بين شبح الموت وآلام الفقد.. هكذا يغتال الاحتلال "أجيال المستقبل" في غزة
تاريخ النشر: 9th, January 2024 GMT
الرؤية- مدرين المكتومية
"في الحروب ليس الذين يموتون هم التعساء دائمًا، إنما الأتعس هم أولئك الذين يتركون خلفهم ثكالى، يتامى، ومعطوبي أحلام".. هكذا تقول الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي، لأن الحرب لا تتسبب في فقدان الأحباء فقط، ولكن تترك خلفها آخرين يعيشون هذا الألم كل لحظة، وتتوقف الحياة لديهم عند اللحظة التي مات فيها أحد الأحبة.
الطفل الفلسطيني براء على سبيل المثال، استيقظ ذات يوم على وابل من الصواريخ والتفجيرات والأصوات المرعبة حول منزله وكأنها عاصفة مدمرة، وكان للحظة واحدة يظن أنه يحلم أو يعيش كابوسا خلال نومه، لكنه أفاق ليجد نفسه في المستشفى وحوله جثث إخوته، ليتأكد أنها الحقيقة التي يراها العالم كل يوم ولا يحرك ساكنا.. الحقيقة أن الموت يحوم حول الجميع في غزة ويحصد أرواح آلاف الأطفال.
تيقّن براء أن ما حدث في ذلك الصباح كان حقيقة، وأن الخوف الذي اعتراه في تلك اللحظة يؤثر عليه كل يوم ليرتعد جسده كلما تذكر لحظة القصف ومشاهد الدماء الممزوجة برائحة الموت، لكنه حظي بفرصة البقاء حيا لكن مع تذوق طعم الفقد في كل دقيقة، ليحمل في داخله دموع الفاقدين وصرخات الأمهات.. ظل صامتا لساعات يريد أن يستوعب الأحداث من حوله، وعشرات الأسئلة تدور في رأسه: كيف سيكون مصيره؟ كيف ستكون الحياة بعيدا عن كنف الأسرة؟ كيف سيحقق أمنيته التي سأله معلمه عنها ذات يوم وهو لا يرى من المدرسة سوى الخراب؟ ومع كل هذه الأسئلة لم يجد جوابًا، ناهيك عن السؤال الأهم: ما الذي جناه الأطفال الصغار كي يعيشوا هذه المأساة، وأي مستقبل ينتظر الطفل براء الذي يعيش بمفرده بعد أن استشهد كل أفراد عائلته؟
إن فاجعة الموت لا تكمن في الرحيل المؤبد بقدر ما تكمن في الأثر التي تتركه في حياة الشخص الذي يبقى على قيد الحياة، ليتجرع مرارة الفقد وكوابيس ذكريات الموت التي تتراقص أمام عينيه في كل لحظة.
لقد استشهد الآلاف من أطفال غزة في هذه الحرب الغاشمة وكل جريمتهم أنهم من فلسطين وتحديدا من غزة المقاومة، فبعد أن كانوا يعيشون حياة شبه طبيعية في ظل الحصار الخانق لسنوات، باتوا بين ليلة وضحاها هدفا استراتيجيا للطائرات الإسرائيلية والدبابات والزوارق البحرية والمسيّرات، ليجدوا أنفسهم بين خيارين كليهما أصعب من الآخر.. إما الموت أو البقاء دون أسرة في مراكز الإيواء أو المخيمات.
ومع كل هذه الجرائم، لا يعي الاحتلال الإسرائيلي أنه بذلك لا يقضي على حماس أو كتائب القسام في هذه الحرب كما أعلن، بل إنه يؤسس لجيل جديد مقاوم من الأطفال الفلسطينيين، لأن هذه الحرب أخرجت هؤلاء الصغار من فئة الطفولة إلى فئة الرجال المقاومين، فباتوا جميعا يحملون عداء غير مسبوق لهذا الكيان المحتل الذي اغتصب أرضهم وقتل أشقائهم وأصدقائهم وعائلاتهم أمام أعينهم، لتكون الحصيلة الإجمالية استشهاد أكثر من 9730 طفلا، و6830 امرأة، بالإضافة إلى 7 آلاف مفقود.
