الحرب الثقافية في جامعة هارفارد وغيرها
تاريخ النشر: 9th, January 2024 GMT
لقد اضطرت كلودين جاي، أول رئيسة سوداء لجامعة هارفارد، إلى الاستقالة بعد أسابيع من الضغوط من أجل التنحي عن منصبها، لكن كل من شارك في الجدل الذي دفعها للاستقالة يبدو في صورة سيئة.
لقد كان السبب الظاهري للإطاحة بها هو الكتابة الأكاديمية غير المتقنة - في الأغلب الفشل في أن تشير إلى أسماء الأكاديميين الآخرين الذين اقتبست منهم كلمة بكلمة تقريبًا في أعمال منشورة سابقًا- لكن هذه الاكتشافات جاءت في أعقاب مزاعم بمعاداة السامية والمعايير المزدوجة.
لا يوجد أي دليل على أن جاي أو ماجيل أو العديد من المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين في الحرم الجامعي معادون للسامية. (إن أنصار حماس هم أمر مختلف)، ولكن الهوس العنصري يسيطر على عقول المدافعين الأكثر تعصبًا عن القضية الفلسطينية كما هو الحال مع المحرضين اليمينيين الذين تسيطر على عقولهم معارضة جهود «التنوع والمساواة والاندماج». إن هؤلاء ينظرون إلى العنف في غزة والقمع الإسرائيلي للفلسطينيين كمثال على التفوق الأبيض.
وحسب وجهة النظر تلك فإن الإسرائيليين هم أشخاص بيض يمارسون الاستبداد الوحشي ضد أشخاص ملونين، ولهذا السبب يردد المتظاهرون المؤيدون لفلسطين شعارات مثل: «جيش الدفاع الإسرائيلي، كو كلوكس كلان، أنتم متشابهون!» - وكأن الجنود الإسرائيليين يشبهون العنصريين الجنوبيين الملثمين الذين أعدموا السود ذات يوم. إن حقيقة أن معظم الإسرائيليين ينحدرون من دول عربية ولا يمكن تمييزهم جسديًا عن السكان العرب تبدو غير ذات صلة. يمثل هذا الرأي تغييرا جوهريا مقارنة بمعاداة السامية في الماضي، فقبل القرن التاسع عشر، كان المسيحيون يضطهدون اليهود لأنه من المفترض أنهم قتلة المسيح، ولكن مع تأسيس الدول القومية الحديثة وبعد أن أصبح اليهود أقل تدينًا ومتحررين اجتماعيًا، تم اختراع فروقات بيولوجية زائفة جديدة لتبرير الكراهية القديمة. إن المتعصبين الأوروبيين والأمريكيين لم ينظروا لليهود على الإطلاق على أنهم رفاقهم من البيض، بل على أنهم عرق غريب. إن المعادين للسامية من جميع التوجهات السياسية يشتركون في شكوكهم القائمة على نظرية المؤامرة بأن اليهود يشكلون عصابة عالمية تتمتع بقوة هائلة وراء الكواليس، وفي حين كان اليمينيون المعادون للسامية ينظرون إلى اليهود باعتبارهم متآمرين بلشفيين عازمين على تقويض نقاء الأمم، كان الشيوعيون ينظرون إليهم باعتبارهم من طبقة الأثرياء الرأسماليين الحاكمة والذين يضطهدون الطبقة العاملة.
إن السبب الرئيسي وراء انجذاب العديد من اليهود للصهيونية هو أن وجود دولتهم الخاصة من شأنه أن يحررهم أخيرًا من الاضطهاد باعتبارهم غرباء دائمين، أو باعتبارهم «عالميين بلا جذور» كما أسماهم ستالين، وفي إسرائيل، أخيرًا، أصبح بإمكانهم أن يشعروا بأنهم متجذرون. ولكن كما توقع بعض منتقدي إسرائيل في وقت مبكر جدًا، فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى تبني إسرائيل تدريجيًا لبعض الخصائص نفسها تمامًا مثل الدول التي اضطهدت اليهود في الماضي: مفاهيم التفرد العرقي والشوفينية والتبجح العسكري، وعلى الرغم من أن هانا أرندت كانت صهيونية في الأربعينيات من القرن الماضي، إلا أنها أصبحت ناقدة عندما رأت أن دولة اليهود أصبحت دولة يهودية - ليست ملاذًا للاجئين المضطهدين، بل دولة قائمة على أساس القومية العرقية والدينية والشعور بعدم إمكانية المساس بها أخلافيًا وذلك على أساس تاريخ كانت فيه الضحية. لقد استغرق هذا التحول بعض الوقت. لقد كان العديد من المستوطنين الأوائل مثاليين يساريين. لكن الحكومة الإسرائيلية الحالية تضم وزراء عنصريين بلا خجل. لقد أدين إيتامار بن جفير، وزير الأمن القومي، ست مرات بتهمة التحريض، ولهذا السبب وحده، تحظى إسرائيل الآن بإعجاب كبير من قبل السياسيين اليمينيين المتطرفين في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. أما في ثلاثينيات القرن الماضي، فلقد كان «مؤيدو أمريكا أولًا» مثل تشارلز ليندبيرغ، الطيار البطل، في كثير من الأحيان من المعادين للسامية وأظهروا تعاطفًا ليس بالقليل مع ألمانيا النازية. ومع ذلك، نجد اليوم أن دونالد ترامب وغيره من الذين يدعون إلى «أمريكا أولا» هم من أشد المعجبين بالدولة اليهودية، وهو ما يفسر لماذا يقارن العديد من الناشطين في الجامعات قوات الدفاع الإسرائيلية بمنظمة كو كلوكس كلان.
