ثانيًا: حوار الأديان:
فى مقالى هذا، أستكمل حديثى عن أهمية الحوار، واتباع آدابه، فى بناء الحضارات الإنسانية، وكيف أنه يمثل ضرورة أساسية من ضرورات بناء الأمم وتقدمها. وإذا كنا قد سبق أن توقفنا عند آليات الحوار بين الشباب والكبار، فإننا سنكمل حديثنا اليوم بطبيعة الحوار بين الأديان، وتبيان أنه لا يوجد تعارض شرائعى أو من حيث طبيعة المعاملات المجتمعية، فيما بين الأديان السماوية الثلاثة، فالأديان الثلاثة إنسانية الطابع فى المقام الأول.
فالدين السماوى دائما ما يجارى متغيرات الحياة ومتطلباتها، من خلال نصوصه المقدسة. إذًا العلاقة بين الأديان تكاملية، وليست أفضلية. فهى علاقة تقوم على الاحترام وليس التصارع أو التعارض. ومصر دوما كانت نموذجا يُحتذى فى تلقى الأديان السماوية، وفى تسامحها وتعايشها. ربما تكون مصر هى الدولة الوحيدة التى التقى على أرضها جميع الأديان السماوية، وتعايشت جنبا إلى جنب، المعابد اليهودية والكنائس المسيحية والمساجد الإسلامية. ولقد تعايش أبناء الديانات السماوية الثلاثة فى سلام وأمان وأمن اجتماعى طوال تاريخهم. وربما تكون مصر من الدول القليلة التى لم يأخذ استقبالها لأى دين سماوى فى بداياته شكل التصارع والتقاتل، بل استقبلته بدافع احتياجها المرحلى لهذا الدين فى تعاليمه ومبادئه. هكذا عاشت فى مصر الأديان السماوية ولا تزال، ولم يكدر صفو هذه العلاقة المتسامحة والمتعايشة منغصات الحياة اليومية، التى كان المصريون يتعايشون معها. لم يكن فى يوم من الأيام ليتصاعد الخلاف بين مصرى مسيحى ومصرى يهودي، أو مصرى مسلم مع أى منهما، ليصل إلى حد وصفه بالصراع الديني، وإنما كان مجرد مشكلة اجتماعية حياتية، قد تحدث بين أبناء الدين الواحد، ولذلك كان سرعان ما يتم رأب صدع هذه الخلافات الاجتماعية الحياتية البسيطة.
غير أنه لما جرت فى البحر رياح التغيير السياسي، والتطرف الفكري، لم يعد ما كان يحدث ليمر مرور الكرام، وإنما أصبحت مثل هذه الخلافات الحياتية يتم توظيفها سياسيا. ولكى أدلل على ذلك يمكن معرفة مدى التغيير المجتمعى الذى ألم بالعالم العربي، وليس مصر وحدها، بعد وعد بلفور عام ١٩١٧، ثم تأسيس دولة إسرائيل عام ١٩٤٨، التى تأتى تحقيقا لما نادت به الحركة الصهيونية، هذه الحركة التى كانت سببا رئيسيا فى تكدير حالة الصفاء الاجتماعى فى كل أنحاء العالم العربي. ففى مصر كان اليهودى يعيش فى سلام وتسامح اجتماعى وإنسانى مع سائر المصريين. كان يمارس حياته اليومية، وطقوسه الدينية فى أمان بلا أى تكدير. كان اليهود ماهرين فى التجارة، فمارسوا تجارتهم فى حرية وسماحة. ومارسوا الطب، وتخصصوا فى بعض الحرف الاجتماعية المهمة، دون أن يضايقهم أحد، بل مارسوا حقوقهم فى تولى المناصب الرفيعة، فمنهم الوزير يعقوب بن كلس الذى تقلد منصب الوزير فى عصر الدولة الفاطمية، التى أعلت من شأن اليهود، على نحو يشهد تسامحية مصر وشعبها وسياستها، وهو حق كان اليهود أنفسهم محرومين من الحصول عليه فى الغرب (الديمقراطي!) حتى منتصف القرن العشرين تقريبا. ثم جاءت الحركة الصهيونية، فغيرت المزاج المجتمعي، وتغيرت معها هذه الصورة المتناغمة اجتماعيا بعض الشيء. وشعبيا نستطيع أن نلمس هذه الصورة المتعايشة بين أبناء الديانات الثلاثة فى حكايات وسير وأغانٍ وأمثال شعبية كثيرة، وهو ما سنتوقف عنده فى مقالنا القادم بإذن الله.
د. خالد أبو الليل: أستاذ الأدب الشعبى بكلية الآداب، جامعة القاهرة
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: حوار الأديان الحضارات الإنسانية مصر التطرف الفكري التغيير السياسي الأدیان السماویة بین الأدیان
إقرأ أيضاً:
نجاة أب وأطفاله الثلاثة من الموت حرقًا داخل سيارة مشتعلة بأبو النمرس .. صور
أنقذت العناية الإلهية أبًا وأطفاله الثلاثة من موت محقق، بعدما اشتعلت النيران في سيارتهم، حيث تمكّن الأهالي من إنقاذهم قبل احتراقهم بداخلها، وذلك بمدينة أبو النمرس.
كانت غرفة النجدة قد تلقت بلاغًا يفيد باشتعال النيران في سيارة بطريق البحارة بقرية المنوات التابعة لمدينة أبو النمرس.
انتقلت القوات على الفور إلى موقع البلاغ، وتبيّن اشتعال النيران في سيارة خاصة.
وأسفر الفحص عن أن الأهالي ساعدوا في إنقاذ الأب وثلاثة من أطفاله كانوا داخل السيارة، قبل أن تلتهمها النيران بالكامل.
تم تحرير محضر بالواقعة، وتولت النيابة العامة التحقيق.