لو كانت الاغتيالات تنفع لما وصلنا إلى 7 أكتوبر
تاريخ النشر: 9th, January 2024 GMT
لو حاولنا حصر جميع القادة الفلسطينيين، عسكريين والسياسيين، من كل الفصائل، الذين اغتالتهم – خلال الخمسين سنة الأخيرة، سيحتاج الأمر إلى جهد ووقت بسبب كثرة عددهم وتنوعهم.
ورغم ذلك، بدل أن يتوقف النضال الفلسطيني، استمر وتكثف وأخذ أشكالا وفق تنوّع الظروف.
قامت إسرائيل منذ اللحظة الأولى على القتل. وجعلت من تصفية الفلسطينيين، أفرادا ومجموعات، عقيدة أساسية غير قابلة للنقاش.
لكن المحصلة أن الاغتيالات لم تنفع إسرائيل ولم تحقق لها مرادها. لو كانت تنفع لَما وصلنا إلى 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023. ربما يجوز القول إن الاغتيالات أضرَّت بإسرائيل أكثر مما نفعتها.
لهذا لن تختلف عملية اغتيال القيادي في حركة حماس صالح العاروري عن عشرات الاغتيالات السابقة التي طالت قادة فلسطينيين، ولن تؤثر في العمق على مسار النضال الفلسطيني.
من الضروري الإقرار بأن التصفيات التي استهدفت كبار قادة منظمة التحرير في الخارج ربما ساهمت، بطريقة ما وضمن أسباب أخرى، في جنوح المنظمة نحو المفاوضات والبحث عن حلول سياسية. ذلك الجنوح هو الذي قاد إلى اتفاقات أوسلو المثيرة للجدل وما تلاها.
لكن مع حماس اختلف الأمر بوضوح. نشأت الحركة ودخلت مسرح العمل السياسي والعسكري تزامنا مع تراجع منظمة التحرير وجنوحها نحو التسويات السياسية.
بدأت حماس مبكرا إحكام قبضتها الاجتماعية على قطاع غزة. ثم تمكنت منه انتخابيا فعسكريا خلال سنتي 2006 و2007. لكن صراعها الدامي مع إسرائيل بدأ قبل قضية غزة بسنوات، وتجلى في عمليات انتحارية ردَا على ممارسات جيش الاحتلال الإسرائيلي وداخل أراضي فلسطين التاريخية، وردود إسرائيلية ميدانية قاسية تخللها اغتيال قادة في الحركة كلما سنحت الفرصة.
طالت الاغتيالات قياديين عسكريين وسياسيين، أبرزهم عماد عقل (1993) ويحيى عياش (1996) وجمال منصور (2001) وصلاح شحادة (2002). ثم بلغت الاغتيالات ذروتها مع استهداف إسرائيل اثنين من أبرز قياديي حماس خلال أقل من أربعة أسابيع: المؤسس الشيخ أحمد ياسين في 22 آذار (مارس) 2004 وعبد العزيز الرنتيسي يوم 17 نيسان (إبريل) من السنة نفسها.
من المهم ملاحظة أن كل هذه الاغتيالات، والكثير من الاعتقالات، ارتُكبت قبل إحكام حماس سيطرتها على قطاع غزة. من المفروض أن حركة مقاومة تفقد أكبر قيادييها دوريا بوتيرة متسارعة تنتهي إلى زوال، وفي أحسن الأحوال إلى تراجع كبير. لكن الذي حدث أن حماس وسَّعت وجودها أكثر وراكمت قدرة على الصمود وخبرة حربية وميدانية وتصنيعية أثمرت 7 تشرين الأول (أكتوبر) الذي أذهل قادة العالم.