لم يفقد أطفال فلسطين عائلاتهم ولا منازلهم فحسب، بل فقدوا دفء المكان الذي نشؤوا فيه وبنوا فيه أحلامهم ورسموا ملامح مستقبلهم نحو غد أفضل، لتأتي الحرب وتدمر هذا المستقبل بقتل الأطفال وتدمير المساجد والمدارس والجامعات.
لم يبقَ لأطفال غزة شيء يخسرونه بعد اليوم، فقد فقدوا عائلاتهم ومدارسهم ومستشفياتهم، فالحرب الغاشمة اغتالت القلوب قبل أن تغتال الأرواح، ليبقى على المجتمع الدولي مسؤولية إنقاذ ما يمكن إنقاذه في هذا الوضع المأساوي، والتدخل لضمان أن يعيش من تبقى من أطفال فلسطين حياة هادئة يجدون فيها أقل متطلبات الحياة مثل الماء النظيف والطعام الكافي ومتطلبات الحياة البسطية التي حرموا منها بسبب الحصار أولا ثم بسبب الحرب التي دمرت كل شيء.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ما الذي تحقق من أهداف نتنياهو بعد 15 شهرا من الحرب؟
على مدار 15 شهرا، لم يتوقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن تكرار أهدافه من الحرب على قطاع غزة، التي كان في مقدمتها إنهاء الوجود العسكري والسياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وإلى جانب القضاء على حماس، وضع نتنياهو هدفين رئيسيين آخرين، هما استعادة الأسرى بالقوة ومنع أي تهديد مستقبلي لإسرائيل يمكن أن يخرج من غزة.
ووفقا لتقرير أعده صهيب العصا للجزيرة، فقد كان القضاء على حماس عسكريا وسلطويا يعني أن الحركة لن تكون موجودة في اللحظة التي سيتم فيها الإعلان عن وقف إطلاق النار، في حين كان الهدف الإستراتيجي ألا يصبح القطاع مصدر تهديد للأبد.
وبين هذين الهدفين، كان هدف استعادة الأسرى حاضرا دائما، خاصة أن هؤلاء هم الذين يفترض أن الحرب قد اندلعت من أجلهم بالدرجة الأولى.
تجويع وتدمير واعتقال
ولتحقيق هذه الأهداف، حاصرت إسرائيل القطاع تماما ومنعت دخول الدواء والغذاء والوقود إليه، وألقت على سكانه أطنانا من المتفجرات حتى أحالته جحيما.
وخلال عمليات التدمير الممنهجة، اعتقلت قوات الاحتلال آلاف الفلسطينيين من داخل المؤسسات التعليمية أو الطبية أو الخدمية التي دخلتها، ودفعت مليوني إنسان للنزوح مرات عديدة.
إعلانوقتلت إسرائيل -بقرار سياسي- أكثر من 46 ألف إنسان وأخفت ما يصل إلى 10 آلاف آخرين، أملا في تحقيق أهداف نتنياهو وحكومته المتطرفة ومن انضم لمجلس حربه من الساسة الإسرائيليين.
لكن دولة الاحتلال بدأت تستفيق من الصدمة والغضب بعد مرور 8 أشهر من أطول حروبها، فانسحب رئيس الأركان السابق بيني غانتس والقائد السابق في الجيش غادي آيزنكوت من مجلس الحرب بعد أسابيع من الخلافات والتهديدات المتبادلة.
واتهم الرجلان نتنياهو بعدم امتلاك إستراتيجية عسكرية وسياسية لمسار الحرب، وقد نزلا إلى جوار المعارضة في الشارع يطالبونه بالتوصل إلى اتفاق يعيد الأسرى.
