غزة (الاراضي الفلسطينية) – (أ ف ب) – أعلنت منظمتان حقوقيتان إسرائيليتان الأحد أنّ محكمة في الدولة العبرية أمرت الحكومة بأن تعيد مؤقتاً لصيّاد من غزة قاربه الذي صادرته منه قبل أشهر بدعوى تجاوزه مساحة الصيد المسموح بها لصيادي القطاع الفلسطيني المحاصر. وقالت مؤسسة جيشا (مسلك) غير الحكومية الإسرائيلية ومركز عدالة لحقوق الانسان في بيان مشترك إنّ “إسرائيل اضطرت الجمعة إلى الإفراج عن قارب صيد وإعادته إلى قطاع غزة حتى انتهاء الإجراءات القانونية في المحكمة الإسرائيلية”.

وأوضح البيان أنّ “القارب احتجزته قوات البحرية الإسرائيلية في نهاية العام 2022”. وبحسب البيان فإنّ “قوات البحرية الإسرائيلية استولت داخل الحيّز البحري لقطاع غزة في شهري شباط/فبراير وتشرين الثاني/نوفمبر 2022 على قاربين تعود ملكيتهما لصيادين من عائلة الهسي في غزة”. وكانت “جيشا” نجحت في أيلول/سبتمبر الماضي بانتزاع قرار بالإفراج مؤقتاً عن القارب الذي تمّت مصادرته في شباط/فبراير، بانتظار صدور حكم نهائي من المحكمة. أما القارب الثاني الذي صودر في تشرين الثاني/نوفمبر، فتسلمته العائلة الجمعة، وفق ما أكّد شقيق مالكه ويدعى جهاد الهسي. ووصف الهسي القرار الإسرائيلي بالإفراج عن القارب بأنّه “جائر” لأنه خضع لـ”شروط صارمة للغاية”. ومن هذه الشروط، وفقاً للبيان المشترك، “إيداع صيادي القطاع كفالات مالية بمبالغ عالية، علماً بأنّ فئة الصيادين في القطاع هي فئة مستضعفة”. وأوضح الهسي “دفعنا كفالة مالية بقيمة خمسين ألف شيكل (حوالى 14 ألف دولار أميركي)، اذ تدبّرت العائلة جمع نصف قيمة المبلغ بينما تكفّل متبرّعون بدفع النصف الآخر”. وتابع “أخبرنا المحامون أنّ هذه الكفالة تُستردّ في حال صدر الحكم لصالحنا”. كذلك، “اشترطت المحكمة وجود كفيل إسرائيلي بضمان مئة ألف شيكل، سيتم حسمها إذا صدر قرار بمصادرة المركب الذي قدّرت لجنة من المحكمة قيمته بـ30 ألف دولار”، وفق الهسي. كما أعرب الهسي لوكالة فرانس برس عن أسفه للخسارة التي تكبّدتها العائلة نتيجة مصادرة مركبها وعدم تمكّنها من الصيد طوال تلك الفترة. من جهته، لم يردّ الجيش الإسرائيلي في الحال على سؤال لفرانس برس بشأن هذه القضية. وتحدّد إسرائيل مساحة الصيد المسموح بها للصيادين الفلسطينيين قبالة قطاع غزة في المتوسط بين 6 و15 ميلا بحريا، تقوم بتقليصها أحيانا لأسباب أمنية، خصوصاً عندما يكون هناك تصعيد أمني بينها وبين قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس. وبحسب بيان المنظمتين فإن مصادرة القاربين ألحقت أضراراً بعشرات الفلسطينيين والفلسطينيات من سكّان القطاع. وأشارت المنظمتان إلى أنّ القارب الأول أعيد في أيلول/سبتمبر 2022 بحالة سيئة وبدون المعدات التي كانت على متنه. والأمر نفسه ينطبق على القارب الثاني وفق الهسي الذي قال إنّ القارب “بحاجة لصيانة كاملة للمحرك، كما أن شباك الصيد، الحبال وغيرها محروقة من الشمس”. ويوجد في قطاع غزة نحو 700 قارب يعمل عليها نحو 4000 صياد يعيلون أكثر من سبعين ألف فلسطيني. وخلال العام الماضي صادرت السلطات الإسرائيلية في مياه غزة 23 مركب صيد، في أعلى رقم يسجّل منذ العام 2017، بحسب مركز الميزان لحقوق الانسان في غزة. وتفرض إسرائيل منذ العام 2007 حصاراً بحريا وبريا وجويا مشدداً على القطاع الذي يبلغ عدد سكانه أكثر من 2,3 مليون فلسطيني غالبيتهم من اللاجئين الفقراء. وبعد مصادرة القاربين لجأت إسرائيل إلى المحكمة المركزية في حيفا، بصفتها المحكمة المختصة بالشؤون البحرية، وقدّمت إليها طلباً استثنائيأً، هو الأول من نوعه. وطلبت الحكومة من المحكمة السماح لها بمصادرة قوارب الصيد بصورة دائمة، بحسب البيان المشترك.

