اطلعت على وثيقة صادرة من مجلس الوزراء بشأن «ملامحَ التوجهاتِ الاستراتيجية للاقتصادِ المصرى خلال الفترةِ 2024- 2030» والمقرر عرضها على الحوار المجتمعى قبل العمل بها.
الوثيقة تستهدف توفير مليون فرصة عمل بالخارج للمصريين فى تخصصات مطلوبة فى العديد من الدول بهدف زيادة تحويلات المصريين بالخارج.
وأوضحت الوثيقة أنه من مجالات العمل المستهدفة للمصريين فى الأسواق الخارجية الذكاء الاصطناعى وخدمات تكنولوجيا المعلومات والتمريض والتكنولوجيا الحيوية وغيرها مـن التخصصات.
ويأتى ذلك فـى ضوء التقديرات التى تفيد وجود نقص كبير فى فرص العمل فـى كل من دول الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة الأمريكية وفجوة تقدر بنحو 100 مليـون فرصة عمل حتى 2040 تتنافس فيما بينها الدول النامية ولا سيما الهند لسد هذه الفجوة.
وتستهدف الحكومة، وفق الوثيقة، زيادة تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنسبة سنوية 10% من 2024 إلى 2030 لتصل إلى نحو 53 مليار دولار.
الفكرة حلوة.. ورغم أنها ضمن وثيقة للحكومة الحالية التى يريد البعض أنها فقدت كل عوامل بقائها، ولاتستطيع تقديم رؤية لمصر حتى 2030 كما جاء بالوثيقة، إلا أنها- أى الوثيقة- تعد إنجازًا كبيرًا من الممكن العمل على تنفيذها، خاصة نوعية الأفكار التى تحل مشكلة الدولار مثل فكرة توفير فرص عمل بالخارج.
الحقيقة أن دولًا كثيرة ترعى فكرة عمل أبنائها بالخارج بل ومصر من أوائل الدول التى فعلت ذلك منذ ستينيات القرن الماضى عندما أطلقت البعثات واعارات المعلمين المصريين، وكانت تلك الفكرة ناجحة إلى حد كبير، ولا أدرى لماذا تراجعت الفكرة فى السنوات الماضية.
نسمع ونرى كثيرًا عن نماذج مصرية أخذت على عاتقها موضوع الدراسة والسفر بالخارج وحققت نجاحات كثيرة.
لو تم الأمر برعاية الدولة بالتأكيد سوف يستفيد كل من يسافر إلى الخارج ويذهب إلى العمل فى تلك الدول بعقود موثقة مع حكومات الدول المضيفة.
الفكرة تؤكد أن الحكومة استيقظت أخيرًا وتبحث عن أفكار خارج الصندوق لتطبيقها، وإنقاذ الاقتصاد المصرى من عثرته.
الحقيقة أنه لا يختلف اثنان على الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء الحالى فى الإخلاص والتفانى فى عمله، ولكن التغير سنة الحياة، ومصر تعانى من أزمة اقتصادية خانقة ونحن بحاجة لمثل هذه الأفكار، ونحتاج مجموعة اقتصادية من الكفاءات المصرية لإدارة دفة الأمور والخروج من النفق المظلم.. سواءً فى حكومة يرأسها مدبولى أو غيره.
تغير الطريق ضرورى إذا ثبت أنه لا يوصلنا إلى الهدف.. التغير مطلوب فى الأفكار والرؤى أولًا.. وتلك الأفكار تحتاج إلى تغيير الأشخاص.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعى رئيس الوزراء الكفاءات المصرية الاقتصاد المصرى
إقرأ أيضاً:
جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. استعمار الأفكار (2-2)
صراع قيميالذي في مجتمعنا مهما كان دينه، هو متعرض لإضافة قناعات إلى فِكْرِهِ من مراجع فكرية متعددة غزت المنطقة والآن الكثير منها في الإنترنت، لكن لا تواجه هذه المستجدات أفكارٌ جديدة تخاطب الواقع عندنا بل يهاجَم من يحاول الاجتهاد والتجديد؛ وأساليب المقاومة للسلوكيات السلبية من الوعاظ في كل الأديان أصلا ليست مجهولة للمنصوح، بل هو يستهجنها خفاء أو علنا لأنها لا تتماشى مع ما وصل إليه البشر من علوم وابتكارات.
هذه الأفكار نفسها تتصارع في الإنسان، فبعضها يبيح الفعل وبعضها يحرمه فتجد صراعا مستمرا ما بين القيم الأساسية والمنتحلة واضطراب نفسي سلوكي لمعالجة الحاجة. في العصر العباسي كان تبني للأفكار وتطويرها من جنس منهجها ومقاربات هزيلة شوهت الفكر الإسلامي رغم محاربتها لكنها دخلت في الشروح والفقه وجعلت الخزعبلات والخوارق مقبولة وهي من اصل الفلسفة الشرقية والغربية، وروج سوء الفهم للإسلام ومهامه بشكل مجحف.. "تُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إلى أهْلِها يَومَ القِيامَةِ، حتّى يُقادَ لِلشّاةِ الجَلْحاءِ، مِنَ الشّاةِ القَرْناءِ"، هذا حديث يقال على المنابر بينما المكلف هو الإنسان، والحيوان مسخر غريزي لا منظومة عقلية له لتحاسب، وهذا للمثل إن أُخذ بنصه لغير العبرة فهو تشويه لفكرة الخليقة في القرآن، ونرى فرقا اليوم تخرج الإسلام عن مهمته بأسماء متعددة.
صراع نفسي:
مجموعة القيم والأفكار في صراعها سيواجه الإنسان مشكلة الاستقرار، واضطرابات نفسية في الحكم على غيره بممارسة ممكن أن يفعلها هو، وكلما زادت الأفكار التي تدخل المنظومة العقلية وتجيب عن أسئلة فيها فتكون من المدرك بالضرورة، تزداد المعاناة النفسية، وتأتي مقاربات كمقاربة معجبي الرأسمالية والشيوعية ومتبنيهما مع الإسلام، مثل مقاربة التكافل بالاشتراكية، والملكية الفردية بالرأسمالية، لكن يمكن تبني الأمور المدنية كالانتخابات لحين أن يفرز المجتمع أسلوبا يناسبه.
تفاعل الفكر والشروحات تجعل الميل إلى الخرافات من المضافات كمعجزات أو خوارق، وهذا في كل المعتقدات كمثل من حدد أن نهاية العالم 2000 أو 2012، ونبوءة المايا وضرب "ليون مستنغر" أمثال متعددة على فشل النبوءات كعودة المسيح، وأن مناحيم مندل قد يكون هو المسيح لكنه مات بسكتة دماغية 1994 فقالوا إنه سيعود "فالمسيح يستيقظ من بين الأموات"، ذات الشيء عن التنبؤ الحسابي بنهاية الكيان الصهيوني سنة 2023 وانتقل الآن إلى 2027.. والأمثلة كثيرة.
عندما يريد الإنسان أن تكون له مكانة وتفوق ويجد من هو أفضل منه فإنه يحاول تسفيهه بافتراض أنه مزايد أو دجال، على قاعدة العنب الذي لا يُطال حامض، بدل السعي للتكامل معه. غالبا الشخص الجيد ليس هو الذي يوقظ الناس وإنما هو من يطرح ما يفكرون هم به ليقودهم إلى حيث يريد وهو ليس ما يريدون، كذلك نرى الشعوب تلفظ المصلحين وتخضع للطغاة الذين يقمعونهم بحجة التحديات من الإمبريالية والاحتلال للجوار أو البلد أو فكرة مضادة.