كما توترت علاقات نتنياهو مع حلفائه الغربيين على وقع إيغاله غير المبرر في الدم الفلسطيني دون الوصول إلى أي من أهداف الحرب. وتأزمت علاقته مع واشنطن بعد مراوغته أكثر من مرة في المفاوضات بوضع شروط جديدة.
وقبل ذلك وبعده، لم يستمع نتنياهو لتحذيرات الرئيس الأميركي السابق جو بايدن من احتلال مدينة رفح جنوب القطاع والتوغل في محور فيلادلفيا على الحدود الفلسطينية المصرية.
وقد تجاوز نتنياهو كل ذلك، ولم يترك صورة تشير إلى استمراره في الحرب إلا التقطها، فدخل قطاع غزة مع جنوده وأعلن أنه لن يتراجع عن القتال حتى يحقق أهدافه الثلاثة التي وضعها.
ومع كل توغل في غزة، كانت إسرائيل تخسر مزيدا من الجنود، ومع كل محاولة لتحرير الأسرى كان يقتل عددا منهم.
نتنياهو في محور نتساريم بقطاع غزة (إعلام الجيش الاسرائيلي) فشل في استعادة الأسرىولم تنجح إسرائيل في استعادة أي من أسراها إلا مرة واحدة عندما استعادت 4 من بين 250 أسيرا، وقتلت وأصابت في سبيل ذلك مئات المدنيين الفلسطينيين في مخيم النصيرات بعد 8 أشهر من القتال، ووقفت العملية كلها على حافة الفشل.
ولم يكن كل ذلك كافيا لوقف التظاهر في الشارع الاسرائيلي، حيث أكد المحتشدون مرارا قناعتهم بعدم قدرة نتنياهو على تحقيق أهداف الحرب وتحديدا إعادة الأسرى أحياء دون صفقة مع حماس.
إعلانومع استمرار الحرب، بدأ خصوم نتنياهو السياسيون يتهمونه بالتهرب من عقد صفقة تبادل أسرى، حفاظا على مستقبله السياسي. وقال غانتس وآيزنكوت إن الحرب فشلت في تحقيق أهدافها.
وقال زعيم المعارضة يائير لبيد إن النجاح الوحيد الذي يمكن للحرب تحقيقه هو التوصل لصفقة تعيد الأسرى أحياء. بينما واصل وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير (استقال احتجاجا على وقف القتال) ووزير المالية بتسلئيل سموترتيش تمسكهما بأن الحرب حققت إنجازات هامة، وأن مواصلتها مهمة جدا لتحقيق بقية الأهداف.
وظل الانقسام السياسي سيد المشهد في إسرائيل حتى منتصف الشهر الجاري عندما تم الإعلان عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار، بعد مفاوضات مضنية تعثرت شهورا بسبب تعنت نتنياهو.
ومنح الاتفاق أملا في توقف للحرب وانسحاب للقوات الإسرائيلية من القطاع والدفع بمزيد من المساعدات للسكان الذين سمح للنازحين منهم بالعودة إلى ديارهم.
لكن الاتفاق الذي تم إعلانه كان مع حركة حماس التي تعهد نتنياهو باجتثاثها تماما، وقد نص على استعادة من تبقى من الأسرى الإسرائيليين الأحياء مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين قدامى في سجون الاحتلال.
وتمثل بنود الاتفاق كل ما تمسكت به المقاومة طوال شهور الحرب، وقالت إنه سيكون السبيل الوحيد لوقف الحرب وإعادة الأسرى.
ويوضح الاتفاق دون لبس أن إسرائيل عقدت صفقة مع حماس في النهاية ولم تسترجع أسراها دون الثمن الذي طلبته الحركة في أول الحرب. وقبل هذا وذاك، لم تسلم المقاومة سلاحها كما كان نتنياهو يريد رغم ما لحق بها من خسارة في العدد والعتاد.