سيل الاكاذيب والصراخ الهستيري واعلان حالة الطوارئ في الغرف الاعلامية الكيزانية واستنفار الامنجية في مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف الوانهم يدل على ان تقدم تمضي في الاتجاه الصحيح
هذه الغرف المظلمة صدر لها التوجيه بالانصراف عن قصص البعاتي وساقه المبتورة وعينه المفقوءة وتوجيه مدفعيتها نحو كل من له علاقة بتقدم
بالامس رشا عوض القيادية بالحرية والتغيير تبرئ الدعم السريع من الاجرام ماضيا وحاضرا
واليوم حكاية بكري الجاك والتدخل الاجنبي
اها وبكرة الدور على منو يا كذابين؟
عموما ردي على بوستر البلد نيوز هو نفس المقال الذي نشرته مع فيديو قناة الشرق واعيد نشره مجددا
الغرف الاعلامية الكيزانية وشبكاتها الخفية: فجور الخصومة وشهادات الزور!
رشا عوض
تابعت منذ أمس حملة منظمة معلومة المصدر لاتهامي بالتستر على انتهاكات قوات الدعم السريع في مناطق سيطرتها عبر نفيها وتبريرها والقفز مباشرة الى تكريس اكذوبة ان من يقولون لا للحرب هم حلفاء حميدتي وحاضنته السياسية، وكل وذلك استنادا الى اجتزاء مقطع نصف دقيقة من حلقة حوارية استمرت لأكثر من ساعة في تلفزيون الشرق من تابعها سيفهم السياق كاملا، ولكن من اين لجنود ابليس الامانة والموضوعية وهم من محترفي صناعة الاكاذيب لاغتيال اي شخصية عجزوا عن مقارعتها فكريا في القضايا المركزية.
مجمل مداخلاتي في الحلقة ركزت على ان مصلحة المواطنين الراجحة والاكيدة هي ايقاف طاحونة الحرب عبر حل سياسي تفاوضي لأن استمرار الحرب لا يعني سوى استمرار الانتهاكات وتقسيم البلاد وللتدليل على قبح الحرب ذكرت ان ازمنة السلم لم تشهد انتهاكات كالتي تمت في هذه الحرب رغم ان قوات الدعم السريع كانت موجودة وبعشرات الالاف في الخرطوم فما هو الخطأ في ذلك؟ خصوصا ان من ضمن المشاركين في الحلقة من كان يدافع عن الخيار الذي يقود الى استمرار الحرب وتوسيع رقعتها عبر الدعوة الى تسليح المواطنين وانخراطهم في القتال فكان لا بد من الرد على طرحه بان دعوته هذه ضد المواطنين وسوف تعرضهم لانتهاكات اوسع وافظع وشرح ان العاصم للمواطنين هو تحقيق السلام وليس صب مزيد من البنزين على نيران الحرب، فما المشكلة في ذلك؟ هل واقع السلم وواقع الحرب متساويان؟ هل من عاقل يغالط في بداهة ان واقع الحرب هو الارضية الخصبة التي تنبت الانتهاكات بحكم الفوضى وانهيار النظام القانون! هل من دولة في العالم غرقت في الحرب وسلم مواطنوها من الانتهاكات ابتداء من دول العالم المتحضر في اوروبا مرورا بالدول العربية وصولا الى قارتنا الافريقية المنكوبة! هل من كان صادقا مخلصا في حماية المواطنين من الانتهاكات يمكن ان يكون بوقا لاستمرار الحرب وتوسعة رقعتها في ظل جيش هارب ومتنصل من ادني مسؤولية تجاه المدنيين وفي ظل شياطين يوزعون السلاح بعشوائية في عملية ستفاقم الانتهاكات إذ انها ببساطة ستجعل كل مواطن هدفا عسكريا مشروعا وبدلا من فقدان الاموال والعربات والطرد من المنازل سيفقد الناس ارواحهم وبالجملة عندما يصبحون طرفا مسلحا في الحرب، وبداهة من يدفع المواطنين الى القتال فهو يريد استغلال المواطنين والاستثمار في آلامهم ومعاناتهم لدفعهم دفعا لخوض معركته السياسية ولا يهمه الويلات التي سيتعرضون لها.
