وكيل الأزهر: الحوار السبيل الأوحد لإذابة جليد المنافرة بين بعض المجتمعات
تاريخ النشر: 9th, January 2024 GMT
قال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، إننا اليوم أمام فرصة للمثاقفة حول كثير من المفاهيم التي تتفاوت فهما وممارسة، والتي تحتاج إلى توضيح وجهات النظر حولها، فما زال كثير منها مجالا للأخذ والرد، والقبول والرفض، حتى إن الأفراد بل المجتمعات أصبحت عرضة للتصنيف والتمييز بسبب هذه المفاهيم وجودا وعدما، مبينا أن الممارسة المغلوطة لا تهدر القيمة الصحيحة، وأن القيمة الصحيحة لا تصوب الممارسة المغلوطة، والواقع يعلن عن وجود بعد بين النظرية والتطبيق، أو بين القيم والسلوك.
وأوضح وكيل الأزهر خلال كلمته في مؤتمر مركز الأزهر لتعليم اللغة الفرنسية بالتعاون مع جامعة لومير، تحت عنوان" التفاعل بين القيم وأثره على الهوية: الانفتاح على الحداثة أم الانسحاب إلى الذات"، أنه ليس عندنا في الإسلام الفهم الميكافيلي الذي يقضي بأن صاحب الغاية له أن يستعمل ما يشاء في سبيل تحقيق غايته، فيما اشتهر بقاعدة «الغاية تبرر الوسيلة»، وطبقا لهذه القاعدة المغلوطة فإنه لا جريمة في قتل شعب وتبديد مقدراته ونهب أراضيه من أجل غاية مدعاة، ولا جرم في إهدار أطنان الموارد مع حاجة الجوعى والمحرومين لها من أجل المحافظة على استقرار الأسعار، إلى آخر الأمثلة الواقعية التي يمكن أن نسوقها دليلا على فساد هذه القاعدة.
وشدد الدكتور الضويني أن الدعوة إلى التفريق بين القيمة والممارسة الناشئة عنها، بحيث يمكن أن تكون القيمة صحيحة والممارسة مغلوطة خديعة كبرى، ومحاولة لتهوين الجريمة، ولصرف الأذهان عن أفعال شنيعة، وتمريرها باعتبارها ثمرة قيمة لا خلاف في صحتها وقبولها، وأظن أن بعض ما يدور حوله مؤتمرنا اليوم مفاهيم الحرية وحقوق الإنسان، وهي مفاهيم لا يختلف فيها العقلاء، ولكن بدعوى هذه العناوين أقرت المثلية، وأقر الإلحاد، واعتبر حقا من حقوق الإنسان وحرية شخصية بالرغم من خروج ذلك على الفطرة، ومعارضته للعقائد والأديان!، وباسم هذه الحرية دمرت مجتمعات ونهبت ثرواتها، وبزعم تعليمها الديمقراطية ما زالت بعض المجتمعات تعيش في فوضى.
وتابع أنه هاهنا تساؤل أحب أن نطرحه فيما بيننا بحسباننا مفكرين وعلماء: إذا كانت الحرية المطلوب الأعلى للناس في كل المجتمعات، وخاصة المجتمعات التي تحب أن تصف نفسها بمجتمعات الحرية، وإذا كانت هذه المجتمعات باسم الحرية تقر المثلية الجنسية وتقر الإلحاد بل تدعو إليهما بصورة رسمية، فلماذا لا تباح هذه الحرية، أو شيء منها لمجتمعات الشرق ليقرروا بإرادتهم واختيارهم عقيدتهم، ولماذا لا تترك لها الحرية في أن تحافظ على هويتها، لتحل ما أحل الله، وتحرم ما حرم الله؟، ولماذا ينظر إلى المجتمعات الشرقية على أنها يجب أن تنصاع لما يراه غيرها؟ ولماذا لا ينصاع غيرها لما تحمله هوية هذه المجتمعات؟ وأظن أن من الموضوعية الكاملة في هذا المؤتمر الفكري أن نسأل، وأن نتشارك التفكير في إجابات هذه الأسئلة.
