تهل على بلادنا العزيزة سلطنة عمان غدا ذكرى وطنية مهمة ومفصلية وهي يوم تولي جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم في الحادي عشر من يناير عام ٢٠٢٠ خلفًا للسلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- مؤسس الدولة الحديثة في سلطنة عمان وقد اتسمت تلك السنوات الأربع الماضية بجملة من التحديات الكبرى من خلال جملة من المتغيرات الداخلية والخارجية.
ولعل الخطاب السلطاني الأول لجلالته -حفظه الله ورعاه- في مجلس عمان وبعد تقلده الحكم يعطي مؤشرا على حجم المسؤولية الوطنية الملقاة على سلطان البلاد -حفظه الله- ولعل الملف الاقتصادي كان من أهم الملفات التي واجهت السلطان هيثم بن طارق المعظم خاصة على صعيد المديونية الكبيرة التي تجاوزت ٢١ مليار ريال عماني والتي جاءت بسبب الانخفاض الكبير لأسعار النفط منذ عام ٢٠١٤ حتى عام ٢٠٢٠ علاوة على وجود الترهل في الجهاز الإداري للدولة ووجود البيروقراطية وجملة من التحديات الاجتماعية ووجود أكثر من عشرة صناديق تقاعد تتباين في ميزاتها، علاوة على ضرورة الدفع بالمؤشرات الدولية وتصنيف سلطنة عمان إلى مستوى جيد.
وعلى ضوء تلك التحديات الكبيرة بدأ العمل الوطني بكل قوة في إطار سباق مع الزمن خاصة أن المديونية العامة تشكل قلقا وهاجسا كبيرا لأي دولة. ومن هنا فإن المشهد الوطني وبعد مضي أربع سنوات على تولي جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم فإن الصورة لأي متابع منصف أصبحت أكثر وضوحا من خلال المؤشرات والأرقام وليس فقط التنظير كما يقال، حيث إن أكبر الإنجازات على الصعيد الاقتصادي تحقق من خلال خفض المديونية العامة للدولة بأكثر من ٤٤ في المائة وهذا تطور نوعي لافت، كما سجلت الميزانية العامة للدولة فائضا جيدا وسط تحوط في تقدير سعر النفط من ٥٥ دولارا للبرميل في ميزانية العام الماضي إلى ٦٠ دولارا في ميزانية العام الحالي وسط تفاؤل بتحقيق فائض على ضوء مؤشرات السوق النفطية.
وعلى الصعيد الاقتصادي أصبح الاهتمام بإيجاد اقتصاد متنوع من الضرورات الوطنية وهو تحقيق إسهام أكبر للقطاعات غير النفطية في السنوات القليلة القادمة بهدف الابتعاد تدريجيا عن الاعتماد على قطاع وحيد كالنفط المعرض للتقلبات والصدمات. كما أن الاهتمام الكبير من جلالته -حفظه الله- بالطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر وضع بلادنا سلطنة عمان على خريطة العالم فيما يتعلق بهذه الطاقة المتجددة، علاوة على الاهتمام بالاقتصاد الرقمي ومجالات الذكاء الاصطناعي والابتكار خاصة من الشباب مستقبل عمان الواعد ومن خلال ما تستهدفه رؤية عمان ٢٠٤٠.
النهضة المتجددة ركزت على الحماية الاجتماعية والنهوض بالإنسان العماني ومن هنا جاء قانون الحماية الاجتماعية ليغطي عددا كبيرا من المواطنين من الأطفال وكبار السن والأيتام والأرامل والأسر ذات الدخل المحدود وهناك عمل كبير قادم فيما يخص ملف الباحثين عن عمل والذي يعد الملف الوطني الأهم، كما صدر عدد من القوانين الوطنية بمراسيم سلطانية كقانون العمل وعدد من التشريعات والتي سوف تأخذ وقتها تباعا خلال هذا العام من خلال عرضها على مجلس عمان بغرفتيه الدولة والشورى.
