وضع العلاقات الأمريكية الصينية في طريق التعافي
تاريخ النشر: 9th, January 2024 GMT
في عام 1979 عندما طبَّعت الولايات المتحدة والصين علاقاتهما كان هنالك مبدأ رئيسي واحد يقود السياسة الأمريكية وهو أن الصين المستقرة والحديثة مفيدة لنفسها وللولايات المتحدة وللعالم. شكل هذا المبدأ الفلسفة الشاملة التي كانت وراء التوسع في روابط الاستثمار والعلم والتقنية والتعليم والثقافة بين البلدين طوال ما يقرب من أربعة عقود.
ثم دون سابق إنذار تقريبًا أصبح الصعود المطَّرد لاقتصاد الصين وتعاظم قدراتها العلمية والتكنولوجية محفِّزًا للتشكيك في صحة ذلك المبدأ.
بدا أن هنالك ثلاثة أشياء تدفع لإعادة النظر في السياسة الأمريكية تجاه الصين. أولها سرعة صعود الصين. وهذا ما لم يكن متوقعا منذ شروعها في الإصلاح وانفتاحها. ثانيها عولمة تأثير الصين مع تحولها من قوة إقليمية طموحة إلى لاعب دولي مكتمل الأركان. وثالثها النجاعة الواضحة لنموذج رأسمالية الدولة الصيني والذي شكل كما يبدو بديلا لنماذج اقتصاد السوق الغربية.
بالإضافة إلى ذلك ومع استمرار الصين في تطوير قدراتها تشكل إحساس بما يسمى «التهديد الصيني» وكأنما كانت هنالك لعبة مجموع صفري تعني أن ما تكسبه الصين يمثل نوعًا من الخسارة للولايات المتحدة والبلدان الأخرى.
لسوء الطالع ونظرًا إلى المخاوف التي برزت في الولايات المتحدة بدأ العديد من المسؤولين الأمريكيين في التفكير في فك الارتباط مع الصين. وعزز ظهور جائحة كوفيد-19 فكرة الانفصال. وبطريقة أو بأخرى تبددت بأكملها تقريبا فوائد التعامل معها والارتباط بها.
اليوم وكما أوضحت الأشهر الستة إلى الثمانية الأخيرة تجد الولايات المتحدة نفسها وهي تحاول التخلص من عواقب إعادة التفكير في الارتباط بالصين. فقد بدأ قادة الولايات المتحدة يدركون مستوى الاعتماد المتبادل بين البلدين وأنه ببساطة أهم من أن يتم تجاهله.
في الواقع ليس بالضرورة أن يستثير التنافس بين البلدين صراعًا. ولا نحتاج إلى القول إن العلاقة الاقتصادية من خلال التجارة والاستثمار أفادت الطرفين وأن التعاون في مجالي العلم والتكنولوجيا حقق نتائج بحثية جنى ثمارها البلدان. كما قاد تبادل الطلاب والعلماء إلى تكوين مجموعة من أصحاب المواهب والقدرات ممن خدموا الأهداف الاقتصادية والعلمية والتقنية لكلا المجتمعين الأمريكي والصيني.
أوجدت التجارة الأمريكية الصينية العديد من الوظائف في كلا الاقتصادين مع تصدير الصين السلع المصنَّعة للولايات المتحدة وتصدير الولايات المتحدة الزراعة والتقنية الرفيعة للصين. وفي حين ظل هنالك اختلال جسيم في أعداد الطلاب والعلماء الأمريكيين الذين يذهبون إلى الصين مقابل أعداد الطلاب والعلماء الصينيين في الولايات المتحدة إلا أن كلا البلدين سعيا بشدة لدعم واستدامة الروابط التعليمية؛ لأنها أصبحت إحدى الدعامات الأساسية التي ترتكز عليها العلاقات الصينية الأمريكية.
بالتأكيد لم يكن كل شيء ورديا في كل المجالات. فتاريخ وثقافة وقيم البلدين مختلفة اختلافا شاسعا.
نحن (في الولايات المتحدة والصين) لدينا بعض الاختلافات الكبيرة حول مسائل مهمة تتفاوت من حماية حقوق الملكية الفكرية إلى حماية البيانات وأمن بحر الصين الجنوبي.
هذه الاختلافات أفصحت عن نفسها في كل شيء ابتداء من المفاوضات التجارية الصعبة وإلى اتخاذ القرارات المعقدة في السياسة الخارجية والتفكير الاجتماعي-السياسي متعدد الأبعاد الذي يقود مؤسساتنا الحكومية.
مع ذلك اعتقد بعض المراقبين لفترة من الوقت أثناء التسعينيات وبداية العشرية الأولى أن الصين والولايات المتحدة تتخذان مسارا يقود إلى نوع من التقارب، حيث بدا أن مقتضيات العلم والتكنولوجيا إلى جانب عولمة الأسواق والمعايير الثقافية تشير إلى أن بعض اختلافاتنا الجوهرية قد تتلاشى مع مرور الوقت.
وفي حين جلبت العولمة حقا مستويات أعظم من التعاون والتداخل، إلا أن سنوات العقد الأخير التي اتسمت بالتوتر كشفت أن على كلا البلدين السعي لإيجاد سبيل للقبول باختلافاتنا بدلا من الاعتماد على بعض التوقعات الزائفة بأننا سنتماثل باطراد.
إذا تعلمنا أي شيء من تفاعلاتنا منذ عام 1979 فهو أننا يجب علينا احترام اختلافاتنا وإيجاد مسار للعيش والعمل جنبا إلى جنب دون استثارة صراعات وأوضاع سوء تفاهم خطرة.
بصراحة في حين وجدت حكومتا بلدينا سبلا متزايدة للخلاف خلال السنوات العديدة الأخيرة ألا أن العامل الذي يعزز الاستقرار في العلاقة الثنائية وبطرائق عديدة ظل متمثلا في النجاعة المستمرة للدبلوماسية الشعبية.
من المذهل إدراك أن مواطني كلا البلدين رغم كثرة الخلافات السياسية بين بكين واشنطن ظلوا يتفاعلون فيما بينهم بطرائق منتجة جدا.
مثال على ذلك زيارة نائب حاكم هونان مؤخرا إلى كارولاينا الشمالية. ففي حفل عشاء أقيم على شرف وفد هونان تواجد عدد كبير من رجال الأعمال والأكاديميين وممثلي المؤسسات والثقافية. وكانت الأجواء في القاعة تتسم بمشاعر الصداقة والتفاهم خلافا للغة الخطاب الحاد المتبادل بين حكومتي البلدين.
لقد عكس الحضور من جانب الولايات المتحدة تنوع المجتمع الأمريكي. فقد كان هنالك أمريكيون من أصل صيني وأمريكيون أفارقة وقوقازيون وأمريكيون من أصل إسباني. وهذا يبشر بإحياء الصداقة بين بلدينا خصوصا إذا أمكننا تجاوز آلام وتوترات الأعوام الخمسة إلى الستة الأخيرة.
هذا يفسر أهمية الاجتماع الذي انعقد بين زعيمي البلدين. حقا هنالك عدد قليل من الاختراقات الكبرى. وهنالك قضايا عديدة بالغة الأهمية لا تزال عالقة ولا توجد لها حلول سهلة في الأفق. من بينها قضية تايوان على الرغم من أن الرئيس بايدن أكد مجددا على سياسة «الصين الواحدة» الأمريكية. ومن بينها كذلك الأحداث في أوكرانيا والشرق الأوسط خصوصا الحرب الناشبة بين إسرائيل وحماس في غزة. وأيضا الجغرافيا السياسية لبحر الصين الجنوبي ومخاوف أمن الإنترنت وقضايا أخرى.
من جهة أخرى، يبدو أن بعض التقدم قد تحقق فيما يتعلق بالضوابط الموسعة لصادرات مسكِّن الفينتانيل للولايات المتحدة والاتصالات العسكرية-العسكرية وإدارة الأزمة والسيطرة على التغير المناخي والطاقة النظيفة وحوكمة تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
لقد عبرت الصين عن مخاوف محددة حول تزايد القيود المفروضة على صادرات أشباه الموصلات الأمريكية إلى الصين والتقنيات المرتبطة بها. وهي تؤكد بذلك على خطورة التأثير المحتمل لهذه القيود على التنمية الاقتصادية الصينية.
