عربي21:
2024-07-06@00:00:27 GMT

العبادة الإسرائيلية للإبادة الجماعية

تاريخ النشر: 9th, January 2024 GMT

منذ وصول الحكومة الإسرائيلية الحالية إلى السلطة في كانون الأول/ ديسمبر 2022، كان ثمة إجماع حتى في الغرب وكذلك داخل المعارضة السياسية الإسرائيلية، على أنها حكومة عنصرية تتسم "بالفوقية العرقية اليهودية"، انتُخبت نتيجة التفضيلات السياسية لغالبية الناخبين اليهود الإسرائيليين. وقد تم وصفها بتوصيفات شائعة بأنها "الحكومة الأكثر تطرفا" و"الأكثر أصولية" و"الأكثر عنصرية" في تاريخ إسرائيل، ووصفها آخرون بأنها الحكومة "الفاشية الأولى" في إسرائيل.



وهذا بصرف النظر عن حقيقة أن إسرائيل كان قد تم وسمها كدولة "فصل عنصري" منذ تأسيسها في عام 1948 (وهو وصف كان الفلسطينيون ومؤيدوهم يستخدمونه منذ الستينيات على الأقل لوصف إسرائيل) من قبل منظمات حقوق الإنسان الغربية المؤيدة لإسرائيل تاريخيا، قبل عدة سنوات من وصول الحكومة الجديدة إلى السلطة. وهذه الحكومة ذاتها هي التي شنت حرب الإبادة الجماعية المستمرة اليوم ضد الشعب الفلسطيني، والتي قتلت وجرحت فيها حتى الآن ما يزيد عن 100 ألف فلسطيني وشردت أكثر من مليونين. وتحظى هذه الحكومة العنصرية نفسها وحرب الإبادة الجماعية التي تشنها بالدعم والتسليح والتمويل من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، الذين لم يتراجعوا قيد أنملة عن إنكارهم بأن جرائم إسرائيل المستمرة هي "إبادة جماعية"، تماما كما كانوا قد دافعوا عن المستعمرة الاستيطانية اليهودية ضد اتهامها بأنها دولة فصل عنصري فيما سبق.

ومع ذلك، فإن السؤال المطروح على نحو متزايد لم يعد ما إذا كانت الحكومة الإسرائيلية عنصرية أم فاشية أم تمارس إبادة جماعية، بل ما إذا كانت هذه الأوصاف تنطبق على غالبية الإسرائيليين أيضا، وأن هذه الحكومة هي في الواقع ليست أكثر من مظهر من مظاهر الثقافة السياسية السائدة بين اليهود الإسرائيليين.

السؤال المطروح على نحو متزايد لم يعد ما إذا كانت الحكومة الإسرائيلية عنصرية أم فاشية أم تمارس إبادة جماعية، بل ما إذا كانت هذه الأوصاف تنطبق على غالبية الإسرائيليين أيضا، وأن هذه الحكومة هي في الواقع ليست أكثر من مظهر من مظاهر الثقافة السياسية السائدة بين اليهود الإسرائيليين
وقد لاحظ ديفيد هيرست، رئيس تحرير موقع ميدل إيست آي البريطاني، مؤخرا أن أولئك الذين يعبرون عن عنصرية الإبادة الجماعية بين اليهود الإسرائيليين -بما في ذلك الجنود والمغنون والفنانون والسياسيون- "لم يعودوا هامشيين، بل إنهم يمثلون ما يعتقده التيار السائد في إسرائيل. لقد أصبحوا من مؤيدي الإبادة الجماعية، وعنصريين، وفاشيين عندما يتحدثون عن الفلسطينيين، دون خجل. إنهم فخورون بعنصريتهم ويمازحون بشأنها ولا يبذلون الكثير من الجهد لإخفائها".

ووفقا لاستطلاعات مؤشر السلام التي أجراها معهد الديمقراطية الإسرائيلي وجامعة تل أبيب بعد أكثر من شهر من بدء القصف الإسرائيلي المخيف على غزة والذي أدى في ذلك الوقت إلى مقتل الآلاف، "قال 57.5 في المئة من اليهود الإسرائيليين إنهم يعتقدون أن الجيش الإسرائيلي يستخدم قوة نيران أقل مما يجب في غزة، وقال 36.6 في المئة إن الجيش الإسرائيلي يستخدم قدرا مناسبا من القوة النارية، بينما قال 1.8 في المئة فقط أنهم يعتقدون أن الجيش الإسرائيلي يستخدم قوة نيران أكثر مما يجب".

