المقاومة العراقية.. تزييف الحاضر أم تزييف الماضي
تاريخ النشر: 8th, January 2024 GMT
بقدر ما هالني جرأة زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله في حديثه لقناة الميادين يوم 27 كانون الأول/ ديسمبر الماضي؛ بأن أبو مهدي المهندس كان وراء المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي، بقدر ما أسعدني تزامن ذلك مع توزيع كتاب للعقيد حاتم الفلاحي بعنوان "المقاومة العراقية تاريخ لا يُسرق ولا يُزوّر". وهو بالمناسبة مُتاح على الإنترنت، ومن إصدارات هيئة علماء المسلمين في العراق، التي تقف على ثغرة مهمة في العراق منذ الاحتلال الأمريكي الغاشم لبغداد، وحتى الآن، ورحم الله مؤسسها فضيلة الشيخ العلامة الدكتور حارث الضاري.
قرأنا في الماضي عن تزوير التاريخ وسرقة جهود الآخرين، ولكن عشنا اليوم لنرى بأمّ العين سرقة الحاضر الذي نعيشه، ورأيناه وتابعناه لحظة بلحظة، كنا نسمع من آبائنا وأجدادنا مقولة بغض النظر عن إمكانية التسليم بها دائما؛ وهي أن لا تصدق شيخا ماتت أجياله، لكن اليوم سيسمع أولادنا وأحفادنا منّا تحذيرنا لهم من حديث الشيخ الذي لا تزال أجياله وحاضرة، فلربما لديه من الجرأة أن يروج للتضليل، ظانا منه أن يجعل منه حقيقة كما في خياله.
يبدو أن الأكاذيب والافتراءات الأمريكية التي ساقتها كمبرر لعدوانها الظالم على العراق عام 2003، تعلمتها أيضا القوى التي أتت بها أمريكا للسلطة، فكانت مقابلة حسن نصر الله الداعم لهذه القوى الشيعية التي تعاملت مع الاحتلال الأمريكي؛ وهو ينسب كثيرا من عمليات المقاومة السنية للاحتلال الأمريكي إلى جماعات شيعية، في حين لا يزال منفذو هذه العمليات أحياء، ومن عايشها والقنوات التي بثتها لا يزالون أحياء، والكل يعلم أن هذه الفصائل كانت عميلة للمحتل الأمريكي ومنهمكة في نهب مقدرات الدولة العراقية.
أحسن المؤلف في الحديث عن العمليات، وتفاصيلها، وعن علاقة مرجعية النجف مع الاحتلال الأمريكي، وكيف ضمن الأخير تأييد المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني للاحتلال، لكن كل هذا لا يُغني القارئ الكريم عن العودة إلى الكتاب لقراءة تلك المسيرة المنيرة من تاريخ المقاومة العراقية، التي استمرت بجهود أهلها بلا غطاء عربي ولا إسلامي ولا إقليمي، بل على العكس كان التآمر عليها من كل حدب وصوب، ومع هذا فقد أقضّت مضاجع المحتلين.
يقول المؤلف حاتم الفلاحي في ص11: ".. كما أن المقاومة العراقية لم تنتظر المجرم سليماني ليقودها، أو يقدم الدعم لها، لأنها انطلقت في اليوم التالي للاحتلال مباشرة، حيث بدأت بتنفيذ أولى عملياتها العسكرية فعليا ضد القوات المحتلة في مدينة بغداد في اليوم العاشر من نيسان/ أبريل 2003، أي بعد أقل من 24 ساعة، حيث شهد اليوم الأول للاحتلال الأمريكي مقتل اثنين من الجنود الأمريكيين وجرح 13 آخرين حسب اعتراف قادة الجيش الأمريكي".
القوى الشيعية العراقية كانت يومها كلها متلطية خلف الاحتلال الأمريكي، ولا تزال وثائق نشرتها مجلة نيويوركر موجودة على الإنترنت، وهي تتحدث عن لقاءات الأحد في جنيف بين قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني وبين رايان كروكر، نائب وزير خارجية أمريكا وسفيرها اللاحق إلى بغداد، والتي وُضعت فيها أسس العلاقة بين الطرفين في احتلال العراق وأفغانستان، والتعاون بينهما، ولكن للأسف ثمة أطراف كثيرة لا تريد أن ترى ذلك.
لا يزال الجميع يتذكر التنسيق والتعاون الأمريكي- الإيراني في احتلال العراق، ولا زلنا نتذكر تنسيقهما في احتلال أفغانستان، وفي كلا البلدين تمكنت إيران من إيصال مؤيديها إلى السلطة تحت سمع وبصر الأمريكيين، لكن كانت حصتها في العراق أكبر بكثير من أفغانستان، حيث فازت بالكعكة كاملة من خلال تمكين فصائلها الموالية لها من الحكم، أما في أفغانستان فقد تعاون عملاؤها مع عملاء الاحتلال الأمريكي، ولكن مع مرور عشرين عاما على الغزو الأمريكي لأفغانستان نجحت إيران في التسلل بشكل كبير إلى عمق المجتمع الأفغاني تربويا وإعلاميا واجتماعيا، وغدا حتى اليوم من الصعب على الحكومة الأفغانية الحالية تصفية هذا الوجود المضر أولا وأخيرا بأفغانستان ككل، لأن امتداده وولاءه لطهران وليس لكابول وقندهار.
ولعل أكثر من عبر عن التنسيق الأمريكي- الإيراني والشيعي العراقي؛ الحاكم الأمريكي في العراق بول بريمر، في مقابلة لا تزال على الإنترنت، بأن واشنطن نجحت في إسقاط حكم سني في بغداد امتد لألف عام، وسلمته للشيعة، فهل ثمة وضوح أكثر من هذا، ليأتي اليوم من يقول لنا بأن المقاومة العراقية كانت بدعم المهندس وسليماني؟!
التأسيس الذي قامت به طهران في بغداد وكابول، عبر التنسيق مع الأمريكي، وصمت الأخير تماما عن كل نشاطاتها التخريبية في العالم العربي والإسلامي، هو ما نحصده اليوم في دمشق وصنعاء وبيروت وغيرها، فقد دعمت مليشيات طائفية في دول عدة بما فيها الدول المحتلة أمريكيا، كأفغانستان والعراق، كما حصل في مليشيات عراقية عدة تكونت وتدربت ودُعمت تحت أعين الأمريكيين، بالإضافة إلى تجنيد وتدريب ونقل مليشيات "زينبيون" و"فاطميون" إلى سوريا، لاستخدامها اليوم في قتل السوريين، بعيدا كل البعد عن التورط الإيراني المباشر وهو الأمر المكلف ماليا وعسكريا وعلاقات دولية ومجتمعية.
مقاومتكم تمارسونها في قتل وتعذيب وتشريد ملايين السوريين، ولا تزال مقاومتكم اليوم مستمرة في إدلب من خلال الفوسفور الأبيض الذي ظن الكثيرون أنه حكر على الصهاينة وأهلنا في غزة الحبيبة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاومة العراقية الاحتلال الإيراني مليشيات العراق إيران الاحتلال مليشيات المقاومة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتلال الأمریکی المقاومة العراقیة فی العراق لا تزال
إقرأ أيضاً:
الانتخابات العراقية: استحقاق وطني لا يحتمل التأجيل
8 أبريل، 2025
بغداد/المسلة:
ناجي الغزي
في كل ديمقراطيات العالم، تُعد الانتخابات الركيزة الأساسية التي تعكس إرادة الشعب وتمنحه الحق في اختيار ممثليه وإدارة شؤونه. ومع كل دورة انتخابية، يُطرح التساؤل: هل الظروف ملائمة؟ هل الوضع الإقليمي يسمح بإجرائها؟ هل التأجيل هو الحل الأفضل؟ لكن الحقيقة الواضحة هي أن الانتخابات شأن داخلي محض، ولا ينبغي أن يكون العراق رهينة لما يجري حوله من صراعات إقليمية أو دولية.
إن المنطقة، بلا شك، تمر بظروف مضطربة، لكن العراق ليس استثناءً في عالم يموج بالأزمات والتحديات. ولو انتظرنا “الظروف المثالية” لما أجرينا انتخابات أبداً، لأن الاستقرار الإقليمي الكامل يكاد يكون ضرباً من الخيال. العراق لديه كيانه السياسي الخاص، ونظامه الديمقراطي الذي يجب أن يُحترم، وتأجيل الانتخابات بحجة التطورات الخارجية هو تراجع عن المسار الديمقراطي الذي ناضل العراقيون لترسيخه.
بل على العكس، يمكن للانتخابات أن تكون جزءاً من الحل وليس جزءاً المشكلة. فإعطاء الشعب فرصة للتعبير عن خياراته وتحديد مسار قيادته السياسية هو الضمانة الحقيقية للاستقرار الداخلي. تأجيل الانتخابات يعني تأجيل التغيير، وتأجيل الإصلاح، وتأجيل الاستحقاقات الدستورية، مما يفتح الباب أمام فراغ سياسي قد يكون أكثر خطورة من أي تحديات إقليمية.
إن ربط الانتخابات العراقية بما يحدث في ليبيا أو السودان أو سوريا او التحديات والتهديدات الأمريكية لايران هو مغالطة كبرى. لكل بلد ظروفه الخاصة، وتحدياته الداخلية التي لا يمكن تعميمها.
والعراقً رغم كل الصعوبات والتحديات الخارجية والداخلية، لا يزال يمتلك مؤسساته الدستورية، وقوانينه التي تنظم العملية السياسية، وأي تأجيل غير مبرر للانتخابات سيعني تقويض ثقة المواطنين بالديمقراطية وزيادة الاحتقان السياسي.
لذلك، فإن المضي قدماً في إجراء الانتخابات بموعدها المحدد ليس مجرد خيار، بل هو التزام وطني يجب الوفاء به. فمن يريد الحفاظ على استقرار العراق، عليه أن يؤمن بأن الحل لا يكون بتأجيل الديمقراطية، بل بتعزيزها، وترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة، وإعطاء الشعب حقه في تقرير مصيره، بمعزل عن أي حسابات إقليمية أو دولية.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author زينSee author's posts