البُعد الأمني لقانون الحماية الاجتماعية
تاريخ النشر: 9th, January 2024 GMT
د. سلطان بن خميس الخروصي **
sultankamis@gmail.com
من يسبر تفاصيل التاريخ الإنساني، يجد أن مبدأ تحقيق العدالة الاجتماعية كان ولا يزال أحد أبرز مُمكِّنات الأمن الاجتماعي والاستقرار والتنمية، ونقيض ذلك كان مسارا غير إيجابي لدى كثير من الشعوب والأمم.
وتشكل فلسفة العدالة والأمن الاجتماعي لدى الأنظمة السياسية والأمنية أحد السواعد المهمة في تحقيق الانسجام وتعزيز مفاصل اللُحمة الوطنية؛ فحينما تجعل الدولة من المواطن حجر الإنتاج والإبداع ومسارا للتنمية المستدامة، فإنَّ ذلك محقق فعلي لماهية الحكم السياسي الناجح والمتزن بعيدا عن الانتقائية والطبقية والتهميش، لذا أينما حلَّت العدالة الاجتماعية استُمطر الاستقرار والنماء، فالعدالة قوام المجتمع.
ولقد شكل المرسوم السلطاني رقم (52/ 2023) بإصدار قانون الحماية الاجتماعية وما تلاه لاحقًا بإصدار لائحته التنفيذية رقم (7/ 2023)، أحد أبرز مظاهر الانسجام السياسي والاجتماعي، فهو لفتة رفيعة في ظل ما يحيط بالعالم من تحديات وانعدام ثقة بين مؤسسات الدولة والمواطنين. لكن القانون المشار إليه مثّل علامة فارقة في النهضة المتجددة قوامها العزم والحزم نحو تطلعات طموحة لمرحلة تُرسم بدقة واتقان متسارعيْن، قوامها النظام الأساسي للدولة، ومضامين الخطابات السامية- لعاهل البلاد المفدى، ورؤية "عمان 2040"، والخطة الخمسية العاشرة (2021- 2025).
ويشكل النظام الأساسي الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (6/2021) الضلع الرئيسي لاستنباط قانون الحماية الاجتماعية عبر مبادئه السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والأمنية الموجِّه لسياسة الدولة كما جاء في بابه الأول، علاوة على ما تطرق إليه من مواد قانونية معنية بالحقوق والواجبات العامة كما جاء في الباب الثالث وغيرها من النصوص القانونية التي تعزز من قيمة العدالة ومسؤولية الدولة ومؤسساتها المختلفة في تحقيق ذلك وانعكاساته الأمنية والتنموية على حد سواء.
كما إن خطابات صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله- تمثّل الضلع الثاني لتفاصيل هذا القانون؛ حيث نجد أنه ومنذ خطاب توليه الحكم في الحادي عشر من يناير 2020، كان مليئًا بالحديث عن اللُحمة الوطنية وتحقيق العدالة والمساواة والعيش الكريم للمواطنين، مُستلهمًا ذلك من الإرث الحضاري والتاريخي والإنجازات الشاهدة لهذا الوطن العظيم، ولا يزال في كل جولاته وحديثه يُشدِّد على هذا الشرف العظيم نحو تعزيز فلسفة وثقافة الأمن الاجتماعي عبر قنوات العدالة والحرية والمساواة بين الجميع.
في حين تشكل رؤية "عُمان 20240" الضلع الثالث لقانون الحماية الاجتماعية؛ فالإنسان والمجتمع أحد أبرز محاورها الأساسية القائم على أربع أولويات جوهرية؛ وهي: التعليم والتعلُّم والبحث العلمي والقدرات الوطنية، والمواطنة والهوية والتراث والثقافة الوطنية، والصحة، والرفاه والحماية الاجتماعية التي تُركِّزُ على تحقيق الحماية والحياة الكريمة للمواطنين، وخلق نموذج مجتمعي مغطى تأمينيًا بشبكة أمان اجتماعية فاعلة ومستدامة وعادلة، ومجتمع مدني ممُكَّن في المشاركة والتنمية، وخلق برامج عصرية متطورة تُلبي احتياجات جميع فئات المجتمع.
