لماذا يهرب السوريون من مناطق النظام إلى لبنان؟
تاريخ النشر: 9th, January 2024 GMT
دمشق- "كانت ليلة مرعبة، سرنا طيلة ساعتين بين الصخور والأوحال حتى وصلنا إلى طريق فرعية حيث كانت بانتظارنا سيارة نقل ركاب أوصلتنا إلى البقاع، ومنها انتقلنا بسهولة إلى بيروت"، تقول هبة سمعان، وهي سورية دخلت الشهر الماضي لبنان بطريقة غير نظامية عبر طريق جبلية وعِرة في وادي خالد الحدودي شمال شرقي لبنان.
وتضيف هبة (28 عاما) -وهي مصففة شعر- للجزيرة نت "لم يكن أمامي خيار آخر، بقيت قرابة 4 أشهر عاطلة عن العمل بعد إغلاق محل التجميل الذي كنت أعمل به في سوريا بسبب ندرة الزبائن".
وتتابع "لاحقا تدبرت فرصة عمل في بيروت رغم تدني الأجر، أتقاضى شهريا ما يعادل كفاف يومي، بالإضافة إلى مبلغ زهيد أرسله شهريا لأهلي في سوريا".
العدد التقديري للاجئين السوريين في لبنان بلغ نحو مليونين و100 ألف لاجئ (الجزيرة) رحلة خطيرةورغم الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي يمر بها البلد المجاور، وسوء أوضاع اللاجئين فيه، يستمر الآلاف من السوريين في مناطق سيطرة النظام في الهجرة إلى لبنان عبر معابر غير نظامية يتركز معظمها في منطقة القلمون غربي سوريا، ووادي خالد، ومدينة القصير.
ويخوض اللاجئون رحلة تحيطها مخاطر عديدة، أبرزها تعرضهم للسرقة أو الخطف على أيدي مجموعات المهربين أو قطّاع الطرق.
وكان الجيش اللبناني أعلن، الخميس الماضي، عن إحباطه محاولة تسلّل 700 سوري من الأراضي السورية باتجاه لبنان خلال الأسبوعين الماضيين فقط.
وتكررت إعلانات الجيش، خلال الشهور القليلة الماضية، عن عمليات مشابهة تم من خلالها إحباط عمليات تهريب وتسلّل سوريين عبر الحدود في إطار "مكافحة تهريب الأشخاص والتسلّل غير الشرعي إلى الأراضي اللبنانية".
ويخيّم شبح الجوع على ملايين السوريين منذ سنوات تحت وطأة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد وغلاء غير مسبوق بأسعار المواد الغذائية والاستهلاكية الأساسية، والانخفاض الحاد في القيمة الشرائية لرواتب السوريين التي لا يتجاوز متوسطها في القطاع العام مبلغ 250 ألف ليرة (قرابة 17 دولارا)، بينما تصل إلى 600 ألف (قرابة 41 دولارا) في القطاع الخاص.
وتُرجع هبة سمعان دافع لجوئها الرئيسي إلى لبنان، إلى الأوضاع المعيشية المتردية في سوريا.
تحت خط الفقروتقول "اضطررت خلال الأشهر الماضية إلى بيع نصف أثاث منزلي لأتمكَّن من تغطية الحد الأدنى من احتياجات البيت، وتأمين دواء والدتي الذي ارتفع سعره بنحو ضعفين مؤخرا".
وتتابع، "يبقى الوضع في بيروت أفضل منه في دمشق وريفها من حيث فرص العمل والأجر، فيمكنني اليوم أن أوفّر 100 دولار وأرسلها شهريا لأهلي، أما في سوريا فلم يتجاوز مجمل دخلي الشهري 700 ألف ليرة (48 دولارا)".
ومنذ عام 2021، يرزح نحو 90% من السوريين تحت خط الفقر، بحسب التقارير الأممية.
ويعاني حوالي 12.1 مليون سوري -أي أكثر من نصف عدد السكان- من انعدام الأمن الغذائي، وفق أحدث تقارير برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.