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

عندما انتهى بناء القارب.. جف النهر

 

 

علي بن سالم كفيتان

أسير وحيدًا على شط نهر منقطع؛ فبعد كل مسافة أجد بحيرة تحفها نباتات الخوص (نخيل السعف)، وهي تتراقص مع نسمات الهواء الباردة القادمة من لُجة الوادي السحيق خلفي، يشعرني ذلك بالسُّمو، ويتبادر إلى ذهني فيلم أسكتلندي بطله رجل حارب الإقطاع والعبودية، وأسمع وقع خُطاي على حصباء الوادي، وأتابع صدى تلك الخطى في أنحاء المكان، أقف التفتُ إلى الخلف أحسُّ أن أحدًا يتبعني، لكنني لا أرى سوى بقايا هذا النهر العظيم الذي نحتته السنون؛ فأصبح غائرًا لدرجة تشعرك أنَّك تسير في بلاط قصر نبي الله سليمان عليه السلام.

أستفيق من أحلامي وتصوراتي تلك، وأقول لنفسي رحل جميع الأنبياء والرسل وبقيت الرسالات. أُلملم نفسي وأبحث عن جدول صغير على أطراف هذه البحيرة القابعة في عمق الصحراء لأتوضأ للصلاة. صوت خيط الماء المتدفق من بين تلك الصخور الصماء القاسية يمنحني أقرب صورة للفرق بين الحياة والموت. وجَّهتُ نفسي إلى القبلة ورفعت الآذان وحيدًا هنا، وقبل أن انتهي تدافعت العَبرات، وخفت صوتي، مستحضرًا عظمة الخالق وضعف المخلوق، وبعد الإقامة والدخول في الصلاة، لامستْ يدٌ غريبة كتفي الأيمن؛ فاقشعرَّ بدني.. من يا ترى سيكون في هذا المكان القصي الموحش؟!

كانت صلاتي قصرًا، عندما ركعت لمحت رأس رجل أشعث مخضب بالشيب، وأطراف وجه أسمر تلفه التجاعيد، وجسد شاحب نحيل، وأصابع طويلة ترقد على ركبتيه. أتممتُ الركعتين، وعند السلام ظل الرجل الفارع القامة مطرقًا بنظره إلى أصابعه الخشنة التي تعلوها الكثير من الندوب، وهو يكمل التسبيح. مددتُ يدي للسلام، فسلَّم واعتدل في جلسته على الحصباء، ودار حديث عميق بيننا، علمتُ فيما بعد أنه قدم من أرض بعيدة تشبه هذه الأرض، تنبت فيها ذات الشجرة المقدسة الباقية على هذه السفوح والقيعان (شجرة اللبان)؛ وبما أن الإنسان اجتماعي بطبعه- كما يقول ابن خلدون في مقدمته- سكنتْ نفسي بوجود هذا الرجل، ولم أعد أشعر بالخوف والوحشة من الوحدة؛ فالمسار لا زال طويلاً إلى منابع النهر. قضينا تلك الليلة معًا، بعد أن أوقدنا النار، وطبخنا ما تيسر من مُعلَّبات كنتُ أحملها في حقيبتي، فقد كان الضيف زاهدًا في كل شيء في الأكل، وحتى عندما يستل قربته الجلدية ليشرب يأخذ بضع رشفات فقط، رغم أننا على أطراف بحيرة تنضح من أطرافها عدة ينابيع، ومع كل ذلك كنت متوجسًا منه، بحكم تربيتنا الريفية على الحذر من كل غريب. لم يكن يحمل سلاحًا ناريًا، وكان لديه جزرة وعصا فقط، وقصَّ عليَّ رحلته الكاملة من بلاد الصومال إلى اليمن، وحتى وصوله إلى عُمان؛ فتمنيتُ لو حولت إلى فيلم سينمائي بإخراج عالمي استمرت جلستنا من قبيل المغرب إلى التاسعة ليلًا أستأذن بعدها لقضاء حاجته، ولكنه لم يعُد. ولجتُ إلى خيمتي القماشية وأشعلت مصباحًا صغيرًا وفتحت هاتف الثريا لأتأكد أنه موصول بالأقمار الصناعية، وأنه يعمل، فأجريتُ اتصالًا بأعضاء فريق المسح الذي يعمل بشكل متوازٍ في عدة أودية مجاورة.