مع إدراك كل ذلك، من المهم الإقرار بأن فرصة اجتماع زعيمي البلدين وجهًا لوجه ساعدت على تعزيز الزخم الإيجابي الذي نتج عن تزايد الزيارات المتبادلة بين كبار مسؤولي البلدين خلال الشهور العديدة الأخيرة.
في التحليل النهائي لا يزال هنالك الكثير من العمل الذي يلزم القيام به لاستعادة الثقة بين بكين وواشنطن. ولا يَعِد قدوم الانتخابات في تايوان وأيضا الانتخابات الرئاسية الأمريكية إلا بإضافة المزيد من التعقيد للمعادلة سواء في الصين أو الولايات المتحدة.
مع ذلك يظل هنالك عدد غير محدود من الفرص للتعاون بين البلدين. أحد المجالات ذات الأهمية البالغة تتعلق بتجديد اتفاقية التعاون العلمي والتكنولوجي التي وقعت أول مرة في عام 1979 وجددت كل خمس سنوات بعد ذلك. في الوقت الحاضر وحتى اكتمال المفاوضات الجارية وإدراج لغة جديدة تم تجديد الاتفاقية لفترة ستة أشهر فقط بداية من أواخر أغسطس 2023.
خدمت هذه الاتفاقية مصالح كلا البلدين بطرائق مختلفة وساعدت على ربط أهل العلوم والتكنولوجيا في المجتمعين الصيني والأمريكي وتأسيس معايير وقيم وبروتوكولات متنوعة يتشاركها الطرفان في مجال البحث والابتكار.
سيكون أحد المؤشرات التي تبعث على التفاؤل فيما يتعلق بالأثر المحتمل لاجتماع زعيمي البلدين اتخاذ قرار واضح بمراجعة وتجديد الاتفاقية لخمس سنوات أخرى.
وبالنظر إلى التقدم السريع للصين في مجالي العلوم والتكنولوجيا والتزام الولايات المتحدة القوي بتحسين الأداء العلمي والتكنولوجي من خلال التشريعات مثل قانون الرقائق والعلوم من الممكن تحقيق مستويات أعلى من المنافع. يجب عدم تجاهل ذلك خصوصا فيما نحن نفكر في الحلول الممكنة في المستقبل لمشاكلنا الدولية الضاغطة.
دينس سايمون زميل متميز بمعهد الدراسات الصينية - الأمريكية.
الترجمة لـ«$» عن صحيفة تشاينا ديلي
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة بین البلدین کلا البلدین
إقرأ أيضاً:
35 مليار دولار.. الصين تستهدف شركات التكنولوجيا الأمريكية للضغط على إدارة ترامب
ذكرت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية اليوم الإثنين، أن الصين تستهدف شركات التكنولوجيا الأمريكية بملفات مكافحة الاحتكار لممارسة ضغط على إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب .
وقالت مصادر مطلعة على استراتيجية بكين "دون الكشف عن هويتها" بحسب ما أوردته الصحيفة الأمريكية- إن السلطات الصينية تسعى إلى إعداد قائمة بشركات التكنولوجيا الأمريكية التي يمكن استهدافها بتحقيقات مكافحة الاحتكار وأدوات تنظيمية أخرى بهدف التأثير على كبار التنفيذيين في قطاع التكنولوجيا الذين تربطهم صلات قوية بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب .
وذكرت المصادر أن الهدف الأساسي من هذه الخطوة هو جمع أكبر عدد ممكن من الأوراق التفاوضية قبل المحادثات المتوقعة مع إدارة ترامب حول القضايا التجارية بما في ذلك التعريفات الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على البضائع الصينية .
