منذ أن مضت إسرائيل في هجومها وغزوها المدمرين لغزة بعد هجمات مقاتلي حماس عليها في السابع من أكتوبر الماضي، ينتاب القلق العالم من توسع الحرب إلى صراع أكبر يأتي على الشرق الأوسط. وفي الأسابيع الأخيرة، تركَّز خطر توسع الحرب على مكان مستبعد، هو أفقر بلد في المنطقة، أي اليمن، الذي يعاني من الحرب الأهلية منذ سنين.

في أواخر أكتوبر، بدأت جماعة الحوثيين المسلحة في اليمن إطلاق صواريخ وطائرات مسيرة على إسرائيل ثم تجاوزت ذلك إلى الاستيلاء على سفن تجارية مبحرة في البحر الأحمر. وزعم الحوثيون أنهم سوف يمنعون السفن الإسرائيلية ـ أو تلك المسجلة بأسماء ملاك إسرائيليين ـ من المرور إلى أن توقف إسرائيل هجمتها على غزة. وفي الأسابيع الأخيرة عمد الحوثيون إلى تصعيد هجماتهم على سفن الشحن باستعمال الصواريخ والطائرات المسيرة والقوارب الصغيرة. فدفعت تلك الهجمات ـ التي شلَّت المرور في طريق تجاري حيوي يربط آسيا بأوروبا والولايات المتحدة ـ إدارة جو بايدن إلى عملية بحرية الشهر الماضي لحماية السفن التجارية في البحر الأحمر.

في الحادي والثلاثين من ديسمبر، تصادمت القوات الأمريكية والحوثية صداما مباشرا للمرة الأولى حينما ردت مروحيات أمريكية على نداء استغاثة أطلقته حاوية تحمل علم سنغافورة تعرضت لهجوم قوارب حوثية. وفي القتال الذي أعقب ذلك، أغرقت الولايات المتحدة ثلاثة من أربعة قوارب حوثية، وقتلت عشرة مقاتلين. وأثارت الواقعة تهديدات جديدة من مسؤولين أمريكيين وبريطانيين قالوا إنهم يدرسون تنفيذ ضربات جوية على أهداف حوثية في اليمن لمنع المزيد من الهجمات.

في يوم الأربعاء الماضي، وجَّهت الولايات المتحدة وبريطانيا ومجموعة من الحلفاء إنذارا للحوثيين جاء فيه أن «الهجمات الحوثية الجارية في البحر الأحمر غير مشروعة، وغير مقبولة، ومثيرة للاضطرابات بشدة» فيما سرَّب مسؤولون عسكريون أمريكيون أنهم وضعوا قائمة بأهداف محتملة منها محطات رادار حوثية ومواقع إطلاق صواريخ ومسيَّرات، ومستودعات ذخيرة.

أرغمت الهجمات الحوثية كثيرا من كبرى شركات الشحن في العالم على مسارات تجتنب المقاتلين بعيدا عن مسار البحر الأحمر وقناة السويس الذي يقلل الرحلة بين آسيا وأوروبا بآلاف الأميال. فباتت السفن تمضي حول جنوب أفريقيا، بما يطيل رحلات سفن الشحن أسابيع عديدة ويزيد من تكلفة الوقود والعمالة. كما تتسبب الهجمات في ضرر اقتصادي لإسرائيل التي فقد ميناؤها إيلات 85% من نشاط الشحن فيه منذ أن بدأت الحملة الحوثية.

بقطع طريق التجارة العالمية، يفرض الحوثيون تكلفة غير متوقعة على الولايات المتحدة وحلفائها بسبب دعمهم لإسرائيل. لكن الحوثيين يجتذبون الولايات المتحدة والغرب إلى وضع فاشل في حال ردهم بهجمات على اليمن في ظل أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين يقولون جميعا إنهم حريصون على منع حرب غزة من التوسع في مناطق أخرى من الشرق الأوسط. ومن شأن رد عسكري بقيادة أمريكية وبريطانية على هجمات البحر الأحمر أن يخاطر بتوسيع الحرب، ومن غير المرجح أن يرغم الحوثيين على تغيير تكتيكاتهم. فبالهجوم على اليمن، يخاطر التحالف أمريكي القيادة بإنهاء وقف إطلاق النار الهش بين الحوثيين والمملكة العربية السعودية التي خاضت الحرب منذ مطلع 2015.

تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها أيضا الضغط على إيران التي تدعم الحوثيين لكي تمنع الجماعة المسلحة من مزيد من الهجمات على سفن الشحن. وإيران تقوم منذ سنين بإمداد الحوثيين بالتمويل والسلاح، ودمجت الجماعة في شبكة من الميلشيات الإقليمية التي تطلق على نفسها اسم (محور المقاومة)، وتتضمن حماس وجماعة حزب الله اللبنانية المسلحة والعديد من الميلشيات في العراق وسوريا. ومنذ أن بدأت إسرائيل هجومها على غزة، وجهت هذه الشبكة ضربات لأهداف إسرائيلية وأمريكية في المنطقة، راجية من ذلك تكثيف الضغط على إدارة بايدن لدفع إسرائيل إلى قبول وقف إطلاق النار.

