اعتدنا على أن نتابع أكثر من جهة أثناء فترات الحروب، إذ يشير التاريخ إلى أن الإنسان حين يشعر بالخطر يبدأ في البحث عن أب روحي لمخاوفه يطمئنه ويحمل عنه هواجسه. يصبح طريق جمع المعلومات طريقًا جيدًا في هذه الحالة، إذ أن المعلومات تشير إلى أنك تستطيع أن تختار الأفضل حين يصبح لديك وعي. يختار الإنسان أن يفقد وعيه فقط في الظروف العاطفية، ورغم أن الإنسان يظن أن حالات الصراعات والحروب هي حالات يحتاج فيها لوعي مرتفع يتغلب على عواطفه، إلا أن الذي يحدث هو حالة عاطفية كبيرة يدخلها دون أن يدري، ويرفض أن يخرج منها مهما أشارت المعلومات له على بوابات مخارج الطوارئ من مخاطرها.
يعلم الكثيرون منا تلك القاعدة البشرية التي تفسر سلوك البشر عبر ميلهم لما يشبه حياتهم في معظم ما يقومون به في الحياة، أو ما يرغبون بشدة في القيام به مستقبلًا ويتلاءم مع الإمكانات الواقعية لهم. وهذا ما جعلنا نرى إعلانات أبطالها ممثلون مغمورون وغير وسيمين على الإطلاق لأنها تقول لك ببساطة: "انت ده. هو شبهك وانت ممكن تعمل اللي هو بيعمله". أدى ذلك لمتلازمة التشابه. إذ يبعد الأفراد أنفسهم عما يسبب لهم الإحباط بسبب العجز عن الوصول لما يدعو له. فالحياة المرفهة المثالية مثلًا أوقات الحرب لن يميل أحد لمتابعة أخبارها. هي ببساطة لا تشبه يومهم ولا غدهم القريب. لذا يهاجمونها، والأغرب أنهم بذكاء فطري لا يطيلون الهجوم عليها. إذ أن الهجوم في الأصل يمثل دعاية انتشار عبر تكرار ذكر من نهاجمه.
تعد هذه الفقاعة العاطفية الكبرى في حياة الأفراد وقت الخطر سببًا لأن يكون الإعلام غير حقيقي بنسبة كبيرة في كثير من مصادره. إذ أن الأفراد قد لا يكونون مهيئين لقبول الحقيقة الكاملة في كثير من الأحيان. قد تعد الحقيقة الكاملة في كثير من الأحيان تهديدًا كبيرًا من وجهة نظر بعض المتلقين. هنا تظهر إشكالية كبرى أمام الإعلام الرسمي تحديدًا.
إن الإعلام الرسمي يحمل مهمة قومية لا ربحية في الأساس، على عكس الإعلام الخاص الذي يبدأ كمؤسسة لها طموح ربحي. إلا أن مواثيق الإعلام تفرض على الجميع المصداقية والشفافية، بل وتحاسبهم على الإخلال بها. لم يمر على البشرية حالة من حالات الخطر إلا وأعقبتها حالة من المحاسبات أنتجت التخلص من شخصيات كبيرة وأطاحت بها لأن الإعلام لا يجيد الاختباء تحت السجادة طويلًا. هو مهنة تعيش وترقد تحت الضوء.
إن الأحداث التاريخية في معظم الأحوال سجلت أن الإعلام الرسمي كان يخبر مواطنيه بالحقائق، لكنه كان يوجه خطابًا غير كامل للآخرين. لذا صعب عليك أن تأخذ من الآخرين أفكارًا حقيقية بشكل كامل أوقات الأزمات الطاحنة، لأنك وببساطة الفكرة الشديدة لست منهم، وربما لست قريبًا من فكرة الأزمة. يعد الحياد أحيانًا لا إعلام. ليس أدل على ذلك من حالة الحياد الإعلامي التي حاولت سويسرا تبنيها في الحرب العالم الثانية، وانتهت بأن أحدًا لم يلتفت لإعلامهم في معظم الأحوال من الأساس.
إن الحقائق تمثل مشكلة كبيرة، إذ أن بعضها سري بالفعل لضرورة البقاء أحياء، وأفضل شيء يمكن أن تقدمه للوثائق السرية ألا تتحدث عنها، ولا تسمح بوصول الحوار للسؤال عنها، فإن سئلت عنها عليك ألا تنكرها وألا تتحدث عنها في ذات الوقت. عليك أن تحاول بحديثك أن تعيدها للرقاد خلف ستار أنيق دون إحداث إزعاج، وهو ما نسميه في فنون العلاقات العامة "سياسة".
د. نهلة الحوراني : أستاذة الإعلام بقسم الصحافة - آداب المنصورة
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: فترات الحروب الإعلام الرسمي الإعلام الإعلام الخاص
إقرأ أيضاً:
تحوّل إلى وباء في المغرب.. ارتفاع حالات الإصابة بالحصبة يثير القلق
نحو 25 ألف إصابة و120 وفاة منذ 2023 بـ مرض الحصبة في دولة المغرب، كانت سببًا في إعلان مدير مديرية علم الأوبئة ومحاربة الأمراض بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، بأنّ المرض قد تحول إلى وباء، ووصف الوضع الذي يعيشه المغاربة في الوقت الحالي بأنّه غير عادي، وما زاد الأمر سوءًا؛ هو الارتفاع المثير للقلق في حالات الحصبة القاتلة في جنوب إنجلترا، وهو ما جعل المسؤولون الصحيون يطلقون ناقوس الخطر بشأن ارتفاع الإصابات.