وإلى جانب الأزمة الاقتصادية وتردي الواقع المعيشي في سوريا، يلجأ آلاف الشبان إلى مغادرة البلاد هربا من التجنيد الإجباري في جيش النظام.
ويغدو لبنان خيارا مناسبا لهؤلاء الشبان في ظل التشديد المحكم الذي تفرضه دول الجوار الأخرى مثل تركيا والأردن ضد عمليات التهريب على حدودها مع الجانب السوري.
يقول يوسف (23 عاما) -وهو خريج حديث العهد من كلية التجارة والاقتصاد في جامعة دمشق- إنه يخطط لاجتياز الحدود مع لبنان قبل انتهاء تأجيل التجنيد الخاص به للخدمة العسكرية الإلزامية مع نهاية الشهر المقبل.
ويضيف للجزيرة نت "مع انتهاء تأجيلي في الجيش يصبح أمامي خياران، إما أن أبقى حبيس شقتي أو حارتي لأجل غير معلوم، أو أقطع الحدود إلى لبنان تهريبا، وأحاول أن أعمل وأدخر ما تيسَّر لي من النقود لأهاجر بها إلى أوروبا".
ويختم "هكذا تتحول أحلام الآلاف من الشبان السوريين من السعي نحو مستقبل مشرق إلى مجرد محاولة للنجاة من موت بطيء، بالكآبة والفقر".
ويختار السوريون طرق الهجرة غير النظامية إلى لبنان لانخفاض تكاليفها مقارنة بالهجرة النظامية التي يُشترط فيها أن يكون المسافر مستأجرا أو مالكا لعقار في لبنان حتى يتم منحه الإقامة اللبنانية، أو أن يكون قادما بزيارة عمل أو حجز فندقي أو موعد سفارة مع أوراق ثبوتية، فيُمنح إذن دخول لفترة مؤقتة.
وبحسب مجموعة من المهاجرين الذين تواصلت معهم الجزيرة نت، فإن تكلفة رحلة التهريب من سوريا إلى لبنان تتراوح بين 100 و120 دولارا للشخص الواحد.
ظروف صعبة
ويعيش السوريون -من مقيمين ولاجئين- في لبنان ظروفا صعبة مع تردي الأوضاع الاقتصادية بالبلاد، واتباع الحكومات اللبنانية المتعاقبة سياسات للحد من اللجوء السوري، واستعمال بعض الأطراف السياسية اللاجئين كورقة للضغط على فرقائهم ممّا ينمي النزعة العنصرية ضدهم.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش، في يوليو/تموز الماضي، إن لبنان رحّل آلاف السوريين من بينهم أطفال غير مصحوبين بذويهم دون احترام الإجراءات القانونية، في الفترة الممتدة بين أبريل/نيسان ومايو/أيار 2023.
وتضيف المنظمة أنه رغم عدم وجود إحصاءات عامة رسمية عن أعداد الاعتقالات أو الترحيلات، فإن مصدرا إنسانيا أفاد بأنه منذ أبريل/نيسان 2023، نُفّذ أكثر من 100 مداهمة، و2200 اعتقال، و1800 ترحيل للاجئين السوريين. وقال عاملون في المجال الإنساني إن موجة الترحيل في 2023، كانت الأشد خطورة.
وفي ظل ترحيب دمشق الظاهري بعودة اللاجئين، فإن معظم البنى التحتية في المناطق التي خرج منها اللاجئون ما تزال مدمرة، في حين أن معظم الأحياء في تلك المدن لا تصلها الخدمات أو بالكاد تصلها.
وتشير أرقام الأمم المتحدة إلى أن حوالي 3.9 ملايين شخص في لبنان بحاجة إلى مساعدة إنسانية، بينهم 1.5 ملايين سوري، وأن لبنان يستضيف أكبر عدد من اللاجئين مقارنة بعدد سكانه.
ويؤكد مراقبون ضلوع عناصر من الفرقة الرابعة في الجيش السوري بقيادة ماهر الأسد، شقيق الرئيس بشار الأسد، في تسهيل عمليات تهريب البشر من الجانب السوري مقابل حصص وإتاوات يدفعها مهربون.