وفي تعليقه على مواقف الإبادة الجماعية لأغلبية اليهود الإسرائيليين ودعمهم للتطهير العرقي للشعب الفلسطيني، يبدو الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي في حيرة من أمره: "إما أن هذا هو الوجه الحقيقي لإسرائيل، وأن هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر قد أضفى شرعية عليه كي يطفو على السطح، أو أن السابع قد غيّر الأمور بالفعل". وأضاف: "لا أعرف أيهما صحيح". تبدو إجابة ليفي مراوغة بالنظر إلى تاريخ العنصرية الموثق للحركة الصهيونية منذ بدايتها، والحقيقة المعروفة بأنها قد سعت دائما إلى تطهير فلسطين عرقيا من السكان الفلسطينيين الأصليين.

وقد نشرت الصحافة الإسرائيلية مقالات تبدو "معقولة" تصف التطهير العرقي لفلسطينيي غزة واحتمال طردهم إلى سيناء المصرية بأنه أمر جيد، حيث توصف سيناء بأنها واحدة من "أنسب الأماكن على وجه الأرض لتزويد شعب غزة بالأمل وبمستقبل سلمي". ويمكن للمرء في هذا السياق أن يقترح في المقابل على المستعمرين اليهود في إسرائيل أنه يمكنهم (أو ربما ينبغي عليهم) أن يختاروا طوعا الانتقال إلى الولايات المتحدة وأوروبا حيث تتم حماية حقوقهم وامتيازاتهم، لا سيما أن الولايات المتحدة وأوروبا، وألمانيا على وجه الخصوص، هي "أنسب الأماكن على وجه الأرض لتزويد" اليهود الإسرائيليين "بالأمل ومستقبل سلمي".

وذلك نظرا لأن المسؤولين والمثقفين الإسرائيليين كثيرا ما يزعمون أنهم يعيشون في حي "سيئ" أو "عنيف"، أو حتى في "الأدغال" كما يصفون المشرق العربي. من الواضح أن أوروبا والولايات المتحدة هي أحياء أرفع قيمة بكثير، وتتمتعان بنسب منخفضة للغاية من المخاوف الأمنية. بل في الواقع، أوروبا هي عبارة عن "حديقة"، كما وصفها منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في العام الماضي، وكما أعلنت الرئيسة الألمانية للاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين أن "الثقافة اليهودية هي الثقافة الأوروبية"، وأن "أوروبا يجب أن تعبر عن تقديرها ليهوديتها، حتى تتمكن الحياة اليهودية في أوروبا من الازدهار مرة أخرى".

إن مثل هذه الخطوة الطوعية من جانب اليهود الإسرائيليين، الذين يحمل أكثر من مليون منهم بالفعل جوازات سفر أوروبية وأمريكية، من شأنها أن تنقذ الشعب الفلسطيني والشرق الأوسط على نطاق أوسع من العنف والحروب التي شنها الاستعمار الصهيوني منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر، وخاصة بعد عام 1948، على أهل المنطقة. وربما بدلا من دفع إسرائيل ورعاتها الغربيين إلى التفاوض سرا مع الكونغو أو كندا لاستقبال الفلسطينيين الذين تخطط إسرائيل لتهجيرهم كما ورد مؤخرا، يتعين على الأمم المتحدة والدول العربية أن تحث الدول الغربية بكل حماس على الترحيب باليهود الإسرائيليين في وسطها.

وحيث تكشف استطلاعات الرأي الأخيرة والمحللين أن الغالبية العظمى من المواطنين اليهود في إسرائيل يؤيدون الإبادة الجماعية، بسبب كراهيتهم للفلسطينيين وغيرهم من العرب، ونظرا لأنهم وقادتهم يزعمون أنهم يبيدون الفلسطينيين من أجل "إنقاذ" الحضارة والقيم الغربية التي تتماهى إسرائيل معها، إذن يبدو أن الانتقال للعيش في أوروبا والولايات المتحدة، بعيدا عن المقاومة الفلسطينية المناهضة للاستعمار، سيجلب لهم بالتأكيد المزيد من السعادة وراحة البال، حيث يمكنهم إنقاذ الحضارة الغربية وهم في قلبها وليس بعيدا عنها من حدود المستعمرات.

وفي هذا السياق، أكدت منسقة المفوضية الأوروبية لمكافحة معاداة السامية وتعزيز الحياة اليهودية، الألمانية كاتارينا فون شنورباين، مؤخرا أن "أوروبا ليست أوروبا بدون تراثها اليهودي". وأضافت أن "التراث اليهودي جزء من الحمض النووي لأوروبا. وكمؤسسات أوروبية، نريد حماية التراث اليهودي، والحفاظ عليه والاعتزاز به. وهذا جانب رئيس لتعزيز الحياة اليهودية، وهو الهدف النهائي لاستراتيجية الاتحاد الأوروبي بشأن مكافحة معاداة السامية وتعزيز الحياة اليهودية".

ونتيجة لهذا التأكيد يتوقع المرء أن تفتح أوروبا أبوابها هذه المرة أمام اليهود، بخلاف ما حدث في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، وأن الولايات المتحدة، التي رفضت السماح للاجئين اليهود الفارين من النازيين وأعادت سفينة تعج بهم في عام 1939 إلى أوروبا حيث قُتل العديد منهم في معسكرات هتلر، سوف ترحب باليهود الإسرائيليين هذه المرة في حيّها الراقي بأذرع مفتوحة.

من الواضح أن دعم ذبح الشعب الفلسطيني في مذابح وحروب لا توصف منذ عام 1948 أصبح نوعا من مبادئ العبادة (cult) المترسخة في إسرائيل، سواء على مستوى الحكومة أو على مستوى غالبية المواطنين اليهود. وكما هو الحال مع جميع الديانات والجماعات العبادية العنيفة، فإن الطريقة الوحيدة لإنقاذ يهود إسرائيل من أنفسهم هي بإعادة برمجتهم، وهي عملية علاجية طويلة ومعقدة يقوم بها مختصون بعلم النفس، وهي في حالة العديد من اليهود الإسرائيليين سيضطر المختصون إلى القيام بمحو عقود من غسيل الأدمغة الذي تعرضوا له. وبما أن عددا كبيرا من الأطباء النفسيين الإسرائيليين قد غادروا البلاد مؤخرا لحي أرقى من المشرق العربي، أي إلى المملكة المتحدة، فربما يتمكن هؤلاء المتخصصون أنفسهم من المساعدة في إعادة برمجة اليهود الإسرائيليين في بيئة أوروبية آمنة لتخليصهم من ارتباطهم بعبادة التطهير العرقي وحروب الإبادة الجماعية.

في هذه الأثناء، تثير القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، والتي تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية، القلق في البيت الأبيض وعواصم أوروبا الغربية. وهذه ليست سوى القضية الأخيرة التي تلقتها محكمة العدل الدولية والتي تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم. فقبل عام، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على طلب فتوى من محكمة العدل الدولية بشأن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية بأغلبية 87 صوتا مؤيدا و26 صوتا معارضا. ومعظم المعارضين هم نفس الدول التي تدعم اليوم حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة. ومن المقرر أن تعقد محكمة العدل الدولية جلسات استماع علنية حول القضية الشهر المقبل. أما بالنسبة للقضية الأحدث التي رفعتها جنوب أفريقيا، فإن محكمة العدل الدولية سوف تنظر فيها في وقت مبكر من الأسبوع المقبل نظرا لإلحاحها.

لقد واجهت محكمة العدل الدولية طلبات مماثلة في سياق الاستعمار الاستيطاني منذ الحرب العالمية الثانية. وعلى وجه الخصوص، في تموز/    يوليو 1966، رفضت محكمة العدل الدولية التماسا قدمته ليبيريا وإثيوبيا في عام 1962 بشأن مستعمرة ناميبيا الاستيطانية المحتلة من قبل جنوب أفريقيا، على أساس أن أيا منهما لم تكن لديه صفة قانونية لتقديم الالتماس. وقد كان البلدان عضوين سابقين في عصبة الأمم، التي اختارت جنوب أفريقيا باعتبارها السلطة الانتدابية على ناميبيا بعد الحرب العالمية الأولى.

