضر نفسها لحرب استنزاف
  • نص رسالة يحي السنوار إلى قائد أنصار الله
  • نص رسالة السنوار للسيد القائد
  • ما بعد الإسلام السياسي بين مآلات الربيع العربي وتداعيات طوفان الأقصى؟