العالم الآن أن تظن جماعة أو مجتمع أو شعب أنه يملك الحق والصواب وحدهوأردف وكيل الأزهر أن آفة العالم الآن أن تظن جماعة أو مجتمع أو شعب أنه يملك الحق والصواب وحده، وأن الباطل والخطأ من نصيب غيره؛ ولذا تأتي هذه اللقاءات الحوارية التي تتيح لكل طرف أن يقرأ عقل غيره، ويفهم مبرراته، وإن الحوار هو السبيل الأوحد لإذابة جليد المنافرة الواقعة بين بعض المجتمعات، ومما يؤكد ضرورة الحوار وأهميته أن الله –عز وجل- جعل تنوعنا آية من آياته الباهرة، واختلاف الألسنة ينصرف إلى اختلاف الثقافات والحضارات، واختلاف الألوان ينصرف إلى اختلاف القوميات، ولكن هذا التنوع له غاية أعلنها الله، وهي التعارف، والتعارف يقتضي حوارا يجمع ولا يفرق، ويبني ولا يهدم.
وبيّن وكيل الأزهر أنه في الوقت الذي يقر فيه الإسلام الحوار مبدأ إنسانيا نسمع طرحا مغايرا لوحي السماء مترجما في نظرية «صراع الحضارات» التي ما فتئ الأزهر الشريف يرفضها، ويدعو إلى إقامة سلام حقيقي بين بني الإنسان، ويتصدى دائما لتسليع الدين واستغلاله في إشعال الفتن في الأوطان المستقرة؛ ولذا فإن الأزهر الشريف يتواصل ويتعاون مع المؤسسات كافة؛ لتبادل الرؤى والأفكار حول ترسيخ قيم التعايش المشترك، وقبول الآخر، ونبذ العنف، ومواجهة التطرف، وإرساء دعائم المواطنة، وتبني حوار حقيقي يستثمر التعددية الفكرية والتنوع الثقافي، ويعترف بالهويات والخصوصيات، ويحترم الرموز والمقدسات.
واستعرض فضيلته جهود الأزهر في دعم سبل الحوار البناء، مبينا أن الأزهر الشريف حقق نجاحات كبيرة داخل مصر وخارجها فأقام حوارات دينية حضارية حقيقية، كان لها نتائج ملموسة، ومن هذه الحوارات الإيجابية «الملتقى الدولي الأول للشباب المسلم والمسيحي» الذي عقد في قلب مشيخة الأزهر الشريف بمشاركة وفد من شبابه ووفد من مجلس الكنائس العالمي يمثلون طوائف وجنسيات مختلفة، وقد تحاوروا لمدة يومين حول دور الأديان في بناء السلام ومواجهة التطرف، وغير ذلك من لقاءات تعمل على إيجاد وشائج وصلات بين بني الإنسان.
وأوضح وكيل الأزهر أن هذا المؤتمر بمحاوره المنتقاة على عناية، يفتح أبوابا مغلقة، ويضع يده على مواطن حساسة، وليس بالضرورة أن تظل مغلقة، ومن أهمها: الخلط بين المقدس والدنيوي، وتحويل الدنيوي إلى مقدس، والمقدس إلى دنيوي، وهذا الخلط غير مقبول، فلا المقدس يصح أن يكون دنيويا، ولا الدنيوي يصح أن يكون مقدسا، ووضع أحدهما مكان صاحبه إما أن يؤدي إلى تبادل الاتهامات بين المجتمعات، أو أن يؤدي إلى انغلاق بعض المجتمعات وعزلتها.
