من منطلق المناسبة التاريخية ربما تحتاج نخبتنا المتصارعة على المسرح السياسي إلى إعادة استلهام تجربة اللواء الابيض وثورة ١٩٢٤ وتداعياتهما في ذكراها المئوية. كما استلهام فكرة تأسيس مؤتمر الخريجين في ذكرى ميلاده السادس والثمانين. لكن هذه القراءة التاريخية تعقب ولاتسبق مهمة اطفاء نار الحرب وتكريس نشر السلام.
*****
مع ذلك كأنما لا تزال هذه النخبة مدمنة التشاكس والإصطراع غير قادر ة على رؤية بانوراما أطلال ذلك الخراب .أو لعلها لا تكاد تصدق . أو هي غير قادرة على الخروج من أوهام ظلال ذلك الحقل اليباب. فنداء اطفاء الحرب العالي يستدعي بالضرورة الإجماع على تحطيم صناديق التفكير الصدئة ،هجر أقفاص التنميط السياسي المخشّبة. كل كلام عن شكل الدولة حاليا أو معاقبة القتلة واللصوص ليس غير حصاد أوهام لزرع في البحر في غير موسمه . فلا أحد يملك عند منعطف العجز والخواء الراهن قدرات تشكيل الدولة أو نصب آليات المحاكمة وتنفيذ العقوبات. وحده مطر السلام ينبت حقلا يعين على إعادة بناء مؤسسات الدولة كما اعادة نسج عصب المجتمع.لذلك يأتي الجدل في شأن شكل الدولة قبل تثبيت وقف النار بمثابة زرع ألغام على درب السلام.
*****
نداء السلام يعلو على غيره لأنه العلاج العاجل الناجع لتضميد عذابات ملايين السودانيين . هو السبيل الوحيد الآمن لعودة الملايين إلى بيوتهم الخربة والمنهوبة.هو نافخ النفحات مالئة صدور أجيال بالقدرة على استئناف حياتهم المألوفة . هو وحده مانح أسباب الطمأنينة المفقودة بغتة كما استردا د فرص الإنتاج المصادرة عنوة . نخبنا المتصدية للمسرح السياسي مطالبة بكسر أنماط التفكير المغرقة في الإنكفاء والمفرطة في شطط التنظير على حدٍ سواء. فمفتاح الخروج من الأزمة يتجسد ببساطة في إطفاء نار الحرب . كل الجهود ينبغي تكريسها من أجل احتواء ألسنة اللهب ،تجفيف مصادر صب الزيت على الحطب ورفع كل مسببات ومظاهر الدمار . مامن فرص حقيقية لاعادة بناء راسخ على الخراب الراهن.
*****
حينما يصبح مصير الشعب والوطن رهين بالسلام كما يتحدث الواقع بطلاقة فلا حجة تنهض في وجه قبول مبدأية وقف النار. ليس بين المتصارعين من نخبنا على السلطة من معسكر اليسار من هو في مقام ثورية فلادمير لينين.فعندما كانت روسيا تحت حمم فوهات ماكينة الحرب الألمانية إبان الحرب العالمية الأولى لم يستنكف الزعيم القائد قبول (شروط السلام المخزي)حسب توصيفه أمام اللجنة المركزية للحزب.لينين قبل إطفاءجبهة الحرب في مارس ١٩١٨(إنقاذا للثورة)تحت شعار(الخبز والارض والسلام). ألا يحتاج يساريونا إلى قبس من ذلك الوهج ؟ البلاشفة صنفوا تلك الحرب منذ انطلاق شرارتها بانها حرب البورجوازية.