أما الضلع الرابع فيتمثل في الخطط الخمسية التنموية المنبثقة ببرامجها وخططها من "رؤية عمان 2040"، فنجد أن الخطة الخمسية العاشرة الحالية (2021- 2025) تضمَّنت في محور الإنسان والمجتمع وضمن أولوية التعليم (7) أهداف استراتيجية بـ(79) برنامجا تجويديا، و(8) برامج ضمن (5) أهداف استراتيجية لأولوية الصحة، و(48) برنامجا ضمن (8) أهداف استراتيجية لأولوية المواطنة والهوية والتراث، و(23) برنامجا ضمن (7) أهداف استراتيجية لأولوية الرفاه والحياة الاجتماعية.
من المؤمل أن يكون قانون الحماية الاجتماعية البساط الأحمديّ الذي يجمع كل أطياف المجتمع العماني، ونقلهم إلى وضع أكثر استقرارًا وأمنًا وأمانًا مُواكِبًا لما تتمتع به البلاد من مقومات اقتصادية وسياسية معيشية منافسة؛ فهو عُصارة جهد كبير قدَّمته مؤسسات الدولة الأمنية والاجتماعية والتشريعية إلى جانب مؤسسات المجتمع المدني والمواطنين، وهو الخطوة الأولى نحو تحقيق الرفاه الاجتماعي والاستقرار الأمني والخروج من خندق المشاعر السلبية لدى البعض أو الشعور بالتهميش أو عدم المراعاة لبعض شرائح المجتمع، كما يعتقده البعض في مرحلة سابقة.
** باحث ومتخصص في الشأن الاجتماعي والتربوي
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
«حق الليلة».. موروث عريق يرسخ الهوية الوطنية
مريم بوخطامين (أبوظبي)
يشكل الموروث التراثي والمجتمعي ركيزة أساسية في تعزيز الهوية الوطنية، والمحافظة على التقاليد والقيم الأصيلة، خاصة في ظل مبادرة «عام المجتمع 2025»، التي تهدف إلى تسليط الضوء على الترابط الأسري والروابط الاجتماعية، من خلال تنظيم وتفعيل المناسبات التراثية، والتي يتم من خلالها نقل العادات والتقاليد بين الأجيال، مما يساهم في ترسيخ الهوية الوطنية، وتعزيز الانتماء.
كما أن الموروث الشعبي يمثل مصدر إلهام للأفراد والمجتمعات، حيث يعكس القيم التي شكلت تاريخ المجتمع وأسست لنمط حياته.
وتعد هذه المبادرات فرصة لإحياء التراث بأساليب معاصرة، مما يضمن استمراريته ودوره في التنمية والتطوير، ويجعل منه عنصراً فاعلاً في بناء مستقبل أكثر ترابطاً وأصالة، وهنا يصب إحياء هذه الفعاليات في دائرة مبادرة «عام المجتمع».
وأكد عدد من المواطنين أن الإمارات تستلهم نهج المؤسس، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، في صون التراث والحفاظ على الهوية الوطنية. فقد كرّس جهوده لتحقيق التوازن بين النهضة العمرانية وحماية الموروث الثقافي، مما أسهم في ترسيخ هوية الإمارات، وسط موجة التطور الحضاري التي شملت جميع القطاعات في الدولة.
«حق الليلة»
قال المواطن خميس سليمان الصغير: «إن التراث الإماراتي يشكل معلماً حضارياً، والذي تحرص على وجوده الجمعيات والمؤسسات التراثية والمهتمين بالجانب التراثي والثقافي عبر نقله وتنظيمه في المهرجانات والمراكز الثقافية التي تهدف إلى إبراز هذه الجوانب المضيئة في حضارة الإمارات، منوهاً بأن هناك العديد من المؤسسات والدوائر والشركات تهتم بتعزيز هذه الموروثات الإماراتية، وتستعين في كل المناسبات بالجمعيات التراثية المنتشرة في مدن الدولة؛ لأنها تعتبر جسور تواصل تربط الماضي بالحاضر، وتحافظ على تراث الآباء والأجداد، وعلى العادات والتقاليد المستمدة من المجتمع المحلي وبيئاته الجبلية والبحرية والصحراوية، معولاً أن مناطق الدولة تحتفل خلال شهر شعبان بفعالية «حق الليلة» التي تعتبر من الموروثات المستمرة والممتدة على مدار السنين.
