ashuily.com
عقب رحلة ساحلية اقتصرت على البسيط من الحياة كان النوم في خباء خيمة في العراء رفيقها، وطبخ ما تيسّر من إدام يقيم أود الجسم مصاحبها، والقليل من رفاهية العيش ورغده مسلكا لها، عقب تلك الرحلة سألني صديق: تُرى ماذا استفدت من كل تلك المشقة والضنك في رحلة كان يفترض أن تكون الراحة والبذخ عنوانا لها؟ قلت: هدفت أن ابدأ عامي بالبسيط من الحياة؛ فلذة العيش في البساطة، والاستمتاع بالقليل من الحياة بدلا من إكثار الكثير من دون متعة حسية أو معنوية.
في قصيدة البسيط من العمر والتي أقتبس عنوان زاويتي هذه منها يقول الشاعر عبدالحكيم الفقيه
البسيط من العمر أن تحتسي الشاي في شرفة البيت
ألا تطيل القراءة في صحف اليوم
ألا تفكر كيف تغيب الشموس وكيف يجيء القمر.
أنصح أن يستمع القارئ لهذه القصيدة الجميلة التي تعبّر عن البساطة في الحياة وكيف يمكن للإنسان أن يستمتع بالحياة بأبسط الأشياء وأقلّها؛ فالحياة السعيدة تأتي في أغلب الأحيان في بساطتها وتهنأ بالعيش البسيط وبالاكتفاء بالقليل من بذخ الدنيا ومتاعها؛ فالقليل مما وهبنا الله إياه كاف بأن يجعلنا نشعر بالاكتفاء ونمتن للسعادة التي تغمرنا في حياتنا.
الصديق ذاته قال بأنه وقف على بعض ما وقفت عليه لكنه لم يرَ ما يسرّه ويبسطه. قلت له بأن السر يكمن في قلبك وعقلك فما تراه ممتلئا هو ذاته فارغ وما تراه فراغا هو في ذاته ممتلئ بالتفاصيل الكثيرة الجميلة المليئة بالجمال والسحر، وكما كان يُحكى قديما عن الأوائل أنهم أطلقوا على ما يعلو الأرض أنه فضاء لأنهم لم يروا شيئا ذا بال يمثل لهم أهمية فقالوا بأن ما فوق الأرض هو فراغ أو فضاء لكن الحقيقة تثبت غير ذلك بأن ما يعلو الأرض هو كون آخر مزدحم بالكثير من التفاصيل والمجرات والأكوان والنجوم لا يمكن للإنسان أن يحصيها، كذلك هو الحال ذاته مع من يرى الصحراء فراغ شاسع لا يحوي سوى رمل تذروه الرياح أو البحر فضاء ممتد تتلاطم أمواجه في مشهد لازوردي منبسط أو الجبال السامقة العارية التفاصيل لا جمال في صخرها الأصم، فمن لا يرى في الصحراء سوى الرمل ولا يرى في البحر سوى الماء ولا يرى في الجبال سوى الصخر هو إنسان بحاجة إلى أن ينقّي قلبه وعقله مما علق به من مدنية صاخبة يترك بعدها كل ما يحيط به من ماديات ويركن للبسيط من الحياة بالتأمل والتفكر والتدبر والاسترخاء؛ فهذه حيل اتّبعها السابقون في الاستشفاء والتداوي والتعافي وكانت وما زالت سنّة كونية حض وحث عليها كل أرباب الحكمة والمعرفة والعلم. البسيط من العمر لا يعني أن ينغلق الإنسان على ذاته أو يعتزل الناس أو يعيش عيشة الكفاف أو لا يجاري الحياة في مدنيتها، فالبساطة تعنى أن يستكفي الإنسان بما لديه ولا يطمع في ما لا يملكه أو ما يملكه الغير ويتعفف عن كثير من متاع الدنيا ورونقها. قرأت مرة عن مذهب جماعة أطلقوا على أنفسهم اسم «المتبسطون أو المقلون» وهم ممن يلجأون إلى تبسيط الحياة والتركيز على الأمور الأهم والبعد عن الماديات الطاغية فمثلا هم يكتفون بكرسي واحد أو اثنين حسب الحاجة الفعلية للجلوس ويلبسون ثوبا أو ثوبين حسب حاجتهم للملبس ويتبرعون بما زاد عن حاجتهم، فهم في ذلك يمكن تشبيههم بالزهّاد ممن لا تعنيهم المادة بكل صورها في أي شيء.
أنقل هنا تجربة شخصية قد يختلف معي فيها الكثير وقد يتّفق الآخر فكما قال عنها كتاب «المرحلة الملكية» هي وليدة مرحلة من النضج تفضي إلى أن حياتك، هي ملك لك يجب أن تعيشها بطريقتك الخاصة وستهنأ فيها بكل ممكنات الفرح والسعادة وراحة البال، بمجرد أن تكون قد وصلت إلى مرحلة من النضج عرفت فيها معنى الحياة والبشر واجتزت الكثير من الاختبارات عندها سيطيب لك العيش وتعلم أن البسيط من العمر يمكن أن يعاش في سعادة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من الحیاة
إقرأ أيضاً:
تركيا.. إمام مسجد يلقى مصرعه طعناً على يد طفل في أضنة
لقي إمام مسجد مصرعه في مدينة أضنة، بعدما تعرض للطعن داخل المسجد على يد طفل يبلغ من العمر 16 عاماً.
وقعت الحادثة في حي سينان باشا بمنطقة يورغير داخل مسجد فات أحمد. ووفقاً للمعلومات، أقدم الطفل “م.أ.” البالغ من العمر 16 عاماً على طعن الإمام طارق قره داغ لسبب غير معلوم.
فور الإبلاغ، هرعت فرق الشرطة والإسعاف إلى مكان الحادث. وتم نقل الإمام المصاب بجروح خطيرة إلى مستشفى يورغير الحكومي، لكنه فارق الحياة رغم كافة المحاولات الطبية لإنقاذه.