*****
ليس بين كل المتنطعين من غلاة يميننا من هو في مكانة الفقيه الايراني الامام روح الله الخميني المعروف بآية الله ومستحدث منصب مرشد الثورة والدولة. كل إرثه الاسلامي ورصيده النضالي وسعة قاعدته الجماهيرية لم تمنعه من (تجرع السم) كما اسمى قبوله اتفاق السلام مع عدوه اللدود صدام حسين بغية إطفاء حرب اشتعلت جبهتها ثماني سنوات.ربما شكّل قبول تناول تلك الكأس في اغسطس ١٩٨٨ انكسارا في هيبة الزعيم الايراني وسيرته النضالية ضدالاقطاع في ظل امبراطورية اسرة بهلوي ثم تهشيم حلم تصدير الثورة .لكن حال الشعب الإيراني يومها لم يكن يحتمل مزيدا من التضحيات.قبل الخميني وقف النار ثم استمر الطرفان على مدى أربع جولات أساسية وسلسلة ماكوكية في التفاوض بغية تنفيذ بنود الاتفاق.
*****
ليس بين المتصارعين على مسرحنا المتصدع من بذل على الصعيد العام في شأن تحديث الدولة أوحتى عسكرتها كما أنجز الإمبراطور الياباني هيروهيتو.كما ليس بينهم من تقلّب في نعماء السلطة كما أُتيح للرجل من حيث الرفاهية وأمدها. مع ذلك رفع الإمبراطور مصالح شعبه فوق كل حقوقة الموروثة والمكتسبة وفوق ميوله ،أهوائه ونزعاته عندماكاشف ساعة الحقيقة بحتمية إعلان الاستسلام في اغسطس ١٩٤٥.ذلك لم يكن خيارا محببا على الصعيد القومي غير ان الإمبراطور استهدف إنقاذ وطنه من الدمار الشامل.الرجل المؤلّه قال قولته التاريخية تحت الغبار النووي(لايهمني ما يحدث لي بل أريد النجاة لرعايايا ). موجة من الحزن الموشح بنوبات من ممارسة الإنتحار اجتاحت جزر اليابان غضبا على قرار الامبراطور لكن الشعب طوّق نصف الإله بحصانة ضد عقوبات الأعداء.
*****
حربنا المقيتة الخاسرة تستدعي رجالا يستوعبون الوعي بمصير الشعب ،اللحظة التاريخية، والقدرة على تحمل كلفة فاتورة السلام بالإضافة إلى رفع المصالح الوطنية فوق كل المنطلقات الضيقة . عددٌ محدود من هولاء ربما سمع -حتما لم يقرأ-مقولة الفيلسوف الاسباني جورج سانتيانا( من لا يقرأ التاريخ يعيد إنتاجه.)أقل عددا من أولئك ربما اطلع على قول ماركس (التاريخ يعيد نفسه مرتين؛الأولى مأساة والثانية مهزلة)لعل عددا بينهم سمع من يردد حكمة نحيب محفوظ (آفة حارتنا أن كل شيء يُنسى بعد حين).ربما آفة حارتنا أنها تعج بمتشاكسين وحاقدين لا يتخلون عن خلافاتهم - وهي كثيرة-ولايتناسون أحقادهم - وهي عديدة- أو يتنازلون عن مصالحهم-وهي أكثر- ولو إلى حين!
aloomar@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
حرب السودان.. صراع على السلطة أم مؤامرة ضد الدولة؟
إن فوكس
نجيب عبدالرحيم
najeebwm@hotmail.com
الحرب الدائرة في السودان منذ أبريل 2023 ليست مجرد صراع تقليدي بين جيش نظامي ومليشيا خارجة عن السيطرة، بل هي أقرب إلى مسرحية سيئة الإخراج تديرها وتحرك خيوطها قوى ظلامية تسعى لإعادة السودان إلى عهود الاستبداد والهيمنة الأيديولوجية. هذه الحرب لم تكن وليدة اللحظة، بل جاءت كنتيجة لتحركات مدروسة بدأت منذ سقوط نظام البشير عام 2019، حين أدركت الحركة الإسلامية أن أدوات القمع المباشر فشلت في احتواء الثورة السودانية، وأن استمرار الانتقال الديمقراطي يعني نهايتها الحتمية.