القيم الاجتماعية
قال أحمد الشميلي: «إن «عام المجتمع» يخلق حالة ارتباط بينه وبين القيم الاجتماعية والتقاليد الموروثة التي تشكل هوية الأفراد والجماعات، مثل العادات والتقاليد والفنون الشعبية واللغة، وتلعب دوراً أساسياً في بناء النسيج الاجتماعي، وترسيخ الهوية الوطنية، منوهاً بأن له دوراً بارزاً في الحفاظ على الهوية الثقافية، وتعزيز انتماء الأفراد لوطنهم وثقافتهم وتلاحم ووحدة أفراد المجتمع، خاصة أن هناك العديد من الموروثات التي تحمل قيماً وأفكاراً تعكس تجارب الأجداد، والتي تفيد المجتمع الحديث، ومنها المناسبات التراثية والتي ستحتفل بها خلال أيام قليلة البيوت الإماراتية وغير الإماراتية مناسبة «الحق الليلة» والتي تسهم في إثراء الثقافة المحلية، حيث يبقى هذا الاحتفال بحق الليلة تقليداً عريقاً شاهداً على الفرح ووسيلة للتواصل بين الأجيال، مما يسهم في تعزيز أواصر المودة وتقوية روابط المجتمع».
الوعي بالموروثات
قالت ابتسام الدعن: «إن عام المجتمع يركز في عام 2025 على تعزيز الهوية الوطنية وتقوية الأواصر الاجتماعية بين الأجيال وتوثيق الموروثات القديمة والتي تسهم في عدم تعرضها للاندثار، وذلك من خلال إدخالها في المناهج التعليمية لتعريف الأجيال الجديدة بها، ناهيك عن تنظيم الفعاليات والمهرجانات الثقافية التي تعزز الوعي بالموروثات، واستخدام وسائل الإعلام الحديثة لنشر المحتوى الثقافي التقليدي، وتشجيع الشباب على الاهتمام بالحرف والفنون التقليدية، مؤكدة أن الاهتمام بالموروث ليس مجرد مسألة تاريخية، بل هو استمرارية ثقافية تعزز من تماسكه واستقراره، وتجعل ماضيه حاضراً ومستقبله أكثر وضوحاً، موضحة أن المؤسسات المجتمعية وجمعيات النفع العام تسعى جاهدة في تحقيق هذه الأهداف التي من شأنها تخلق ماضي وحاضر ومستقبل الإمارات أكثر قوة ومنفعة للفرد والمجتمع.
«قرقيعان»
من جانبها، تحدثت مريم الواجف عن المناسبات التراثية بأنها بوابة الربط بين الماضي والحاضر، مستشهدة بمناسبة «حق الليلة» التي تعبر عن جزء من الماضي الذي لن يندثر، والتي تعنى بإحيائها وتنظيمها الجهات والمؤسسات المجتمعية في الدولة، موضحة أن مناسبة «حق الليلة» (قرقيعان) في الإمارات تعد جزءاً من التراث الأصيل الذي تناقلته الأجيال عبر الزمن، رغم تطور الملابس والحلويات والديكورات الخاصة بهذه المناسبة، إلا أنها لا تزال تحتفظ بلمستها التراثية التي تعيد إلى الأذهان ذكريات الجدات والأمهات عن طفولتهن، ويشكل هذا الاحتفال فرصة رائعة يتشارك فيها الكبار فرحة الأطفال، مما يعزز روح الألفة والمحبة في المجتمع، وكان الأطفال، وما زالوا، ينتظرون «حق الليلة» بشغف وسعادة، كحال الكبار، حيث تبدأ التحضيرات مبكراً بحياكة الملابس التقليدية المستوحاة من التراث الإماراتي، يرتدي الأولاد «الكندورة»، بينما تتألق الفتيات بالثوب الملون المخصص لهذه المناسبة، ويكتمل زيهما بحمل «الخريطة»، وهو كيس قماشي يجمعون فيه الحلوى والمكسرات.