وكان وزير المهاجرين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية عصام شرف الدين قد كشف، في تصريح لصحيفة "صوت كل لبنان" في سبتمبر/أيلول الماضي، أن عدد اللاجئين السوريين الذين دخلوا من المعابر غير النظامية تجاوز الـ20 ألف لاجئ منذ بداية 2023 وحتى شهر أغسطس/آب الماضي.
وأضاف أن طول الحدود بين البلدين (387 كيلومترا) يجعل من الصعب على الجيش اللبناني ضبطها بشكل مُحكم، وهو ما ينشّط عمليات التهريب عبرها بشكل مستمر.
وبحسب تصريحات مدير عام الأمن العام اللبناني، فإن العدد التقديري للاجئين السوريين في لبنان بلغ نحو مليونين و100 ألف لاجئ، وهناك حوالي 800 ألف منهم مسجلون لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، ويشكلون ما يعادل 43% من تعداد سكان لبنان.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: للاجئین السوریین إلى لبنان فی سوریا فی لبنان
إقرأ أيضاً:
نحو 540 ألف شخص فرّوا من لبنان إلى سوريا منذ العدوان الإسرائيلي
أفادت بيانات للأمم المتحدة، الثلاثاء، بأن نحو 540 ألف شخص فرّوا من لبنان إلى سوريا المجاورة، منذ التصعيد في الحرب بين إسرائيل وحزب الله.
وذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن حوالي ثلثي اللاجئين القادمين من لبنان كانوا سوريين، وثلثهم من المواطنين اللبنانيين.
وأشار تقرير الأمم المتحدة أيضا إلى وصول 34.992 لبنانيا إلى العراق.
وبحسب بيانات الحكومة، كان يقيم حوالي 5ر1 مليون لاجئ سوري في لبنان، قبل التصعيد الأخير في الصراع مع إسرائيل. ووصل معظمهم إلى لبنان بعد 2011 إثر الحرب الأهلية في بلادهم.
ومن جانبها أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفل "يونيسف" استشهاد أكثر من 200 طفل في لبنان في أقل من شهرين، وأنه ظهر نمط مقلق حيث يتم التعامل مع وفاتهم بجمود من جانب أولئك القادرين على وقف هذا العنف وأن هناك مئات الآلاف من الأطفال الذين أصبحوا بلا مأوى في لبنان.
ولفتت يونيسف إلي أن مليون شخص في حاجة ماسة إلى دعم المياه والصرف الصحي في جميع أنحاء البلاد، واستجابة لذلك، ساعدت اليونيسف منذ منتصف سبتمبر في إصلاح مرافق المياه التي وصلت إلى 1.5 مليون شخص.
وبعد اشتباكات مع فصائل في لبنان، أبرزها "حزب الله"، بدأت غداة شن "إسرائيل" حرب إبادة جماعية على قطاع غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 أسفرت عن استشهاد وإصابة نحو 148 ألف فلسطيني، وسعت تل أبيب منذ 23 أيلول/ سبتمبر الماضي نطاق الإبادة لتشمل معظم مناطق لبنان بما فيها العاصمة بيروت، عبر غارات جوية، كما بدأت غزوا بريا في جنوبه.
وبحسب آخر حصيلة لوزارة الصحة اللبنانية فقد استشهد جراء العدوان الإسرائيلي 3544 لبنانيا وأصيب 15036 آخرون، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، فضلا عن نحو مليون و400 ألف نازح.
ويوميا يرد حزب الله بإطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة وقذائف مدفعية تستهدف مواقع عسكرية ومقار مخابراتية وتجمعات لعسكريين ومستوطنات، وبينما تعلن "إسرائيل" جانبا من خسائرها البشرية والمادية، تفرض الرقابة العسكرية تعتيما صارما على معظم الخسائر، حسب مراقبين.
وتحتل "إسرائيل" منذ عقود أراضي عربية في لبنان وسوريا وفلسطين، وترفض قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود ما قبل حرب 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.