ما يميز هذه الحرب هو حجم الفوضى الممنهجة والانتهاكات غير المسبوقة بحق المدنيين، حيث لم تسلم منها القرى والمدن، المساجد والخلاوي، المدارس والجامعات، الوزارات والسفارات، بل وحتى السجلات الوطنية والمرافق العامة التي تعكس هوية السودان وتاريخه. لم يكن هذا التدمير عشوائيًا، بل يبدو كجزء من مخطط يهدف إلى إعادة تشكيل السودان وفق رؤية القوى التي أشعلت الحرب.
الحملة الإعلامية المصاحبة لهذه الحرب، بما تتضمنه من فيديوهات عنصرية تحريضية تُظهر الانتهاكات من كلا الطرفين، ليست مجرد توثيق للأحداث، بل هي جزء من استراتيجية منظمة تهدف إلى تكريس حالة العداء والانقسام داخل المجتمع السوداني، وتصوير البلاد على أنها غير قابلة للحكم المدني، مما يسهل إعادة إنتاج نموذج حكم عسكري–إسلاموي جديد.
منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021، ظهر جليًا أن قيادات الحركة الإسلامية لم تستسلم لخسارتها السلطة بعد سقوط البشير، بل شرعت في إعادة ترتيب أوراقها داخل الجيش والأجهزة الأمنية، وسعت لاختراق الدعم السريع، لضمان أن يكون طرفا الحرب في النهاية خاضعين لتأثيرها. فبعد أن فشل انقلاب البرهان – بدعم من فلول النظام المباد – في قمع الحراك الشعبي وإنهاء مطالب الحكم المدني، أصبح إشعال الحرب هو الخيار الوحيد أمام الحركة الإسلامية لضمان استمرار نفوذها في المشهد السياسي السوداني. وبذلك، فإن الحرب الحالية ليست مجرد صراع بين الجيش والد**عم السريع، بل هي حرب صممت خصيصاً لمنع قيام دولة مدنية، وتفتيت أي مشروع وطني جامع قد يُنهي عقوداً من سيطرة الإسلاميين على السودان.
الحرب لم تسفر فقط عن مقتل الآلاف وتشريد الملايين وسرقة ممتلكاتهم ومدخراتهم، بل خلقت واقعًا جديدًا تتضاءل فيه فرص استعادة الدولة الوطنية. فمع استمرار القتال، تترسخ سلطة أمراء الحرب، وتتوسع رقعة الفوضى، ويزداد تغلغل المجموعات المتطرفة والجماعات الإجرامية في المشهد. وبذلك، فإن المستفيد الأكبر من هذه الفوضى هم أولئك الذين يسعون إلى إعادة إنتاج نموذج الدولة الأمنية التي تسيطر عليها الأيديولوجيا الدينية والقمع العسكري ولذا يريدون إستمرارها . بالقمع القضائي، ولا علاقة له بالحق والحقيقة والعدالة، إن من يقف وراء ذلك يلحقون بأنفسهم العار الأخلاقي والوطني والإنساني، فهم الذين نهبوا الدولة وأفلسوا الشعب وتنازلوا عن سيادة الوطن وثرواته وأنفصل جنوب السودان عن شمالة، وفارقنا الحبيب (منقو زمبيري ) فراق الطريفي لجملو ومنقو عاش من يفصلنا وها هم يغطون جرائمهم بتلفيقات لقمع الحريات.
ما يجري في السودان اليوم هو معركة وجودية بين قوى تريد إرساء حكم مدني ديمقراطي، وأخرى لا ترى في السودان سوى ساحة لتجاربها الفاشلة في الحكم عبر العنف والإرهاب الفكري والعسكري. لقد بات واضحًا أن الحركة الإسلامية، بعد أن أدركت استحالة العودة إلى السلطة عبر الوسائل التقليدية، لجأت إلى آخر أسلحتها: الحرب الشاملة التي تضمن لها موطئ قدم في مستقبل السودان، ولو على أنقاض الدولة نفسها. لكن رغم كل ذلك، فإن الشعب السوداني الذي أسقط أعتى الدكتاتوريات لا يزال قادرًا على إفشال هذه المخططات، شريطة أن يدرك أن المعركة ليست بين جيش ودعم سريع، بل هي بين مشروع وطن ديمقراطي، ومشروع فوضى تسعى من خلاله قوى الظلام للبقاء في المشهد إلى الأبد وتمارس إنتهاكات فظيعة بعد تحرير مدني إستبشرنا خيرا بخروج أوباش الجن**جويد الذين مارسوا كل أساليب البرابرة والمغول قتل بلا رحمة ونهب واغتصاب.
