البلدة القديمة بغزة.. تاريخ لم يسلم من التدمير الإسرائيلي
تاريخ النشر: 9th, January 2024 GMT
إلى جانب العدد الهائل من الضحايا الفلسطينيين الذين سقطوا جراء الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، فقد خلفت الهجمات دمارا واسعا في البنية التحتية، وطالت أيضا المعالم التاريخية والصروح الأثرية، وأبرزها تلك التي تقع في البلدة القديمة بمدينة غزة.
تضم البلدة بين جنباتها ممرات «سوق الزاوية» العتيقة التي تلوح في نهايتها مئذنة «المسجد العمري» أكبر وأقدم جوامع القطاع وبجوارهما «سوق القيسارية» التاريخي للذهب، ويحيط بكل ذلك طرقات تعود بعض حجارتها إلى فترة الحكم العثماني للبلاد.
وليس بعيداً عن هذه المعالم تقع كنيسة القديس برفيريوس ويلاصقها «مسجد كاتب ولاية» اللذان ظلا لعقود طويلة رمزاً للتسامح الديني بين المسلمين والمسيحيين في غزة.
كل هذه المباني كنت تحتاج إلى أقل من ساعة واحدة فقط لزيارتها والانتقال عبرها إلى عمق تاريخ غزة الضارب في القدم.
لكنك الآن فقدت هذه الفرصة فالآليات العسكرية الإسرائيلية حولت البلدة القديمة إلى أكوام من الحجارة والرماد بعد أن اجتاحتها ضمن عملياتها البرية المتواصلة في القطاع منذ 27 أكتوبر الماضي.
مدخل بلدة غزة القديمة هو «ميدان فلسطين» كان قبل السابع من أكتوبر لا يخلو من الحياة، والمحلات التجارية فيه لا تغلق أبوابها حتى ساعة متأخرة قبيل منتصف الليل، ويتوسطه تمثال طائر «العنقاء» الذي يحلق من الرماد، وهو رمز لمدينة غزة.
اليوم تحول الميدان إلى ساحة مليئة بالدمار، وحجارة أرضيته القديمة دفنت أسفلها بفعل أعمال الحفر التي نفذتها الجرافات العسكرية الإسرائيلية لكل شارع وزقاق كانت تدخله.
سوق الزاوية
وبالاتجاه نحو الشرق من «ميدان فلسطين» المدمر سيكون أمامك «سوق الزاوية» أحد أشهر وأقدم أسواق مدينة غزة القديمة.
ويعتبر السوق امتدادا تاريخيا لـ»سوق القيسارية» الأثري، الذي يعود تأسيسه إلى العصر المملوكي ويعرف حاليا باسم «سوق الذهب».
لكن هذا السوق لم يعد كذلك، فغالبية المحالات التجارية فيه تم تدميرها بالقصف أو بالحرق على يد القوات الإسرائيلية.
سوق القيسارية
الاتجاه شرقاً سيكون خيارك أيضاً هذه المرة عبر شارع تنتشر على جانبه متاجر الملابس والأقمشة والأدوات المنزلية وغالبيتها مدمرة إما كلياً أو جزئياً أو طالتها حرائق قذائف الدبابات.
قبل أن تصل إلى نهاية الطريق ستدخل يساراً إلى مدخل «سوق القيسارية» المخصص لبيع الذهب والذي يعود للعهد المملوكي.
يقع هذا السوق في الحي الإسلامي في البلدة القديمة، وقد بُني في القرن الرابع عشر في عهد «دولة المماليك»، ويضم السوق 44 متجراً: 21 في الجهة الشمالية و23 بالجهة الجنوبية.
عبق التاريخ هذا كان قائماً في السوق لكن القذائف الإسرائيلية شوهته ودمرت غالبية محلاته، وبذلك فإن جولتك ستنتهي عند مدخل السوق إذ سيمنعك الدمار والخشية من انهيار سقف «القيسارية» من الدخول.
المسجد العمري
وإلى جوار مدخل «القيسارية» كان المسجد العمري، أقدم وأكبر مساجد قطاع غزة، يفتح بوابته الكبيرة للمصلين لكن هذه البوابة أغلقتها الآن حجارتها المدمرة.
وفي بداية ديسمبر الماضي، قصفت الطائرات الإسرائيلية مئذنة المسجد وباحته الخلفية وجزءا كبيرا من مبناه.
ويُعدّ «العمري» الذي أُسس قبل أكثر من 1400 عام ثالث أكبر مسجد في فلسطين بعد «الأقصى» في القدس، و»أحمد باشا الجزار» في عكا، ويوازيه بالمساحة «جامع المحمودية» في يافا، وفق مصادر فلسطينية.
المسجد والكنيسة
ما فعلته الآليات الإسرائيلية ببلدة غزة القديمة لم ينته هنا، فالجانب الجنوبي من البلدة فيه معالم تاريخية إسلامية ومسيحية جرى تدميرها.
