الذكرى المئوية لثورة 1924 (5).. دور المرأة في ثورة 1924

تاج السر عثمان بابو

1

لا شك أن النساء لعبن دورا مركزيا في السودان القديم لا يقل عن دور الرجال في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية، فهن الآلهات والمحاربات (الكنداكة) والملكات، والملوك لا يردون لهن شفاعة، ودور الملكة الأم كان واضحا في السودان القديم، واستمر دورها في الفترات التاريخية المختلفة قوة وضعفا.

منذ بداية الحركة الوطنية الحديثة المناهضة للحكم الثنائي الانجليزي- المصري، شاركت المرأة في ثورة 1924، يمكن القول أن جذور الحركة النسائية الحديثة ترجع الي ثورة 1924، كما يتضح من الأمثلة التالية:

– شاركت في مظاهرات ثورة 1924م وشجعت بالزغاريد وحماية المتظاهرين.

– تأمين وثائق ثوار 1924، وكانت العازة محمد عبد الله زوجة علي عبد اللطيف أول إمرأة سودانية تشارك في المظاهرات والنشاط السياسي في تاريخ الحركة السياسية الحديث.

– الدور الذي لعبه صالون السيدة “فوز” في تأمين نشاط الثوار من خلال صالونها الأدبي والثقافي، ويشير الشاعر خليل فرح لهذا الدور حينما يعتز بصحابه في “دارفوز” الذين يكتمون الأسرار بقوله:

نحن صحبة وإخوان نجاب

لى دعانا المولى استجاب

إن مرقنا السر في الحجاب

وإن قعدنا إخوانك عجاب

(للمزيد من التفاصيل عن السيدة  “فوز”، راجع: حسن نجيلة: ملامح من المجتمع السودان، الجزء الأول، دار جامعة الخرطوم 1971، راجع ايضا د. حسن الجزولي: نور الشقائق: هجعة في صفاتها ودارها وزمانها، دار المصورات 2022).

– الدور الذي لعبته عضوة اللواء الأبيض الحاجة نفيسة سرور، في خياطة علم اللواء الابيض الذي اتخذته جمعية اللواء الأبيض شعارا لها بتكليف من الجمعية، رغم مخاطر العمل السرى، وتعرضها للاعتقال، لكن السلطات رفضت اعتقال النساء يومئذ.

(للمزيد من التفاصيل: راجع افادة الحاجة نفيسة سرور أمام اللجنة التي شكلها اللواء جعفر نميري عام 1974 بمناسبة مرور 50 عاما على ثورة 1924 التي تولى رئاستها د. يوسف فضل ود. محمد إبراهيم ابو سليم، ونأمل أن تُنشر تلك الإفادات بمتاسبة الذكرى المئوية لثورة 1924).

اضافة لمشاركة نساء اخريات مثل: خديجة عبد الفضيل الماظ،. الخ.

2

كان ثوار 1924 مناصرين لتعليم المرأة، فعلى صفحات جريدة الحضارة برزت ايضا الدعوة إلى تعليم المرأة، وكان من ابرز الداعين لذلك الأمين علي مدني والشاعر الغنائي خليل فرح (وهو من ثوار 1924 كما اشرنا سابقا)، على سبيل المثال: نشر خليل فرح في عدد جريد الحضارة الصادر بتاريخ 27/ يناير/ 1921 قصيدة بعنوان “في تعليم المرأة” جاء فيها:

ارشدونا يا ولاة الأمر في أمرنا ذل جهول خامل

واستعينوا العلم إن ارشدتم غافلا بالعلم يرضي العاقل

وانصفونا من حياة نصفها حائر والنصف جسم جاهل

الى أن يقول:

علموها إنها مدرسة لحياة وما اليها طائل

ودعوها روضة في بيتها يحسن العلم عليها الوابل.

وللخليل قصيدة اخرى في تعليم المرأة بعنوان (المدرسة) يقول فيها:

يلا نمشى المدرسة سادة غير اساور غير رسا

يلا سيبى الغطرسه قومى افرزى كتب المدرسة

الساعة ستة دقت يام رسا نايمة والمنبه حارسا

الى أن يقول:

دارسه ماك جاهله محنسه قادله لى كتابه مؤنسه

حاشا ما تربيتي مدنسه لسه لسه عزك ما اتنسى

اى أن الخليل يرى أن التعليم هو أساس التقدم والنهضة ولابد لنصف المجتمع أن يأخذ نصيبه منه. وكان الخليل يدعو لتحرر المرأة من الجمود والنظره الباليه للمرأة ولتحرر العلائق الاجتماعية في عفة وجمال وفي اطار تقاليد المجتمع.