إذا اختلفت مع المؤيدين للحرب العبثية المدمرة تطالك التهم المجانية متعاون عميل وخائن ودعامي وقحاتي وهكذا مع البقية من لا يعجبه كلامك سيتهمك بما ليس فيك فالمشهد أصبح واضحا أن هذه قادة المليشيات تريد استمرار الحرب من أجل مصالحهم السياسية وعودة (مشروعهم الحضاري ) الذي لم يكتمل فوق الأشلاء والجماجم..
ظهور صفحات وهمية وجداد إلكتروني ولايفاتية ومنقبين وقونات على مواقع التواصل الإجتماعي مهمتهم التضليل والكذب والتركيز على كل من يقول لا للحرب عميل خائن دعامي قحاتي وتقدم المفترى عليها حاصة للدعا**مة والكل يعلم أن الدع**م السر**يع حاضنتهم البندقية shoot to kill
الجيش السوداني جيش الوطن ولا يوجد سوداني يتمنى هزيمته فهو صمام أمان الوطن وحامي الأرض والعرض ولكن المليشيات الإسلامية تبع النظام المباد التي تقاتل مع الجيش لم تلتزم بأوامر القادة وتقوم بقتل المواطنين العزل وشاهدنا مقطع فيديو لأفراد منهم في مدينة ودمدني عند دخول الجيش إليها مارسوا نفس سلوك الجن**جويد بل تفوقوا عليها بالوحشية الداعشية البربرية والكل شاهد المناظر المقززة التي لا تمت للإنسانية بصلة جز الرؤوس والإعدام رمياً بالرصاص بتهمة التعاون مع الدعا**مة دون محاكمة وما يقومون به رسالة إلى الثوار وكل من يطالب بالحرية والديمقراطية على قول الكمرد مناوي .. (السماء ذات البروج) . .
ضبابية النهايات والفوضى الميدانية وتشابه ألوان الكاكي والكدمول تنذر المشهد المعقد باحتمالات لا يحمد عقباها قد تفتح الباب أمام تهجير المواطنين (كلاكيت ثاني) سيشكل نقطة تحول في الحرب تؤدي إلى إجراءات ضاغطة من قادة المليشيات الإسلامية لإفشال أي مسار يقود إلى سلام وفي نفس الوقت المواطن خلاص استوى و(لاك الصبر) والجمر ولم يعد يحتمل المزيد من والمعاناة.. ولازم تقيف وحتقيف.
ما يسمى كتيبة البراء ثورة ديسمبر المجيدة ليس (تفحيط).. تعد من أعظم الثورات في تاريخ النضال سطرها الشباب (الديسمبريون) بصدور عارية بدمائهم وتضحياتهم وأسقطوا نظام الدكتاتور البشير الذي جثم على صدور السودانيين ثلاثين عاماً .. حتماً ستعود ديسمبر
يدور كلام كثير أن الطرفين متفقين بخارطة وحدود للعبتهما بميزان دقيق في حدود .. والانتصارات السريعة التي حققها الجيش في سنجة وجبل موية والدندر ومدني والمصفاة وسلاح الإشارة والوتيرة المتسارعة في إنسحابات الدع**م السر**يع. من هذه الأماكن يعزز من فرضية الاتفاق والمسموح به في اللعبة.. والشعب السوداني يعول على إسكات البندقية بمنبر جدة وتنتهي الحكاية.
الحرية للإعلامي خالد بحيري
الحرية للحكم منصور
المجد والخلود للشهداء .. والدولة مدنية وإن طال السفر .. لا للحرب وألف لا
لك الله يا وطني فغداً ستشرق شمسك