لكن حتى في حال محاولة إيران كبح الزعماء الحوثيين، ليس من الواضح ما إذا كانوا سوف يوقفون هجماتهم في البحر الأحمر أم لا. فشأن جماعات مسلحة أخرى وفاعلين غير تابعين لدول ممن رعتهم طهران في سياق محاولتها توسيع نفوذها في المنطقة على مدى العقود الثلاثة الماضية، فإن للحوثيين مصالحهم وأولوياتهم الخاصة. ولليمنيين تاريخ طويل في دعم القضية الفلسطينية، والحوثيون يقدمون أنفسهم باعتبارهم الجماعة الوحيدة التي تقوم بعمل ملموس ضد إسرائيل، خلافا لفصائل يمنية منافسة لزمت الصمت إلى حد كبير منذ غزو غزة. كما يحاول الحوثيون أيضا ترسيخ دعم إقليمي أوسع، بوضع أفعالهم على النقيض من أفعال الحكومات العربية التي أدانت إسرائيل لكنها لم تتراجع عن اتفاقيات التطبيع التي وقعتها مع إسرائيل خلال فترة إدارة دونالد ترامب.

ثمة جرح آخر قد تنكؤه أيضا الولايات المتحدة في حال استعمالها القوة العسكرية الطاغية ضد الحوثيين. فقد أنفقت المملكة العربية السعودية ما بين خمسة وستة مليارات دولار في الشهر في محاربتها الحوثيين في ذروة حرب اليمن. ولا يزال الجانبان يتفاوضان على وقف دائم لإطلاق النار يتضمن شكلا ما من التعويض السعودي. لكن جهود هذه الانفراجة اليمنية التي تحققت بشق الأنفس عرضة الآن للخطر بسبب أزمة البحر الأحمر. ففي حال هجوم الولايات المتحدة على الحوثيين، قد تقوم الجماعة المسلحة بإعادة صياغة المواجهة لتكون وسيلة لتسوية حسابات قديمة مع واشنطن. فالولايات المتحدة ـ في نهاية المطاف ـ قدمت مليارات الدولارات على هيئة أسلحة وتدريب ومساعدة مخابراتية لحليفتيها أي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة خلال حرب اليمن. وقد استغرق نطاق المعاناة الكامل في اليمن سنين، ففي نوفمبر 2021 قدرت وكالة تابعة للأمم المتحدة أن يؤدي الصراع إلى مقتل 377 ألف إنسان بحلول نهاية العام. وتضمن ذلك التقدير 223 ألف حالة وفاة ـ أي ما يقرب من 60٪ من الإجمالي ـ ناجمة عن أسباب غير مباشرة، من قبيل نقص الغذاء، وانتشار وباء الكوليرا على نطاق واسع، والأضرار التي لحقت بالبنية الأساسية في اليمن.

في حال مهاجمة تحالف ذي قيادة أمريكيية الحوثيين في الأسابيع القادمة، سيحرص الحوثيون على تذكير العالم بأن واشنطن وحلفاءها ساعدوا في التسبب في أزمة إنسانية قائمة منذ سنين في اليمن، وبأن الولايات المتحدة تخاطر بتوسيع حرب تجلب مزيدا من الشقاء على الشرق الأوسط.

محمد بزي مدير مركز هاكوب كيفوركيان لدراسات الشرق الأدنى، وأستاذ الصحافة في جامعة نيويورك.

عن صحيفة الجارديان البريطانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی البحر الأحمر فی الیمن فی حال

إقرأ أيضاً:

مارك رافالو: الولايات المتحدة تتجه إلى الديكتاتورية.. ما علاقة ترامب؟

انتقد الفنان الأمريكي الشهير، مارك رافالو، قرار القضاء الأمريكي بمنح الرئيس السابق، دونالد ترامب، حصانة في بعض القضايا، وذلك قبل أشهر على الانتخابات الرئاسية التي ينافس فيها الأخير، الرئيس الحالي جو بايدن.

واعتبر مارك رافالو أن الحكم القضائي يخل بمبدأ "الضوابط والتوازنات" في السياسة الأمريكية، ويحول الولايات المتحدة الأمريكية إلى ديكتاتورية، أسوة بألمانيا النازية التي ألغت قواعد الضوابط والتوازنات قبل أن تتحول إلى ديكتاتورية.

وقال على منصة إكس: "التاريخ يعيد نفسه".

… Just for the record. History is repeating itself https://t.co/Vyenq0eFsg — Mark Ruffalo (@MarkRuffalo) July 2, 2024

ويقسم الدستور الأمريكي الحكومة إلى ثلاث سلطات: التشريعية والتنفيذية والقضائية. وأعطى صلاحيات محددة لكل فرع ووضع ما يسمى بالضوابط والتوازنات والهدف منها هو التأكد من عدم قدرة أي فرع على التحكم في الكثير من السلطة، مما يؤدي إلى الفصل بين السلطات، وحث الأطراف السياسية في البلاد على تقاسم السلطة، وليس احتكارها.



من جانبه، انتقد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الثلاثاء، قرار المحكمة العليا بشأن الحصانة الرئاسية، الذي قضى بأن الرؤساء يتمتعون بحصانة مطلقة من الملاحقة القضائية عن الأعمال الرسمية الأساسية، وأصدر تحذيرا شديد اللهجة بشأن فترة ولاية ثانية محتملة للرئيس السابق دونالد ترامب.

استهجن الرئيس الأمريكي جو بايدن، قرار المحكمة العليا، والمتعلق بسلفه دونالد ترامب، وتمتعه بحصانة مطلقة من الملاحقة، محذرا من فوزه بولاية ثانية وخطورته على أمريكا.

وقال بايدن: "لا يوجد ملوك في أمريكا، كل واحد منا متساو أمام القانون، لا أحد، لا أحد فوق القانون، ولا حتى رئيس الولايات المتحدة، قرار المحكمة العليا بشأن الحصانة الرئاسية، غير ذلك بشكل جذري".

وقضت المحكمة العليا الأمريكية، الاثنين الماضي، بتمتّع الرئيس السابق دونالد ترامب، بـ"حصانة جزئية"، فيما يخص ادعاءات دوره باقتحام الكونغرس في 6 يناير/ كانون الثاني 2021 والتدخل بالانتخابات الرئاسية عام 2020.

جاء ذلك في معرض تقييم قضاة "العليا الأمريكية"، لطلب تقدم به ترامب في وقت سابق، حول تمتعه بـ"الحصانة الرئاسية" أمام الادعاءات التي تلاحقه.

وحكمت المحكمة بأن ترامب يتمتع بـ"حصانة عن الأعمال الرسمية، ولكن ليس عن أعماله الشخصية وتصرفاته الخاصة".

المحكمة التي أصدرت قراراها بأغلبية 6 قضاة مقابل رفض 3 آخرين، أوضحت أن الإجراءات غير الرسمية للرئيس لا تتمتع بالحصانة.



وفي معرض تعليقه على الأمر، أكد رئيس المحكمة العليا، جون روبرتس، أن الرئيس ليس مستثنى من القوانين، وأنه لا يتمتع بحصانة بسبب أعماله الخاصة.

وأضاف أن هيئة المحكمة توصلت إلى قرار مفاده بأن "الرئيس يتمتع بحصانة جزئية".

ومن المرجح أن يؤدي قرار المحكمة العليا، لتأخير محاكمة ترامب أكثر، فيما يخص التدخل في الانتخابات الفيدرالية، نظرا للحاجة إلى تحديد التهم التي سيعفى منها ويحاسب عليها الرئيس السابق للبلاد.

وكان ترامب قد تقدم بطلب للمحكمة العليا لإسقاط الدعوى المرفوعة ضده بسبب "دوره في اقتحام الكونغرس يوم 6 يناير، والتدخل في الانتخابات الرئاسية عام 2020"، مبررا طلبه هذا بتمتع الرئيس بـ "الحصانة".

ويأتي هذا الحكم بحق ترامب على خلفية القضية المرفوعة من الحكومة الأمريكية ضده ترامب على خلفية دوره في أحداث 6 يناير 2021 عندما اقتحم الآلاف من أنصاره مبنى الكونغرس في محاولة لتعطيل التصديق على نتائج الانتخابات التي فاز بها منافسه الديمقراطي جو بايدن.

وبمقتضى هذا الحكم، تعود القضية المرفوعة ضد ترامب إلى محكمة أدنى.

مقالات مشابهة

  • نشاط القراصنة في الصومال يتزايد بسبب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر
  • النفط يصعد مدعوما ببيانات عن انخفاض كبير في مخزونات الخام الأمريكية
  • أبين تستعر.. القبائل تحشد رجالها وسلطة وقوات المحافظة تخلي مسؤوليتها
  • هجمات الحوثي على التجارة الدولية تعمّق معاناة اليمن وتؤثر على العالم
  • الحوثيون يشنون أكبر عدد من الهجمات على السفن
  • مارك رافالو: الولايات المتحدة تتجه إلى الديكتاتورية.. ما علاقة ترامب؟
  • تقرير أمريكي يكشف عجز قدرات واشنطن البحرية
  • صحيفة أمريكية: عمليات القصف المتكررة لم توقف هجمات اليمن
  • هجمات 7 أكتوبر.. دعوى قضائية على 3 دول
  • بنك الولايات المتحدة يحذر: هجمات الحوثيين في البحر الأحمر تُعيق سلسلة التوريد وتهدد الاقتصاد الأمريكي