وبيّن الدكتور الضويني أنه في إطار الخلط بين المقدس والدنيوي تبرز العلمانية، مشيرا إلى أن العلمانية ليست نموذجا واحدا، فقد تعددت وجوهها طبقا لأطوارها التي مرت بها، ابتداء بإقصاء الدين عن الحياة، وفصل الدين عن الدولة، بسبب ما تبناه رجال الدين في قرون مضت من سلوكيات ومفاهيم ناقضت العقل والعلم، وانتهاء بنموذج العلمانية المنفتحة، والعلمانية التي تقر الأديان بقدر ما تقدم الدولة.
واختتم وكيل الأزهر كلمته بأن منهج الإسلام متوازن، فقد وجه رب العالمين خلقه فقال: «وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك»، فمفاهيم الحرية وحقوق الإنسان مما لا يختلف في ضرورته وأهميته أحد، ولكن الواقع والممارسة أمر مختلف تمام الاختلاف، وستبقى العلمانية بنماذجها المختلفة تتوجس خيفة من الدين وأوامره، وتخلط بين المقدس وغير المقدس، وعليها أن تقدم برهانا على غير هذا، مشددا أن الإسلام قد وضع لنا سورا حاميا، وسياجا واسعا يمكن الإنسان أن يكون حرا مختارا داخل هذا الإطار، فهو حر من ناحية، وهو لا يتجاوز عقيدته وشريعته من ناحية أخرى.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الأزهر وكيل الأزهر جامعة لومير الهوية بعض المجتمعات الأزهر الشریف وکیل الأزهر
إقرأ أيضاً:
عاجل: مبعوث الأمم المتحدة يحذر من حرب شاملة في اليمن ويتحدث عن السبيل لخفض التصعيد
حذر المبعوث الأممي، من حرب شاملة في اليمن وقال إن استئنافها لا يصب في مصلحة أي طرف وينبغي العمل على تفاديها.
ووفق هانس غروندبرغ فإن السبيل لخفض التصعيد في اليمن هو الدبلوماسية القائمة على الحوار والالتزام المتبادل.
وتابع قائلا: ''من الضروري أن يواصل المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات موحدة لضمان حل سلمي ومستدام للشعب اليمني''.
واختتم المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، اليوم الخميس، زيارة إلى بروكسل، حيث أطلع اللجنة السياسية والأمنية في الاتحاد الأوروبي على آخر التطورات في اليمن وعلى جهوده المتواصلة لدعم مسار السلام.
وخلال زيارته، عقد المبعوث الأممي غروندبرغ اجتماعات بنّاءة مع كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي، بمن فيهم الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة الخليج لويجي دي مايو. وتركّزت المناقشات على آخر التطورات السياسية والعسكرية في البلاد والمنطقة، وعلى جهود الأمم المتحدة لتمهيد الطريق نحو حل سلمي، وفق بيان لمكتب المبعوث اطلع عليه محرر مأرب برس.
وقال غروندبرغ: “بعد عشر سنوات من الصراع في اليمن، بات من الجلي أن تحقيق الاستقرار والسلام في اليمن ضرورة ملحة، ليس لليمنيين فحسب، بل لأمن واستقرار المنطقة”.. مضيفا: “ان استئناف حرب شاملة في اليمن لا يصب في مصلحة أي طرف، وينبغي العمل على تفاديه”.
وأشار المبعوث إلى أن السبيل لخفض التصعيد يكمن في الدبلوماسية القائمة على الحوار والالتزام المتبادل، مؤكداً على ضرورة الانخراط الحقيقي من جميع الأطراف، بدعم دولي وإقليمي مستمر.
وتابع: “أنا ممتن للغاية لالتزام الاتحاد الأوروبي الثابت والدائم تجاه اليمن، من أجل تخفيف معاناة اليمنيين. إن دعمه المتواصل أمر حاسم في سعينا المشترك لتحقيق السلام. أؤكد التزامي بتعزيز شراكتنا بشكل أكبر لصالح الشعب اليمني في سعيه نحو السلام”.