ليس هناك شك أن الجميع في إسرائيل يدركون هذه الحقيقة، إلا أنهم يرفضون الاعتراف بها والاستجابة لها. هناك أسباب تفرض على القادة الإسرائيليين الاستمرار في حالة الإنكار هذه. منها أن التصفية الجسدية عقيدة ثابتة لديهم وتحصيل حاصل منذ ثمانية عقود، وأيضا لأن الاغتيالات «النوعية» مفيدة على أكثر من صعيد داخليا وخارجيا. داخليا توفر للحكومات المأزومة سياسيا وعسكريا، كما هو حال حكومة نتنياهو حاليا، متنفسا سياسيا واجتماعيا ومعنويا، وتمنح المجتمع شعورا مؤقتا بالفخر والزهو. خارجيا تعزز عامل الردع وتبعث رسائل صارمة لأكثر من جهة، خصوصا الطرف المستهدف ومنتسبيه والداعمين له في كل مكان، مفادها أننا قادرون وفاعلون وقادمون ولا أحد في منأى. أذكر جيدا وقع الصدمة وحجم الذهول بين الفلسطينيين وفي الإعلام العربي إثر اغتيال إسرائيل الشيخ ياسين ثم الرنتيسي بعد سبعة وعشرين يوما. لكن الذي حدث أن حماس، وبدل أن تنكسر، سادت على كل قطاع غزة بعد نحو سنتين من الاغتيالين وأصبحت دولة قائمة بذاتها.
استهداف العاروري نموذج عن هذا المتنفس المتعدد الأبعاد الذي كان نتنياهو وقادته العسكريون في أمسِّ الحاجة إليه: العجز عن تحقيق أيٍّ من أهداف الحرب بعد ثلاثة أشهر من بدئها تطلَّب تقديم «انتصار» ما للمجتمع الإسرائيلي الذي يمر بواحدة من أكثر مراحل وجوده تأزما. لم يكن ممكنا أن تمضي الحكومة والجيش الإسرائيليان في هذه الحرب من دون تقديم شيء لهذا المجتمع المصدوم والضاغط بشدة.
من المؤكد أن أطيافا واسعة من المجتمع الإسرائيلي ابتهجت لاغتيال العاروري، لكن لا أحد يعرف هل وكم ستستمر هذه البهجة، لأن الاغتيال لم يُعِد الأسرى لدى حماس ولن يقتلعها مثلما لم تقتلعها اغتيالات أخرى سابقة.
من الوارد أن يصل جيش الاحتلال واستخباراته إلى يحيى السنوار وغيره من القادة داخل غزة. لكن المؤكد أن ذلك لن يطفئ شعلة المقاومة لأنها أكبر من قضية زعامات وقيادات.
لا يجوز إنكار أن للاغتيال أثرا نفسيا عميقا في معسكر القيادي المستهدف، لكن من الحكمة استذكار أن الاغتيال تضحية حزينة في مسار لن يتوقف مع رحيل قائد بعينه.
يحتاج الإسرائيليون والذين يحرّضونهم في السر والعلن، الأمريكيون، إلى أن يفهموا أن اغتيال قيادات كبيرة في أيِّ حركة المقاومة، عبر العالم والتاريخ، وضمنها الفلسطينية، لا يحقق لهم شيئا لأنه يستهدف أصحاب الأرض والحق، أناس مغروسون في أرضهم لا يملكون أرضا أخرى يذهبون إليها. وهذا عكس الجيوش الغازية، خصوصا الغربية، التي إذا لحقت بها خسائر كبيرة ومتكررة، وتزامن ذلك مع ضغوط من مجتمعاتها، يصبح تفكير قادتها في الهروب واجبا وطنيا.
(القدس العربي)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاغتيالات غزة الاحتلال غزة الاحتلال اغتيالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
تفاصيل جديدة.. تقرير يكشف: جيش الاحتلال أخفى معظم حقائق 7 أكتوبر
#سواليف
كشف تقرير عبري نشرته صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية، أنه رغم نشر #جيش_الاحتلال الأسبوع الماضي، نتائج تحقيقاته في #إخفاقات_7_أكتوبر، لكن ما نشره كان قسما ضئيلا من نتائج التحقيقات. كما شارك #الموساد في إخفاق 7 أكتوبر، بأن لم يتمكن من رصد “استعدادات محور المقاومة للهجوم”.
ويتبين من التقرير أن إخفاقات جيش الاحتلال في 7 أكتوبر والفترة التي سبقت يوم الهجوم، كانت هائلة، وفي جميع أذرع جيش الاحتلال وخاصة في المجال الاستخباراتي، حسبما قال رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي السابق، هيرتسي #هليفي، خلال لقاء مغلق بمشاركة قائد القيادة الجنوبية في جيش الاحتلال ورؤساء المجالس الاستيطانية في غلاف غزة.
ونقلت الصحيفة عن هليفي قوله إنه “نظرنا إلى #حماس على أنها قوة عسكرية محدودة، ولم نرَ سيناريو لهجوم واسع ومفاجئ كسيناريو واقعي، وإذا حدث أمر كهذا، فسنحصل على إنذار استخباراتي مسبق بشأنه. وللمعلومات الاستخباراتية في هذه الحرب دور في الفشل الكبير. كنا نريد الحصول على إنذار مسبق، وكنا نريد أن نعرف من المعلومات الاستخباراتية، التي كان بإمكانها أن تغير الواقع. ولم نحصل”.
مقالات ذات صلة إصابة مدير هندسة المتفجرات في شرطة شمال غزة 2025/03/09وأضاف قائد القيادة الجنوبية في جيش الاحتلال، يارون فينكلمان، خلال اللقاء، أن الاستخبارات العسكرية قالت إن هجوما تشنه حماس “لن يحدث في المدى الزمني الفوري”.
وحسب الصحيفة، فإن هليفي اعتقد خلال مداولات أجراها في الرابعة قبيل فجر 7 أكتوبر أن الاستخبارات مخطئة. وجاء في ملخص هذه المداولات أنه “في بداية أقواله شدد رئيس الأركان على أن المطلوب في هذه المرحلة التعمق في سبب الأحداث، حول أي مؤشرات على تحركات تنفذها حماس، من دون الاعتماد على مفاهيم، يوجد بموجبها انعدام منطق في مبادرة حماس لهجوم”.
وأصدر هليفي أمرا لسلاح الجو في جيش الاحتلال بدراسة أهداف لرد سريع في حال وجود نشاط هجومي من جانب حماس لدى بزوغ الفجر”.
وأفادت الصحيفة بأن الأمر الذي أصدره هليفي لم ينفذ، وأن هليفي لم يصدر أمرا لقوات الاحتلال عند السياج المحيط بالقطاع برفع حالة الاستنفار، لكنه أوعز بالتوجه إلى أجهزة استخبارات أخرى من أجل فحص المعلومات لديها، وعقد مداولات أخرى في الصباح.
وخلال تقديم نتائج التحقيقات لضباط جيش الاحتلال، الأسبوع الماضي، قال قائد الوحدة 8200، إن “7 أكتوبر ليس حادثة، وإنما هو مرض عضال انتشر في الجيش، وخلافا للانتصار على حزب الله والقول إن الجيش كله انتصر، تظهر في التحقيقات حول 7 أكتوبر فجأة أن المشكلة كلها هي الاستخبارات”.
ووفق التقرير؛ سعى جيش الاحتلال إلى تضليل الجمهور بشأن نتائج التحقيقات؛ فرغم أن نتائج التحقيقات امتدت على آلاف الصفحات، قدم جيش الاحتلال للمراسلين العسكريين ملخصا لها، في 15 صفحة، وأملى على المراسلين أن يكتبوا في تقاريرهم “باسم المراسل” أن التحقيقات هي ثمرة “عمل متواصلة ومتعمق وبوصلته هي الحقيقة بهدف الدراسة والتصحيح”.
وبين الأمور التي لم يكشفها جيش الاحتلال أمام الجمهور لدى نشر تحقيقاته، أنه خلال ليلة 7 أكتوبر وردت معلومات تدل على تحركات لحماس في قطاع غزة. وكانت وحدة الاستخبارات في سلاح الجو مطلعة على وثيقة حماس، بعنوان “سور أريحا”، التي تشمل تفاصيل هجوم واسع تشنه حماس، وكانت الوحدة 8200 قد اعترضتها في نيسان/أبريل 2022، واطلع عليها مندوب رفيع في سلاح الجو لدى الاحتلال خلال مداولات في القيادة الجنوبية لجيش الاحتلال، عُقدت في 3 أيلول/سبتمبر 2023، وقيل خلالها إنه توجد مشكلة في نوعية المعلومات الاستخباراتية في غزة، وأن “حماس ستنفذ ضربة البداية عندما تعتقد أنها تخدمها”.
وأخفى جيش الاحتلال في ملخص نتائج التحقيقات التي نشرها، فشل سلاح الجو في اعتراض توغل الطائرات الشراعية لمقاتلي النخبة في حماس، أو بإسقاط طائرات حماس المسيرة التي دمرت مواقع أجهزة يرى ويطلق النار عند حدود غزة.
كما أخفى جيش الاحتلال عن الجمهور أن “بطاريات القبة الحديدية لم تنجح باعتراض نصف القذائف الصاروخية التي تم إطلاقها من غزة”، ولم يذكر جيش الاحتلال ما توصلت إليها نتائج التحقيق بأن سلاح الجو هاجم أهدافا في قطاع غزة موجودة في برمجيات حواسيب الطائرات القتالية، بموجب خطة “سيف دموقليس”، رغم أن لا علاقة لها بأحداث 7 أكتوبر، وفيما قوات النخبة في حماس كانت قد بدأت بشن هجومها داخل المستوطنات.
وأكدت التحقيقات التي لم ينشرها الجيش، أن “سلاح البحرية لم يستوفِ مهمة الدفاع في البحر”، وتكشف أن مقاتلي حماس سعوا إلى التوغل إلى المستوطنات الجنوبية من البحر، بسبعة زوارق، وأن سلاح البحرية استهدف خمسة منها، بينما وصل اثنان إلى شاطئ “زيكيم” واستولى مقاومو حماس على مركبة عسكرية من طراز “سافانا” وواصلوا هجومهم في غلاف غزة.
وتشير الصحيفة، إلى أن هليفي طالب طاقم المحققين في الإخفاق أن تكون نقطة البداية في العام 2018، لكن الطاقم بدأ من العام 2002، وفي العام 2017، وضع رئيس أركان جيش الاحتلال في حينه وعضو الكنيست الحالي، غادي آيزنكوت، خطة شملت ثلاثة سيناريوهات من شأنها أن تؤدي إلى حرب ضد غزة، وهي مبادرة حماس لهجوم مفاجئ؛ تدهور الوضع نتيجة تصعيد تدريجي ضد حماس؛ أو مبادرة “إسرائيل” لهجوم استباقي، ووجد طاقم التحقيق أن سيناريو مبادرة حماس لهجوم مفاجئ، كالذي حصل في 7 أكتوبر، قد تم إلغاؤه من خطة آيزنكوت.
كذلك لم يجد طاقم التحقيق أي وثيقة أو أي تقييم استخباراتي في شعبة الاستخبارات العسكرية أو في القيادة الجنوبية أو في فرقة غزة العسكرية، تذكر أن “حماس مرتدعة”. وهذا التعبير “كأنه بدأ يظهر من لا مكان، وترسخ كحقيقة، في المؤسسة السياسية أيضا”.
وتبين من تحقيقات جيش الاحتلال حول 7 أكتوبر أن العدوان على غزة، في أيار/مايو العام 2021، أنشأ في “إسرائيل” مفهوما يشوه الواقع، فقد ترسخ مفهوم مفاده أن هذا العدوان انتهى بتوجيه ضربة قاضية لحماس، وأن ستكون مرتدعة لسنوات كثيرة.
لكن إدراك حماس لنتائج هذه المعركة كان معاكسا، واعتبرت حماس أنها حققت فيها إنجازا كبيرا، وفقا لنتائج تحقيقات جيش الاحتلال؛ فقد نجحت في شن هجمات صاروخية، وتسببت بإطلاق قذائف صاروخية من سوريا ولبنان، وكانت هناك حالة غليان في فلسطين المحتلة 48. وأجرى جيش الاحتلال ثلاثة تحقيقات في أعقاب هذه المعركة، تبين منها أن “نجاح الإسرائيلي فيها قد يكون قصة يرويها الجيش والسياسيون، لكن في الواقع، القصة كانت مختلفة بعض الشيء”.