الترويج الكثيف للمقطع المجتزأ هدفه سياسي بامتياز وهو رد فعل على ما طرحته من أفكار سياسية هم عن مواجهتها عاجزون فاستخدموا السلاح الوحيد الذي هم فيه ماهرون وهو إثارة الغبار الكثيف حول صاحبة الرأي لحجب رأيها تماما! وكذلك إثارة الغبار حول تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” التي برزت بقوة وتصدت لمهمة التعبير عن صوت المدنيين والانحياز الحقيقي لهم عبر بذل كل ما في الوسع لإيقاف هذه الحرب لأن ايقافها هو الحل الجذري لمعاناة المواطنين، فالفلول ومشايعيهم وعملائهم هدفهم الاستراتيجي الآن هو التعبئة الحربية وبث خطاب الكراهية والحرب ويريدون اخراس اي صوت للسلام وهيهات!
لست بحاجة لان أقدم مرافعة عن نفسي أثبت فيها براءتي من تأييد انتهاكات الدعم السريع ضد المواطنين وتبرئته من المسؤولية عنها امام محاكم تفتيش منصوبة بواسطة ابواق النظام الذي بدأ عهده بدق مسمار في رأس طبيب وانتهى بدق خازوق في جسد معلم وبينهما الإبادات والمجازر الجماعية التي نفذها الجنجويد تحت سمع وبصر وتخطيط ومشاركة اساتذة حقوق الانسان الجدد وجيشهم الهمام!!
تركتهم يستمتعون بتداول المقطع فرحين بالعثور على كنز جديد ربما يجعل الجمهور المستهدف بالتضليل ينسى أكذوبة ساعة الحسم واكذوبة موت حميدتي ودفنه مبتور الساق ومفقوء العين بعد غسل جنازته وتكفينه بواسطة احد اقرباء مبارك الفاضل! واكذوبة تحرير الخرطوم انطلاقا من مدني بواسطة المستنفرين!
ولكنهم يتناسون ان ارشيفي المكتوب والمسموع والمرئي مبذول في الصحف والاسافير على مدى عقدين من الزمان! منذ ايام موسى هلال وحريق دارفور ونزع مقالاتي بمقص الرقيب او رفض نشرها لانها تردد الدعاية الامبريالية والص هيونية ضد النظام الاسلامي إذ كانت انتهاكات الجنجويد في ذلك الحين جهادا في سبيل الله لانهم كانوا في حماية سلطة الكيزان ! ومنذ جرجرتي الى المحاكم بسبب انتقاد انتهاكات جهاز الامن! ومنذ ان كان اساتذة حقوق الانسان الجدد يلعقون بوت البشير رمز السيادة الوطنية ويجب ان نجاهد الكفار الذين اصدروا ضده امر قبض من محكمة الجنايات الدولية بسبب “الانتهاكات الجهادية” في ذلك الوقت وكنت انا ومن موقع الانحياز للضحايا انادي بتسليم البشير واحمد هارون لمحكمة الجنايات الدولية بدون لجلجة!
وحتى في سياق هذه الحرب حديثي عن إدانة الانتهاكات موثق بصورة متواترة وكل من يغالط في ذلك كذاب ووقح وبجح أومجند بوعي او بدون وعي في كتائب الجداد الالكتروني وغرف الدعاية الحربية، ودائما الفجور في الخصومة يجعل صاحبه شاهد زور يتعامى عن الحقائق المجردة ولكن مهما بلغ الفجور فلن ينجح الفجرة في محو مئات المقالات والمقابلات التلفزيونية ومقاطع البودكاست والبوستات في هذه الصفحة بمقطع مجتزأ من سياقه ينشط في ترويجه الأمنجية.
الهستريا الي صاحبت ترويج مقطع الفيديو المجتزأ ، سببها هو الموقف النزيه المنحاز فعلا للضحايا في قضية الانتهاكات، وخلاصته كما وردت في مقالتي بعنوان “حرب السودان وابتذال قضية الانتهاكات المنشورة بصحيفة التغيير 23 يوليو 2023 التي قلت فيها بالنص ” الحرص على سلامة المواطنين يقتضي السعي لإيقاف الحرب لتجفيف منبع الانتهاكات وقطع جذرها الرئيس، ولكن من وجهة نظري ، أثناء الحرب يجب أن تدين القوى المدنية الديمقراطية الانتهاكات المصاحبة للقتال انتصارا لمبادئ حقوق الإنسان في المقام الاول، و كجزء من عملية التعبئة ضد الحرب وتعرية أطرافها وعزلهم سياسيا، وتكريس خيار السلام والحلول السياسية التفاوضية، ويجب أن يصدر ذلك عن منصة مستقلة سياسيا عن طرفي القتال، فلا تتردد في كشف تفاصيل الانتهاكات وادانتها وتسمية الجهة المسؤولة عنها دون أغراض سياسية، ويجب أن يكون لدينا مرصد مستقل لتوثيق جرائم التعذيب والقتل والاغتصاب والاعتقالات والاخفاء القسري ونهب الممتلكات وطرد المواطنين من منازلهم واحتلالها وكل ذلك بشكل مهني يتحرى المصداقية استعدادا لتحقيق العدالة للضحايا مستقبلا ، فلا للصمت او التستر على انتهاكات الدعم السريع، ولا للصمت او التستر على انتهاكات الجيش”
وطبعا الكيزان ضد التصدي للانتهاكات من منصة ديمقراطية تدعو للسلام، وحياة المواطنين لا تعنيهم اصلا، بل يريدون استخدام الانتهاكات كوسيلة للتجييش والحرب الاهلية والفتنة العنصرية وفي المحصلة النهائية حسم الصراع السياسي لصالحهم، يريدوننا ان نتناول قضايا الشعب السوداني من زاوية مصالحهم السياسية، فعندما نتحدث عن الانتهاكات يجب ان لا نربط ذلك بنبذ واقع الحرب والدعوة الى السلام، ويجب ان ندين طرف واحد هو الدعم السريع ونصمت تماما عن انتهاكات الجيش، يجب ان ندعو لاستئصال الدعم السريع من الكرة الارضية لأنه احتل منازل المواطنين ولكن علينا ان لا نتذكر في هذا السياق ان طيران الجيش قصف منازل المواطنين وهم بداخلها وفقدوا ارواحهم وتقطعت اشلاؤهم وروائح جثثهم تنبعث من تحت الانقاض! يجب ان نقتصر على احصاء قتلى الدعم السريع وضحايا التعذيب بواسطة استخباراته من المدنيين الابرياء ونتستر على قتلى الاستخبارات العسكرية من الابرياء على الهوية القبلية وننسى دورها في اشعال الفتن القبلية واعتقال المدنيين!
ولذلك فإنهم يكذبون ويتحرون الكذب -وهو صنعتهم- عندما يقولون القوى المدنية لم تدن انتهاكات الدعم السريع! القوى المدنية ادانت انتهاكات الدعم السريع مقرونة بانتهاكات الجيش ولكن الكيزان وعملاؤهم يريدون ادانة مغلظة لطرف واحد فقط والصمت عن الطرف الاخر مع اهدار السياق الكلي الذي أفرز الانتهاكات ممثلا في واقع الحرب والخلل البنيوي في كامل المنظومة العسكرية والامنية المصممة على قمع المواطن واهدار حقوقه. باختصار يريدون تسليط الضوء على جزء من الصورة وحجب الصورة الكاملة لما يجري كلازمة للتضليل وتمرير الاجندة السياسية الكيزانية وهيهات!!
مهما اثاروا الغبار الكثيف حولنا بشهادات الزور والبهلوانيات الاسفيرية واكروبات تقطيع الفيديوهات فلن نخضع لابتزازهم الارعن! ولن نتزحزح عن الموقف الاخلاقي والوطني المحترم من قضية الانتهاكات الذي ينطلق فعلا من الانحياز للضحايا وذروة سنام الانحياز للضحايا هي رفع راية لا للحرب، والى ان تتوقف الحرب ليس في فمنا ماء تجاه انتهاكات الدعم السريع وارشيفنا يشهد ، ولكنهم عبر الابتزاز والبلطجة يريدوننا ان نساعدهم في استغلال الانتهاكات في التعبئة الحربية وتوسيع دائرة الحرب التي تعني بالضرورة زيادة الانتهاكات كما ونوعا وطريقنا هو إدانة الانتهاكات والدعوة الى إيقاف الحرب وتحقيق السلام لتجفيف منبع الانتهاكات وقطع جذرها الرئيس . هذا هو طريق الشعب طريق السلام الذي نحن فيه ماضون وعلى ثقة بان الزبد سيذهب جفاء وما ينفع الناس سيمكث في جوف الارض.
#لا_للحرب
#نعم_للسلام
#الكضبن_والصهينة
#سمكم_ضوقوه
رشا عوض
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: انتهاکات الدعم السریع واقع الحرب رشا عوض یجب ان فی ذلک على ان
إقرأ أيضاً:
لماذا تحمي أوروبا الدعم السريع؟
لم يفلح السودان حتى الآن في حمل العالم على تصنيف مليشيا الدعم السريع المتمردة منظمةً إرهابية على الرغم من جرائم الإبادة الجماعية، والفظائع التي ظلت ترتكبها ضد المدنيين في وضح النهار، ودون مواربة. ولكون هذه المليشيا بدت نموذجًا صارخًا، ومثاليًا لما عرف اصطلاحًا بـ "البنادق المأجورة"، وهو مصطلح يُستخدم لوصف المرتزقة الذين يقدمون خدماتهم القتالية مقابل المال دون اعتبار للأيديولوجيا أو القيم.
فهؤلاء المرتزقة لا يهمهم سوى العائد المادي، ويعملون بشكل رئيسي لخدمة أهداف من يدفع لهم، سواء كان طرفًا على المستوى الداخلي، أو الإقليمي، أو الدولي.
فقد جعلت هذه "الميزة" الأطراف المستفيدة من خدمات مليشيا الدعم السريع أطرافًا ممانعة لتصنيفها منظمةً إرهابية، كما يجب. لقد بدأت هذه المليشيا قوة شبه عسكرية من "الجنجويد" – مجموعات مسلحة غير نظامية في دارفور -، وتطورت إلى قوة بقانون تشارك في النزاعات الداخلية.
وعلى الرغم من التقارير الحقوقية التي توثق انتهاكاتها، فإن العوامل السياسية، والاقتصادية الإقليمية، والدولية ظلت مؤثرة جدًا في تأخير تصنيفها منظمة إرهابية. ويعكس ذلك التردد تناقض المجتمع الدولي، حيث يتم تغليب المصالح السياسية، والأمنية، والاقتصادية على حساب العدالة الدولية المزعومة.
وتجدر الإشارة هنا إلى قول الموظف السابق في البيت الأبيض المختص بشؤون القرن الأفريقي، والسودان في لقائه مع الجزيرة مؤخرًا بعد أن تحرر من الموقع الرسمي: إن "مليشيا الدعم السريع يجب أن تصنف منظمة إرهابية؛ لأنها تقوم بأعمال إرهابية ضد الشعب السوداني".
فمن الجلي أن هناك أولويات تتعلق بمصالح الدول الكبرى، والإقليمية التي تخشى أن يؤدي هذا التصنيف إلى فقدان شريك أمني أو "بندقية مأجورة". وما قد يتعارض مع مصالح بعض القوى الدولية هو أن تصنيف هذه المليشيا منظمة إرهابية، سيؤدي إلى انعكاسات إيجابية على الأوضاع الداخلية في السودان، من إنهاء النزاع المسلح، وتقليل الانقسامات الاجتماعية، إلى التأثير الإيجابي على الاقتصاد، وخفض معاناة المدنيين.
فبالإضافة إلى ذلك فإن هذا التصنيف سيحلحل تعقيدات العملية السياسية، ويمكن الدبلوماسية السودانية من المزيد من النشاط، مما يجعل من السهل إيجاد حلول سلمية، واستقرار طويل الأمد.
نشأة رغائبية شائهةبدأ التفكير في إنشاء مليشيا الدعم السريع في 2003، لأغراض أمنية بحتة تتعلق باضطراب الأوضاع في إقليم دارفور مع بداية التمرد هناك، لكن سرعان ما تم استغلالها رغائبيًا في إطار حالة عدم اليقين، واهتزاز الثقة بين أركان السلطة، لا سيما بعد انشقاق الحزب الحاكم آنذاك في العام 1999.
وفي إطار طبيعة النزاع المتوارثة في دارفور بين القبائل الرعوية، والزراعية، ومع تأثر السودان بالحرب الأهلية في تشاد المجاورة التي تربطها به حدود مفتوحة، وقبائل مشتركة اتخذت النزاعات بين القبائل أشكالًا مسلحة تتطور طرديًا مع زيادة تدفق السلاح من تشاد.
وقامت مجموعات من القبائل المحلية بتنظيم قوات مسلحة عرفت باسم "الجنجويد"، وأجادت فنون القتال، والكر، والفر في مناطق ذات طبيعة سهلية شاسعة تجد أقوى الجيوش صعوبة في الانتشار فيها، والسيطرة عليها.
هذه الميزات جعلت السلطة المركزية في حقب عديدة، لا سيما نظام الرئيس السابق عمر البشير، تسعى لاستغلالها وتجنيدها لصالح السيطرة على المجموعات المتمردة ذات الأهداف السياسية، وربما المرتبطة بالخارج.
بيد أن حكومة البشير غضت الطرف عن السمعة السيئة للجنجويد؛ نتيجة الاتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان، والجرائم ضد المدنيين. والحقيقة أن السلطة المركزية كانت كمن يحاول عبثًا ترويض ذئبٍ ليجعله أليفًا يُؤلَف يعيش بين الناس، لكن الذئب يظل ذئبًا، ولن يغلب الطبع التطبّع.
في عام 2013، قررت حكومة البشير إعادة تنظيم هذه المليشيا في هيكل رسمي رغم اعتراضات ضباط من الجيش، وأطلقت عليها اسم "قوات الدعم السريع"، ومنحتها وضعًا قانونيًا ضمن الجيش القومي، ولكن بصيغة مرتبكة. وتم تعيين محمد حمدان دقلو، المعروف بـ "حميدتي"، قائدًا لهذه القوات.
غير أن هذه القوات بقيت – لشيء في نفس البشير – تابعة له مباشرة، ولم تتبع لهيئة أركان الجيش، كما كان يفترض، وهذا الأمر كان سيمنع لاحقًا تفلّتها، ومحاولة بناء نفسها باعتبارها جيشًا موازيًا بعقيدة غير عقيدة الجيش الوطني القومي. وقد ساعد هذا الوضع الشائه في تعزيز قدرات المليشيا، وتسليحها بشكل كبير بعيدًا عن خطط وسيطرة الجيش، لا سيما بعد سقوط نظام البشير في أبريل/ نيسان 2019.
وبعد الإطاحة بالبشير برزت مليشيا الدعم السريع قوة رئيسية في المرحلة الانتقالية، ووقّعت على اتفاق مع القوى السياسية للمشاركة في السلطة الانتقالية بجانب الجيش، وشغل حميدتي منصب نائب رئيس المجلس السيادي، الأمر الذي جعل المليشيا لاعبًا رئيسيًا في السياسة السودانية، بل إنها تطلّعت لاحقًا للاستيلاء على السلطة بالتعاون، والتخابر مع قوى إقليمية، ودولية، وهذا كان السبب الرئيسي في اندلاع الحرب الحالية التي تكاد تذهب بالدولة السودانية من القواعد.
إن هذا الوضع الشاذ لم يمكنها سياسيًا، وعسكريًا فحسب، وإنما سيطرت على أهم الموارد الاقتصادية في البلاد، وهي مناجم الذهب في دارفور. وكانت عوائد هذا المورد عاملًا حاسمًا في بناء نفوذها العسكري والسياسي، ولعب دور الوكيل المعتمد للقوى الإقليمية الطامعة في الذهب السوداني.
ولذلك كان هدف الاستيلاء على السلطة هو تعزيز هذه الأوضاع الآثمة لتتحول من خانة "البنادق المأجورة" إلى خانة "الأنظمة المأجورة"، ومن ثم تحويل كامل الدولة السودانية لدولة وظيفية خادمة مطيعة للإمبريالية العالمية.
تجاهل رغم التوثيق والاعتراف
إن سلوك هذه المليشيا أصبح محيرًا، ويدلُّ على خلل نفسي ما، وهو سلوك ناتج عن فقدان التوازن العقلي؛ فلا يتوانى عناصر المليشيا في تسجيل، وتوثيق جرائمهم بأنفسهم، وهم يبدون سعادتهم بذلك دون مواربة. وأظهرت مقاطع مبثوثة من جانبهم إجبار مواطنين اختطفتهم على تقليد نباح الكلاب، ومرة أخرى صوت القطط. ومن قبل وثّقوا عمليات اغتصاب ارتكبوها، وقد تناوبوا على الضحية.
إن الجرائم التي ترتكبها هذه المليشيا ليست أقل بأي حال من جرائم مخزية تندرج في إطار الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، وهذه كلها جرائم تتعارض مع القوانين الدولية في المجال الإنساني.
وقامَ العديد من المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية بإصدار تقارير تفصيلية عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع في السودان، وتناولت هذه التقارير قضايا القتل الجماعي، والاعتقالات التعسفية، والانتهاكات ضد المدنيين، إضافة إلى استخدام العنف المفرط خلال النزاعات. وهنا نعرض ملخصًا لأبرز هذه التقارير ودور الإعلام العالمي في توثيقها.
في أوائل هذا العام أصدرت الأمم المتحدة تقريرًا أمميًا بشأن ارتكاب مجازر في إقليم دارفور، كان قد قطع قول كل خطيب، وأفاد التقرير المقدم إلى مجلس الأمن الدولي بأن نحو 15 ألف شخص قتلوا في مدينة واحدة في منطقة غرب دارفور منذ اندلاع التمرد، في أعمال عنف عرقية نفذتها مليشيا الدعم السريع.
ونقلت مقاطع مصورة، دفن أبرياء أحياءً وذبح آخرين في مشاهد هزت الضمير الإنساني هزًا عنيفًا. كما أصدرت "هيومن رايتس ووتش" عدة تقارير تركز على الانتهاكات التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع، خاصة في دارفور.
أما منظمة العفو الدولية، فقد أشارت في تقاريرها إلى انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها المليشيا، مع التركيز على حالات القتل خارج إطار القانون، والتعذيب، والاعتداء على النساء، والأطفال.
وتزامنت تقارير المنظمات المعنية مع تقارير صادمة بثتها وسائل إعلام دولية، حيث قامت وكالات مثل: (رويترز)، و(بي بي سي)، و(سي إن إن) بنشر، وبث تقارير ميدانية مصورة حول اعتداءات المليشيا على المدنيين، في مناطق تسيطر عليها، أو تلك التي استعادها الجيش السوداني من قبضتها.
هذا بالإضافة إلى تحقيقات صحفية استقصائية كشفت جوانب أخرى من هذه الانتهاكات، مثل: تجنيد الأطفال، والعنف ضد النساء. كما تمكّنت العديد من وسائل الإعلام من نشر شهادات الضحايا، والوصول إلى الشهود، وإبراز مقابلات، وتقارير، وثائقية تُظهر الظروف الصعبة التي يواجهها السكان الواقعون تحت جحيم هذه الجرائم.
لماذا يتأخر دمغ المليشيا بالإرهاب؟هناك كثير من العوامل السياسية التي تمنع ما يعرف بالمجتمع الدولي من اتخاذ خطوة تصنيف مليشيا الدعم السريع منظمة إرهابية، هناك مصالح إقليمية، ودولية في السودان تتأسس على الموقع الإستراتيجي للسودان، لا سيما في القرن الأفريقي.
وهناك قوى إقليمية ترى أن مصالحها أو بالأحرى مطامعها لن تحصل عليها إلا عبر "البندقية المأجورة" المتمثلة في المليشيا، وأن تصنيفها منظمة إرهابية لن يمكنها من استعمالها لأهدافها.
ليس هذا فحسب، بل إن هناك تنسيقًا سياسيًا مع بعض الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة الأميركية التي تجد في المليشيا "بندقية مأجورة" غير مباشرة يمكن استخدامها في تحقيق أهداف معينة في السودان، والمنطقة، مما يدفعها إلى عدم السعي لتصنيفها منظمة إرهابية. فضلًا عن أن واشنطن هي وحدها صاحبة "حق الملكية" لمصطلح الإرهاب تستخدمه سياسيًا متى تشاء، وكيفما تشاء.
كذلك سبق للاتحاد الأوروبي استعمال هذه المليشيات "بندقية مأجورة" للحد من الهجرة غير الشرعية من القرن الأفريقي نحو أوروبا عبر السودان. هذا التعاون الأمني جعل بعض الدول الأوروبية تتردد في تصنيفها منظمة إرهابية؛ خشية فقدان شريك محوري في مكافحة الهجرة.
ففي 2016 عقد معها الاتحاد الأوروبي اتفاقًا تحت جنح الظلام؛ لوقف تدفق اللاجئين من أفريقيا عبر السودان بقيمة (110) ملايين يورو، حسب تأكيدات الخارجية السودانية حينذاك. وردت منظمة "هيومن رايتس ووتش" غاضبة في بيان لها: إن "من السخرية تعاون الاتحاد الأوروبي الذي تأسس على قاعدة من القيم، مع حكومات مستبدة تحتقر الحقوق الإنسانية، لمجرد الرغبة في منع اللاجئين من الوصول إلى أوروبا".
إن القوى الدولية، والإقليمية الممانعة لتصنيف المليشيا منظمة إرهابية سخّرت آلتها الإعلامية لتبني سردية متعلقة بالدور العسكري، والسياسي داخليًا؛ بغرض دفع الآخرين للوقوف في صفّ الممانعة أو على الأقلّ تأخير، ومماطلة تحقيق تلك الخطوة المهمة.
وتقول تلك السردية التي تغلف باطلًا بحق إن المليشيا أصبحت جزءًا من البنية السياسية، والعسكرية في السودان، ولها نفوذ في البلاد. لذا، يُخشى من أن يؤدي تصنيفها منظمة إرهابية إلى تفاقم الأزمة السياسية، والأمنية في السودان، وإضعاف الحكومة المركزية.
كذلك يشيع الممانعون، ويخوفون من التبعات الاقتصادية للتصنيف الإرهابي للمليشيا، إذ سيؤدي إلى زيادة المخاطر على شركات التعدين، والنفط في المناطق التقليدية للمليشيا، وحواضنها الاجتماعية.
ويقولون إن فرض عقوبات أو تصنيفها منظمة إرهابية، سيؤدي إلى تعقيدات قانونية بالنسبة للشركات الدولية التي تعمل في هذه المناطق، مما يضر بالمصالح الاقتصادية لهذه الشركات، والدول التي تقف خلفها.
لعلّ الممانعين لو اكتفوا بالقول إن تصنيف المليشيا منظمة إرهابية، سيؤدي إلى تفككها إلى مجموعات إرهابية صغيرة كما يبدو عليه حالها اليوم بعد الضربات القوية التي سببها لها الجيش، فإن ذلك كان سيبدو منطقيًا، ومقبولًا ويبعد عنهم شبهة النوايا السيئة التي تقف حجر عثرة في إقرار تصنيف دولي للمليشيا باعتبارها منظمة إرهابية، يسهم في القضاء المبرم عليها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية