يعد الفحم موردا وفيرا في العديد من دول العالم، ويُنظر إليه عادة على أنه شيء قذر وملوث للبيئة، وكان سببا في تغير المناخ عبر استخدامه كوقود أحفوري. ولكن مع زيادة الضغط العالمي نحو استخدام وسائل أخرى لإنتاج الطاقة، كان من المهم البحث عن حلول تعيد توظيف الفحم وتكسبه قيمه اقتصادية كبيرة.

وأظهر جهد بحثي مشترك بين باحثين من أميركا وتايوان؛ الدور الحيوي الذي يمكن أن يلعبه الفحم في الجيل التالي من الأجهزة الإلكترونية، عبر توظيفه من خلال عمليات متخصصة في بناء مواد عالية النقاء يبلغ سمكها بضع ذرات فقط، ويمكن أن تؤدي أكثر من وظيفة داخل الأجهزة.

وتكشف دراسة نشرتها دورية " كومينيكيشن إنجينيرينغ"، تفاصيل هذا الجهد المشترك بين الباحثين الأميركيين من "جامعة إلينوي أوربانا شامبين" و"المختبر الوطني لتكنولوجيا الطاقة" و"مختبر أوك ريدج الوطني"، وزملائهم بـ"شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية"، فقد قاموا بتطوير عملية تحول الفحم إلى أقراص كربونية نانوية الحجم تستخدم لتكوين أغشية رقيقة جدا مناسبة للتطبيق في الترانزستورات والذاكرات ثنائية الأبعاد، وهي مكونات أساسية للإلكترونيات المتقدمة.

ووفق الدراسة فإن "الميزة الرئيسية لهذا الابتكار هي إنشاء تلك العوازل ذرية الحجم باستخدام طبقات الكربون المشتقة من الفحم، مما يسمح ببناء أجهزة إلكترونية أصغر حجما وأسرع وأكثر كفاءة".

وتوضح الدراسة أن طبقات الكربون الذرية الرقيقة تدعم التشغيل الأسرع وتقلل استهلاك الطاقة مقارنة بالمواد التقليدية، وذلك بسبب خصائصها الفريدة، فهي تفتقر إلى بنية بلورية منتظمة، مما يمنع تسرب التيار الكهربائي، ويقلل من استهلاك الطاقة الإضافية أثناء عمليات الجهاز، وهذا الهيكل غير المتبلور يميزها عن غيرها من المواد الرقيقة ذريا، مما يعزز ملاءمتها للتطبيقات الإلكترونية.

وتضيف الدراسة أن الباحثين استكشفوا أيضا الدور الذي يمكن أن تلعبه طبقات الكربون الذرية في عمل "الميمرستورات"، وهي مكونات إلكترونية قادرة على تخزين ومعالجة البيانات، حيث وجدوا أن الاعتماد على طبقات الكربون الرفيعة جدا المشتقة من الفحم كعوازل، يساعدها على تعزيز دقة وموثوقية تخزين البيانات، وهو تقدم حاسم في تنفيذ تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

تشينغ كاو الباحث الرئيسي بالدراسة مع إحدى عضوات فريقه البحثي (جامعة إلينوي أوربانا شامبين) من النظرية إلى التطبيق

وبينما ركزت الدراسات السابقة التي حاولت البحث عن توظيف جديد للفحم على تناول إمكاناته بشكل نظري، فإن هذه الدراسة الجديدة التي جمعت بين باحثين من الجامعات والشركات أخذت خطوة إلى الأمام بالتركيز على التنفيذ العملي، ووصفت خطوات تحويله إلى مادة مفيدة في الأجهزة، وهذه الخطوات هي:

تجهيز الفحم: وفي تلك العملية يتم الحصول على البقايا الصلبة التي تُترك بعد الاحتراق غير الكامل أو التحلل الحراري للفحم، وهذه البقايا هي المادة الأولية لإنشاء مواد تعتمد على الكربون. تكوين أقراص الكربون النانوية: فقد طُورت عملية تحول البقايا الصلبة من الفحم إلى أقراص كربونية نانوية تُعرف باسم "نقاط الكربون"، ويتضمن هذا التحول تقنيات متخصصة وعمليات كيميائية لتفكيك تلك البقايا إلى هذه الهياكل الكربونية الصغيرة. تجميع نقاط الكربون: فيمكن تجميع نقاط الكربون أو توصيلها لتكوين أغشية رقيقة ذريا، وتعمل هذه الأغشية كأساس لإنشاء طبقات الكربون الرقيقة للغاية اللازمة للأجهزة الإلكترونية. تكوين عوازل رفيعة ذريا: فتُستخدم طبقات الكربون المشتقة من البقايا الصلبة للفحم كعوازل رفيعة ذريا في الأجهزة الإلكترونية، وصُممت هذه الطبقات خصيصا بحيث تحتوي على هياكل ذرية غير منتظمة الشكل، مما يسمح لها بالعمل بفعالية كعوازل في بناء أجهزة ثنائية الأبعاد مثل الترانزستورات والميمريستورات. التطبيق في الأجهزة الإلكترونية: تُدمج طبقات الكربون في بناء الترانزستورات والذاكرات ثنائية الأبعاد، حيث تُستخدم في الترانزستورات كبوابات عازلة، مما يتيح تشغيل الجهاز بشكل أسرع واستهلاك أقل للطاقة مقارنة بالمواد التقليدية في الميمرستورات، وتعمل هذه الطبقات كعوازل تسهل تكوين الخيوط بسرعة، وانخفاض استهلاك الطاقة، وتعزيز موثوقية تخزين البيانات لتطبيقات الذكاء الاصطناعي. الإلكترونيات المتقدمة المعتمدة على الفحم قد تغير نظرة العالم له كشيء قذر ملوث للبيئة (شترستوك) 3 شروط للتطبيق الصناعي

وعلى الرغم مما تحقق في هذه الدراسة، فإن نتائجها لا تعدو أن تكون مجرد إثبات مبدأ لاستخدام طبقات الكربون المشتقة من الفحم في الأجهزة الإلكترونية، كما يقول أستاذ هندسة الإلكترونيات بجامعة أسيوط المصرية محمد فرحات في حديث هاتفي مع "الجزيرة نت".

ويوضح فرحات أن هناك ثلاثة شروط مهمة يجب تحقيقها حتى يتم تطوير عملية تصنيع مناسبة للإنتاج الصناعي على نطاق واسع، وهذه الشروط هي:

أولا- قابلية التوسع والتنفيذ الصناعي: فقد تكون الفكرة ناجحة معمليا ولكنها تفشل عند التطبيق الصناعي على نطاق موسع، لذلك فإن التحدي يكمن في تطوير عملية تصنيع فعالة من حيث الكلفة ومتوافقة مع التصنيع واسع النطاق في البيئات الصناعية. ثانيا- تحسين العملية: والمقصود بها ضمان إمكانية تكرار النتائج التي تم التوصل لها معمليا بشأن جدوى طبقات الكربون المشتقة من الفحم في بناء ترانزستورات وميمريستورات ثنائية الأبعاد عند الانتقال إلى المستوى الصناعي. ثالثا- التوافق والتكامل: فيجب التأكد من سلاسة دمج عوازل الكربون القائمة على الفحم في عمليات تصنيع أشباه الموصلات الحالية، حيث يعد التوافق مع المواد والتقنيات الأخرى المستخدمة في صناعة أشباه الموصلات أمرا ضروريا للتطبيق العملي. وعد بالاستمرار لتحقيق الحلم

ولم تتطرق الدراسة إلى تفاصيل الخطوات التالية نحو التطبيق الصناعي، ولكن الأستاذ بقسم علوم وهندسة المواد بجامعة إلينوي أوربانا شامبين والباحث الرئيسي بالدراسة تشينغ كاو، قال في بيان صحفي نشره الموقع الإلكتروني للجامعة، إنهم أنتجوا أجهزة توفر الدليل على مبدأ استخدام طبقات الكربون المشتقة من الفحم في الأجهزة ثنائية الأبعاد، وما تبقى هو إظهار إمكانية تصنيع مثل هذه الأجهزة على نطاق واسع.

وأضاف "نحن مهتمون جدا بهذا الأمر، وسنحاول الوفاء بهذا الوعد خلال السنوات القليلة المقبلة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الأجهزة الإلکترونیة فی الأجهزة الفحم فی فی بناء

إقرأ أيضاً:

كاتب بريطاني: لا نملك قدرات دفاعية وعندما تسقط أوكرانيا سنكون الهدف التالي

حذر الصحفي البريطاني روبرت فوكس من أن بريطانيا بلا دفاع حقيقي أمام الخطر الروسي، وأنها تخلفت عن ركب دول العالم المتطورة مثل روسيا والصين وأوكرانيا وألمانيا التي تعمل على تطوير جيشها وتسليحه بأحدث التقنيات.

وحسب مقاله في صحيفة إندبندنت البريطانية، فإن المملكة المتحدة تعاني من ضعف حاد وخطير في قدراتها الدفاعية الجوية والبرية، مما يجعلها عرضة لهجمات الأسلحة الحديثة -مثل الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية- التي ظهرت بفاعلية في حرب أوكرانيا.

دفاعات بريطانيا الجوية عالقة عند مستوى عام 2012 بلا أي تطوير حقيقي

واختار الكاتب عنوان مقاله "بريطانيا بلا دفاع وعندما تسقط أوكرانيا سنكون نحن الهدف التالي" محذرا من أن وعود الحكومة بزيادة الإنفاق الدفاعي بحلول 2030 لا تكفي وسط تصاعد التهديدات الروسية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2صحف عالمية: تطورات غزة ولبنان تكشف هشاشة الهدنة وتُبقي الحرب مستمرةlist 2 of 2مؤرخ تركي: أسرة هابسبورغ زرعت جذور الإسلاموفوبيا في أوروباend of listدفاعات متهالكة

وأشار الكاتب إلى حادثة خطيرة شهدتها البلاد، عندما وجّهت سفينة التجسس الروسية "يانتر" -التي تهدد سواحل بريطانيا منذ 3 سنوات تقريبا- أشعة ليزر نحو طيارين في طائرة مراقبة تابعة لسلاح الجو الملكي.

ووصف وزير الدفاع جون هيلي الحادث بأنه "عمل خطير" وهدد روسيا برد حاسم إذا تقدمت السفينة جنوبا.

غير أن الكاتب يرى أن تهديد الوزير بعيد عن الحقائق، فبالتزامن مع التحذير، أصدر مجلس الدفاع في البرلمان تقريرا مطولا أكد فيه أن بريطانيا "غير قادرة على حماية نفسها".

وحذر التقرير من أن البلاد تخلّ بواجبها بموجب المادة الثالثة من ميثاق حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي تلزم كل دولة بأن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها قبل الدفاع عن حلفائها.

الجيش البريطاني يمتلك "مدافع احتفالية أكثر من تلك المخصصة للعمليات"

بواسطة جنرال بريطاني

 

وفي هذا الصدد، حذر فرانسيس توسا -المحلل الأمني البارز والضابط السابق في وحدة الاحتياطي البريطانية- من أن البلاد تمتلك "حفنة فقط" من بطاريات صواريخ الدفاع الجوي، مبعثرة بين جزر فوكلاند وبولندا وساحة سالزبري للتدريب، مما سيسمح لأي هجوم مفاجئ بالطائرات المسيّرة بالوصول إلى قلب لندن بسهولة.

قوة عفى عليها الزمن

ويزيد من خطورة الوضع -برأي الكاتب- الأسلحة الحديثة التي أفرزتها حرب أوكرانيا، إذ تشكّل صواريخ إسكندر والمسيرات الصينية الحديثة تهديدا مباشرا لبريطانيا، التي لا تزال دفاعاتها الجوية عالقة عند مستوى عام 2012 بلا أي تطوير حقيقي.

إعلان

وأكد فوكس أن الجيش البريطاني يعاني من نقص حاد في الذخيرة والمعدات والقوة البشرية ويمتلك "مدافع احتفالية أكثر من تلك المخصصة للعمليات" وفق جنرال بريطاني.

دبابة "أجاكس" البريطانية كلفت أكثر من 8 ملايين دولار ودخلت الخدمة متأخرة بـ10 سنوات (رويترز)

وأضاف أن الجيش كان يعتمد بشكل كبير على دبابة الاستطلاع "أجاكس" ولكنها كلفت حوالي 7 مليارات جنيه إسترليني (نحو 8.5 مليارات دولار) لـ590 دبابة، ودخلت الخدمة الكاملة بعد 10 سنوات من التأخير.

ونقل المقال قول العميد بن باري (المحلل المخضرم في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية) في كتابه "صعود وسقوط الجيش البريطاني 1970-2025": أنه يمكن للجيش البريطاني بالكاد "نشر لواء مدرع واحد لأداء واجبات الناتو في أوروبا الشرقية، بينما تستعد بولندا وألمانيا لنشر 6 فرق مدرعة".

تهديدات روسية مرتقبة

ولفت الكاتب إلى أن الوضع الأمني في أوروبا أصبح خطيرا نتيجة الاستعداد الوشيك لوقف النار في أوكرانيا، ومن المرجح أن تستغل روسيا ذلك لإعادة التجمع والتسليح، خاصة وأن الاقتصاد الروسي موجه للحرب بالكامل.

وعلى الرغم من تصريح المستشار الألماني فريدريش ميرتس أن أوروبا "لم تعد حالة سلم" الأسبوع الماضي، إلا أن بعض المسؤولين الحكوميين البريطانيين يرفضون الاعتراف بشكل كامل بالتهديد الروسي، مما يضعف موقف البلاد برأي الكاتب.

وخلص المقال إلى أن الاستخفاف الحكومي البريطاني بالوضع، وقلة جاهزية الجيش، وعدم إبلاغ البريطانيين بوضوح بحجم الخطر والاستعداد المطلوب، يجعل البلاد بلا دفاع مضمون أمام أي مواجهة محتملة مع روسيا.

مقالات مشابهة

  • حقيقة اختفاء مواليد 2006 حتى 2009.. ليلي عبد اللطيف تكشف السر
  • كاتب بريطاني: لا نملك قدرات دفاعية وعندما تسقط أوكرانيا سنكون الهدف التالي
  • الهيئة السعودية للمياه تتعاون مع شركة "إب كربون" لإطلاق أول مشروع عالمي لإزالة الكربون من عمليات تحلية المياه دعماً لرؤية 2030
  • «هساعد زوجك المريض».. حيلة المتهم للنصب على المواطنين وسرقة محافظهم الإلكترونية
  • السر في التصدي لأزمة المناخ قد يكون تحت أقدامنا: لماذا؟
  • عُمان.. طبقات من التاريخ تتقدم معنا
  • قبل قرار البنك المركزي.. 7 بنوك تصرف عائد الوديعة من اليوم التالي مباشرة
  • ممرّات خفية تعيد رسم خريطة العالم.. السرّ الذي كشفته كازاخستان
  • اليوم التالي بنسخته الأميركية
  • ما السر وراء سعي روسيا لتدمير سكك الحديد الأوكرانية؟