وقد دعا الالتماس الذي تقدمت به ليبيريا وإثيوبيا في عام 1962 المحكمة إلى الفصل في الوضع القانوني لناميبيا. وأدلى رئيس المحكمة، السير بيرسي سبندر، وهو نفسه يحمل جنسية مستعمرة أستراليا الاستيطانية، بالصوت الحاسم في القرار المتعادل بين سبعة أصوات مساندة وسبع أصوات معارضة، مصوتا لصالح جنوب أفريقيا، وأصدر قرار المحكمة لصالحها. وقد أطلق هذا القرار العنان للكفاح المسلح من قبل المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو) ضد دولة جنوب أفريقيا ونظام الفصل العنصري. وفي ذلك العام، ألغت الجمعية العامة انتداب جنوب أفريقيا على ناميبيا، ولكن دون جدوى.

إذا أدان قرار محكمة العدل الدولية حرب إسرائيل باعتبارها حرب إبادة جماعية فسوف يبشر ذلك بالخير لنضال الشعب الفلسطيني ضد مستعمريه القساة الذين يمارسون الإبادة الجماعية. ورغم أن هذا القرار لن يؤدي إلى التحرير وإنهاء الاستعمار بشكل فوري، فإنه سوف يعمل على تسريع هذه العملية بشكل ملموس، والتي ينبغي لها في النهاية تفكيك نظام التفوق العرقي اليهودي الإسرائيلي وإنقاذ الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين أيضا من آثار ديانة عبادة الإبادة الجماعية الصهيونية
وفي عام 1969، أيد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أخيرا قرار الجمعية العامة بإلغاء انتداب جنوب أفريقيا على ناميبيا في عام 1966. وعندما تحدت جنوب أفريقيا الأمم المتحدة ورفضت الانسحاب، أحيلت المسألة في تموز/ يوليو 1970 إلى محكمة العدل الدولية للحصول على رأي استشاري. وخلافا لما حدث في عام 1966، فقد أيّد رأي محكمة العدل الدولية، الصادر في 21 حزيران/ يونيو 1971، موقف الأمم المتحدة، حيث حكم بأن الأمم المتحدة هي السلطة الحاكمة الشرعية في ناميبيا وأنه ينبغي على جنوب أفريقيا أن تنسحب.

وعلى النقيض من قرار محكمة العدل الدولية المؤيد للاستعمار عام 1966، أزال قرار عام 1971 آخر بقايا الشرعية التي كان نظام التفوق الأبيض في جنوب أفريقيا لا يزال يتمتع بها. لا يعني ذلك أن جنوب أفريقيا التزمت بالقرار؛ فلم يحدث ذلك، بل واصل رعاة جنوب أفريقيا الغربيون في حلف شمال الأطلسي (الناتو) دعمهم بلا خجل لتكتيكات التأخير التي تتظاهر بأنها "عملية سلام"، واستخدموا حق النقض (الفيتو) ضد قرارات الأمم المتحدة التي دعت إلى فرض عقوبات على دولة الفصل العنصري.

لكن رغم ذلك، كان قرار محكمة العدل الدولية عام 1971 هو الذي أدى إلى الاعتراف الدولي بمنظمة "سوابو" وبحق الشعب الناميبي في تقرير المصير. وقد تطلب الأمر قيام حرب تحرير كي تحصل ناميبيا أخيرا على الاستقلال في عام 1990.

وهذا يعني أنه إذا أدان قرار محكمة العدل الدولية حرب إسرائيل باعتبارها حرب إبادة جماعية فسوف يبشر ذلك بالخير لنضال الشعب الفلسطيني ضد مستعمريه القساة الذين يمارسون الإبادة الجماعية. ورغم أن هذا القرار لن يؤدي إلى التحرير وإنهاء الاستعمار بشكل فوري، فإنه سوف يعمل على تسريع هذه العملية بشكل ملموس، والتي ينبغي لها في النهاية تفكيك نظام التفوق العرقي اليهودي الإسرائيلي وإنقاذ الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين أيضا من آثار ديانة عبادة الإبادة الجماعية الصهيونية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلية الفلسطينيون الإبادة الجماعية العنصرية غزة إسرائيل فلسطين غزة العنصرية الإبادة الجماعية مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قرار محکمة العدل الدولیة الإسرائیلیین أیضا الولایات المتحدة الإبادة الجماعیة الحیاة الیهودیة الشعب الفلسطینی الأمم المتحدة جنوب أفریقیا إبادة جماعیة هذه الحکومة ما إذا کانت فی إسرائیل على وجه أکثر من من قبل فی عام

إقرأ أيضاً:

كيف سيُصوِّت اليهود في الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟

 

 

د. هيثم مزاحم **

 

يُفضِّل الأمريكيون اليهود بأغلبية ساحقة الرئيس الديمقراطي جو بايدن على منافسه الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب. ومعلوم أن غالبية اليهود الأمريكيين يصوتون تاريخيًا لمصلحة المرشحين الديمقراطيين سواء للرئاسة أو الكونجرس.

لكن استطلاعات الرأي الأخيرة تظهر تراجعًا طفيفًا في مواقف عدد من الناخبين اليهود مقارنة بالسنوات السابقة، مما قد يشير إلى أن بايدن واقع بين السندان والمطرقة، بين مؤيدي إسرائيل ومعارضي عدوانها الإبادي في قطاع غزة.

ويرى بعض الخبراء أنه في منافسة متقاربة مثل هذه الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل، فإن حتى مثل هذه الخسائر الصغيرة يمكن أن تحدث فرقًا في يوم الانتخابات.

فقد أظهر أحد الاستطلاعات، التي نشرها المعهد الانتخابي اليهودي أخيرًا، وشمل 800 يهودي أمريكي بالغ، أن بايدن يتفوق على ترامب بنسبة 67% في مقابل 24% في المنافسة المباشرة.

ويتطابق هذا مع استطلاع عبر الإنترنت لـ1001 يهودي أجرته اللجنة اليهودية الأمريكية والذي أظهر تقدم بايدن بنسبة 61-23% من أصوات اليهود على ترامب.

تمثل هذه الأرقام تحولًا متواضعًا ولكن تدريجيًا من بايدن إلى ترامب مقارنة بانتخابات 2020 والعام الماضي، قبل هجوم طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

فبحسب استطلاع للرأي أجرته مؤسسة جي ستريت اليهودية بعد الانتخابات الأمريكية لعام 2020، صوت 77% من اليهود لصالح بايدن، بينما حصل ترامب على 21% من أصواتهم. وفي الاستطلاع الأخير الذي أجراه المعهد الانتخابي اليهودي، قال المشاركون إنهم يفضلون بايدن على ترامب بنسبة 74% -20%. وفي استطلاع العام الماضي، حصل بايدن على 72%.

وأظهر استطلاع المعهد الانتخابي اليهودي موقفًا أكثر سلبية تجاه بايدن. وبشكل عام، نظر 58% من اليهود إلى بايدن بشكل إيجابي، في مقابل 39% نظروا إليه بشكل سلبي، بانخفاض خمس نقاط عن العام الماضي.

ويرى خبراء الانتخابات أن هذه الاتجاهات قد تشير إلى تراجع الدعم اليهودي للرئيس بايدن وسط الحرب في غزة.

وكان استطلاع أجراه مركز "بيو" للأبحاث عام 2021 قد وجد انقسامًا واسعًا بين الناخبين اليهود اعتمادًا على التيار الذي ينتمون إليه. وفضل اليهود الأرثوذكس الجمهوريين على الديمقراطيين بنسبة 75% إلى 20%، في حين دعم 70% من اليهود المحافظين و80% من اليهود الإصلاحيين، الديمقراطيين.

وقال سام ماركستين المدير السياسي الوطني في الائتلاف اليهودي الجمهوري، إن الكثير من الأصوات اليهودية تتمركز في ولايات لا يملك فيها الجمهوريون أي فرصة على الإطلاق، مما يساهم في فجوة الدعم بين الجمهوريين والديمقراطيين. وبالإشارة إلى استطلاع أجرته وكالة أسوشيتد برس بعد انتخابات 2020 والذي وجد أن ترامب تحسن في أدائه بين الناخبين اليهود عن انتخابات عام 2016، يتوقع ماركستين أن يقوم "الائتلاف اليهودي الجمهوري" بأكبر استثمار له على الإطلاق في هذه الدورة لاستهداف الناخبين اليهود في ساحات المعركة الانتخابية.

وكانت لبعض الاستطلاعات الأخرى اتجاهات أكثر إيجابية بالنسبة للديمقراطيين. وأظهر استطلاع مركز بيو في مايو الماضي أن نسبة الناخبين اليهود المتحالفين مع الديمقراطيين زادت بمقدار 8 نقاط منذ عام 2020.

وقال دان سيجل، الذي قاد التواصل مع اليهود في حملة بايدن لعام 2020، إن اهتمامات الناخبين اليهود الرئيسية تشبه اهتمامات أي مجموعة تصويت أخرى: الاقتصاد والرعاية الصحية والتعليم. وأضاف: "أعتقد أن إسرائيل قد تكون على رأس الأولويات بعض الشيء".

وكان ترامب قد صرّح في برنامج تلفزيوني قبل أشهر أن "أي شخص يهودي يصوّت لبايدن هو لا يحب إسرائيل". وأشار في مناظرته مع بايدن قبل أسبوعين إلى أنه لا يدعم إسرائيل كفاية واصفًا إياه بـ"الفلسطيني السيء".

مع ذلك، فإن الكثير من اليهود المؤيدين للديمقراطيين يخشون عودة ترامب إلى سدة الرئاسة. وقالت كيب داوسون، وهي ناشطة يهودية ديمقراطية في مجال الحقوق المدنية، إنها ستشعر بالرعب من إعادة انتخاب ترامب وأعربت عن أملها في أن يتمكن الديمقراطيون من إعادة الديمقراطيين المتشككين إلى تأييد بايدن هذا الخريف.

ووفقًا للعديد من استطلاعات الرأي والمنظمات اليهودية، فقد حصل ترامب عام 2020 على ما بين ربع وثلث الأصوات اليهودية. وعلى الرغم من أن اليهود يشكلون فقط 2.4% من السكان البالغين في الولايات المتحدة، إلا أنهم أكثر مشاركة في الاقتراع من عامة السكان المسجلين وأكثر رغبة في تقديم تبرعات سياسية للمرشحين.

ويتوقع بعض الخبراء اليهود أن التصويت اليهودي في الولايات المتأرجحة سيكون هو العامل الحاسم في الانتخابات؛ إذ يميل الجمهوريون إلى استخلاص معظم قوتهم اليهودية من الأرثوذكس المتدينين، وهم يمثلون المجتمع اليهودي الأسرع نموًا، ولكنه لا يزال أصغر مجتمع بين التيارات الثلاثة الكبرى. ومعظم اليهود الأرثوذكس يدعمون إسرائيل بقوة، بينما يميل أغلبية اليهود المحافظين والإصلاحيين إلى التصويت لصالح الديمقراطيين، وهم أكثر انفتاحًا بشأن حل الدولتين الذي من شأنه أن يخلق دولة فلسطين ذات سيادة.

ويرى بعض الناشطين اليهود أنه للحفاظ على الدعم اليهودي، تحتاج حملة بايدن إلى "الاستمرار في الوقوف بقوة مع إسرائيل، ضد معاداة السامية وخلف الجالية اليهودية الأمريكية.

والسؤال هنا: هل ستكون لإسرائيل أهمية في انتخابات 2024؟

يذهب بعض الخبراء إلى أن معضلة بايدن مع الناخبين اليهود قد تنبع من أحد طرفي الاستقطاب بشأن إسرائيل أو كليهما. فالجمهور المؤيد لإسرائيل، الذي يصوت تقليديًا للديمقراطيين، يشعر بالإحباط بسبب انتقادات إدارة بايدن لإسرائيل والخلاف حول نقل الأسلحة الأمريكية إلى الكيان. ويشعر اليهود ذوو الميول اليسارية بخيبة أمل بسبب طريقة دعم بايدن المطلق للعدوان على الشعب الفلسطيني.

لذلك، من المحتمل أن يؤثر هذا الانقسام على النتائج في الولايات الحاسمة التي تمثل ساحة معركة. ويقدر الناخبون اليهود بما بين 1% إلى 3% من الناخبين في ولايات بنسلفانيا وميشيغان وأريزونا وجورجيا ونيفادا وويسكونسن؛ وهي الولايات التي فاز فيها بايدن في عام 2020 بأقل من 3%.

وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أنه في حين أن الأمريكيين اليهود لا ينظرون إلى إسرائيل على أنها أولوية أعلى من حقوق الإجهاض والكفاح من أجل الحفاظ على الديمقراطية الأمريكية، إلا أنهم يراقبون بايدن عن كثب فيما يتعلق بتعاملاته مع الكيان.

وأشار استطلاع للرأي أجرته الأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل في ديسمبر الماضي إلى أن 44% من اليهود كانوا أكثر رغبة للتصويت لصالح بايدن بسبب دعمه العلني القوي للكيان.

وقال النائب السابق مارتن فروست، وهو ديمقراطي من تكساس ويرأس المعهد الانتخابي اليهودي، إن هناك جانبًا مشرقًا لبايدن في استطلاعات الرأي الأخيرة هو أنه لا يزال اليهود الأمريكيون ملتزمين إلى حد كبير بهذه الإدارة وبالحزب الديمقراطي.

وتستعد حملات الحزبين الجمهوري والديمقراطي لما يمكن أن يكون أكبر استثمار على الإطلاق لجذب الأصوات اليهودية في الانتخابات الرئاسية.

ويرى الناشطون اليهود أن تعامل بايدن مع الحرب على قطاع غزة هو نقطة الاشتعال الرئيسية في هذا الاستقطاب. فبايدن كان في البداية أكثر انحيازًا لإسرائيل، ولكن مع ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في قطاع غزة وتكثيف ردود الفعل اليسارية في الداخل ضد هذه الجرائم، زاد بايدن من حدة انتقاداته للقيادة الإسرائيلية، وضغط من أجل زيادة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين وتكثيف الجهود للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. ومع ذلك، لم يذهب بايدن إلى الحد الذي يريده منتقدوه ممن يقفون على يساره في الحزب الديمقراطي.

وقال مارك ميلمان "رئيس الأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل"، إن الناخبين اليهود "يقدرون بشكل غير عادي الدعم الذي قدمه الرئيس بايدن والقادة الديمقراطيون لإسرائيل على مدار هذا الصراع. أسمع من بعض الناس أن هذا بدأ يتغير حيث يرى الناس بعض التغيير في مواقف هؤلاء القادة الديمقراطيين .. لكن كان بايدن استثنائيًا".

إذن.. بايدن في وضع حرج؛ فهو مهما فعل لا يُرضي حكومة إسرائيل واللوبي المؤيِّد لها في أمريكا والذي يؤثر على بعض الناخبين اليهود، وهو إذ يعمل على إرضائهم عبر الدعم المطلق للعدوان الإسرائيلي على غزة، يحاول أيضًا عدم إغضاب الناخبين من الديمقراطيين التقدميين والعرب والمسلمين المؤيدين للشعب الفلسطيني من خلال حديثه عن سعيه لوقف إطلاق نار ودعوته لإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. لكن الكل يعلم أنه لا يضغط كفاية على حكومة نتنياهو لتحقيق ذلك، بل يتماهى معها ويبرر سياساتها وعدوناها ويحمل مسؤولية فشل اتفاق وقف إطلاق النار لحركة حماس، ويدافع عن الكيان في مجلس الأمن وأمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، إضافة إلى استمرار إدارته في تزويد جيش الاحتلال بأحدث الأسلحة الأمريكية وأكثرها دمارًا، من مقاتلات إف-35 إلى الصواريخ الذكية والقنابل الثقيلة، وإنْ حاول تأخير بعض شحنات القنابل ذات الألفي رطل للضغط على نتنياهو للقبول بصفقة إطلاق النار وتبادل الأسرى.

** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية - لبنان

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • إندونيسيا تجدد دعوتها لضم فلسطين عضوا كاملا بالأمم المتحدة
  • تحركٌ عربي لتجميد مشاركة إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة
  • الجامعة العربية تتخذ جملة من القرارات ضد إسرائيل وتستنكر عرقلة بريطانيا للعدالة
  • السفير الفلسطيني يفضح جرائم إسرائيل مع الاسري ويصفها بـ "الشاذة"
  • الجامعة العربية تدرس خطوات تجميد مشاركة إسرائيل في الأمم المتحدة
  • بدء الدورة غير العادية للجامعة العربية لبحث سبل مواجهة الجرائم الإسرائيلية
  • باحث: الولايات المتحدة ستدعم إسرائيل حال دخولها في جبهة صراع جديدة (فيديو)
  • كيف سيُصوِّت اليهود في الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟
  • سرايا القدس تكشف: بعض الأسرى الإسرائيليين بغزة حاولوا الانتحار
  • زعيم المعارضة الإسرائيلية يتوجه بطلب إلى الجيش