فجر اليوم التالي، حزمتُ أمتعتي ومضيتُ مرات أتسلق ومرات أخوض المياه، حتى وجدت بقايا أخشاب لا زالت تجمعها حبال قذفتها السيول على ما يبدو إلى ضفة النهر الجاف هذا، فامتلكني الفضول للتدقيق في الأمر، ما عساه يكون؟ فقلت لعلها أتت من كهف يسكنه أناس وأتى عليه الفيضان، لكن الأمر يبدو مختلفًا من حيث توازي أطوال الأخشاب وطريقة ربطها، وحتى الحبال المستخدمة هي من شجرة النارجيل، يبدو لي أنه بقايا قارب بدائي مصنوع من الأدوات المحلية. هنا تسابقت إلى مخيلتي الكثير من التساؤلات؛ هل يكون هذا هو آخر القوارب التي أبحرت في نهر أنظور عزز وجود بقايا القلعة وأبراج الحراسة ومخازن اللبان المطلة على واحة أنظور المهيبة؟! من هذا التصور الخيالي لنهر يجري وقوافل لبان تمخر المنحدرات محملة باللبان إلى ميناء مائي تعج فيه حركة البيع والشراء تكمل بعده المراكب حمل البضاعة إلى المحطة النهائية التي يذوب فيها النهر في الصحراء.

فكرتُ مليًا في صانع هذا القارب القابع اليوم على ضفاف وادي قاحل جاف وكيف حاول بكل ما يملك أن يجعله أحد أعظم القوارب التي سوف تبحر يومًا ما ولكنه لم يبحر أبدًا. يبدو أن النهر جف عندما انتهى بناء القارب!

*****

القصة مستوحاة من جولة عمل بيئي في وادي أنظور بمحافظة ظفار في ديسمبر 2004 استمرت لعدة أيام برفقة خبراء من عدة جهات لتقييم الأودية الجافة المنحدرة من جبل سمحان إلى صحراء الربع الخالي.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • ضربة لـ نتنياهو .. المحكمة العليا الإسرائيلية تصدر قرارها بشأن إقالة رئيس الشاباك
  • “لا يمكن تعيين بديل له”.. المحكمة الإسرائيلية العليا تقرر تجميد إجراءات عزل رئيس “الشاباك”
  • المحكمة العليا الإسرائيلية تجمد إقالة رئيس الشاباك وتمنع تعيين بديل له
  • زعيم المعارضة الإسرائيلية: حكومة نتنياهو تحاول إثارة الفوضى والشغب في المحكمة العليا
  • مناوشات تعطل جلسة المحكمة العليا الإسرائيلية للنظر في إقالة رئيس الشاباك
  • المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق جلسة البت بالطعون ضد عزل رئيس الشاباك
  • المحكمة العليا الإسرائيلية تنظر في قانونية إقالة رئيس الشاباك
  • المحكمة العليا للاحتلال الإسرائيلي تبت في قضية إقالة رئيس الشاباك اليوم
  • عندما انتهى بناء القارب.. جف النهر
  • إضراب عالمي شامل تضامناً مع غزة ورفضاً لحرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع