مانديلا تسامي فوق المرارات لينشئ نظام ديمقراطي راسخ وعادل
تاريخ النشر: 9th, January 2024 GMT
مانديلا تسامي فوق المرارات لينشئ نظام ديمقراطي راسخ وعادل
صديق الزيلعي
صار العالم، بعد تقدم وسائل الاتصال قرية صغيرة. أهم سماتها ان الشعوب صارت تتعرف وتراقب، عن كثب، وبصورة دقيقة، ما يجري في الأقطار الأخرى. هذه المعرفة اللصيقة، لتلك التجارب، تجعلنا نعرف كيف نجحت تلك الشعوب أو فشلت في علاج مشاكلها. ذلك الأمر يراكم خبراتنا ومعرفتنا في كيفية تخطي العقبات، إذا واجهنا معضلات شبيهة.
كانت جنوب افريقيا من الأقاليم القليلة التي حكمتها اقلية بيضاء استعمارية. ظلت هذه الأقلية البيضاء تمارس أبشع أنواع العنصرية ضد الأغلبية السوداء والملونين والأسيويين. وشرعت القوانين التي تقنن هذا التمييز في السياسة، والاقتصاد، والتعليم، وغيرها. في عام 1948 وصل الحزب الوطني الى السلطة وهو الحزب الذي اسسه المستعمرون الهولنديون. ومنذ ذلك الحين صارت للدولة أيديولوجية شبيهة بالأيديولوجيا النازية.
تأسس حزب المؤتمر الوطني الافريقي في عام 1912. بدا الحزب المقاومة المسلحة في عام 1955 وأعلن ما عرف بميثاق الحرية، بعد مذبحة شاربفيل الاجرامية. في مارس 1960 تم اعتقال معظم قادة الحزب. وتصاعدت حرب العصابات بصورة كبيرة.
كان الانتقال الى النظام الديمقراطي التعددي صعبا، وشهد كل صور النضال العسكري والسلمي. فقد قاد النضال حزب المؤتمر ومعه قوى أخرى منها الحزب الشيوعي والجناح اليساري لحزب المؤتمر والذي عرف بمؤتمر عموم افريقيا. وشهدت البلاد خلال عقود طويلة حملات منظمة للحصول على حق الاقتراع، وسلسلة طويلة من حركات العصيان المدني والتظاهرات والاحتجاجات والاضرابات وكذلك الاعمال المسلحة. وساهمت حملات التضامن الدولي وخاصة المقاطعة دورها في ضعضعة النظام. ثم اضافت عقوبات المجتمع الدولي وخاصة قرارات الأمم المتحدة قوة إضافية للحملة من اجل الديمقراطية.
حدث تغيير هام صوب الاعتدال في صفوف الشيوعيين، فبعد ان كان جو سلوفلو (الأمين العام للحزب) وقائد الجناح العسكري لحزب المؤتمر الوطني الافريقي، يعتقد في أواسط السبعينات، ان الحزب قادر على اطاحة النظام العنصري والاستيلاء على السلطة عبر حرب العصابات والقيام بالثورة. لكنه اضحى في أواخر الثمانينات يري ان المفاوضات هي الطريق المحتملة لتحقيق اهداف حزب المؤتمر الافريقي، على الرغم من انه ظل ملتزما باستخدام العنف.
كان أساس التفاوض هو قبول الأقلية البيضاء والنخب الاقتصادية حماية دستورية للحالة القائمة لتوزيع الثروة في مقابل الاندماج السياسي لغير البيض وحصولهم على حق الاقتراع. وكان المفاوض الأساسي لحزب المؤتمر الافريقي هو رئيس اتحاد عمال المناجم.
بدأت عملية التفاوض الأساسية بين حكومة الحزب الوطني الحاكم برئاسة دي كليرك رئيس النظام العنصري ونيلسون مانديلا زعيم حزب المؤتمر الافريقي في مايو 1990ن بعد إطلاق سراح مانديلا. وانتهت هذه الجولة بتعهد الطرفين بالاستمرار في العمل من اجل وقف العنف وإزالة العقبات امام عودة المنفيين وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين. وفي جولة أغسطس 1990 تم توسيع موضوعات الحوار ليضم وقف العمل المسلح من الجناح العسكري لحزب المؤتمر وانهاء خالة الطوارئ. وفي سبتمبر 1991 تم التوصل الى اتفاقية السلام الوطني التي وقعها ممثلون من 27 هيئة سياسية من السود والبيض.
استؤنفت المفاوضات على نحو ثنائي بين دي كليرك ومانديلا وتم توقيع ميثاق التفاهم. ثم التوصل الي دستور انتقالي ثم جرا انتخابات في 1994 وتم تشكيل حكومة وحدة وطنية. وصار مانديلا رئيسا لجنوب افريقيا ودي كليرك نائبا له. وفي عام 1995 أصدر البرلمان قانون دعم الوحدة الوطنية والمصالحة شكلت بموجبه لجنة الحقيقة والمصالحة للنظر في الانتهاكات.
هذا باختصار شديد جدا تجربة جنوب افريقيا. فقد تطور النضال المسلح والسلمي حتى خلق توازن قوة لصالح السود، ثم تواصل دعم المجتمع الدولي. وأخيرا تمت مفاوضات، رغم طولها وتعقدها، ولحظات الهبوط والارتفاع فيها، الا انها حققت المصالحة وتغيير النظام. قاوم مانديلا روح الانتقام ونجح في خلق تعايش ساعد في استقرار الدولة. وصار اقتصادها واحدا من أكبر الاقتصاديات العالمية.
siddigelzailaee@gmail.com
الوسومالفصل العنصري النظام العنصري جنوب أفريقيا حزب المؤتمر الأفريقي حزب المؤتمر الوطني الأفريقي دي كليرك صديق الزيلعي نيلسون مانديلاالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الفصل العنصري النظام العنصري جنوب أفريقيا حزب المؤتمر الأفريقي حزب المؤتمر الوطني الأفريقي صديق الزيلعي نيلسون مانديلا جنوب افریقیا لحزب المؤتمر حزب المؤتمر فی عام
إقرأ أيضاً:
مؤتمر العدالة والتنمية في المغرب يقرر المصير.. زعامة بنكيران على المحك
ينعقد يوم غد السبت في مدينة بوزنيقة المغربية المؤتمر التاسع لحزب العدالة والتنمية المغربي في محطة يصفها المراقبون بأنها مفصلية في تقرير مصير إسلاميي المغرب ممن اختاروا الإصلاح من داخل المنظومة السياسية في البلاد.
ومع تباين التقديرات داخل الحزب وخارجه، تُجمع مكوناته على أن هذا المؤتمر سيكون لحظة حاسمة: إما أن يستعيد الحزب عافيته السياسية والتنظيمية، أو يفتح صفحة النهاية لمرحلة سياسية امتدت لأزيد من عقدين.
عودة من الهزيمة... وزخم نقدي متجدد
عقب الهزيمة المدوية في انتخابات 2021، والتي أسقطت الحزب من 126 مقعدًا برلمانياً إلى 13 فقط، جاء المؤتمر الاستثنائي الذي أعاد عبد الإله بن كيران إلى قيادة الحزب بنسبة 81 في المائة من الأصوات. شكلت تلك العودة نقطة انطلاق لخطاب نقدي قوي من داخل الحزب، ركز بشكل خاص على ما اعتبره تراجعًا خطيرًا في المواقف المبدئية تجاه ملفات حساسة كالتطبيع مع إسرائيل، وتقنين استعمال القنب الهندي، وتهميش قضية التعريب، وهي ملفات ذات بعد قيمي وأخلاقي تُعد جزءاً من الهوية السياسية التي لطالما ميزت الحزب.
الاستفادة من إخفاقات خصومه
في مقابل ذلك، بدا واضحاً أن حزب العدالة والتنمية استثمر سياسياً في الإخفاقات التي واجهت حكومة عزيز أخنوش، خاصة في ملفي التشغيل وخفض الأسعار. ضعف الأداء الحكومي، وتآكل الثقة الشعبية، أعادا للحزب هامشًا للتموقع في صفوف المعارضة، بل وسمحا له باستعادة شيء من حضوره في النقاش العمومي، عبر قضايا مثيرة للجدل مثل تضارب المصالح في مشروع تحلية مياه البحر، وصفقة المحروقات، وتمويل مستوردي اللحوم.
تراجع تنظيمي.. وخلافات داخلية
لكن هذا الحضور لم يُترجم بعد على المستوى التنظيمي. فبحسب ما أكده الأمين العام في ندوة صحافية قبيل المؤتمر، تقلص عدد أعضاء الحزب إلى النصف، من 40 ألف إلى 20 ألف عضو، دون تفسير مباشر، سوى تأكيده بأن "الفاعلية أهم من الكم". وتُرجع مصادر مطلعة هذا التراجع إلى انسحاب المنتسبين الذين التحقوا بالحزب خلال فترة تواجده في الحكومة لأسباب نفعية، وإلى تصاعد التوترات الداخلية مع قيادات سابقة، فضلاً عن تراجع الجاذبية السياسية للحزب في ظل الاستقطابات الجديدة.
نقاش داخلي متنامٍ.. وتجديد القيادة في الواجهة
وبعيداً عن السجال الإعلامي، الذي يرى فيه بعض مناضلي الحزب تحاملاً مبيتاً من وسائل إعلام معينة، تتشكل داخل العدالة والتنمية موجة داخلية جديدة، لا تعبر بالضرورة عن تيار منظم، وإنما عن أفراد ومجموعات متفرقة تطالب بتجديد القيادة. هذا المطلب، الذي تكرر حضوره في بعض الكواليس والبيانات الشخصية، فُهِم في السياق التنظيمي كإشارة واضحة إلى رفض التجديد لعبد الإله بن كيران، رغم أن قوانين الحزب التنظيمية لا تمنعه من الترشح لولاية ثانية. ويعكس هذا الحراك، رغم محدوديته العددية، رغبة فئة من النخبة الحزبية في الدفع بوجوه جديدة وشابة، تحمل رؤية مغايرة لطبيعة العلاقة مع الدولة، وأساليب القيادة.
الرؤية الغائبة.. ومستقبل معلق
رغم الزخم الإعلامي والتنظيمي الذي يحيط بالمؤتمر، فإن الملاحظة الأبرز هي غياب رؤية واضحة للمستقبل. فالوثيقة السياسية المقترحة، بحسب مصادر من داخل اللجنة التحضيرية، لا تتضمن مواقف دقيقة من القضايا الكبرى التي تواجه الحزب، مثل طبيعة العلاقة مع الدولة، أو التموقع الجديد في المشهد السياسي. ويخشى مراقبون من أن يظل الحزب أسير معادلة "اليوم بيومه"، دون خط استراتيجي أو أفق سياسي، مما قد يُبقيه في موقع الانتظار إلى أجل غير مسمى.
وحتى اللحظة، يبدو أن سؤال القيادة هو العنوان الأبرز لهذا المؤتمر، وليس سؤال المشروع السياسي. فغالبية القاعدة الحزبية ترى أن الزعامة هي الضمانة الوحيدة للبقاء، بينما النخبة المسيسة تسائل الحصيلة السياسية والتنظيمية، ومدى تحقق وعود المصالحة وإعادة الهيكلة.
يذكر أن حزب العدالة والتنمية في المغرب كان قد تأسس عام 1998 كامتداد لحركة "التجديد الوطني"، وهو حزب ذو مرجعية إسلامية، تبنى منذ نشأته خيار المشاركة السياسية تحت مظلة النظام الملكي، مع التأكيد على احترام الثوابت الوطنية.
برز الحزب في بداية الألفية الجديدة كقوة سياسية صاعدة، واستطاع تعزيز حضوره البرلماني عبر معارضته المحافظة والملتزمة، ما أكسبه شعبية متنامية، خصوصًا في أوساط الشباب والطبقة الوسطى.
وبلغ ذروة قوته السياسية بعد احتجاجات 20 فبراير 2011، حيث قاد الحكومة لولايتين متتاليتين (2011 ـ 2016 و2016 ـ 2021)، قبل أن يتلقى ضربة موجعة في انتخابات 2021، خسر خلالها أكثر من 90% من تمثيله البرلماني، ما اعتُبر أسوأ نتيجة لحزب قاد الحكومة في تاريخ المغرب الحديث.
عبد الإله بنكيران.. من الزعيم الشعبي إلى الرجل المثير للجدل
يُعد عبد الإله بنكيران أحد أبرز وجوه حزب العدالة والتنمية، وشخصية محورية في التحول الذي شهده الحزب منذ مطلع الألفية. تولى الأمانة العامة سنة 2008 خلفًا لسعد الدين العثماني، وقاد الحزب إلى فوزه التاريخي في انتخابات 2011، ليشغل منصب رئيس الحكومة حتى عام 2017.
تميّز بنكيران بخطابه الشعبوي المباشر، وقدرته على التواصل الجماهيري، ما أكسبه قاعدة واسعة من الدعم، لكنه في الوقت نفسه دخل في توترات متكررة مع بعض مراكز القرار، أبرزها خلال مرحلة "البلوكاج الحكومي" بعد انتخابات 2016، التي انتهت بإعفائه من تشكيل الحكومة، وتكليف خلفه العثماني بالمهمة.
عاد بنكيران إلى الواجهة السياسية عبر المؤتمر الاستثنائي للحزب في 2021، وسط حالة من الانقسام الداخلي والسؤال المستمر حول مستقبل الحزب، وقدرته على التجدد في ظل قيادة تعود للواجهة.