3

قبل اندلاع ثورة 1924، كان التعليم الحديث للمرأة هو المدخل لخروج المرأة إلي العمل، ونقصد عمل المرأة الحديث بأجر، لأن المرأة السودانية قبل ذلك كانت عاملة في الزراعة والرعي وصناعة الغزل والنسيج وصناعة الفخار والأدوات المنزلية وغير ذلك حسب التقسيم الاجتماعي للعمل بين الرجال والنساء في القطاع التقليدي.

كانت النافذة الأولى لخروج المرأة السودانية للعمل هي حقل التعليم والحقل الطبي فيما بعد، ولعب الشيخ بابكر بدري دورا كبيرا في ذلك عندما فتح أول مدرسة لتعليم البنات عام 1907 في رفاعة.

ونظرا للتوسع في تعليم البنات كانت الحاجة ماسة لمدرسات سودانيات لتعليم البنات. وفى إبريل 1921 تم تأسيس كلية المعلمات التي بدأت بست عشر طالبة في السنة الأولى، ودار صراع شديد حول هذه القضية في البداية فقد تردد الآباء في أول الأمر في إرسال بناتهم لكلية المعلمات، إذ كانت فكرة إلحاق الفتاة بخدمة الحكومة وكسب عيشها عن طريق العمل أمورا جديدة في نظرهم بل خشوا من أن يكون في إكمال لتعليمها ضياع فرص الزواج، كما كان سن الزواج المبكر يمثل صعوبة أخرى، وكان الآباء يفضلون زواج بناتهن من السماح لهن بمواصلة التعليم، وحتى في الحالات التي وافق الآباء على التعليم لعقد فترة تدريب المعلمات، فقد تم ذلك على مضض نظرا لترك بناتهم تحت إشراف جنس آخر ودين مختلف. (التقرير السنوي لمصلحة المعارف 1928).

تم التغلب جزئيا على تلك المشاكل بأن تقرر بأن يسمح للفتاة باصطحاب والدتها أو جدتها للإقامة معها أثناء فترة التدريب، وأن تدفع مكافأة تعادل مرتب شهر بعد الانتهاء من العمل لمدة عام بشرط أن تعمل المدرسة المتمرسة أربع سنوات متوالية بعد تخرجها في الكلية، وهنا أيضا ساعد المثل العملي الذي ضربه بابكر بدري لما وافق على إرسال ابنته واثنين من بنات أخته للالتحاق بكلية المعلمات على إغراء بعض الآباء لكي يحذوا حذوه.

ارتفع عدد طالبات كلية المعلمات من 20 طالبة عام 1922 إلى 28 طالبة عام 1925، وبلغ عدد الطالبات 61 في عام 1930 (المصدر السابق، ص 170).

هذا إضافة لعمل المرأة في الحقل الطبي حيث بلغ عدد المؤهلات عام 1946 (477) وعدد الممرضات (137) ممرضة (سجلات السودان، ص 80).

هكذ بدأ يتطور تعليم المرأة ويتسع دورها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي ترجع جذوره إلى ثورة 1924.

نواصل

alsirbabo@yahoo.co.uk

الوسومالعازة محمد عبد الله المرأة السودانية بابكر بدري تاج السر عثمان بابو ثورة 1924 خليل فرح صالون فوز كلية المعلمات

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: المرأة السودانية بابكر بدري ثورة 1924 خليل فرح تعلیم المرأة المرأة فی ثورة 1924

إقرأ أيضاً:

الذكرى الـ11 لاختفاء الطائرة الماليزية.. عودة البحث عن الحقيقة مع غياب الحطام

كوالالمبور- "مساء الخير، الماليزية 370" آخر ما سجله برج المراقبة لكابتن الطائرة الماليزية التي تحمل اسم الرحلة "إم إتش 370" في الساعة الواحدة و9 دقائق ليلة 8 مارس/آذار عام 2014، وذلك بعد نحو 28 دقيقة من إقلاع الطائرة بوينغ 777-200 من مطار كوالالمبور متجهة إلى العاصمة الصينية بكين.

وما زال اختفاء الطائرة عن أحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا الرادارات وتعقب الطائرات لغزا معقدا، وعُلقت كل التفسيرات على العثور على حطام الطائرة الذي يتوقع أنه في منطقة ما في أعماق جنوب المحيط الهندي.

وبعد تعقب تسجيلات رادارية أعلنت السلطات الماليزية أن الطائرة غيّرت مسارها باتجاه معاكس، وذلك بعد وقت قصير من انقطاع الاتصال بها، وانتقل البحث عن الطائرة من بحر جنوب الصين إلى المحيط الهندي.

وأعلن رئيس الوزراء الماليزي نجيب عبد الرزاق، وقتذاك، أن اختفاء الطائرة كان متعمدا، وليس عرضيا أو بسبب خلل فني، وهو التصريح الذي راكم تساؤلات حول الفاعل، وإن كان من داخل الطائرة أو بتأثير خارجي.

ومع تزايد الغموض بشأن اختفاء الطائرة الماليزية، وكثرة النظريات التي سايرت خيال علماء الطيران والمنظرين السياسيين والأمنيين تستمر محنة أسر 239 راكبا كانوا على متنها (227 راكبا، وطاقم من 12 شخصا)، وتنتظر الأسر إجابة شافية لمصير ذويها، تبدأ بالسؤال عن أين هم؟ ولا تنتهي عند من المسؤول عن مصيرهم الغامض؟

239 راكبا كانوا على متن الطائرة المنكوبة (رويترز) عودة البحث

لا تكاد تمضي مناسبة مرتبطة بلغز الرحلة "إم إتش 370" حتى تعيد الحكومة الماليزية التأكيد على أنها لن تألو جهدا في البحث عن الحقيقة، والتي تبدأ من البحث عن الطائرة أو حطامها.

إعلان

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي أعلن وزير النقل الماليزي أنتوني لوك عن الاتفاق مع شركة أوشين إنفينيتي البريطانية على استعادة جهود البحث وفق مبدأ "لا مال بلا نتيجة"، بمعنى أن شركة البحث سوف تقوم بالمهمة على نفقتها الخاصة، وفي حال العثور على حطام الطائرة فإن ماليزيا سوف تتكلف بدفع جميع التكاليف التي تصل إلى 70 مليون دولار.

وعشية الذكرى الـ11 لاختفاء الطائرة قال بيان لوزارة النقل الماليزية إن الولايات المتحدة وأستراليا سوف تقدمان دعما فنيا لعمليات البحث الجديدة، وذلك من خلال هيئة سلامة النقل الأميركية ومكتب سلامة النقل الأسترالي.

ويطال البحث الجديد نطاق منطقة في جنوب المحيط الهندي تقدر مساحتها بنحو 15 ألف كيلومتر مربع، وتظهر "أوشين إنفينيتي" على موقعها أن سفينة البحث أرمادا 7806 استقرت غرب أستراليا يوم الجمعة السابع من الشهر الجاري.

وكانت شركة أوشين إنفينيتي قد قامت بمهام البحث عام 2018 في مساحة تقدر 112 ألف كيلومتر مربع من جنوب المحيط الهندي، والفارق اليوم أنها تقوم بالمهمة نفسها ولكن دون اتفاق على دفع أي مبالغ من دون العثور على نتائج.

‪قطعة من جناح الطائرة عثر عليها في جزيرة ريونيون الفرنسية في المحيط الهندي في مارس/آذار 2016 (الصحافة البريطانية)

وبحسب تصريحات وزير النقل الماليزي فإن عملية البحث الجديدة سوف تستغرق 18 شهرا بداية من ديسمبر/كانون الأول الماضي تاريخ توقيع العقد.

ويعتبر البحث عن الطائرة المفقودة الأكثر تكلفة في تاريخ البحث عن الطائرات أو السفن، وقد تجاز 200 مليون دولار في مرحلته الأولى عام 2014، بمشاركة 82 طائرة و84 سفينة من 26 دولة.

وبحسب خبراء في مجال الطيران فإن الغموض سيبقى يلف الرحلة المشؤومة، إلى أن تتحقق الإجابة عن سؤالين، هما: لماذا تعطل جهازا الاتصال المنفصلان للطائرة؟ ثم لماذا غيرت مسارها؟

إعلان

أما النظريات والتكهنات فكثيرة جدا، أهمها يدور حول ما إذا كان الطيار تصرف بشكل عدواني مثل الانتحار أو مؤامرة معقدة تسببت بالكارثة.

مقالات مشابهة

  • اليابان تحيى الذكرى الـ14 لزلزال 2011 وأزمة فوكوشيما النووية
  • محمد بن زايد: التعليم الذي يتمحور حول الإنسان طريقنا نحو المستقبل
  • مصر تنتصر للمرأة| تشريعات حاسمة تقود ثورة حقوقية في اليوم المصري لهن
  • أحمد علي سليمان: المرأة المسلمة كانت دائمًا ركيزة أساسية في نهضة الأمة
  • دور المرأة في ثورة 1919.. كيف كسرت المصريات الحواجز
  • ماذا قال البابا شنودة في الذكرى الأولى لرحيل البابا كيرلس السادس
  • الذكرى الـ11 لاختفاء الطائرة الماليزية.. عودة البحث عن الحقيقة مع غياب الحطام
  • وزير التعليم العالي يهنئ سيدات المجتمع الأكاديمي في يوم المرأة العالمي
  • إحياء الذكرى السنوية لرحيل العلامة مجد الدين المؤيدي في حجة
  • إحياء الذكرى السنوية لرحيل العلامة مجد الدين المؤيدي في مديريات حجة