أوضح الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، أننا اليوم أمام فرصة للمثاقفة حول كثير من المفاهيم التي تتفاوت فهما وممارسة، والتي تحتاج إلى توضيح وجهات النظر حولها، فما زال كثير منها مجالا للأخذ والرد، والقبول والرفض، حتى إن الأفراد بل المجتمعات أصبحت عرضة للتصنيف والتمييز بسبب هذه المفاهيم وجودا وعدما، مبينا أن الممارسة المغلوطة لا تهدر القيمة الصحيحة، وأن القيمة الصحيحة لا تصوب الممارسة المغلوطة، والواقع يعلن عن وجود بعد بين النظرية والتطبيق، أو بين القيم والسلوك.

وكيل الأزهر: لا يوجد في الإسلام الفهم الميكافيلي الذي يقضي بأن صاحب الغاية له أن يستعمل ما يشاء من الوسائل في سبيل تحقيق غايته

وقال وكيل الأزهر خلال كلمته في مؤتمر مركز الأزهر لتعليم اللغة الفرنسية بالتعاون مع جامعة لومير، تحت عنوان «التفاعل بين القيم وأثره على الهوية: الانفتاح على الحداثة أم الانسحاب إلى الذات»، أنه ليس عندنا في الإسلام الفهم الميكافيلي الذي يقضي بأن صاحب الغاية له أن يستعمل ما يشاء في سبيل تحقيق غايته، فيما اشتهر بقاعدة «الغاية تبرر الوسيلة»، وطبقا لهذه القاعدة المغلوطة فإنه لا جريمة في قتل شعب وتبديد مقدراته ونهب أراضيه من أجل غاية مدعاة، ولا جرم في إهدار أطنان الموارد مع حاجة الجوعى والمحرومين لها من أجل المحافظة على استقرار الأسعار، إلى آخر الأمثلة الواقعية التي يمكن أن نسوقها دليلا على فساد هذه القاعدة.

وكيل الأزهر يفتتح مؤتمر مركز الأزهروكيل الأزهر: «الغاية تبرر الوسيلة» قاعدة فاسدة أُريد بها باطل

وشدد الدكتور الضويني أن الدعوة إلى التفريق بين القيمة والممارسة الناشئة عنها، بحيث يمكن أن تكون القيمة صحيحة والممارسة مغلوطة خديعة كبرى، ومحاولة لتهوين الجريمة، ولصرف الأذهان عن أفعال شنيعة، وتمريرها باعتبارها ثمرة قيمة لا خلاف في صحتها وقبولها، وأظن أن بعض ما يدور حوله مؤتمرنا اليوم مفاهيم الحرية وحقوق الإنسان، وهي مفاهيم لا يختلف فيها العقلاء، ولكن بدعوى هذه العناوين أقرت المثلية، وأقر الإلحاد، واعتبر حقا من حقوق الإنسان وحرية شخصية بالرغم من خروج ذلك على الفطرة، ومعارضته للعقائد والأديان!، وباسم هذه الحرية دمرت مجتمعات ونهبت ثرواتها، وبزعم تعليمها الديمقراطية ما زالت بعض المجتمعات تعيش في فوضى.

وكيل الأزهر يفتتح مؤتمر مركز الأزهروكيل الأزهر: الدعوة إلى التفريق بين القيمة والممارسة الناشئة عنها خديعة كبرى ومحاولة لتهوين الجريمة

وتابع فضيلته أنه هاهنا تساؤل أحب أن نطرحه فيما بيننا بحسباننا مفكرين وعلماء: إذا كانت الحرية المطلوب الأعلى للناس في كل المجتمعات، وخاصة المجتمعات التي تحب أن تصف نفسها بمجتمعات الحرية، وإذا كانت هذه المجتمعات باسم الحرية تقر المثلية الجنسية وتقر الإلحاد بل تدعو إليهما بصورة رسمية، فلماذا لا تباح هذه الحرية، أو شيء منها لمجتمعات الشرق ليقرروا بإرادتهم واختيارهم عقيدتهم، ولماذا لا تترك لها الحرية في أن تحافظ على هويتها، لتحل ما أحل الله، وتحرم ما حرم الله؟، ولماذا ينظر إلى المجتمعات الشرقية على أنها يجب أن تنصاع لما يراه غيرها؟ ولماذا لا ينصاع غيرها لما تحمله هوية هذه المجتمعات؟ وأظن أن من الموضوعية الكاملة في هذا المؤتمر الفكري أن نسأل، وأن نتشارك التفكير في إجابات هذه الأسئلة.