لقد اعتاد المعادون السامية على ربط اليهود بالولايات المتحدة الأمريكية لأن القوميين الأوروبيين كانوا ينظرون إلى كليهما باعتبارهما رمزين لعالمية بلا جذور. أما الآن فيربط المتظاهرون المؤيدون لفلسطين بين إسرائيل والولايات المتحدة لأنهم ينظرون إلى كلا البلدين باعتبارهما رموزا للقمع الأبيض للأشخاص الملونين. ربما كان هذا هو السياق الذي تحدثت عنه جاي عندما حاولت الإجابة على سؤال ستيفانيك الخادع. لقد كنت أتمنى لو أن جاي قد عبرت عن نفسها بطريقة أقل ارتباكًا وأن تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية بما في ذلك أعلى مؤسساتها التعليمية من تخفيف هوسها بالعِرق لكن هذا يبدو أمرًا صعب المنال للغاية في الوقت الحالي.
إيان بوروما كاتب وروائي وهو صاحب رواية «القتل في أمستردام»
خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: جامعة هارفارد ینظرون إلى العدید من
إقرأ أيضاً:
“قلق على مستقبل إسرائيل”.. آلاف الإسرائيليين بدأوا هجرة عكسية إلى كندا
يمانيون – متابعات
ذكر موقع “والاه” الإسرائيلي، السبت، أنّ الآلاف من الإسرائيليين هاجروا إلى كندا، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وأوضح الموقع، في تقريره، أنّ كندا تمنح الإسرائيليين “تأشيرة إنسانية”. وبحسب التقديرات، استغل آلاف الإسرائيليين الفرصة فعلاً، وغادروا إلى هناك.
ونقل الموقع عن ميشال هاريل، التي انتقلت إلى كندا قبل نحو 5 أعوام، وتدير موقعاً يساعد الإسرائيليين على الهجرة، قولها إنّ كندا “توفر حياة مريحة، ومجتمعاً تعددياً، ونظاماً صحياً عاماً، وتعليماً ممتازاً، وأفقاً اقتصادياً للأجيال المقبلة، إلى جانب الطبيعة الخلابة”.
وأشار الموقع إلى وجود برنامج كندي خاص باستقبال المهاجرين الإسرائيليين، موضحاً أنّ البرنامج، الذي أُعلن بداية العام، تم تمديده في الأيام الماضية عاماً آخر، بحسب ما يرى البعض، بسبب التصعيد في الشمال.
وتم إطلاق مشروع يمنح الإسرائيليين تأشيرة عمل لمدة 3 أعوام في كندا، يمكن خلالها تقديم طلب للحصول على الإقامة الدائمة، أو المواطنة الكاملة.
“الإسرائيليون بعيدون عن الانتماء الوطني”
ولدى سؤالها عن “الانتماء الوطني إلى إسرائيل”، ردّت هاريل بأنّ هناك “حالات منعزلة من ردود فعل أقل سروراً في الشبكات، لكن الجميع سعداء بالمشروع، وبمساعدة الإسرائيليين الذين يحتاجون إلى الراحة”.
وذكر الموقع أنّ كندا كانت دوماً “وجهة مفضلة للهجرة لليهود من جميع أنحاء العالم”، وأنّ اليهود يتمتعون في كندا بحياة مريحة وهادئة، وخالية من مظاهر معاداة السامية.
وبحسب التقديرات لآخر إحصاء في 2021، يعيش في كندا نحو 400 ألف إسرائيلي، معظمهم في تورونتو، يُضاف نحو 2000-3000 إسرائيلي إليهم سنوياً، لكن من المحتمل أن يكون عددهم زاد بصورة ملحوظة منذ بداية الحرب.
ومنذ بداية الحرب، تحدّث الإعلام الإسرائيلي عن عدد كبير من الإسرائيليين الذين غادروا الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكشَفَ ازدياداً كبيراً في “الهجرة” العكسية اليهودية.