معادلة مهمة: هي معادلة قبول الفكرة لنرى صيغة رياضية لها وبتحقيقها يحصل التناقض:
توافق الفكرة بمقاربة مع الفكرة الأساسية (افتراضية) + مقاربة مع النفسية والمزاج (مماهاة) + فقدان وسائل المعالجة (المجتمع وازدواج الأفكار عنده) + قيمة الفكرة (بها إطلاق) + الفعل الغريزي (وهو الأهم في التأثير) = التصالح بين مجموعة الأفكار المتناقضة على مجمل الإخفاقات.
في بيئتنا التي حصل بها ازدواج الأفكار وتعاظم في الحاجات مع تطور المدنية فنجد رفضا لمسالة تعدد الزوجات ونجد هنالك زنا ممن يحرّمه، وهذا يعبر عن خلل، بينما تصالح الغرب على أن هنالك عشيقا أو عشيقة دون أن يكون أمرا شاذا، وكل أمر يتطور يُرفض بداية ثم يُتوافق على وجوده كواقع حال بقانون تستجيب لشذوذه حتى الكنائس! يحتاجها للمصالحة مع غريزة التدين وليس فكرة الدين المناهض أصلا لهذا، وليكون مقبولا اجتماعيا، وكثير من الأمثلة صدرت بها تشريعات تنظيمية للمحافظة على مرتكبيها ضمن سلطة الدولة التي حلت محل الإله عمليا.
عند المجتمعات الشرقية يمر القبول في دورات أطول فتوافق مجتمعنا مع الرأسمالية ليس بسببها وإنما بسبب آليات فيها، والتي تحتاج إلى وقت وأنظمة وقوانين لضبط السلوكيات السلبية التي تنتج عنها. ويبدو شاذا ومشوها من يقر الشذوذ مثلا علنا، في حين أنه يكثر في مجموعات بشرية تهرب من المسؤولية أو يعتاد الإنسان وضعه من الشذوذ نتيجة استغلاله من أناس شاذين متنفذين بصيغة أو أخرى، ولا وسائل للمعالجة ويكتفي المجتمع بالإنكار.. لكن معظم حدود المعادلة متحققة.
معالجة هذا:
إن مجتمعنا لا يحتاج أمرا كثيرا لكنه كبير والمقاومة له من منظومة التخلف، في مجتمعنا استدعاء الماضي وافتراض أن الاجتهادات القديمة تناسب العصر أو أنها صحيحة والعالم الذي نحن فيه خطأ ولا يعالج، نعم الواقع خطأ ولكن استدعاء الماضي خطأ أيضا، فنحن في خطأ مركب وهذا تمام معنى الكارثة، ولا يمكن إقامة فكر بلا آلياته وتنقيته، فالغرائز ستسيطر ويصبح التبرير والشعور بالذنب مرضا نفسيا.
بدل أن نتصالح مع أن المسلمين شيعة وسنة ونقر روابط هابطة؛ الأفضل أن نستحضر أصل القرآن ونرفع كل ما أضيف للإسلام من معوقات الإصلاح عبر أشخاص، وتُختصر المذاهب بتعاليم للعبادة مناسبة بكراريس صغيرة دون الدخول في تفاصيل أوجدها الهروب من واقع مر للسياسة، وبدل تبرير نوع الولاية نذهب إلى الشورى ونستمر في تحسين الأداء والآليات. الإسلام ينزل قرآنا كل يوم لكن نحن لا نفهم هذا ونحسبه آتيا من التاريخ، وهذا ليس مفهوم الإسلام لنفسه.
كل الأديان الأخرى لها ما للمسلمين وعليها ما عليهم، وحتما ستكون تفاهمات اجتماعية لترشيد الرعوية عند القسس والواعظين والتي هي أساس خلخلة الانتماء وتزرع الكراهية بدل الاتفاق على بناء البيئة المشتركة، وهي مهمة الإنسان المحمية من أي حكم إسلامي الذي غايته الأساس حماية الأهلية والاختيار وفاعلية المنظومة العقلية، لحين ذاك فمنظومة تنمية التخلف تزيد من عمق جرف التخلف الهاري.