وكيل الأزهر يفتتح مؤتمر مركز الأزهروكيل الأزهر: بدعوى مفاهيم الحرية أقرت المثلية والإلحاد بالرغم من خروج ذلك على الفطرة

وأردف وكيل الأزهر أن آفة العالم الآن أن تظن جماعة أو مجتمع أو شعب أنه يملك الحق والصواب وحده، وأن الباطل والخطأ من نصيب غيره، ولذا تأتي هذه اللقاءات الحوارية التي تتيح لكل طرف أن يقرأ عقل غيره، ويفهم مبرراته، وإن الحوار هو السبيل الأوحد لإذابة جليد المنافرة الواقعة بين بعض المجتمعات، ومما يؤكد ضرورة الحوار وأهميته أن الله - عز وجل- جعل تنوعنا آية من آياته الباهرة، واختلاف الألسنة ينصرف إلى اختلاف الثقافات والحضارات، واختلاف الألوان ينصرف إلى اختلاف القوميات، ولكن هذا التنوع له غاية أعلنها الله، وهي التعارف، والتعارف يقتضي حوارا يجمع ولا يفرق، ويبني ولا يهدم.

وكيل الأزهر يفتتح مؤتمر مركز الأزهروكيل الأزهر: الحوار السبيل الأوحد لإذابة جليد المنافرة الواقعة بين بعض المجتمعات

وبيّن وكيل الأزهر أنه في الوقت الذي يقر فيه الإسلام الحوار مبدأ إنسانيا نسمع طرحا مغايرا لوحي السماء مترجما في نظرية «صراع الحضارات» التي ما فتئ الأزهر الشريف يرفضها، ويدعو إلى إقامة سلام حقيقي بين بني الإنسان، ويتصدى دائما لتسليع الدين واستغلاله في إشعال الفتن في الأوطان المستقرة، ولذا فإن الأزهر الشريف يتواصل ويتعاون مع المؤسسات كافة، لتبادل الرؤى والأفكار حول ترسيخ قيم التعايش المشترك، وقبول الآخر، ونبذ العنف، ومواجهة التطرف، وإرساء دعائم المواطنة، وتبني حوار حقيقي يستثمر التعددية الفكرية والتنوع الثقافي، ويعترف بالهويات والخصوصيات، ويحترم الرموز والمقدسات.

وكيل الأزهر يفتتح مؤتمر مركز الأزهرالدكتور الضويني يستعرض جهود الأزهر في دعم سبل الحوار البناء بمؤتمر مركز الأزهر لتعليم اللغة الفرنسية

واستعرض فضيلته جهود الأزهر في دعم سبل الحوار البناء، مبينا أن الأزهر الشريف حقق نجاحات كبيرة داخل مصر وخارجها فأقام حوارات دينية حضارية حقيقية، كان لها نتائج ملموسة، ومن هذه الحوارات الإيجابية «الملتقى الدولي الأول للشباب المسلم والمسيحي» الذي عقد في قلب مشيخة الأزهر الشريف بمشاركة وفد من شبابه ووفد من مجلس الكنائس العالمي يمثلون طوائف وجنسيات مختلفة، وقد تحاوروا لمدة يومين حول دور الأديان في بناء السلام ومواجهة التطرف، وغير ذلك من لقاءات تعمل على إيجاد وشائج وصلات بين بني الإنسان.

وكيل الأزهر: ستبقى العلمانية بنماذجها المختلفة تتوجس خيفة من الدين وأوامره وتخلط بين المقدس وغير المقدس

وأوضح وكيل الأزهر أن هذا المؤتمر بمحاوره المنتقاة على عناية، يفتح أبوابا مغلقة، ويضع يده على مواطن حساسة، وليس بالضرورة أن تظل مغلقة، ومن أهمها: الخلط بين المقدس والدنيوي، وتحويل الدنيوي إلى مقدس، والمقدس إلى دنيوي، وهذا الخلط غير مقبول، فلا المقدس يصح أن يكون دنيويا، ولا الدنيوي يصح أن يكون مقدسا، ووضع أحدهما مكان صاحبه إما أن يؤدي إلى تبادل الاتهامات بين المجتمعات، أو أن يؤدي إلى انغلاق بعض المجتمعات وعزلتها.

وكيل الأزهر يفتتح مؤتمر مركز الأزهروكيل الأزهر: الأزهر يتصدى دائما لتسليع الدين واستغلاله في إشعال الفتن في الأوطان المستقرة

وبيّن الدكتور الضويني أنه في إطار الخلط بين المقدس والدنيوي تبرز العلمانية، مشيرا إلى أن العلمانية ليست نموذجا واحدا، فقد تعددت وجوهها طبقا لأطوارها التي مرت بها، ابتداء بإقصاء الدين عن الحياة، وفصل الدين عن الدولة، بسبب ما تبناه رجال الدين في قرون مضت من سلوكيات ومفاهيم ناقضت العقل والعلم، وانتهاء بنموذج العلمانية المنفتحة، والعلمانية التي تقر الأديان بقدر ما تقدم الدولة.

وكيل الأزهر: الأزهر يعمل على ترسيخ قيم التعايش والمواطنة والحوار وقبول الآخر ونبذ العنف واحترام الرموز والمقدسات الدينية

واختتم وكيل الأزهر كلمته بأن منهج الإسلام متوازن، فقد وجه رب العالمين خلقه فقال: «وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك»، فمفاهيم الحرية وحقوق الإنسان مما لا يختلف في ضرورته وأهميته أحد، ولكن الواقع والممارسة أمر مختلف تمام الاختلاف، وستبقى العلمانية بنماذجها المختلفة تتوجس خيفة من الدين وأوامره، وتخلط بين المقدس وغير المقدس، وعليها أن تقدم برهانا على غير هذا، مشددا أن الإسلام قد وضع لنا سورا حاميا، وسياجا واسعا يمكن الإنسان أن يكون حرا مختارا داخل هذا الإطار، فهو حر من ناحية، وهو لا يتجاوز عقيدته وشريعته من ناحية أخرى.

اقرأ أيضاًوكيل الأزهر يعتمد نتيجة الدور الثاني للشهادة الثانوية للمعاهد الخارجية لدولتي تشاد والنيجر

جهود وكيل الأزهر في 2023.. «8 مشاركات علمية ودعوية و4 جولات خارجية وافتتاح 6 معارض فنية»

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الأزهر الأزهر الشريف وكيل الأزهر الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر التفاعل بين القيم وأثره على الهوية جامعة لومير الأزهر الشریف بعض المجتمعات

إقرأ أيضاً:

جامعة الزقازيق تستقبل رئيس جامعة الأزهر

استقبل الدكتور خالد الدرندلي رئيس جامعة الزقازيق، اليوم الأربعاء الموافق ٢٠٢٥/١/٨م، الدكتور سلامة جمعة داود رئيس جامعة الأزهر، والدكتور محمود صديق نائب رئيس الجامعة، والدكتور رمضان الصاوي نائب رئيس جامعة الأزهر لوجه بحرى، والدكتور أماني هاشم عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية ، والدكتور حسين بدوية عميد كلية أصول الدين، وذلك للاطمئنان على الحالة الصحية للطالبات اللاتي أصبن إثر حادث بكلية الدراسات الإسلامية والعربية.

جاء ذلك بحضور الدكتور إيهاب الببلاوي نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث، والدكتور هلال عفيفي نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب، والدكتور أحمد عناني عميد كلية الطب ومستشار رئيس الجامعة للأنشطة الطلابية ومستشار وزير التعليم العالي للسياسات الصحية والدكتور وليد ندا المدير التنفيذي للمستشفيات الجامعية.

وخلال الزيارة، رافق نواب رئيس جامعة الزقازيق، رئيس جامعة الأزهر ، والوفد المرافق له لتفقد الحالة الصحية للطالبات المصابات بمبنى الجراحة الجديد بمستشفيات الجامعة، حيث استمعوا إلى شرح مفصل من الفريق الطبي المشرف عن تطورات الحالة الصحية للطالبات والخطط العلاجية المقدمة، لضمان سلامتهن والتحقق من استقرار حالتهن الصحية.

وأكد الدكتور خالد الدرندلي أن مستشفيات جامعة الزقازيق على أتم الاستعداد لاستقبال الحالات وتقديم الرعاية الطبية اللازمة بأعلى مستوى من الكفاءة والجودة، مشددًا على أهمية التعامل مع الحالات بشكل إنساني ومهني لضمان استقرار حالتهن الصحية.

وأضاف الدرندلي أن الجامعة لن تدخر جهدًا في توفير الدعم النفسي والاجتماعي للمصابات وأسرهن، مشيرًا إلى أهمية العمل الجماعي بين الفرق الطبية المختلفة لضمان تقديم أفضل الخدمات الصحية الممكنة.

من جانبه، نقل رئيس جامعة الأزهر تحيات فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، كما وجه الشكر إلى جامعة الزقازيق على الدعم الطبي والإنساني الذي تم تقديمه، مشيدًا بسرعة الاستجابة ومستوى الخدمات الصحية المتوفرة داخل المستشفى الجامعي وحرص الفرق الطبية على متابعة الحالات بدقة واهتمام.

وأشار الدكتور أحمد عناني، إلى أن الحالات التى تم استقبالها قد تلقت الرعاية الطبية اللازمة فور وصولهن، وتم توفير كافة الإمكانيات العلاجية والفحوصات اللازمة لضمان استقرار حالتهن، وأن الوضع الصحي للطالبات تحت المراقبة الدقيقة من قبل فريق طبي متخصص، ونعمل جاهدين على تحقيق أفضل النتائج العلاجية.

وفي ختام الزيارة، أعرب الطرفان عن أملهما في تعافي الطالبات بسرعة وعودتهن إلى أسرهن سالمات، داعين الله أن يحفظ طلاب الجامعات المصرية من كل سوء، وتم تبادل الدروع بين رؤساء الجامعتين، كما أهدى رئيس جامعة الأزهر لرئيس جامعة الزقازيق كتابًا تعريفيًا عن جامعة الأزهر. 

يشار إلى أن جامعة الزقازيق دائمًا ما تؤكد التزامها بمسؤوليتها المجتمعية، خاصًة في مثل هذه الظروف الإنسانية الطارئة، داعيةً الله أن يمنّ على المصابات بالشفاء العاجل.

مقالات مشابهة

  • ابنك صايم وعايز يصلي | تفاصيل أغرب استدعاء ولي أمر بالقاهرة
  • «مركز أبوظبي» يعلن أسماء الفائزين بالدورة الرابعة لمسابقة «أصدقاء اللغة العربية»
  • تعليم اللغة اليابانية فى دورة تدريبية بجامعة أسيوط فبراير المقبل
  • العالمي للفتوى: محو الأمية أساس بناء المجتمعات وتقدمها الحضاري
  • مفتي الجمهورية يتوجَّه إلى باكستان للمشاركة في مؤتمر "تعليم الفتيات في المجتمعات المسلمة"
  • افتتاح مركز الأمن السيبراني التابع لوزارة الداخلية
  • رئيس جامعة الأزهر يزور الدكتور خالد الدرندلي ويشيد بالتعاون المشترك
  • رئيس جامعة الأزهر يتابع لجان امتحانات كليات الجامعة بالزقازيق
  • وكيل تموين أسيوط ورئيس مركز أبنوب يفتتحان سوق اليوم الواحد بمدينة أبنوب
  • جامعة الزقازيق تستقبل رئيس جامعة الأزهر