إن جلالة السلطان المعظم هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- قام بجهد كبير خلال السنوات الأربع الماضية وهي سنوات محدودة في عمر الزمن ومع ذلك أصبحت بلادنا سلطنة عمان تحظى بمؤشرات وتصنيف دولي جيد من وكالات التصنيف الدولية الثلاث، كما أن التجارة مع الدول الشقيقة والصديقة تحقق أرقاما متنامية خاصة مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول جنوب شرق آسيا ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. كما أن مشروعات الغاز أصبحت تشكل رافدا كبيرا للدخل الوطني. وعلى صعيد آخر فإن إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة تعد من الخطوات المهمة نحو حكومة فعالة ومنتجة تعتمد على التقنية والإنجاز السريع في المجال الخدمات للمواطنين. كما أن المناطق الاقتصادية الخاصة أصبحت تؤدي دورا محوريا على صعيد جلب الاستثمار والتصنيع علاوة على مشروعات الأمن الغذائي التي تعد إحدى الاستراتيجيات الوطنية في تأمين الغذاء. كما أن الميزانية العامة للدولة هذا العام جاءت ملبية للطموحات فيما يتعلق بالتعليم والصحة والحماية الاجتماعية وفي مجال الإسكان. وعلى ضوء ذلك فإن الإنجازات الوطنية التي تحققت خلال سنوات النهضة المتجددة كبيرة ويفخر بها كل مواطن رغم التحديات التي تمت الإشارة إلى بعضها. كما أن الخطة العاشرة للتنمية تتواصل وهي تدخل السنة قبل الأخيرة في مجال التحديث.
ولعل من الأمور اللافتة التي شهدتها بلادنا سلطنة عمان خلال السنوات الأربع الماضية هو الاهتمام المتواصل بالمحافظات من خلال صدور قانون خاص بها وسط استقلالية واضحة على صعيد الإدارة المحلية الحديثة وتخصيص موازنات لمحافظات سلطنة عمان وهذا تطور نوعي سوف يحسن ويطور من المحافظات على الصعيدين الاقتصادي والتنموي.
ومن هنا فإن المشهد الوطني شهد تحولات نوعية على صعيد التحول الإيجابي للدفع بمسيرة التنمية الشاملة للأمام وفق طموحات رؤية عمان ٢٠٤٠ التي يتابعها بحرص واهتمام كبيرين جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه.
وعلى صعيد السياسة الخارجية، فان الخطاب السلطاني الأول لجلالته -حفظه الله- أكد على ثوابت ومرتكزات تلك السياسة الحكيمة والتي تقوم على التعاون والحوار والتسامح وحل الخلافات والصراعات بالطرق السلمية ومناصرة القضايا العادلة وفقا للقانون الدولي وفي مقدمتها القضية الفلسطينية حيث سجل موقف بلادنا سلطنة عمان موقفا مشرفا خاصة تجاه العدوان الإسرائيلي الغاشم على الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. ومن هنا تثبت الدبلوماسية العمانية دورها الحكيم حيث استطاعت وقف الحرب في اليمن والاستعداد لتوقيع خريطة طريق للسلام من خلال الحوار بين الفرقاء اليمنيين، كما أن عودة العلاقات الإيجابية بين إيران والسعودية وعدد من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية كان لدور جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- أهمية كبيرة فيها للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة علاوة على المصداقية والاحترام والتقدير الذي تحظى به السياسة الخارجية لبلادنا على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ومن هنا فإن الاحتفال الوطني بمرور الذكرى الرابعة لتولي جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- غدا يعد اعتزازا وولاء لما قدمه المقام السامي لوطنه من جهد كبير في سنوات قليلة وسط تحديات ليست سهلة. ومن هنا فإن الشعب العماني ومن خلال احتفالاته ومشاعره الوطنية يعبّر عن انتمائه وحبّه لسلطانه ووطنه واعدًا ببذل المزيد من العطاء لكل مواطن كل من موقعه لتزداد بلادنا سلطنة عمان تحقيقا للآمال والأهداف المنشودة في إطار نهضة سلطنة عمان المتجددة وفي ظل الرعاية السامية لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- لوطنه وشعبه.
وكل عام وجلالته -حفظه الله- بخير، والشعب العماني في تقدم وازدهار.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: حفظه الله ورعاه علاوة على على صعید من خلال کما أن
إقرأ أيضاً:
جلالة السلطان يؤكد على الروابط التاريخية العريقة بين سلطنة عُمان وهولندا
العاهل المفدى:
- ندرك مسؤوليتنا المشتركة في صياغة مستقبل أفضل تتجاوز حدود بلديْنا
- تعاوننا سيسهم في تعزيز السلام والاستقرار في أوروبا والشرق الأوسط
- ملك هولندا: نحرص على تنويع مجالات الشراكة والاستثماربين بلدينا
أمستردام العُمانية: تكريمًا لحضرةِ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظهُ اللهُ ورعاهُ - أقام جلالةُ الملك وليام ألكسندر ملك هولندا وقرينتُه جلالة الملكة مكسيما مأدبة عشاء رسميّة على شرف جلالةِ السُّلطان المعظم بالقصر الملكي.
وقُبيل مأدبة العشاء صافح جلالتُه كبار المدعوين للمأدبة. بعد ذلك ألقى جلالةُ السُّلطان المعظّم كلمة فيما يأتي نصها:
"جلالة الملك..
جلالة الملكة..
إنه لشرفٌ عظيمٌ أن نكون هنا في هولندا للاحتفال بالصّداقة الراسخة بين بلديْنا. ونتقدّم بخالص امتناننا لكرم الضيافة الذي حظينا به، وللإسهامات القيّمة التي عزّزت شراكتنا على مرّ السنين. إن حفاوة الترحيب التي حظينا بها تعكس التعاون المتجذّر بين شعبيْنا، والذي ازدهر على مدى قرون من خلال التجارة البحرية والاستكشاف والسعي المشترك وراء المعرفة.
إنّ هذه الزيارة تعكس الروابط التاريخيّة العريقة بين سلطنة عُمان ومملكة هولندا. فقد مدّ التجار والرحالة الهولنديون الأوائل جسور الصداقة منذ القرن السابع عشر، مشكّلين الأساس للتعاون المثمر الذي نراه اليوم.
ويتجسد هذا الإرث اليوم في ميناء صحار، وهو ثمرة مشروع مشترك بين مجموعة "أسياد" وميناء روتردام لإدارة وتشغيل ميناء صحار والمنطقة الحرة. إن هذا الميناء يرمز إلى إرثنا البحري المشترك، وإلى التزامنا الجماعي بالابتكار والتعاون والرؤية المستقبلية. لقد أصبح الميناءُ مركزًا نابضًا للتجارة والاستثمار العالميين، الأمر الذي يُمثل دليلًا على ما يمكن تحقيقه عندما تعمل الأمم معًا بروح الانفتاح والعزيمة.
إن الخبرة الهولندية في مجال الطاقة النظيفة وإدارة المياه تحظى باعتراف وتقدير عالمي، ونحن ممتنّون لأن هذه الزيارة قد أتاحت فرصةً لمناقشة سبل التعاون بيننا والنجاحات الأولية التي حقّقناها، لاسيما في إنتاج الهيدروجين الأخضر والحلول المائية المبتكرة.
وإلى جانب التعاون الاقتصادي، يواصل بلدَانَا تعزيز أواصر العلاقات من خلال المشاورات السياسية والتبادل الأكاديمي والحوار الثقافي. إن التفاهم المتبادل بين شعبيْنا قد وصل اليوم إلى أعلى مستوياته على الإطلاق. وبينما نواصل التمسك بقيمنا المشتركة المتمثلة في العدالة والتعدّدية وسيادة القانون، فإننا واثقون من أن تعاوننا سيُسهم في تعزيز السلام والاستقرار في أوروبا والشرق الأوسط.
وبناءً على ما حقّقناه معًا من إنجازات في مجالات النقل والخدمات اللوجستية والتجارة والطاقة، يتعين علينا الآن توسيع نطاق تعاوننا لمعالجة التحدّيات العالميّة الملحّة، لا سيما في دعم القانون الدولي وضمان الأمن للجميع. وفي هذه المساعي، يجب أن نتحلى بالحكمة في رؤانا وبالإقدام والجسارة في أفعالنا، وإدراك أن مسؤوليتنا المشتركة في صياغة مستقبل أفضل تتجاوز حدود بلديْنا.
جلالة الملك..
جلالة الملكة..
وبينما نمضي قُدمًا نحو تحقيق هذه الرؤية المشتركة، اسمحوا لنا في ختام كلمتنا أن نُعبّر مجدّدًا عن بالغ تقديرنا للصداقة المتجذّرة بين سلطنة عُمان ومملكة هولندا. ونتطلع إلى شرف استقبالكم، جلالة الملك وجلالة الملكة، في مسقط قريبًا. كما نتطلع إلى مواصلة جهودنا المشتركة في الأشهر والسنوات المقبلة.
شكرًا لكم".
كما ألقى جلالة الملك كلمة بهذه المناسبة، جدّد فيها الترحيب بجلالة السُّلطان المعظم ووفده الرسمي المرافق، مؤكدًا حرص بلاده على تنويع مجالات الشراكة والاستثمار بين بلدينا بما يسهم في إثراء النمو الاقتصادي لدى سلطنة عُمان ومملكة هولندا على مختلف الصعد.
حضر مأدبة العشاء الوفد الرسمي المرافق لجلالتِه، فيما حضرها من الجانب الهولندي عددٌ من كبار المسؤولين بمملكة هولندا.