وبدأت الصين بالفعل تحقيقات ضد شركة إنفيديا وجوجل بشأن قضايا مكافحة الاحتكار، كما تستهدف شركات أمريكية أخرى مثل آبل، وشركة بروج كوم المتخصصة في أشباه الموصلات، و سينوبسيس المزودة لبرمجيات تصميم الشرائح الإلكترونية، والتي تنتظر حاليًا موافقة بكين على صفقة استحواذ بقيمة 35 مليار دولار.
من جانبه، قال المختص في سياسات التكنولوجيا بشركة تريفيوم الصين توم نانليست، إن الصين تحتاج إلى كل ما يمكنها من النفوذ لمواجهة الضغط الأمريكي وقضايا مكافحة الاحتكار تعد من أقوى الأدوات المتاحة. وأضاف: "الصين تجمع رقائقها التفاوضية فهي تريد الجلوس إلى طاولة المفاوضات ومعها شيء تساوم به".
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن الاستراتيجية الصينية لها عده مخاطر حيث أصبحت الشركات الأمريكية أقل استعدادًا للدفاع عن مصالح الصين مقارنة بالفترة الأولى من إدارة ترامب كما أن التهديدات الصينية قد تؤدي إلى نتائج عكسية عبر إحجام الشركات الأجنبية عن الاستثمار في البلاد، في وقت تسعى فيه بكين إلى جذب الاستثمارات.
وفي السنوات الأخيرة، عززت الصين أدواتها التنظيمية مستفيدة من النهج الأمريكي؛ ففي عام 2020، أنشأت "قائمة الكيانات غير الموثوقة"، مستوحاة من القائمة الأمريكية التي حظرت تعامل شركة هواوي مع الشركات الأمريكية كما قامت في 2022 بتعديل قانون مكافحة الاحتكار لتشديد القيود على عمليات الاندماج غير التنافسية .
ويأمل المسؤولون الصينيون في لفت انتباه كبار رجال الأعمال المقربين من ترامب ، مثل ساندار بيتشاي، الرئيس التنفيذي لشركة جوجل، وتيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة آبل، الذين جلسوا بجوار ترامب خلال حفل تنصيبه، وفقًا لمصادر مقربة من صناع القرار في بكين.
وبعد ساعات فقط من دخول تعريفات جمركية أمريكية إضافية بنسبة 10% على السلع الصينية حيز التنفيذ يوم الثلاثاء الماضي، أعلنت الصين فتح تحقيق مكافحة احتكار ضد جوجل.
ولا تزال الصين غاضبة من قرار جوجل في 2019، عندما التزمت بالقواعد الأمريكية ومنعت هواوي من استخدام نظام أندرويد، مما أجبر الشركة الصينية على تطوير نظام تشغيل خاص بها.
وفي ديسمبر الماضي، جاء تصعيد آخر عندما شددت إدارة بايدن القيود على تصدير أشباه الموصلات المتطورة إلى الصين وبعد أسبوع واحد فقط، أعلنت الصين عن تحقيق مع إنفيديا بشأن عملية استحواذ تعود لعام 2019، حيث يتركز التحقيق على ما إذا كانت الشركة مارست تمييزًا ضد الشركات الصينية عند وقف بيع بعض منتجاتها لها.
وأضافت (وول ستريت جورنال) أنه بالإضافة إلى ملفات مكافحة الاحتكار، تستخدم الصين قضايا الأمن القومي كأداة ضغط على الشركات الأمريكية.
ففي عام 2023، حظرت الصين الشركات الكبرى من شراء منتجات تقنية الميكرون بعد تحقيق أمني زعمت أنه كشف عن مخاطر أمنية وطنية.
وكانت وزارة التجارة الأمريكية قد وصفت هذه القيود الصينية في ذلك الوقت بأنها لا تستند إلى أي حقائق.
واختتمت الصحيفة الأمريكية تقريرها بأنه "مع تصاعد هذه الإجراءات المتبادلة بين واشنطن وبكين تبرز مخاوف من إمكانية تحول التوترات الحالية إلى حرب تجارية شاملة ما قد ينعكس سلبًا على الشركات الأمريكية والمستهلكين".