ارتفاع حالات الإصابة بالحصبة في إنجلتراوشهد جنوب غرب بلاد إنجلترا نحو 26 حالة جديدة بالحصبة في الشهر الماضي، والآن تشهد المنطقة أعلى نسبة إصابة بالحصبة في المملكة المتحدة وفقًا لتنبيه أصدرته وكالة أمن الصحة في المملكة المتحدة «UKHSA»، وأضافت الوكالة أنّ 21 من هذه الحالات تم رصدها في مدينة بريستول، التي سجلت 57 حالة إجمالاً خلال العام الماضي، في حين وثقت مقاطعة جلوسترشير 23 حالة جديدة منذ يناير 2024، وسومرست 11 حالة.
الدكتور ألاسدير وود، مستشار هيئة الخدمات الصحية بالمملكة المتحدة، قال في التنبيه إنّ هذا الارتفاع السريع في الحالات داخل المنطقة أمرًا مثيرًا للقلق، خاصة وأنّ الحصبة مرض شديد العدوى، ويمكن أن تسبب مرضًا خطيرًا أو حتى الموت في بعض الحالات النادرة، إذ يأتي الارتفاع السريع في عدد الحالات في وقت انخفض فيه معدل تلقي التطعيم الذي يحمي من الفيروس - والذي يسمى MMR - إلى أقل من 90% وهو أقل من المعدل المطلوب لمنع تفشي المرض داخل المجتمع، وفقًا لصحيفة «ديلي ميل» البريطانية.
وتشير أحدث الأرقام إلى أنه كان هناك ما يقرب من 100 حالة مؤكدة في الشهر الماضي وحده، مما يرفع العدد الإجمالي منذ يناير 2024 إلى ما يقرب من 3000 حالة، وقد وقع ما يقرب من نصف هذه الحالات في لندن، في حين تم تسجيل 19% منها في منطقة وست ميدلاندز، و9% في شرق إنجلترا، وتظهر الأرقام أيضًا أنه كان هناك 115 حالة مؤكدة من المرض في الجنوب الغربي خلال العام الماضي.
وبحسب الصحيفة البريطانية، يمكن أن يسبب مرض الحصبة، الذي يسبب أعراض تشبه أعراض الأنفلونزا بالإضافة إلى الطفح الجلدي، مضاعفات صحية خطيرة للغاية تكون مميتة إذا انتشر إلى الرئتين أو الدماغ، إذ تشير التقديرات إلى أن واحدًا من كل خمسة أطفال مصابين بالعدوى سيحتاج إلى دخول المستشفى، مع إصابة واحد من كل 15 طفلًا بمضاعفات تهدد حياته مثل التهاب السحايا أو تعفن الدم.
هيئة الخدمات الصحية تطالب المواطنين بتلقي اللقاحويقول مستشار هيئة الخدمات الصحية بالمملكة المتحدة، أنّ مريض الحصبة يصبح مُعدٍ لمدة أربعة أيام قبل ظهور الطفح الجلدي وأربعة أيام بعد ظهوره، مُضيفًا: «إذا كنت تشك في إصابتك أو إصابة أحد أفراد أسرتك بالحصبة، فمن المهم أن تطلب المشورة الطبية وتبتعد عن المدارس والتجمعات الكبيرة وأماكن العمل أثناء العدوى».
وتكون الفئات الأكثر عرضة لخطر الإصابة الشديدة بالحصبة هي النساء الحوامل والأطفال دون سن عام واحد والأفراد الذين يعانون من ضعف المناعة، وحث مستشار هيئة الخدمات الصحية الآباء على المساعدة في حماية هذه الفئات من خلال تطعيم أطفالهم والحد من انتشار مرض الحصبة قائلًا: «لا يفوت الأوان أبدًا لتلقي اللقاح، لذا إذا لم تتلق جرعتين من اللقاح في الماضي - أو كنت غير متأكد - فتحدث إلى طبيبك العام، ولا يوجد ضرر في تلقي جرعة إضافية في حالة وجود أي شك، إذ يعتبر لقاح MMR آمنًا وهو الطريقة الأكثر فعالية لحماية نفسك ومن حولك».
وطالب مستشار هيئة الخدمات الصحية من الجميع أنّ يظلوا منتبهين لأعراض الحصبة، والتي يمكن أن تشمل أعراض تشبه أعراض البرد، وعيون حمراء ملتهبة، وارتفاع درجة الحرارة أو طفح جلدي أحمر-بني، إذ توفر جرعتان من لقاح MMR حماية تصل إلى 99% ضد الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية، إذ يجب تطعيم ما لا يقل عن 95% من السكان لمنع تفشي المرض، وفقًا لإرشادات الصحة العامة.