في المدخل الشمالي لحي الزيتون على الكتف الجنوبي للبلدة القديمة كان هناك رمز للتعايش الإسلامي المسيحي في غزة «مسجد كاتب ولاية» الذي يشترك بجدار واحد مع كنيسة القديس «برفيريوس».
الطائرات الحربية الإسرائيلية قصفت الكنيسة الأهم في غزة ودمرت أجزاء واسعة منها، فيما قصفت الدبابات المسجد لتوقع أضراراً بالغة فيه.
وتعد كنيسة القديس برفيريوس التي يطلق عليها أيضا اسم «كنيسة المقبرة» حيث تحيط بها مقبرة مسيحية، من أقدم كنائس العالم، وتعرف محليا باسم «كنيسة الروم الأرثوذكس».
المصدر: العرب القطرية
كلمات دلالية: قطاع غزة الضحايا الفلسطينيين التدمير الإسرائيلي كنيسة القديس برفيريوس البلدة القدیمة
إقرأ أيضاً:
أسواق القدس العتيقة تحتضر في ذروة موسمها السنوي
في ذاكرة المقدسيين طُبعت صورة الاكتظاظ الشديد في أسواق البلدة القديمة خلال ما يسمونه "وقفات العيد"، وهي الأيام التي تسبق الأعياد، وكانت البضائع تَنفد ويجدد التجار عرض المزيد منها من شدة الطلب قبيل حلول عيدي الفطر والأضحى قديما.
ورغم أن تراجع الإقبال على الأسواق بدأ يأخذ منحى متصاعدا منذ اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، ثم الشروع في بناء الجدار العازل عام 2002، إلا أن شح الإقبال تحول إلى شلل شبه تام في حركة المتسوقين في البلدة القديمة منذ اندلاع الحرب الأخيرة في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2023.
وفي جولة للجزيرة بدأت من باب العامود -الذي يعدُّ أحد أكثر الأبواب ارتيادا للعتيقة- لاحظنا وجودا عسكريا كثيفا داخل وحول نقاط المراقبة الثابتة لقوات الاحتلال، وبمجرد الولوج منه إلى داخل السور، تتلقف الزائر أصوات الباعة الذين تتوزع بسطاتهم ومحلاتهم على جانبي الطريق المؤدي إلى سوقي خان الزيت والواد.
الجميع ينادي على بضائع مختلفة، لكنّ مُلبّي نداءاتهم قليلون جدا رغم أن طريقة العرض جاذبة، والروائح المنبعثة من أطعمة العتيقة المختلفة تفتح شهية الصائم لشرائها.
داخل سوق خان الزيت تبدو وجوه التجار شاحبة، ومنهم من وضع كرسيّا أمام حانوته وجلس عليه لانعدام الزائرين، ومنهم من يتبادلون أطراف الحديث الذي تتربع الحرب وانعكاساتها المؤلمة على عرشه.
إعلانالتاجر المقدسي يعقوب قاسم يقول، إن هذا هو رمضان الثامن عشر الذي يمرُّ عليه تاجرا في البلدة القديمة، لكنه لأول مرة، هذا العام، يشعر أن "قلوب الناس مطفية" ولا رواد للبلدة القديمة التي يخشى الجميع الوصول إليها بسبب الحصار والمضايقات الاحتلالية.
دعوا إلى إعمار الأقصى وشد الرحال إليه من أجل إعمار أسواق البلدة القديمة وإحيائها.. الجزيرة نت تأخذكم في جولة داخل أسواق القدس العتيقة للتعرف على أبرز سلع رمضان والأسعار، وحركة السوق قبيل حلول شهر رمضان المبارك.
للمزيد: https://t.co/JDjeKeonup pic.twitter.com/YvHBc0UijX
— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) February 28, 2025
إجراءات طاردةوفي التفاصيل قال قاسم للجزيرة نت، "الطرق نحو البلدة القديمة مغلقة، ولا مواقف للمركبات، والجنود يفتشون الناس ويحققون معهم ميدانيا، وفي حال اشتروا منا وأكملوا طريقهم إلى المسجد الأقصى، قد لا تسمح لهم الشرطة بإدخال مشترياتهم، وعليه فلا يوجد حافز للمواطنين على التسوق".
ويؤلم هذا التاجر هجرة المقدسيين أسواق العتيقة واعتمادهم كليا على التسوق من الأسواق الموجودة بأحيائهم وبلداتهم "فابن شعفاط يتسوق منها وكذلك كفر عقب وبيت حنينا وغيرهم".
ورغم ذلك، كان التجار -وفقا لقاسم- ينتظرون حلول شهر رمضان لأنهم يعتمدون أساسا فيه على أهالي الضفة الغربية الذين يصلون مرّة كل عام متعطشين للتجول والتسوق من الأسواق التاريخية.
ولكن هذا العام أُحكم الإغلاق ومُنع السواد الأعظم منهم من الوصول، وتُرك التجار يجابهون الاستنزاف المادي بسبب دفع مبالغ باهظة للضرائب وخدمة الكهرباء، ولا يوجد دخل يغطي هذه المصاريف التشغيلية.
ورغم الظروف المأساوية أبى هذا التاجر الذي يقع حانوته في منتصف سوق خان الزيت إلا أن ينهي حديثه ببث الأمل، فقال "سنبقى في بيت المقدس صامدين، ونتمنى أن يعيننا الله على البقاء في هذه البلاد نحن وأولادنا وأولادهم".
أما التاجر أنور أبو عصب، صاحب أحد محلات العصائر الطبيعية المشهورة في العتيقة، فاكتفى بوصف حالة الأسواق قبيل العيد بـ "المزرية"، مضيفا، أن أهالي الداخل الفلسطيني يدعمون التجار، لكنّ إجراءات الاحتلال المتمثلة في التشديدات الأمنية في البلدة القديمة ومحيطها تقلل من وجود الناس الذين وجّه إليهم نداءً: "ادعموا البلد وساندوه لأنه بحاجتكم، وتوافدوا إلى الصلاة بالأقصى فلا شيء أجمل من ذلك".
إعلاندعوة هذا التاجر تنضم إلى عدد من الدعوات التي تُعمم على منصات التواصل بين الحين والآخر لدعم صمود تجار البلدة القديمة بمبادرات من مؤسسات تارة ومن شخصيات اعتبارية تارة أخرى.
وفي هذا الإطار، كتب المحامي المقدسي حمزة قطينة قبل أيام على صفحته في موقع فيسبوك "حال أسواق البلدة القديمة في وقفة العيد يُرثى له، مهجورة وباقي السنة خاوية على عروشها.. ما بال أهلها هجروها، ولمن؟".
وتابع "يا أخي ادعم مجاوري المسجد الأقصى، وثبتهم في تلك الحصون، اذهب الى أي دكان فارغ من الزبائن واشترِ بمئتي شيكل، بنية تعزيز الرباط، سواء احتجت ذلك الغرض أم لم تحتجه، ولا تأبه بكل المعيقات ومشقة الوصول.. ضرر هجر هذه الأسواق على الكل أكثر منه على أصحاب تلك المحلات".
أمين سر الغرفة التجارية الصناعية في القدس حجازي الرشق، استهل حديثه للجزيرة: "إن الوضع التجاري الحالي في القدس لم يسبق له مثيل، إذ تردى بشكل كبير جدا، سواء على نطاق المحافظة عموما، أم البلدة القديمة خاصة، نتيجة انعكاسات الحرب الجارية".
وفي إحصائية للغرفة التجارية يقول الرشق "خلال فترة الحرب وجدنا أن 9% فقط من المحلات التجارية تعمل طبيعيا، وهي المختصة في المواد التموينية والسلع المنزلية، و34% من المحلات التجارية التي تتبع القطاع السياحي مشلولة تماما، ولا يوجد أي دخل للعاملين في هذا القطاع، وتعمل باقي الشرائح التجارية كالألبسة والأحذية في تأرجح وتشكل 54% من المحلات".
ولفت الرشق إلى أهمية الانتباه إلى أن الحالة النفسية للمقدسيين متردية كثيرا بسبب حرب الإبادة في غزة وما يحصل في محافظات شمال الضفة الغربية من ممارسات القتل والتهجير والهدم، وهذا يؤثر على المزاج العام، إضافة إلى تآكل في رأس مال المواطن، فلا يوجد دخل، ومن لديه مدخرات استنزفها في هذه الفترة وانعكس ذلك على الحركة بالأسواق تلقائيا.
إعلانورغم الوضع الاقتصادي المتردي عموما، فإن الرشق لاحظ انتعاشا في حركة المقدسيين بالشوارع التجارية المحيطة بالبلدة القديمة كشارع صلاح الدين الأيوبي، والزهراء والسلطان سليمان مع تجنب المقدسيين التوجه إلى أسواق الضفة الغربية بسبب الإغلاقات والحواجز العسكرية التي يمكثون فيها ساعات طويلة.
ووفقا لمعطيات الغرفة التجارية، فإن البلدة القديمة بالقدس تضم 1372 محلا تجاريا، أغلقت 312 منها أبوابها منذ عام 1967 وحتى عام 2020 الذي وصلت فيه جائحة كورونا إلى البلاد، وأثناء الجائحة ارتفع عدد المحلات المغلقة إلى 352، وفي الحرب الحالية يفتح بعض التجار أبواب محالهم في تذبذب، لكن لم يسجل إغلاق مزيد من الحوانيت بشكل دائم حتى الآن.